عوائل الدواعش.. من وهم الخلافة إلى خيام صحراء الموصل

تقاریر‌‌ 06:44 PM - 2017-07-25
عوائل الدواعش.. من وهم الخلافة إلى خيام صحراء الموصل

عوائل الدواعش.. من وهم الخلافة إلى خيام صحراء الموصل

تحررت الموصل، وعملية التطهير من عناصر الإرهاب لا تزال مستمرة، تحررت الموصل وما بعد تحريرها أصعب وأقسى مما قد يتوقعه ذهن إنسان عادي يعيش في الطرف الآخر من كوكبنا.

بعد أكثر من عامين تحت حكم دولة مزعومة، تدعى "دولة إسلامية"، فرضت قوانينها، وأعرافها وزيها على كل من موجود في الموصل القديمة، "دولة إسلامية" جمعت جيشها من سكان محليين وآخرين مرتزقة انضموا من الخارج.

انغلاق حدود هذه الدولة المزعومة على العالم الخارجي، كثيرة هي التساؤلات التي قد تطرح عن الحياة اليومية، عن حياة نساء وأطفال مقاتلي "داعش"، عن تفاصيل يوميات امرأة كانت زوجة أولى أو ثانية أو ثالثة لمقاتل في صفوف جيش "الدولة الإسلامية" المزعومة.

بعد تحرير الموصل، نقلت قوات مكافحة الإرهاب وعناصر الجيش العراقي أسر مقاتلي "داعش" إلى مخيم، هو مخيم "جدعة" الذي ليس مخيما مخصصا لأسر المقاتلين، إنما مخيم نزوح يأوي النازحين من أهل الموصل، يأوي الآن في جزء كبير منه "عوائل داعش".

وهم الخلافة: أمهات وزوجات ثكالى وأطفال يتامى

وهبت أولادها الثمانية لتنظيم "داعش"، بين ليلة وضحاها، بايع أولادها الثمانية خليفة التنظيم المزعوم أبو بكر البغدادي في الموصل، عقب فترة قصيرة من سقوطها في قبضة التنظيم، لينتهي الحال بها في مخيم للإيواء، بعد مقتلهم جميعا.

بعد رحلة  طويلة بين جنبات الصحراء، وصلت السيدة السبعينية إلى مخيم "جدعة" لنازحي الموصل، قبل أيام معدودة فقط، كواحدة من عائلات مقاتلي التنظيم الإرهابي، الذين تؤويهم خيامه البلاستيكية وسط أجواء حرارة يعرفها العراق بنصف درجة الغليان.

تقول "أم الثمانية" إن 4 فقط من أبنائها انضموا للتنظيم، وقتلوا، بحسب روايتها، بعد عام ونصف العام من مبايعتهم البغدادي، فيما تنكر تماما انضمام زوجها للتنظيم الإرهابي، قائلة: "والله والله أبدا، زوجي ما هو بداعشي".

أين هم أولادها الثمانية الآن؟
إجابة على سؤال ما إذا كان أولادها على قيد الحياة أم لا، قالت: "قتل الأربعة، الأول بقذيفة هاون، واثنان لا نعرف أين هما" مكتفية بعدها بالصمت وعدم ذكر مصير رابعهم".

وأضافت "أم الثمانية"، وهي أيضا جدة لنحو 7 أطفال أكبرهم في العاشرة تقريبا، عن نشاطها هي تحت حكم التنظيم، فقالت: "ما عندنا نساء في التنظيم"، غير أن زوجة ابنها قاطعتها بانفعال قائلة: "لا عندنا واحدة صارت في الحسبة، ومالنا شغل بأي شيء، هذا كله كلنا ما أردناه، ولا عندنا".

شددت الجدة وزوجة ابنها على أنهن لم يخرجن للشوارع طيلة حكم التنظيم، وقلن: "ما كنا نطلع أبدا".

عن حياتهن مع أبنائهن في الموصل ومصدر رزقهم جميعا، قالت الجدة: "كانوا يسلّمون ابني المتزوج 100 ألف دينار عن كل زوجة شهريا، بينما غير المتزوجين يتلقون 60 ألف دينار فقط شهريا"، متابعة: "والله حرام، قليل".
فيما قالت زوجة ابنها: "كان زوجي يتقاضى 100 إلى 200 ألف شهريا فقط".

رواية هذه الأسرة لوكالة "سبوتنيك" تختلف عما ورد في سجلات المخيم، حيث كتب بوضوح إن أبناءها الثمانية وأزواج بناتها انضموا إلى صفوف مقاتلي التنظيم بعد سقوط الموصل عام 2014.

وبحسب مسؤول في المخيم فإن "السيدات اللاتي يأتين من الموصل نزوحا باتجاه المخيم وحدهن دون أزواجهم، يصنفون باعتبارهم عوائل مقاتلي التنظيم"، موضحا أن "سجلات جهاز مكافحة الإرهاب تثبت ذلك أيضا".

توكد "أم الثمانية" أنه "لا اتصال بينها وبين زوجها على الإطلاق منذ شهرين، ولا تدري أين هو"، وهي نفس العبارة التي رددتها زوجة ابنها، نافية تماما أي اتصال جرى بينها وبين زوجها منذ ذلك التاريخ.

ويتوافق هذا التاريخ مع إطلاق عملية تحرير مدينة الموصل القديمة، معقل التنظيم الإرهابي، التي يجري حتى الآن تطهيرها على قدم وساق، بواسطة جهاز مكافحة الإرهاب، والشرطة الاتحادية.

والطفولة..
في هذه الأسرة أطفال عاشوا أهوال الحرب، وأهوال حكم إرهابيي "داعش"، فقدوا أبّا وجدا وهم الآن في خيمة لجوء بانتظار المصير.

رفض أحد أحفاد هذه الجدة التصوير، وهو يبلغ من العمر 8 سنوات تقريبا، مجيبا عن سؤالنا حول ما فعله مسلحو التنظيم في بلدته: "لا أعرف ماذا فعلوا، لم أكن أخرج من البيت".

سألناه: هل قضيت 3 سنوات محبوسا داخل المنزل، رد بالإيجاب، فسألناه عن زي الدواعش، فقال: "كان يلبسون قندهاري"، رافضا وصف هذا الزي.

من خيمة إلى خيمة… من رواية إلى رواية

في خيمة إيواء أخرى، تقول سيدة في الستينيات من عمرها، إن زوج ابنتها فقط عضو في التنظيم الإرهابي، موضحة: "زوج ابنتي فقط مبايع، ما عندي أولاد".

واجهنا السيدة بروايتها المسجلة لدى المخيم، فقالت: "ما عندي أولاد بداعش، بس زوج ابنتي ووالد هذه الطفلة"، تشير هذه السيدة إلى حفيدتها، قائلة: "ولدي كان يعمل في الموصل، كان يوصل الثلج للمدينة".

شددت هذه السيدة في البداية على أن ابنها استأجر لها ولزوجته وأطفاله بيتا في الموصل — الساحل الأيمن / غرب الموصل — قبل فترة".

ومن جديد اختلفت رواية هذه السيدة عن روايتها الأصلية لدى دخولها المخيم، فأولادها الاثنان شابان انضما للتنظيم بعد سقوط الموصل عام 2014.

في نفس الخيمة، جلست سيدة تبدو في أواخر العشرينيات من عمرها، مع أطفالها الثلاثة، وكانوا وصلوا قبل أسبوع واحد فقط للمخيم، قائلة: "كنا نسكن الساحل الأيسر للموصل — شرق الموصل — زوجي انضم للتنظيم قبل أعوام".

تزوجت هذه السيدة عام 2012، قبل ظهور تنظيم "داعش"، قائلة: "ما كان يظهر عليه أنه داعشي، وفي 2014 بايع، وأنا أعرف أنه انضم للتنظيم"، وتزعم أنه قتل، موضحة: "قصفته طائرة، في الشارع، وقتل".

أضافت هذه السيدة أن تنظيم "داعش" "كان يعطي زوجها كفالة، قدرها 150 ألف دينار شهريا"، وبسؤالها عن طبيعة عمله التي يتقاضى عليه أجره، نفت بشكل تام علمها، قائلة: "لم يكن يخبرني ماذا يعمل".

لفتت السيدة العشرينية إلى: "الأمر ما كان بيدي، ما فيه حرمة تعرف تقول شيء لراجلها، ما صحيح"، نافية تماما أن تكون ساعدته في عمله.

وعن "الكفالة" التي كان التنظيم يمنحها لزوجها، قالت: "يصرفونها لنا منذ بدأ التنظيم في الموصل، لكن منذ خروجنا إلى أرض الكفر، كما يسميها التنظيم، توقفوا عن صرفها لنا".

شددت هذه السيدة على أنها لم تخرج من البيت طيلة السنوات الثلاث الماضية منذ سقطت الموصل بيد التنظيم، قائلة: "عندي بناتي الثلاثة، ما كنت أقدر أطلع، اللي عندها بنات ما تقدر تطلع".

نفت كذلك معرفتها بأي من زوجات أصدقاء زوجها، أو حتى أصدقائه، قائلة: "لا أعرف أبدا، لم أكن استقبل أحدا في البيت، وكان زوجي تاركني في بيتي وحدي فقط".

توكد هذه السيدة بأن الجيش العراقي استقبلها وبناتها الصغار عندما نزحت من قريتها قبل 20 يوما، على حد وصفها، على الرغم من أن الساحل الأيسر، حيث كانت تسكن، محرر منذ أشهر.

في خيمة أخرى، وصلت سيدة أخرى مع وليدها الرضيع وبناتها الثلاث، قبل أيام قليلة إلى مخيم جدعة، قائلة: "زوجي لم يكن مقاتلا في التنظيم، وكنا نستلم كفالة معيشتنا بعدد الأطفال، هذا نظامهم".

وأضافت السيدة: "كنا نتقاضى عن كل ولد 45 ألف، وزوجي متزوج من أربعة، كنا نعيش كلنا في بيت واحد، الثلاث زوجات من الأرياف، القرى عندنا".

لا تعلم هذه السيدة عن زوجها شيئا منذ ثلاثة أشهر كاملة، قائلة: "هو أودعنا في حي النجار بالموصل، من ثلاثة أشهر، ولا أعرف عنه شيء أبدا، أنا وبناتي وأولادي وابني الصغير".

تبرر عدم خروج زوجها معها وتسليم نفسه للجيش، قائلة: "ما له شغل يخرج، إذا سلم نفسه للجيش يسجنوه، لأنه هو مبايع، واللي عنده بيعة يخاف".

أضافت أن زوجها كان "يستضيف أصدقائه من التنظيم في المنزل، نعرف أن له أصدقاء يعزمهم على الغذاء، لكن لا أعرفهم شخصيا، ولا أعرف أسماءهم".

وشددت السيدة على أن النساء كن يذهب إلى الأسواق للتبضع وشراء الطعام، قائلة: "كنا نطلع للسوق، لنشتري"، مؤكدة أن نساء داعش كن يستقبلن السيدات في السوق لمحاسبتهن على اردائهن للخمار وتغطية الوجه، متابعة: "كن في السوق، تابعات لديوان الحسبة، يحاسبونا على الخمار، والوجه، وهذه الأشياء".

انتاب السيدة حزن فلم تتمالك دموعها، قائلة: "لو كان بيدي ما كنت أخليه يروح لهذا الطريق، كنت أقول له ما لنا بالشغلة هذه".

أضافت: "كان هو الأهل، كان كل شيء، ثلاثة أشهر الآن لا أعرف عنه شيء، أنا وبناتي، مكسورات"، وتابعت: "لا أحد يزورني، انقطعت الدنيا بي، أنا وبناتي، ما لي أحد في الدنيا غير والدي شيخ مسن، ما يقدر يزورني باستمرار".

مسؤول الأمن الوطني لمخيم عوائل داعش: الضحية والجلاد في مكان واحد

بحسب مسؤول المخيم، فإن هذه السيدة وبناتها وأطفالها، فروا من الحرب الدائرة في الموصل، بعدما أنقذهم رجل وأوصلهم إلى المخيم قبل أيام، قائلا للمسؤولين "هذه المرأة في رقبتكم".

بكت السيدة وبناتها الاثنتان، بينما كان الطفل الرضيع يغرق في سباته ببراءة شديدة، كانت والدته تسترق النظر إليه دموعها، قائلة: "والله ما بكم تقصير، كل العراقيين إخوتنا، هذه حالنا".

قال المقدم رائد العذاري ضابط الأمن الوطني لمخيم المدرج للنازحين، جنوب الموصل، إن "الجلاد والضحية أصبحا في مخيم واحد"، لافتا إلى أن "النزاعات العشائرية والقبلية أكبر تحدٍ يواجه المسؤولين عن المخيمات في الوقت الحالي."

وأضاف العذاري لوكالة "سبوتنيك" من داخل مخيم المدرج، بمنطقة القيارة، جنوب الموصل، إنه "يعتبر أكبر مخيمات النازحين في المدينة، بالإضافة إلى وجود 6 مخيمات تسمى جدعة من 1 إلى 6، ومخيم الحاج علي، في نفس المنطقة".

وأكد العذاري أن المخيمات "أنشئت قبل حوالي 10 أشهر؛ لإيواء العوائل المهجرة والنازحة من العمليات العسكرية ضد تنظيم داعش الإرهابي"، موضحا أن "كل مخيم له تقديرات بالأعداد داخل".

وأوضح العذاري أن تقدير الموقف لمخيم المدرج، حتى ظهر السبت بلغ "8372 عائلة، بواقع ما يقارب 46 ألف و117 نازح"، لافتا إلى أن "بقية المخيمات تتراوح بين 4000 إلى 7000 نازح".

وأكد العذاري أن المخيم يضم "عوائل مقاتلي تنظيم داعش، وهم أيضا يتواجدون في أغلب المخيمات بصفة وهمية"، موضحا: "العائلة ليس لها أي ذنب، قد يكون أحد أبنائها شذّ، وانتمى لهذه المجموعات الإجرامية، لكن عائلته ليس لها ذنب، ولا نستطيع أن نحاسب أحدا بجرم غيره".

وشدد العذاري على أنه وبقية المسؤولين عن المخيمات "متواجدون داخلها لخدمتهم النازحين جميعا"، قائلا: "هذا المخيم به عوائل من رجال، وأطفال، ونساء، أما الدواعش فأغلبهم إما هرب للدول المجاورة، أو قتل في المعارك، أو ألقي القبض عليه".

وعن محاولات الاندساس وسط النازحين، قال العذاري: "عندنا حالات يزورون هوياتهم، ويتخفون داخل المخيمات، لكن لدينا أسماء، وعناوين كل واحد منهم، ولدينا جرد كامل لهذه العناصر".

حول أعداد عائلات التنظيم، رفض العذاري الإجابة عن السؤال، قائلا: "هذا أمر غير قابل للنشر، لدينا أسماء، وإحصائية كاملة، لكننا نفضل أن نبقيه قيد السرية".

وأضاف العذاري أن قصص عائلات أعضاء التنظيم كثيرة، والمشكلات بسببهم أيضا كثيرة، قائلا: "الضحية والجلاد أصبحوا في مكان واحد، عناصر التنظيم وعوائلهم آذوا العائلات الأخرى، والمدنيون يريدون حقهم، وهذه أكبر مشكلات نواجهها بكثرة".

وشدد العذاري على أنه ومسؤولي المخيم "يعملون على الحد من هذه المشكلات، عبر نقل عوائل الدواعش إلى أماكن بعيدة عن المدنيين، كحل للنزاعات العشائرية، والقبلية وغيرها".

وأوضح العذاري أن هذه النزاعات تتسبب في نشوب مشكلات كثيرة خاصة بين أهالي المنطقة الواحدة، قائلا: "مثلا منطقة تل عبطة، كان بها أكثر عوائل الدواعش، الذي نزحوا إلى المخيم، وأيضا يستضيف المخيم الآلاف من مدنيي هذه القرية، والمدنيون يريدون حقهم من عوائل الدواعش التي هجّرتهم".

عن المشكلات الأخرى، قال العذاري إن مشكلة النساء اللاتي أتين للمخيم وسجلن أنهن كن مختطفات لدى التنظيم كثيرة، موضحا: "أتت إلينا نساء كن مختطفات لدى عناصر التنظيم الإرهابي، وقلن إنهن كن سبايا، وأن عناصر التنظيم اشتروهم مقابل المال".

وأضاف العذاري أن "هذه النساء يأتين بأطفالهن، بينما وجدنا عددا من الأطفال الذين  رماهم أهلهم في مكان قريب من المخيم، ولم نعرف من أتى بهم إلى هنا، لكننا أخذناهم واحتضناهم".

وأشار العذاري إلى أن الأطفال مجهولي النس "أخذهم مسؤولو المخيم واعتنوا هم، أو سلموهم لمنظمات إنسانية تتكفل بهم، أو عائلات تتبنى تربيتهم".

عن تلك المنظمات العاملة في المخيم، قال ضابط الأمن الوطني المسؤول: "لدينا منظمات عديدة، أولها الهلال الأحمر العراقي، بالإضافة إلى منظمات أجنبية، ومسؤولون بالحشد الشعبي، ومتبرعون من الأهالي، ومواكب الخير التي تأتي لتوزيع المياه، والثلج، والطعام مجانا".

حول حرية النازح في الخروج من المخيم، أكد العذاري أنه "يُسمح للنازح بالخروج، أفسحنا لهم المجال في ذلك؛ ولكن عبر تدقيق أمني، وموافقات، ويسمح للمواطن بالتنقل والخروج والدخول وفقا لتلك التصاريح، مع العلم أننا وفرنا لهم كل مستلزماتهم ومتطلباتهم، بالإضافة إلى وحدات طبية متنقلة وغيرها".

PUKmedia  عن وكالة سبوتنيك الروسية

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket