الاتحاد الوطني الكوردستاني.. الانطلاقـة من طليطلة إلى بـغداد

ا.و.ك‌‌‌‌ 02:56 PM - 2017-05-31
الاتحاد الوطني الكوردستاني..الانطلاقـة من طليطلة إلى بـغداد

الاتحاد الوطني الكوردستاني..الانطلاقـة من طليطلة إلى بـغداد

تستذكر جماهير شعب كوردستان والقوى الوطنية العراقية هذه الأيام بدايات تأسيس الاتحاد الوطني الكوردستاني الذي تمكن من جمع شمل الجماهير الكوردستانية وجمعها وتنظيمها وتعبئتها مرة ثانية بعد النكسة التي منيت بها الثورة الكوردية عام 1975 على اثر اتفاقية الجزائر التي وقعت يوم 6/3/1975 بين صدام حسين وشاه إيران تحت يافطة حل المشاكل الحدودية وتنفيذ بروتوكولات وملحقات اتفاقيات القسطنطينية لعام 1937 لحل النزاعات الحدودية والمياه المشتركة وتثبيت خط التالوك ، تلك الاتفاقية التي كان الغرض الأساسي منها تفكيك الحركة الوطنية الكوردية المسلحة في كوردستان العراق وخنق ثورة ظفار في عُمان وتدمير الحركة الوطنية العراقية وتطلعات عرب إيران الإنسانية ونقل العراق تدريجياً إلى المعسكر الغربي عبر بوابة شاه إيران في خضم هذه الأحداث والمؤامرات .

 

كيف تأسس الاتحاد الوطني الكوردستاني؟ سياسته وأهدافه؟

ومن هم المشاركون في عملية التأسيس؟

وكيف انتشرت خلاياه التنظيمية آنذاك في مدن وقرى وجبال كوردستان وفي بغداد والجنوب وبيروت ودمشق والقامشلي وليبيا والجزائر والبلدان العربية وإيران والقاهرة وأمريكا وتركيا وبريطانيا وهولندا وبلغاريا و رومانيا وجيكسلوفاكيا والنمسا والمجر ويوغسلافيا وفرنسا وألمانيا؟

كيف تم تعبئة البيشمركة العائدين والمواطنين المحبطين بعد النكسة ؟

وما هي طبيعة العلاقات السياسية الكوردية مع الدول الإقليمية والعربية والأوربية في تلك الحقبة التاريخية ؟

لتسليط الأضواء على بعض هذه التساؤلات ودراسة حركة التاريخ والمجتمعفي العراق وكوردستان بالذات وغيرها قررنا ان نكتب الأسطر التالية اعتمادا على الذاكرة والضمير والوجدان والحقائق التأريخية ، ومن البديهي ان تكون المعلومات غير متكاملة ، لذلك أتقدم برجاء إلى الاخوة والرفاق الآخرين في رفد هذا التاريخ الحافل بالوقائع لتكتمل الصورة ولتبقى للجيل الجديد باعتباره جزء من تاريخ الحركة الكوردية بكل مفاصلها وهو تاريخ مُلك لمواطني كوردستان والعراقيين عموماً. تلك الأحداث والوقائع يتذكرها كل صاحب وجدان وضمير مخلص متخلص من لوثات العنصرية والشوفينية التي ابتلينا بها في العراق. وبهذه المناسبة فان هذه الطروحات والذكريات لا تمثل وجهة نظر أي حزب او تنظيم سياسي كوردي أو عراقي أو كوردستاني ، بل هي مجرد خاطرات ووجهات نظر الكاتب . فالمعذرة لذوي الشهداء الذين صنعوا هذا التاريخ ولم أتذكرهم ومعذرة أخرى للأحياء الأعزاء الذين استبسلوا ولم أتذكرهم .

الاتحاد الوطني الكوردستاني يمثل سنوات طويلة من النضال والكفاح وتقديم التضحيات من اجل شعب كوردستان الذي هو جزء لايتجزء من تاريخ الشعب العراقي. أننا سنحاول إلقاء الضوء على بعض الجوانب، وعلى الاخوة المؤسسين للاتحاد الوطني الكوردستاني الراحل نوشيروان مصطفى أمين والدكتور فؤاد معصوم وعبد الرزاق عزيز والدكتور كمال فؤاد والدكتور عمر شيخموس كتابة مذكراتهم وأخص بالذكر الرئيس مام جلال الذي كان رأس الحركة ومؤسسها ومفكرها، والمناضلين الآخرين الأحياء الذين تركوا بصماتهم على مسيرة الاتحاد خلال العقود الثلاث الماضية أخص بالذكر كل من المناضلات والمناضلين السيد كوسرت رسول علي وسالار عزيز وجمال آغا حكيم وعمر فتاح وعمر سيد علي والسيدة بروين عثمان وملا بختيار والسيدة روناك والسيدة حليمة حمدي وجمال يوسف وسعدون يد الله فيلي وعماد احمد وعدنان المفتي وقادر عزيز والدكتور محمود عثمان وسيد كاكه وشيخ محمد شاكلي وسعدي احمد بيره ولطيف رشيد وشوان كابان وكوردو قاسم وشيخ عبدالكريم حاجي وحمه زياد وناظم دباغ والدكتور خضر معصوم والسيدة هيرو ابراهيم احمد والملازم عمرعبدالله وقادر حاجي علي وشيخ جعفر مصطفى البرزنجي وآزاد حمه سعيد وهاوري جبار وآزاد سكرمه وآزاد جندياني وطلعت كلي وعثمان حاجي محمود ومصطفى سيد قادر والدكتور خسرو وملا محمد بحركه ومحمد حاجي محمود وغيرهم .

اعتقد لو تحدث الجميع عند ذكرياتهم عند ذلك يمكننا القول ان تاريخ الاتحاد الوطني الكوردستاني سيكتمل ويمكننا ان نكتبه. ولا بد في يوم من الأيام ان تتم كتابته الذي يشكل ليس جزء من نضال شعبنا الكوردي بل تاريخ الكفاح من اجل الديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة في العراق، لذلك يجب ان يأتي اليوم الذي تجمع وتوثق فيه المذكرات والوثائق والصور لتتم عملية الكتابة الصحيحة لتاريخ الاتحاد الوطني الكوردستاني، هذا من جانب، ومن جانب أخر يجب ان نتذكر دوماً شهداء هذه المسيرة الطويلة المخضبة بدماء شهداء شعب كوردستان، فلو لا شهداء انتفاضة السليمانية عام 1930 وشهداء مجزرة قلعه دزه التي ارتكبت بحق طلبة جامعة السليمانية الذين تركوا المدينة احتجاجاً على النظام العنصري في آذار 1974، ليعيدوا بناء جامعتهم بعيداً عن هيمنة النظام.. جامعتهم التي قصفت بطائرات سيخوي حربية عراقية بوحشية صباح يوم 24/4/1974، وأدت الغارة الدموية إلى استشهاد المئات من طلبة الجامعة وطلبة المدارس والأطفال وأتذكر أسماء بعض الطلبة الجامعيين الذين استشهدوا نتيجة الغارة البربرية : هيوا عبدالغفور ، محمد انور القره داغي، آزاد حسين، برهان عبدالله، سوران محمد صالح سام سام، عبدالغني غريب، آزاد حمه غريب واستشهدت عوائل بالكامل في تلك المجزرة المروعة . تلك الدماء كتبت التاريخ الكوردي الحديث .

أما الكوكبة التي أعدمت في بغداد يوم 4/5/1974 (ليلى قاسم حسن، جواد مراد الهماوندي، نريمان فؤاد مستي، آزاد سليمان، حمه ره ش) قد سجلت سابقة لا نظير لها في تاريخ منطقة الشرق الأوسط والبلدان العربية، إذ تم إعدام أول فتاة عراقية من كوردستان بعد تعرضها لتعذيب وحشي من مخابرات نظام بغداد. أول امرأة تعدم علناً في الشرق الأوسط عام 1974 وكانت عملية بشعة .. تبعها إعدام المئات ودفن الآلاف منهن في المقابر الجماعية بامر من صدام حسين وازلامه .

فالنظام العفلقي الدموي قد شن حملاته الدموية المنظمة منذ هيمنته على مقاليد الحكم يوم 17/7/1968 اذ تم تصفية العشرات من كوادر وقيادات الحزب الشيوعي العراقي – القيادة المركزية – وطالت التصفيات حتى قيادات الحزب الشيوعي العراقي (اللجنة المركزية ) ناهيك عن تصفية كوادر وقيادات حزب البعث العربي الاشتراكي (قيادة قطر العراق – الموالي لدمشق) والحركة الاشتراكية العربية وحركة القوميين العرب وحتى كوادر وقادة حزب البعث العراقي لم تسلم من الجهاز السري الخاص بصدام حسين . فقد استكملت الدكتاتورية هيكلتها المخابراتية الدموية بعد هيمنة صدام حسين واشقائه واولاد أعمامه على جميع مفاصل الدولة العراقية والحزب. ففي اب 1979 أعلن صدام حسين من قاعة الخلد ببغداد في مشهد دراماتيكي وهو يذرف الدموع ! عن اكتشاف مؤامرة مزعومة دبرها المرحوم حافظ الأسد للإطاحة بنظامه في بغداد . فتم اعدام العديد من أعضاء القيادة القطرية لحزب البعث ومجلس قيادة الثورة وهم كل من (محمد عايش الفلوجي وعدنان حسين الحمداني وطاهر محمد أمين العاني وبدن فاضل وغانم عبدالجليل ومحمد محجوب ومحي عبد الحسين المشهدي وغازي ايوب و وليد اسماعيل و وليد صالح الجنابي وابراهيم جاسم وطالب محمود النجار ونافع الكبيسي وخليل الكساب وماجد عبد الستار واسماعيل محمود الصويلح وخالد عبد عثمان الكبيسي وحازم يونس واحمد ذنون وحتى عبد الخالق السامرائي (عضو القيادتين القومية والقطرية الذي كان معتقل منذ حركة ناظم كزار في حزيران 1973 ) وعدد كبير اخر من قادة الحزب والقوات المسلحة. وبعدها اغتيل عدد كبير من مسؤولي الدولة والحزب منهم عبد الكريم الشيخلي ومرتضى الحديثي وفليح الجاسم وعدنان خير الله وشاذل طاقة والمئات .

وتم إعدام مجموعة قيادية من حزب الدعوة الإسلامية في 11/12/1974 وهم [الشيخ عارف البصري والشيخ عز الدين القبانجي والشيخ عماد الدين التبريزي ونوري طعمة ومحمد علي جلوخان] للاشتباه بهم .

وفي يوم 25/4/1974 أعدمت مجموعة جهادية ماركسية من كوادر الجيش الشعبي لتحرير العراق (ظافر حسن النهر وعماد هاشم الصالحي وخالص عبدالمجيد وناظم كاظم وجعفر هادي ومعين حسن النهر).

إذ لو لا تضحيات ودماء الشهداء من الكورد الفيليين الذين تصدوا وقاوموا ردة شباط 1963 وبطولات وتضحيات الحركة الوطنية العراقية العربية والكوردية والإسلامية ، ولو لا دماء بيشمركة ثورة ايلول 1961 بقيادة المرحوم الملا مصطفى البارزاني لما انبثق الاتحاد الوطني الكوردستاني والأحزاب الكوردستانية والديمقراطية العراقية الأخرى ولما كان أي معنى لأي نصر لحركة الشعب العراقي ، فلولا صمود العراقيين في سجون ابي غريب والموصل ومعتقل الحاكمية والرضوانية والمخابرات والأمن العام والاستخبارات أثناء التعذيب وتنفيذ أحكام الإعدام ، تلك التضحيات الجسيمة الكوردستانية والعراقية الديمقراطية والقومية العربية والإسلامية الثورية والتركمانية والآشورية التي تطرقنا أليها بصورة مختصرة لما تحقق الانتصار على الدكتاتورية والاستبداد .

ان النكسة والمؤامرة العالمية التي طبخها هنري كيسنجر ونفذها شاه إيران بالتنسيق مع صدام حسين من اجل القضاء على الحركة الكوردية التي كانت تمثل حركة مقلقة لدول المنطقة لأنها حركة وطنية ديمقراطية المضمون مدافعة عن حقوق شعب مضطهد ، بغض النظر عن العلاقات النفعية الهامشية مع حكومة إيران وحجم المساعدات الشحيحة التي كان يقدمها شاه إيران للحركة الوطنية الكوردية المسلحة انذاك ، والتي كانت بمثابة المصيدة لتدمير الحركة الكوردية فنوع السلاح البسيط المحدود ونوع المساعدات كانت مؤشرات واضحة لتحديد فعاليات الثوار .

وعندما لمست دول المنطقة بان الحركة الكوردية بدأت تتوسع خاصة في عامي 1974 و 1975 بعد التحاق الآلاف من المثقفين وأساتذة الجامعة والأطباء والعسكريين بهذه الحركة ، فبدت الحركة الكوردية مخيفة من وجهة النظر الإقليمية والدولية ، لذا نُسجت عملية التخطيط للقضاء عليها ، عند ذاك بدأت مشورات وتحركات هنري كيسنجر للقضاء على الحركة الكوردية . فتم عقد لقاء تمهيدي في أنقرة بين العراق وإيران والجزائر في شباط 1975 سبقتها لقاءات سرية عديدة نوه عن خطورتها المرحوم أنور السادات أمام مام جلال في حينه .

في عام 1975 عقد اللقاء الحاسم بين صدام الذي كان نائبا للرئيس البكر رسمياً ولكن في الحقيقة كان رئيسا فعليا للعراق والرئيس الجزائري هواري بومدين وشاه إيران على هامش اجتماع منظمة الدول المصدرة للنفط – أوبك – أسفر اللقاء عن توقيع اتفاقية الجزائر في 6 آذار/ مارس 1975 بين العراق وإيران ،التي بموجبها اُجبر العراق على التنازل عن نصف شط العرب وأراضي عراقية حدودية شاسعة لقاء القضاء على الحركة الكوردية وتفكيك مؤسساته العسكرية والاجتماعية من خلال غلق الممرات وتشخيص الحدود ووضع القوات على جانبي الحدود لمنع المساعدات عن الحركة الكوردية ، كون الممرات العراقية – الإيرانية بمثابة الرئة التي تتنفس منها الحركة . فترتبت آثار كارثية على الحركة الكوردية جراء تلك الاتفاقية حيث قضي على الحركة المسلحة وتشتت القوى المسلحة للشعب الكوردي . وجرت الاتفاقية المنطقة برمتها إلى كوارث ومآسي أبرزها الحرب العراقية – الإيرانية التي دمرت البلد لثمان سنوات (1980-1988) واسفرت عن تواجد القوات الامريكية لحماية ناقلات النفط العراقية .

أعلنت كل من بغداد وطهران نص الاتفاقية التي أذهلت العالم وذلك في 6/3/1975 ، فاتخذت طهران من جانبها الاستعدادات لغلق الحدود والمعابر بين العراق وإيران لقطع الطرقات على تنقل القوات الكوردية والأفراد بين البلدين . وكانت تلك مؤشرات واضحة للتطبيقات الأولية للبنود السرية للاتفاقية التي أعلنت وكأنها اتفاقية حل المنازعات التاريخية في شط العرب .

ولاطلاع القارئ على خلفية الموضوع ، فلابد من التطرق ولو بشكل سريع على الخلافات التاريخية بين الإمبراطوريتين العثمانية والفارسية التي هيمنتا على شرقنا لقرون عديدة . فقد نشأت النزاعات بين الإمبراطوريتين على أمور كثيرة باطنها صراع طائفي مقيت وظاهرها المصالح وطرق التجارة وتبادل المتمردين ومشاكل المياه المشتركة والجبال الحدودية والعتبات المقدسة .

وبعد توسط بريطانيا العظمى و روسيا القيصرية لحل النزاع بين الإمبراطوريتين تم عقد معاهدة ارضروم الأولى عام 1821 م ومعاهدة ارضروم الثانية عام1847م وبموجب المعاهدة الأخيرة نالت الإمبراطورية الإيرانية القاجارية على مكاسب كبيرة منها الهيمنة على مناطق عربية شرق شط العرب والبصرة ، كما نصت المعاهدة على حرية الملاحة لسفن الطرفين في شط العرب من مصبه حتى نقطة التقاء حدود العراق وإيران .

وبعد معاهدة ارضروم الثانية عقد بين البلدين بروتوكول طهران لسنة 1911 وبروتوكول القسطنطينية لسنة 1913 .وبعد تصاعد الخلافات بين البلدين طرحت قضية المشاكل الحدودية أمام عصبة الأمم المتحدة التي أوصت بحل النزاع عن طريق المفاوضات المباشرة ، فتم عقد معاهدة القسطنطينية 1937 بين البلدين ، بموجب هذه المعاهدة الجديدة حصلت إيران على أراضى عراقية ، وعلى امتيازات في شط العرب (خط التالوك ـ أي حق حرية الملاحة في نصف شط العرب المحاذي لإيران) وقد صادق صدام حسين على كل تلك المعاهدات والبروتوكولات أمام شاه إيران يوم 6/3/1975 في الجزائر .

وفي عام 1980 قام بتمزيق تلك الاتفاقية من على شاشات التلفزيون في بغداد واعتبرها باطلة وفي تلك اللحظات اعلن عن استعداده الكامل لشن الحرب ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية .

لكن الأيام التي تلت إعلان الاتفاقية ظهرت للعيان بوضوح عمق وطبيعة الاتفاقية الخطيرة على السيادة الوطنية للدولة العراقية أولاً والتنسيق الإيراني-العراقي لسحق الثورة الوطنية في ظفار وبسط الهيمنة الشاهنشاهية على الخليج ومحاربة القوى الديمقراطية في المنطقة برمتها والتخطيط لتفتيت جبهة الصمود والتصدي العربية . وبرهنت الاتفاقية للعالم بان النظام العراقي العنصري المستبد قد قدم تنازلات خطيرة للشاه ولم يقدم على التفاهم مع أبناء شعبه في كوردستان وتقديم الحل السلمي الديمقراطي الوطني للقضية الكوردية . ولم يستطع النظام العراقي من استيعاب المطالب الوطنية الكوردية العراقية ، وعامل الكورد في أرضهم العراق كغرباء وبشر من الدرجة الثانية وعملاء واجانب . فالانظمة العربية رفضت فهم وقبول الشعب الكوردي وتاريخه وتراثه ورفض النظام العراقي اعطاء الكورد أي دور وطني او قومي وبدلا من ان تكون العروبة الاسلامية الانسانية حاضنة ومظلة واحدة لجميع العراقيين ، لكن العمى العنصري لدى قادة النظام حولهم الى حركة عنصرية ترفض الاخرين بدل اجتذابهم . ومما احزن الكورد ان الدول العربية كلها ( باستثناء سوريا وليبيا ) قد تغاضت عن حروب العرب ولم يعيروا أي اهتمام بالكورد وعاملونا كشعب غريب باستثناء عدد محدود من من الديمقراطيين والكثير منهم اعتبروا اتفاقية اذار نصرا عربيا على الفرس !

ومن سخرية القدر بان الصحفي محمد حسنين هيكل قال في لقاء لوفد قيادي كوردي بانه لم يسمع في حياته بكارثة حلبجة !! وهل يجوز للعرب استخدام الاسلحة الكيماوية ضد الكورد .

 

خطـــة البديــل

عاد المرحوم الملا مصطفى البارزاني من طهران إلى كوردستان العراق بعد اجتماعه مع شاه إيران بتاريخ 13/3/1975 بحضور السادة الدكتور محمود عثمان والسفير محسن دزه يي ، لبحث نتائج لقاء الجزائر . وكان اجتماعاً حاسماً حسبما ذكره الدكتور محمود عثمان في مذكراته حيث ابلغ شاه ايران السيد البارزاني بأنه توصل إلى حل مشاكله السياسية مع نائب الرئيس العراقي صدام حسين في مؤتمر منظمة الاوبك بالجزائر يوم 6/3/1975 . وقال الشاه للسيد البارزاني بان المسلحين الكورد أمام خيارين لا ثالث لهما ، أما نزع السلاح والرجوع إلى العراق دون قيد أو شرط أو المكوث في ايران بصفة لاجئين والانصهار في المجتمع الإيراني .

كلمات الشاه كانت ثقيلة جدا وقاسية على القادة الكورد ، ولكنهم حاولوا بشتى الوسائل التملص والرجوع إلى كوردستان سالمين للاجتماع بالقيادات على ارض الوطن لاتخاذ القرار السياسي الجماعي المستقل (للمزيد من المعلومات راجع مذكرات الدكتور محمود عثمان)  .

عند رجوع البارزاني والوفد المرافق له إلى كوردستان العراق عن طريق منطقة حاجي عمران، استقبلوا استقبالا حافلا من قادة ووزراء وكوادر الحزب الديمقراطي الكوردستاني والثورة، لإعلانهم وهم في الطريق ان القيادة ستقاوم المؤامرة وستواصل الثورة الكوردية كفاحها المسلح اعتمادا على القوى الذاتية لشعب كوردستان وتجاوز المؤامرة بخطة جديدة .

اتخذت بعد اجتماعات مكثفة الاحتياطات المطلوبة إذ وضعت خطط جديدة لتغيير التكتيكات ووزعت المؤن وتم خزن السلاح والعتاد ، فتم الاحتفاظ بثلاثة مراكز قيادية لديمومة الثورة المسلحة . فاختيرت منطقة بالك (حاجي عمران) [محافظة اربيل] كمركز أول للقيادة العسكرية بقيادة السادة مسعود البارزاني والمرحوم إدريس البارزاني ومعهم عدد من الكوادر الحزبية والعسكرية المتمرسة ومن أبرزهم الشهيد سامي عبد الرحمن ومقدم يوسف ميران والشهيد فرنسوا حريري والقائد العسكري عبدالله آغابشدري والنقيب الركن آزاد ميران وآزاد نجيب برواري والدكتور نجم الدين كريم وكريم سنجاري وغازي ووريا وخالد واخرين . وكان من المقرر ان نكون في هذه المنطقة .

أما المركز الثاني فتم اختيار منطقة بنجوين الحدودية التي تقع شرق محافظة السليمانية للأشراف على العمل في محافظات السليمانية وكركوك ومدن خانقين وبغداد وجنوب العراق وكرميان ، ولهذه المنطقة الستراتيجية انتخب المرحوم نوري شاويس(عضوالمكتب السياسي) مسؤولا عن هذا المركز ، فتجمع حوله عدد من خيرة السياسيين والعسكريين من مدن السليمانية وكركوك واربيل وبغداد . وأعلن السيد فاروق ملا مصطفى مسؤول الحزب الشيوعي العراقي – القيادة المركزية – في كوردستان في حينه ، انضمامه وأنصاره إلى المقاومة الجديدة وكان معه عدد من الأنصار الشيوعيين العراقيين العرب إضافة إلى الأنصار الشيوعيين الكورد ، فقاموا بتجميع السلاح والذخائر والمؤن بالتنسيق مع عدد من قيادي العصبة ومكتب سكرتارية اتحاد طلبة كوردستان للبدء بحرب الأنصار إلى جانب قوات الحزب الديمقراطي الكوردستاني . فكنتُ في حينه على اتصال يومي مع المقاومين في الحزب الديمقراطي و الكومله والقيادة المركزية للتعبئة وشحذ الهمم والاستعداد لحرب عصابات طويلة الامد اعتمادا على القوى الذاتية لشعب كوردستان .

وتحول المقر العام لمكتب سكرتارية اتحاد طلبة كوردستان ، إلى خلية ناشطة للتوعية والتعبئة الثورية ورفع معنويات الطلبة الذين كانوا في جبهات القتال إلى جانب البيشمركة . إذ انخرط المئات من الطلبة في الدورات العسكرية القتالية ، وكان للسادة المدرجة أسمائهم ادواراً بارزة مشهودة في تعبئة الطلبة والشباب وحثهم لمواصلة الكفاح المسلح ، وهم كل من ، ( آزا خفاف والدكتور رنج نوري شاويس والدكتور نجم الدين عمر كريم وآرام ودارا نوري وعبد الرزاق عزيز والدكتور خسرو كل محمد وسربست بامرني و سيروان عبدالله سعيد و سعدي احمد بيره و سالار عزيز و سلام عبد الرحمن و كاردوكلالي وحسيب روزبياني و رؤوف عقراوي و خورشيد احمد و جبار حاجي رشيد و حسين علي احمد فيلي وفرهاد عوني و ظاهر روزبياني وحسن فيض الله ورشيد باجلان وجمال الجاف) والمئات من كوادر اتحاد الطلبة وشارك في الحملة العديد من اساتذة جامعة السليمانية كالدكتور جلال شفيق والمرحوم الدكتور كمال خوشناو والدكتور المهندس دارا رشيد جودت .

كان المركز الثالث في مناطق بادينان ، فقد عينت القيادة الشخصية الوطنية البارزة السيد صالح اليوسفي مسؤولا للمركز الثالث للأشراف على العمل السياسي والعسكري في مدن محافظتي دهوك والموصل وكان معه عدد من خيرة الكوادر السياسية والعسكرية من اهالي المنطقة ومن ابرزهم المرحوم اسعد خوشوي والعسكري الشجاع رشيد سندي والسيد فاضل مطني وحسو ميرخان ومصطفى نيروه يي وعلي السنجاري وحميد افندي وتحسين اتروشي وحميد عقراوي والدولمري .

تجدر الإشارة إلى ان المرحوم صالح اليوسفي قد استشهد نزفاً في منزله ببغداد صباح يوم 21/6/1981 من جراء فتحه رسالة ملغومة وصلت أليه بالبريد بتدبير وتخطيط من مدير المخابرات آنذاك المجرم برزان ابراهيم التكريتي ، حيث قطعت يداه ومنعوا عنه الإسعافات اللازمة .

تصاعدت العمليات الثورية للبيشمركة على جبهات القتال كافة مسجلين انتصارات كبيرة وخاصة في جبال زوزك وهندرين وحسن بك وماوت وبشدر وراوندوز كرميان ومنطقة سهل اربيل وسنجار وشيخان ومناطق بادينان بمحافظة دهوك . وبدء أهالي كوردستان يشعرون بالاعتزاز بقدرات قواتهم في مواجهة جيش النظام العراقي المسلح تسليحاً روسياً متطوراً دون أية مساعدة خارجية . فانخرط الآلاف من المواطنين في صفوف الثورة من جديد ، وشعر الكثير من الوطنيين بان كاهل إيران قد أزيح عنهم .

لكن هذا الحلم الوطني لم يدم طويلا ، فسرعان ما انهارت الآمال بإعلان القيادة ليلة 22/3/1975 انتهاء الحركة المسلحة للمحافظة على الشعب الكوردي وقواته من الإبادة الجماعية ، وعدم وقوع البيشمركة بين فكي رحا الآلتين العسكريتين الجبارتين للعراق وإيران .

نذكر للتاريخ والأجيال القادمة الدور البارز والمشهود للسيد جلال طالباني قبل الانهيار إحساساً منه بالمسؤولية التاريخية الجسيمة تجاه الشعب الكوردي ، حيث اخذ على عاتقه مهمة الاتصال برؤوساء الدول العربية الثلاث مصر وسوريا وليبيا السادة (المرحوم أنور السادات والمرحوم حافظ الأسد والعقيد معمر القذافي) للحصول على دعم الحركة الكوردية ووقف التداعيات التي تمخضت عن اتفاقية الجزائر، والعمل على إسقاط الاتفاقية الاستسلامية ولكن جهوده ومقابلاته للرؤساء الثلاثة لم تثمر عن أية نتيجة في حينه بسبب تسارع تراجيديا الانهيار .

تلبدت كوردستان بغيوم الرعب واليأس ، فانهارت الثورة وسقطت البنادق من أيدي البيشمركة والأنصار. ولكن جذوة الثورة ظلت في القلوب والعقول . ولا بد ان نعترف بان ظروف موضوعية وعوامل ذاتية ساعدت على انهيار الحركة الكوردية إلى جانب العوامل الإقليمية والدولية التي أشرنا إليها .

لكن الشعب الكوردي بقى واعيا وثائرا، وتحولت روحية الرفض لدى الشعب إلى إرادة أقوى بدليل ان الشعب بدأ بعد اشهر قليلة جدا من النكسة بلملمة جراحه وبدأت الخلايا تتشكل هنا وهناك ، داخل وخارج العراق وكانت هناك قوة أساسية يسارية كوردستانية ديمقراطية واعية تعمل في العراق باسم عصبة كادحي كوردستان ( كومله ) إلى جانب منظمات ثورية كوردستانية وماركسية وقومية عربية ناصرية واسلامية راديكالية شيعية وبعثية يسارية موالية لسوريا . وكذلك تم تشكيل خلايا ولجان ، في مدن عراقية واوربية وإيرانية مختلفة بعدها تم تشكيل لجان ثورية فرعية ، ففي مدن مهاباد و نقده واروميه و شنو و خانة تم تشكيل لجان اتحادية سرية وذلك لامتصاص زخم الصدمة المذهلة ولتشجيع المواطنين للعودة إلى العراق بدلا من البقاء في إيران الشاه ، وتفضيل الكفاح السلمي والعسكري ضد الدكتاتورية في الوطن على الانزواء في إيران .

إذن الروح الثورية وعدم الرضوخ للمؤامرة التي حدثت بدأت تتوهج في قلوب الشباب وقلوب الناس جميعاً ، كمثيلاتها باقي التنظيمات في العالم التي بدأت تشعر بهذه الروحية وتنظم نفسها على هذا الأساس . وكانت انتصارات الشعب الفيتنامي عام 1975 بالاعتماد على قوى الشعب الذاتية والطليعة الثورية الواعية والقوات الشعبية مثالا يحتذى بها ونبراساً للثوريين الكوردستانيين في تلك الحقبة التاريخية .

تمت الاتصالات الأولى من قبل مام جلال بعدد من الوطنيين في الداخل والخارج بعد 13/3/1975 فقد تم الاتصال بنا برسالة من مام جلال نقلها لنا سراً في طهران المرحوم فاضل ملا محمود ، الذي كان يحمل أيضا رسائل من مام جلال إلى بعض المسؤولين الكورد ومنها رسالة إلى المرحوم إدريس البارزاني ، ورسائل مام جلال أصبحت بارقة أمل للوطنين الكورد وبمثابة رافعة ثورية لمواصلة الكفاح ، حيث كان يقيم مؤقتاً في بيروت ويعمل مع السادة مسؤولي مكتب بيروت للحزب الديمقراطي الكوردستاني وكان السيد عزيز شيخ رضا مسؤولاً للمكتب وهناك التقيت للمرة الاولى بالسيد كوسرت رسول علي وكان عائداً من دورة علمية زراعية في بلغاريا .

بدأت اتصالاتنا في طهران ومدن إيرانية أخرى وفي الخارج أيضا لبحث أسباب النكسة وطرق النهوض الجديد بالحركة وشحذ الهمم ، وأتذكر كان بينهم السادة دارا توفيق وحبيب محمد كريم وكامران قره داغي مدير الاذاعة العربية للثورة الكوردية وعلي العسكري وشاسوار جلال (آرام) ودارا شيخ نوري وسالار عزيز وجمال حكيم (جمال آغا) وعدنان المفتي والدكتور خسرو كل محمد ( الذي طلبت منه الرجوع الفوري إلى بغداد لحين الاتصال به ) و جبار حاجي رشيد وآزا خفاف وحسين سنجاري والدكتور محمود عثمان وشمس الدين المفتي وقادر جباري وفرهاد عوني وحسن درويش وحسن فيض الله وحسيب روزبياني و ملا ناصح و رسول مامند وعلي هزار و سعد عبدالله والمهندس توفيق عبد الحسين وسربست بامرني ويدالله كريم وملازم اسماعيل باجلان وحسن درويش وتحسين عقراوي و ملا محمد اسماعيل والدكتور كمال خوشناو والدكتور جلال شفيق وكريم سنجاري وسامي شورش وبارزان خالد وفائق نيرويي وخالد يوسف خالد وطارق جمباز وحميد عقراوي والمحامي الشهيد هادي علي و دلشاد ميران وظاهر حمد وفؤاد حسين و جيا عباس صاحبقران وعلي إحسان و كاردو كلالي و رؤوف عقراوي والمئات من المناضلين الذين كانت لنا معهم علاقات جيدة .

بدأنا نتحرك بين صفوف الطلبة والشباب من اجل ديمومة الثورة من جديد ولكن بأسس جديدة وبنواة جديدة وقيادات متحمسة وأساليب ديمقراطية جديدة . دون ان نحدد أي اسم لهذا التنظيم ، لان الرأي لم يستقر على تشكيل تنظيم معين آنذاك . إذ كانت الآراء مختلفة بين من يدعو إلى تشكيل تنظيم جديد وبين من يدعو لترك الأمور لسنوات أخرى لنضوج وضع جديد ، والآخرين كانوا مع مواصلة النضال تحت قيادة الحزب الديمقراطي الكوردستاني مع إجراء تغييرات في القيادات فهول الصدمة المروعة شتت الأفكار والمجموعات والمؤسسات الإدارية والحزبية والمهنية .

تجدر الإشارة إلى ان بعض القياديين غادروا طهران إلى الخارج بعد الانسحاب وتفكيك الثورة مباشرةً كالسيد حبيب محمد كريم والمرحوم نوري شاويس والشهيد دارا توفيق والدكتور رنج نوري وعبدالرزاق عزيز وعادل مراد واخرين لا تسعفني الذاكرة بأسمائهم ، وكانت تحركاتنا بعيدة عن أعين جهاز الأمن الإيراني (ساواك) .

كنت رئيساً منتخباً لاتحاد طلبة كوردستان من تموز عام 1970، وبحكم موقعي كانت لدينا علاقات واسعة مع لجان وقيادات الطلبة والشباب وكذلك مع المسؤولين الأساسيين في الحزب الديمقراطي الكوردستاني وبشكل خاص مع الشهيدين سامي عبد الرحمن وصالح اليوسفي وقادة قوات الأنصار ومسؤولي العلاقات الخارجية ، وكان الأستاذ عبد الرزاق عزيز مرزا سكرتيراً لاتحاد الشبيبة الديمقراطي الكوردستاني ، وكوننا على رأس التنظيم الطلابي سهلت علينا عملية الاتصال بالطلبة والشباب وتعبئتهم وتنظيمهم للعمل ضد المؤامرة التي ارتكبت بحق الشعب الكوردي واستئناف الكفاح السلمي بأسلوب جديد عبر( خلايا مسلحة) وبناء تنظيمات في بغداد واربيل وكركوك والسليمانية ودهوك وفي كافة المدن والأرياف وفي الخارج .. وكانت الخطوط العامة للحركة السياسية الكوردية الجديدة تتركز على لـم الصف الوطني ومناقشة أسباب النكسة وسبل الخروج منها و نقد الأوضاع والبحث عن مخرج للازمة العاصفة التي حلت بالحركة الكوردية الوطنية المسلحة وتجنب الاصطدام بالقوات العراقية أو بقوات الأمن والمخابرات العراقية ، واخذ الحيطة والحذر من الأمن الإيراني المتعاون مع المؤسسات الأمنية العراقية استنادا إلى البنود السرية لاتفاقية الجزائر .

 

الوصول إلى دمشق

كان يوم السابع من نيسان 1975 يوماً تاريخيا بالنسبة لحياتنا السياسية الجديدة يوم الوصول إلى دمشق مع السيد عبد الرزاق عزيز ميرزا ( وزير التعاون والمساعدات الإنسانية في حكومة كوردستان الحالية ) وتم اللقاء مع مام جلال فكان لقاءً ودياً مليئ بالحماس ، ونقلت له دعم السيد مسعود البارزاني لتحركاته الجديدة وخطابه التاريخي الذي ألقاه في الملعب البلدي في بيروت أمام الآلاف من الكورد في لبنان بمناسبة نوروز يوم 21/3/1975 . بعد الاجتماع بمام جلال عقدنا سلسلة لقاءات مهمة جداً بالسادة عبدالاله النصراوي الأمين العام للحركة الاشتراكية العربية ، إبراهيم علاوي الأمين العام للحزب الشيوعي العراقي ( القيادة المركزية ) وسلمت الاخير رسالة خطية من الشهيد سامي عبد الرحمن واجتمعنا أيضا مع الشهيد احمد العزاوي الأمين القطري للبعث العراقي الموالي لسوريا والمعادي لبعث العراق الذي استشهد على يد عصابات صدام بسيارة ملغمة في دمشق يوم 10/7/1976 . اجتمعنا بهم لشرح اخر تطورات الوضع لهم .

استعرضنا لمام جلال الأوضاع التي حلت بنا واسباب النكسة وسبل توحيد الحركة من جديد وشكرته على الرسالة التي أرسلها لنا بيد السيد فاضل ملا محمود ، تلك الرسالة التي أصبحت نبراساً لتحركاتنا في إيران . وفي كل اللقاءات كان معي السيد عبد الرزاق عزيز .. وقد فاجئنا مام جلال بتفاؤله وتصميمه على الكفاح بالاعتماد على قوى الشعب بالتعاون مع القيادة الكوردية السابقة وقال بأنه بعث برسالة مطولة إلى المرحوم الملا مصطفى البارازاني للتأكيد على مواصلة الكفاح وتوحيد الصف الوطني وكان من المقرر ان يكون المرحوم نوري شاويس معنا عند لقاء مام جلال ولكنه اعتذر وأعلن عن انسحابه من العملية السياسية وقال بأنه سيسافر إلى لندن للعلاج عن طريق رومانيا وكان يعاني من أزمة قلبية حادة وكان بمعيته نجله الدكتور ره نج .

فالتاريخ يعيد نفسه وبعد مرور ثلاثين عاما أي في 7/4/2005 تم انتخاب مام جلال رئيسا لجمهورية العراق فبعد ثلاثين عاما من الكفاح يصل زعيم هذا التنظيم إلى ارفع منصب في الدولة العراقية منذ تأسيسها عام 1921.حيث تم انتخابه من قبل القائمة الكوردستانية التي فازت بسبعة وسبعين( 77 ) مقعداً في الجمعية الوطنية العراقية (البرلمان الجديد) في أول انتخابات ديمقراطية في العراق يوم 30/1/2005 .

تمثل تلك الحقبة التاريخية تأسيس حركة كوردية جديدة ، ولكن لم يتم الاتفاق على اسم الحركة ، إلا بعد عقد سلسلة من الاجتماعات السياسية التحليلية وكتابة المسودة الأولى أثناء الفترة من 7/4/1975 إلى 22/5/1975 ، وخلال تلك الفترة اتصل مام جلال بالعديد من الكوادر الوطنية السابقة كالمرحوم نوري شاويس في بيروت والمرحوم دارا توفيق في القاهرة والأستاذ حبيب كريم في القاهرة والدكتور كامل البصير في القاهرة ومسعود محمد في عمان والسادة شمس الدين المفتي والدكتور محمود عثمان والمرحوم إبراهيم احمد في طهران وكثير من الأخوان في إيران بالإضافة إلى عشرات بل مئات من الكوادر الطلابية والسياسية الذين بحكم عملي اتصلت بهم وشرحت لهم الموقف الجديد وضرورة عدم الاستسلام لهذه المؤامرة ووجوب عمل شيئ للرد على هذه الهزيمة السياسية المؤقتة ، وحذرت الكثيرين من الاستسلام لمخططات نظام بغداد لأنها تعني مواجهة الموت لكون النظام الاستبدادي العنصري سوف يلجا إلى تصفيتهم سياسياً وجسدياً ونصحتهم بعدم الانخداع بوعوده المعسولة ، وأثبتت الأحداث والوقائع بان الكثيرين من الذين خدعوا بوعود النظام العراقي وعادوا إلى بغداد تم نفيهم أو تم اعتقالهم أو إعدامهم إضافة إلى إعدام المئات من خيرة الشباب الذين كانوا في السجون ، ومن نجا من الإعدام شمله النفي والتشريد الى جنوب العراق .

نفى النظام اكثر من (400) ألف من سكان كوردستان إلى جنوب وغرب العراق وخاصة المثقفين واصحاب الفكر والحكام والعسكريين والسياسيين الذين رفضوا التعاون مع الأجهزة المخابراتية العراقية ، واذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر علي العسكري ودارا توفيق والشاعر الكبير شيركو بيكس وعبدول سوران وشفيق آغا والملازم عمر عبدالله والملازم شيردل حويزى وعمر دبابة و رسول مامند وحبيب محمد كريم سكرتير الحزب الديمقراطي الكوردستاني والدكتور خالد سعيد والدكتور نوزاد رفعت صالح والدكتور رمزي تقي رحمان و ملا ناصح والآلاف من خيرة الوطنيين من الكوادر العسكرية والسياسية والإعلامية والطبية والتعليمية للثورة المغدورة . حيث قامت مخابرات النظام العراقي بإجراءات فورية ضد الكورد بعد عودتهم من إيران إلى ارض الوطن .

تمثلت الإجراءات بالنفي السياسي والهجرة القسرية إلى غرب وجنوب العراق تنفيذاً لسياسة التغيير الديمغرافي لمنطقة كوردستان ، إذ من البديهي والمعروف لكل العالم ان سكان كوردستان يعيشون في بيئة جبلية باردة وطبيعة جغرافية لها خصوصيتها ، والمناطق الغربية والجنوبية في العراق تتسم بالحرارة المرتفعة صيفاً، وبالتالي فان مثل هذه الإجراءات تعني النهاية والموت البطيئ لشعب عاش في كوردستان منذ آلاف السنين في أجواء مناخية مغايرة ، وفعلا مات الآلاف من الأطفال والشيوخ الكورد في الجنوب وغرب البلاد وقد منعت عنهم حتى العلاج الطبي .

فقد كان التهجير القسري إلى مدن المنطقة الغربية ( الرمادي ، الفلوجة ، عانه ، هيت ، حديثة ، راوة وأبو سدرة ) والى مدن المنطقة الجنوبية ( كربلاء ، الناصرية ، السماوة ، الحلة ، النجف الاشرف ، الكوفة ، المسيب ، قلعة صالح ، القرنة ، نقرة السلمان ، عفك ، الرميثة ، الخضر ، الدغارة ، عين تمر، سدة الهندية ، والشوملي ) وبمحاذاة الحدود الإقليمية العراقية – السعودية ونفي الالاف الى سامراء وبغداد والمحمودية واللطيفية ، من اجل تغيير الواقع السكاني والجغرافي لمنطقة كوردستان العراق .

كان النظام في بغداد يتصور ان هذه الهجرة القسرية لشعب كوردستان ستمزق النسيج الوطني العراقي وستخلق مشاكل اجتماعية كبيرة وعدم انسجام بين أبناء القوميتين الرئيسيتين العربية والكوردية وتخريب التلاحم القومي ونفور عنصري وطائفي ( شيعي – سني ) ، ولكن النتائج كانت على عكس توقعات مخابرات النظام العنصري ، حيث نشأت علاقات حميمة و وطيدة بين أبناء القوميتين المتآخيتين وسقطت بذلك كل مخططات النظام وبدلا من خلق النفور القومي نسجت علاقات وطيدة بين المهجرين والسكان العرب الأصليين مما دفع النظام إلى إرجاع المهجرين الكورد إلى كوردستان في نهاية عام 1977 . وتلك التجربة المريرة أثبتت عمق العلاقات الوطنية والإنسانية والإسلامية بين العرب والكورد والتركمان والكلدان والاشوريين والسريان فلازال الآلاف من الكورد المهجرين يعيشون في تلك المدن بعد ان تصاهروا مع العوائل العربية هناك .

لكن الفترة الأخيرة وبعد سقوط النظام الدكتاتوري في 9/4/2003 ، شهدت تجاوزات مشينة ضد الكورد في الفلوجة وسامراء والقائم وهيت ، من قبل الإرهابيين القادمين من الخارج ومن بقايا مخابرات صدام حسين لا من السكان العرب الأصليين ، وحتى هذه الأعمال البربرية الدموية لم تؤثر على العلاقات العميقة بين العرب والكورد في تلك المناطق . وتم الاعتداء على الكورد الايزيديين في الحلة على سبيل المثال وعلى المسيحيين في مناطق مختلفة في جنوب و وسط العراق ، ولكن الأعمال الإرهابية الظلامية الدموية الحاقدة لم تتمكن من كسر أواصر اللحمة التاريخية بين القوميات المتآخية والأديان العراقية المتسامحة .

لقد شكلت سياسة تهجير سكان كوردستان وتعريب المنطقة لتغيير ديمغرافيتها ، المهمة الأولى للنظام العراقي منذ 1968 ولحين سقوطه في 9/4/2003 . فتم تنفيذ سياسات التطهير العرقي المنظم في كركوك ( المدينة ) وكفري وخانقين وسنجار وشيخان وجلولاء ومندلي وداقوق ومخمور وطوزخورماتو ومناطق كثيرة أخرى من كوردستان العراق وأضحت تهديداً خطيراً على الوجود القومي للكورد في كوردستان .

وقد غير النظام من أساليبه العنصرية وفق الظروف التي مرت على الشعب الكوردي. فبعد انهيار الثورة الكوردية اثر اتفاقية الجزائر في 6/3/1975 وعودة الأهالي إلى مدنهم وقراهم ، بدأت السلطات بشن حملات منظمة لنفي المثقفين والعسكريين والقضاة وكوادر الحزب الديمقراطي الكوردستاني إلى غرب العراق ( محافظة الانبار – الرمادي ) وجنوب العراق ( محافظات العمارة ، السماوة ، الكوت ،الديوانية ، النجف والحلة ) فإلى الرمادي نفي الآلاف من المواطنين الكوردستانيين ( العائدين إلى الصف الوطني كما كان يسميهم صدام حسين ) واذكر منهم : الشاعر شيركو بيكس والصحفي البارز مصطفى صالح كريم والكاتب محمود ملا عزت والسيدة فخرية فتح الله والدكتور نوزاد صالح رفعت كاكائي وعلي مصطفى الخال والمحامي محمد صالح قازاني وكمال ميرزا غفور ونهاد الشيخ نوري وفوزي رشيد نامق .

فهولاء تم نفيهم في ظروف قاسية إلى مدينة هيت ثم نفي بعضهم إلى قرية بغدادي . وفي المرحلة الثانية نفي الآلاف من الفلاحين من اهالي راوندوز وخوشناوتي وبشدر إلى المنطقة لكسر معنويات الكورد .

والى مدينة الكوت نفي الآلاف واذكر منهم الشهيد دارا توفيق الذي عين مديراً لبلدية المدينة وكان معه المرحوم السيد شفيق آغا احمد الجلبي . وهجر الالاف من المثقفين واساتذة جامعة السليمانية وكبار الموظفين إلى الناصرية وبغداد ، منهم الدكتور كمال خياط والسيد جلال سام آغا والدكتور عزيز احمد ونوري أمين بك والدكتور جلال شفيق واللواء عمر شيخ حسن وكمال غالب الجلبي وكمال ابراهيم وعزيز حسن لوكه .

والى مدينة السماوة نفي الآلاف منهم المرحوم عبدول سوران والقاضي احمد صالح (والد الدكتور برهم صالح) والشخصية السياسية البارزة المرحوم حمزة عبدالله ونوري وشتي .

والى مدينة العمارة ارسل المناضلين الملازم عمر عبدالله والملازم شيرول حويزي والدكتور رمزي تقي رحمان والعشرات من خيرة الكوادر العسكرية والسياسية والثقافية . تلك الحقائق لا ينبغي ان تبقى مطمورة او مخفية عن الناس ، مثلما لا ينبغي ان نسكت ونقبل بتبرير القاعدة القانونية في التقادم الزمني المسقط للحق ، الذي رسمته السلطة العنصرية البعثية الشمولية حينها بغطاء قانوني ، وانما نعتبر حقوق هولاء الناس جزء من حقوق الشعب العراقي ، وحقوق المواطنين لا تسقط بالتقادم الزمني وفقاً للقانون أيضا . فعلى المتضررين وذوي الضحايا تقديم شكاواهم الى المحكمة الجنائية التي تقاضي المجرمين مسؤولي النظام السابق .

 

الإعلان عن تأسيس الاتحاد في 1/6/1975

كنا مصرين على إعادة اكبر عدد من اللاجئين الكورد وعدم إبقائهم في إيران رغم الظروف العصيبة التي كانت تمر بالعوائل الكوردية نتيجة الهجرة القسرية إلى غرب وجنوب العراق لاعتقادنا بوجوب عودتهم إلى الوطن للحفاظ على هيكل المجتمع ولنبدأ في عملية بناء مؤسسة سياسية جديدة و كانت هناك فكرة تأسيس شيئ جديد وفق أسس وأفكار وأساليب عمل جديدة من اجل البدء بعمل جديد ضد النظام حتى لو كانت البداية من خلايا بسيطة . هذه الفكرة الأساسية ظهرت بعد المداولات والاتصالات مع بعض المناضلين في إيران والعراق وأوربا والقاهرة وأمريكا والخليج ، فقد اتصل مام جلال بعد أيام بالعشرات من كوادر الشعب الكوردي وبالأخ الدكتور فؤاد معصوم الموجود في القاهرة في حينه كممثل للثورة الكوردية هناك وجاء إلى دمشق لتكثيف اللقاءات ، وبعد عشرات من الحوارات والاتصالات الهاتفية والرسائل ورسل واجتماعات تداولية بين الأربعة ومئات الشخصيات الوطنية الكوردية والعراقية والعربية الصديقة والحليفة عقد الاجتماع الرسمي الأول بتاريخ 22/5/1975 في مقهى طليطلة وسط الشام برئاسة مام جلال وحضور الدكتور فؤاد معصوم وعبد الرزاق عزيز وعادل مراد ، إذ قررنا بعد نقاشات وتبادل الآراء ان نسمي التنظيم الجديد بالاتحاد الوطني الكوردستاني واعتباره تنظيما وطنيا جماهيريا يتسع للمثقفين الثوريين والوطنيين وللقوميين الكوردستانيين وللماركسيين وللعمال والفلاحين وللبرجوازية والبرجوازية الوطنية ويتسع لكل المعادين للنظام وكل الذين تهمهم القضية الوطنية والقومية لشعورنا بان النظام العراقي وضع خطة شاملة ومتكاملة لتعيير الطابع السكاني لمنطقة كوردستان أولا وتهيئة الظروف لإبادة شعب كوردستان ثانياً ، فلا بد من التصدي لتلك الهجمة الواسعة متضامنين موحدين والعمل على خلق جبهة واسعة وتشكيل نواة ثورية لتلك الجبهة بالاستفادة من التجارب الثورية في فيتنام وكمبوديا و لاوس نظراً لتشابه المناخات السياسية الثورية في العالم الثالث .

قيل لنا ان التنظيم الجديد تنظيماً فضفاضاً وغير مفهوم وقيل الكثير بحق الاتحاد، لكننا كنا مصرين على ان يكون التنظيم واسع و أول من انظم إلى هذا التنظيم هم عصبة كادحي كوردستان ( كومله ) إذ كانوا بمثابة المحرك المركزي ( الداينمو ) في الداخل بعدما عاد العشرات من كوادره إلى العراق من إيران ومنهم الشهيد (آرام ) شاسوار جلال و سالار عزيز والشهيد عزيز محمود الذي اعدم في سجن الموصل فجر يوم 24/3/1979 والشهيد الشيخ شهاب شيخ نوري الذي اعدم في الموصل فجر يوم 21/11/1976 مع رفيقيه أنور زوراب كركوكي وجعفر عبد الواحد وكما رجع الى العراق المرحوم دارا شيخ نوري وفريدون عبدالقادر وعمر سيد علي وعمر فتاح ومحمد صابر وارسلان بايز وجبار فرمان والدكتور خسرو فال وفرهاد شاكلي وجبار حاجي رشيد وعزيز محمود ومئات الكوادر. فكل الكوادر السياسية الثورية الذين كانوا في إيران عادوا وبدءوا العمل مرة ثانية ونشطت الكوملة مرة ثانية وخاصة في كوردستان . فاعلنوا عن تصديهم للنكسة وللنظام المركزي العنصري بالكفاحين السلمي والمسلح لاحقاً.

وقد تم الاتفاق بين أعضاء الهيئة المؤسسة على إعلان البيان وصياغة الدستور(المنهاج والنظام الداخلي ) الذي صاغه مام جلال بالتنسيق الكامل مع الهيئة المؤسسة للاتحاد الوطني الكوردستاني وتم الاقتراح على استشارة اكبر عدد من الناس المثقفين والثوريين في الخارج ، وفعلا سافر مام جلال وتم عقد اجتماع في برلين بتاريخ 26 أو 29/5/1975 بحضور السادة المفكر نوشيروان مصطفى أمين الذي كان يحضر للدكتوراه في جامعة فيينا والدكتور كمال فؤاد والدكتور ارجمند صديق والدكتور حسن حمة علي والسيدة هيرو إبراهيم احمد والدكتور لطيف جمال رشيد ( وزير الموارد المائية في الحكومة العراقية الحالية ) والدكتور عمر شيخموسى وأحد أشقاء السيد حلمي علي الشريف واخرين هولاء ناقشوا محتويات الوثيقة الأولى للاتحاد وتم الاتفاق على ان يتم إعلان البيان بعد عودة مام جلال إلى الشام في نهاية ايار1975 .

وبعد اجتماع برلين توسعت الهيئة المؤسسة بإضافة الرفاق نوشيروان مصطفى أمين والدكتور كمال فؤاد والدكتور عمر شيخموسى إلى القيادة فأصبحت الهيئة المؤسسة تتكون من سبعة رفاق ، ( مام جلال ونوشيروان مصطفى أمين وفؤاد معصوم وكمال فؤاد وعمر شيخموسى وعبد الرزاق عزيز وعادل مراد).

تم الإعلان عن تأسيس الاتحاد الوطني الكوردستاني عبر الوسائل الإعلامية السورية الواسعة آنذاك ، حيث كان المرحوم حافظ الأسد يدعم بقوة وثبات الحركة الوطنية العراقية المعارضة المؤتلفة في جبهة ( التجمع الوطني العراقي) وكذلك الرئيس الليبي معمر القذافي وزعماء جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والحزب الاشتراكي اليمني حيث وقفوا ضد اتفاقية الجزائر التي اعتبروها مؤامرة على الوطن العربي والعراق بشكل خاص ومؤامرة من اجل اقتطاع أجزاء من العراق بشكل واضح وضمها إلى إيران الشاه .إضافة إلى هضم حقوق أبناء كوردستان وخنق الثوار في ظفار ومناطق ملتهبة في الخليج .

البيان أعلن بالوسائل السمعية عن طريق إذاعة دمشق ، وقد تلقى العراقيون البيان بارتياح عام ، وخصوصا الكورد العراقيين الذين اعتبروا البيان الصادر من عاصمة عربية ، بصيص أمل في ظل جو معتم ومحبط سياسياً ، في وقت كانت قوات البيشمركة تنسحب من جبهات القتال بشكل تراجيدي وعشوائي حزين ، أنا أتذكر الروح الثورية للمناضلين والشعب الكوردي بدأت تتصاعد بعد 6 آذار عند الإعلان عن اتفاقية الجزائر ، حيث تصاعدت الأعمال الثورية للبيشمركة وكانت هناك مقاومة عنيفة حتى عشية نوروز 21/3/1975 حيث بدأت المقاومة تخفت بعد استلام أمر من القيادة تدعي بأنه لا يمكن الصمود أمام الجيش العراقي المدعوم سوفيتيا والمصمم على إبادة الشعب الكوردي ويجب ان نعطي الفرصة للبيشمركة ومئات الالاف من العوائل للانسحاب إلى إيران تفادياً لخطة الإبادة . لكن التاريخ اثبت ان ذلك التصور كان غير صحيحاً فكان علينا الابقاء على القوات المتحركة المحدودة مع اخلاء العوائل تفادياً للابادة

وتجاوزاً للتصور الخطأ صممنا ان نبدأ بوضع أسس عملية لتشكيل خلايا سياسية وليست خلايا عسكرية في بادئ الأمر . ولكن تصاعد العنف العنصري البعثي ضد الشعب الكوردي أدى إلى تحويل العمل السياسي التنظيمي إلى نهوض عسكري منظم ولكن على شكل حرب عصابات .

 

واندلعت الشرارة

أعلن الاتحاد الوطني الكوردستاني في بدأ الكفاح المسلح عبر مجموعات مسلحة صغيرة متنقلة ففي 1/6/1976 يوم عبور النقيب المهندس إبراهيم عزو ورفاقه الثمانية والثلاثين إلى كوردستان العراق انطلاقاً من الأراضي السورية الشمالية الشرقية ، لخوض حرب أنصار ثورية محدودة وبالتصدي العسكري الجزئي والمحدود لمخططات النظام العنصري ضد سكان القرى الكوردية والدفاع عن الكورد العائدين المنفين الذين القوا السلاح وعادوا إلى بيوتهم وقراهم في كوردستان ، حيث قام النظام العراقي في منصف عام 1975 بتهجير ما يناهز الأربعمائة ألف مواطن كوردي إلى الجنوب والمنطقة الغربية من العراق وإسكانهم في المخيمات والجوامع والحسينيات والمدارس والخرائب وفي العراء أحيانا كثيرة وكذلك تم إعدام اكثر من (250 ) مائتين وخمسين مواطناً كوردياً كانوا معتقلين في سجن أبي غريب ببغداد وسجن الموصل منذ عام 1974 أي قبل فشل المفاوضات بين الوفد الكوردي برئاسة ادريس البارزاني وعضوية دارا توفيق وصالح اليوسفي في بداية اذار 1974 ، إذ تم إعدامهم انتقاما من الشعب الكوردي في سجني ابي غريب والموصل ، علما بانهم لم يساهموا في الثورة الكوردية في عامي 1974 و 1975 .

واتذكر منهم الشهداء ملا حيدر محمد ( كفري ) ، احمد عباس كاكا ( جلولاء ) ، حسيب قادر ، عبدالواحد جوامير ، حميد محمد رشيد ، خديدا سبيل ايزدي (سنجار) ، تحسين حاج احمد واحسان جمعة حسين ، كما ان مجموعة من كورد جلولاء كانوا معتقلين منذ عام 1972 بتهمة نسف سكة حديد جلولاء افتراءً فتم إعدامهم دون أية أدلة .

بدأت حملة منظمة بعد انهيار الثورة في اذار 1975 ضد العناصر العسكرية والسياسية الوطنية الكوردية في كوردستان وبغداد والموصل ، مما ادى إلى اختفاء المئات من الكوادر العسكرية والسياسية . ففي فجر يوم 24/4/1974 داهمت مفارز الأمن العام بوحشية بيوت عدد عوائل المسؤولين الكورد في بغداد فتم تجميع الأطفال والنساء والشيوخ في مديرية الأمن العام بطريقة مرعبة وأرسلتهم بسيارات الحمل العسكرية ( الزيل ) المغلقة إلى شقلاوة ومن هناك إلى قلعه دزه في محافظة السليمانية وكانوا عوائل السادة ( صالح اليوسفي ودارا توفيق ونوري شاويس وعبد الرزاق عزيز ومحمد أمين بك ويد الله كريم وعبد مراد وحسن حسين ومظفر النقشبندي وعادل مراد ..) .

بعدها بأيام بدأت حملة واسعة لطرد مئات العوائل من السليمانية واربيل وكركوك وخانقين وكفري وسنجار وجنوب الموصل إلى المناطق المحررة من كوردستان للضغط على الثورة وارباك الحياة الاجتماعية هناك ، ولكن النتائج كانت على عكس مخططات النظام ، فروحية المقاومة قد تجذرت وتصاعدت باضطراد.

وعندما أعلن الاتحاد الوطني الكوردستاني الكفاح المسلح بدأ مئات من أبطال ثورة أيلول بإخراج بنادقهم المخفية في الكهوف والجبال والقرى النائية واللذين فقدوا أو سلموا أسلحتهم شرعوا بشراء السلاح للدفاع عن شرفهم وعوائلهم ضد تجاوزات واستهتار قوات ومخابرات النظام العنصري .

فمن مدن كوردستان خرجت مجموعات صغيرة من الشباب الثوريين في ربيع 1976 إلى الجبال لتجوب القرى والهضاب للإعلان عن بدء المقاومة ضد النظام ونشر أفكار الثورة الجديدة وتعبئة الفلاحين . خرجت هذه المجموعات من مناطق مختلفة إلى الجبال بتخطيط من منظمة الكومله وبتنسيق مع الحركة الاشتراكية الديمقراطية الكوردستانية بزعامة الشهداء ( صالح اليوسفي – علي العسكري – علي هزار- عمر مصطفى دبابة –رسول مامند –الدكتور خالد سعيد – طاهر علي والي – كاردو كلالي ).

أسس زعيم الكومله الشهيد آرام مركزاً تنظيمياً له في إحدى قرى ( قره داغ ) جنوب السليمانية ومن هناك نظم الخلايا المشتتة للعصبة (كومه له) التي منيت بنكسة تنظيمية بعد إعدام قادتها ومؤسسيها (شهاب وجعفر وأنور في 21/11/1976 في سجن ابي غريب). وتركت مجموعات ثورية أخرى المدن باتجاه الجبال والأرياف النائية ، كمجموعة سالار عزيز ومجموعة ملا بختيار ومجموعة أخرى مكونة من محمد حاج محمود وشيروان شيروندي (عثمان صالح باجلان) والشهيد شوكت حاجي مشير وحامد حاجي غالي وغيرهم.

ان الانطلاقة بدأت من الداخل باتجاه الجبال والمناطق الآمنة فكانت مفارز علي العسكري ورفاقه الدكتور خالد سعيد وعمر دبابة توجهت إلى قنديل ومجموعة آرام إلى قرداغ وأخرى بقيادة سالار عزيز وأخرى بقيادة الملازم طاهر علي والي ومجموعة أخرى لحزب باسوك ( الحزب الاشتراكي الكوردي-الذي تاسس من بقايا كازيك).

أما مجموعة الخارج التي تحركت باتجاه كوردستان فكانت بقيادة النقيب المهندس إبراهيم عزو ومعه (38) مقاتلا مدرباً ومسلحاً تسليحا جيدا ، وانطلقوا من منزل الشخصية الوطنية الكوردية السورية خليل سور ، فعبروا الحدود العراقية – السورية ليلة 1/6/1976 . فانقسموا الى ثلاثة مجموعات ، الأولى بقيادة الشهيد عبدالجبار عبدالغني السندي وتمركزوا في جبل بيخير في دهوك والمجموعة الثانية بقيادة الشهيد عزت السنجاري فتمركزت قرب مدينة زاخو .

والمجموعة الثالثة كانت بقيادة ابراهيم عزو ومجموعته اللذين بقوا في منطقة برواري ، وارسلوا عدد من البيشمركة إلى مناطق السليمانية ، فاتصلوا بالسيد شازاد صائب لتنظيم الاتصال مع قيادة الاتحاد في الداخل . وبعد اشهر عبرنا مع مجموعة من البيشمركة نهر دجلة ليلا وتحت وابل من الرصاص للالتحاق بالرفاق الذين سبقونا إلى كوردستان العراق ولكن ظروف عسكرية خطيرة طارئة أفشلت الخطة وتكررت المحاولات حتى نجحنا في العبور للتنسيق مع الدكتور كمال خوشناو وصلاح قايا لتمرير المؤن والسلاح والعتاد والأدبيات والرسائل والأفراد والأدوية إلى كوردستان العراق عبر كوردستان تركيا .

ان الأسلوب الدموي الذي اتبعه النظام الحاكم أدى إلى انتشار الوعي القومي الكوردي وشجع الفلاحين والكسبة والطلبة والمثقفين إلى حمل السلاح للدفاع في كل المدن والقرى الكوردية وبدء الناس بتشكيل قوات شعبية للدفاع المدني عن قراهم ومدنهم وممتلكاتهم واشجارهم فبدأت الحركة المسلحة تتوسع بالكوادر العسكرية والسياسية التي ظلت في إيران .

إذ بدأنا بالاتصال بهم من اجل العودة إلى العراق ومشاركتهم في تنظيم المواطنين في الداخل . فبدء أصدقائنا بمغادرة إيران وتوجهوا إلى دمشق وكنا نستقبلهم في المطار ونهيئ لهم السكن المتواضع استعداداً للتعبئة السياسية القادمة .

 

التجمع والتعبئة في سوريا

كان رجال السافاك ( مخابرات الشاه ) يشجعون من يرغب بالسفر إلى أوربا أو العودة للعراق ، لكنهم في نفس الوقت كانوا يراقبون من يبقى في ايران . كنا نبعث رسائل إلى بعض مؤيدينا لتنظيم أنفسهم وإرسال الكوادر العسكرية إلى سوريا لاستيعابهم وتهيئتهم للمرحلة القادمة ولم نتطرق في رسائلنا او اتصالاتنا الهاتفية إلى ذكر الحكومة الإيرانية أو الإساءة أليها ، ورغم هذا تم اعتقال بعض أصدقائنا وتعرضوا للاستجواب لاشهر. وكنا نبعث بعض بيانات الاتحاد الوطني الكوردستاني سراً إلى معسكرات اللاجئين الكورد العراقيين في إيران عن طريق أنصارنا في تلك المعسكرات ولعب السيد عدنان المفتي دوراً متميزاً في تجميع الشباب حوا الاتحاد الوطني في ايران .

كانت لنا مجموعات صديقة تعمل في إيران بشكل منظم بين اللاجئين الكورد خارج المعسكرات كالسادة المرحوم إبراهيم احمدو وشمس الدين المفتي والدكتور محمود عثمان وفؤاد الجلبي وقادر جباري ، إذ كانوا يتصلون بالكوادر العسكرية والحزبية للسفر إلى سوريا لانها أصبحت حاضنة للكوادر العسكرية والسياسية الكوردية رويداً رويداً ، وقد وصل دمشق عدد من الأنصار الشيوعيين ( القيادة المركزية ) اللذين ساعدهم السيد مسعود البارزاني مادياً ومعنوياً بعد ان فاتحته وشرحت له وضعهم الصعب وضرورة خروجهم من إيران والتوجه إلى سوريا أو أوربا .

كنا نستقبل العديد من الضباط ، على سبيل المثال فخلال ستة أو سبعة اشهر وصل إلى دمشق عدد كبير من الضباط ، منهم الملازم فؤاد الجلبي والنقيب المهندس إبراهيم عزو الذي كان يعمل في شبكة صواريخ اطراف بغداد إذ هرب من بغداد مشياً على الأقدام حتى وصوله مدينة البوكمال السورية الواقعة على الحدود العراقية – السورية وكان معه السادة الشاعر فرهاد شاكلي وابراهيم عبد علي قربان بعد صدور أوامر إلقاء القبض عليهم وذلك بعد اعتقال العشرات من كوادر العصبة في نهاية 1975 وهروب القادة ( شهاب وجعفر وأنور ) إلى إيران، ووصل دمشق السيد عدنان المفتي يوم 7/10/1975 بعد ان اصبح بقائه غير ممكناً في ايران ومن ثم وصل من بعده الملازم الأول حسن خوشناو . و وصل سوريا مشياً على الاقدام من ايران كل من المناضلين رؤوف الصالحي وسامان كرمياني وداود الجاف الخانقيني والمعاون جمال احمد خوشناو والملازم سيد كريم وعارف كريم وبهزاد محمد سعيد والملازم عبدالله خوشناو ومعاون الشرطة قرني جميل والملازم عمر عثمان ( زعيم علي ) والرائد عزيز حاجي محمود الراوندوزي والسيد سليمان قصاب والمرحوم الملازم سردار أبو بكر خره بدراوه والملازم فريدون مصطفى والملازم أنور مصري والملازم علي والملازم وليد مظفر النقشبندي ، والكثير من هولاء كان بإمكانهم السفر إلى أوربا من ايران بسهولة لكنهم فضلوا ان يساهموا في عمليات التعبئة والرجوع إلى كوردستان انطلاقا من المناطق الحدودية في سوريا.

كذلك وصل عدد من الكوادر السياسية للثورة كالسادة على سنجاري ومنذر النقشبندي ومصطفى إبراهيم خوخي و عمر بوتاني و حسن فيض الله وحسيب روزبياني ( معاون محافظ كركوك الحالي ) وسلام الخياط والبرفسور جمال رشيد وبرهان الجاف وعباس شاهين شبك والشيخ حسين بابا شيخ الايزدي وبوزو احمد ( ابوعلي ) وخديده بسو وعبد الرحمن سنجاري وعزت سنجاري وشيخ خلف الايزيدي وعدد كبير من المناضلين الكورد الايزيدية إضافة إلى السياسيين والفنانين والفنيين والتحق بنا شخصية رياضية من منتخب العراق يدعى سيد مرسل سيد مجيد الذي كلف فيما بعد بمهمة تنظيمية استشهد جرائها في شقلاوة عام 1977 ، وكانت هناك مجموعات من النساء عملن بشجاعة نادرة في تنظيمات الاتحاد داخل وخارج العراق .

كما وصل دمشق من بغداد السيد زكي محمد رضا بابير الفيلي في حزيران 1977 للالتحاق بالثورة الجديدة ، فتسلل إلى كوردستان وتبعه السيد فلاح حسن توزمال الفيلي الذي عمل ضمن حماية مام جلال في كوردستان .

إضافة إلى وصول الهاربين الى كوردستان ، زارنا وفي فترات متقاربة المناضلين فريدون عبد القادر والشهيدين عزيز محمود وجمال ره ش حاملين رسائل وتوصيات واستفسارات سياسية تنظيمية من قيادة العصبة ( كومله ) إلى مام جلال . وفي أب 1975 سافر معنا إلى برلين السيد فريدون عبد القادر( عضو المكتب السياسي للاتحاد وعضو الجمعية الوطنية ) ليسلم رسالة خاصة من ( كومله ) إلى مام جلال . وأتذكر بان السيد عبدالاله النصراوي قد جهز له جواز سفر سوري للسفر معنا على متن الطائرة التي انطلقت من دمشق إلى برلين الشرقية في 13/8/1975 للقاء مام جلال خلال المؤتمر العام لجمعية الطلبة الأكراد في أورباKSSE .

كما زرنا في دمشق الدكتور نجم الدين عمر كريم في كانون الأول 1975 على ما أتذكر قادماً من طهران وسلمني رسالة شخصية من السيد مسعود البارزاني حول ظروف كوردستان وما آلت أليها الأوضاع بسبب النكسة التي حلت بالحزب والثورة . أجبت على رسالته السياسية الودية وكتبت له الأسباب الموضوعية والذاتية لتأسيس الاتحاد الوطني الكوردستاني والأسباب التي دفعتني للعمل مع التنظيم الجديد ( الاتحاد ). ورغم العلاقات الودية القديمة مع الدكتور نجم الدين عمر أثناء العمل معاً في مكتب سكرتارية اتحاد طلبة كوردستان حيث كان مسؤولا للاتحاد في جامعة الموصل حتى عام 1972 ، فقد عاد من دمشق إلى إيران بعد أيام وهو منزعج مني بسبب موقفي التنظيمي الجديد ، علماً باني شرحت له أمور كثيرة ، وأكدت له بان نهج الاتحاد هو التعاون المطلق على كل الصعد مع الحزب الديمقراطي الكوردستاني وقيادته ولكنه لم يقتنع بطروحاتي . وبذل جهود مضنية للتأثير عليَ فلم يفلح .

لم تكن زيارات الرفاق المسؤولين إلى دمشق فقط ، فقد زارنا في بيروت عندما كنت مسؤولاً عن مكتب العلاقات هناك عدد من المسؤولين كالسادة سالار عزيز وعمر دبابة وشازاد صائب وعدنان المفتي والدكتور خالد سعيد اضافة الى اصدقائنا من القوى العراقية والكوردستانية للقاء الأحزاب والمنظمات الديمقراطية والفلسطينية والشيوعية الصديقة في لبنان وذلك في فترات مختلفة ( 1975 – 1979 ) .

رتبتُ لهم لقاءات عديدة مع السادة نايف حواتمة الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين عام 1977 والدكتور جورج حبش الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين واحمد جبريل وكذلك للقاء المرحوم السيد ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية PLO الذي كانت تربطني به علاقات جيدة ، والتقوا بالسادة جورج حاوي سكرتير الحزب الشيوعي اللبناني وبمسؤولي حركة فتح السادة خليل الوزير أبو جهاد ( الذي اغتيل عام 1987 في تونس ) وماجد أبو شرارة وأبو أياد ، وبالحركات الثورية والديمقراطية الناشطة حيث كانت بيروت الحاضنة الأساسية لحركات التحرر الوطني العربية والإقليمية والعالمية ، ومركزاً سياسياً للعديد من سفارات الدول العربية والاشتراكية في الشرق الأوسط .

نظم الاتحاد الوطني الكوردستاني علاقات جيدة مع بعض الشيوعيين الذين انشقوا عن الحزب الشيوعي العراقي الرسمي وشكلوا تنظيماً ثورياً بقيادة المفكر الدكتور عادل عبد المهدي بأسم تنظيم وحدة القاعدة.

وتجدر الإشارة بأن المجموعة كانت منعكفة على دراسة تاريخ شعوب الشرق والإسلام بشكل خاص ولها علاقات خاصة بالمجموعات الفلسطينية الإسلامية وبشكل خاص بمكتب خليل الوزير، وكانوا يرجون لقرب إنهيار الإتحاد السوفيتي المنهك داخلياً. مؤمنين بنظرية العوالم الثلاث التي كانت يطرحها الصين في حينه وقد جمعوا حولهم عدد من الإيرانيين اليساريين المؤيدين للثورة الإيرانية والإمام الخميني وكان لتنظيم وحدة القاعدة مكتب للدراسات يشرف عليه الكاتب الفلسطيني منير شفيق بمنطقة الجامعة العربية ببيروت وكان يعمل معه عدد من الشباب في بيروت وأوربا، أتذكر منهم الدكتور عبد الحسين الهنداوي والشهيد فاضل ملا محمود وسامي شورش ومحمد الهنداوي ( فاضل ) وحاجي وعلي الشبيبي وحازم النعيمي )، وكانت لنا علاقات متميزة في دمشق مع كوادر الحركة الاشتراكية العربية بزعامة عبد الإله النصراوي ، أتذكر منهم الدكتور قيس جواد العزاوي وجواد الدوش ورضا دله علي ومحمد محيل وابراهيم عوني القلمجي . ولم تقتصر علاقات الإتحاد الوطني الكوردستاني مع القوى العراقية الديمقراطية والشيوعية والقومية والناصرية والبعثية المتواجدة على الساحة السورية، وقد أقمنا علاقات مع حركة القوميين العرب بزعامة هاشم علي محسن في دمشق وبيروت.

وتمكنا من تنظيم علاقات سياسية مع إحدى القوى الإسلامية العراقية في بيروت في نيسان 1977 عبر الشهيد فاضل ملا محمود. فتم تنظيم لقاء مع مندوب( الجبهة الوطنية الإسلامية في العراق ). فكان ذلك اللقاء الأول مع جهة إسلامية عراقية. زودني بكراس طبع في بيروت تحت إسم ( برنامج الجبهة الوطنية العراقية ) الصادر في 22/2/1977. صدر الكراس بعد إنتفاضة شيعة جنوب العراق التي إندلعت خلال قمع مخابرات النظام لمسيرة ذكرى أربعينية إستشهاد الإمام الحسين وذلك في يوم 5/2/1977. سميت في جينه بإنتفاضة ( شهر صفر ). فنتشرت المظاهرات بعد أيام في معظم المدن الشيعية في جنوب العراق، وقابلتها السلطات بالقمع الوحشي المفرط. سارعت الحكومة إلى تشكيل محكمة صورية من القيادة القطرية لحزب البعث برئاسة الدكتور عزت مصطفى العاني وعضوية السادة فليح حسن الجاسم وحسن علي العامري، فصدرت أحكام إعدام مسبقة بحق العشرات من المتظاهرين الأبرياء، مما خلق شرخاً في قيادة البعث وأسفر عن طرد عضوي المحكمة الدكتور عزت مصطفى العاني وفليح حسن الجاسم من الحزب والدولة بسبب تعاطفهم مع المتهمين الذين إستشهدوا تحت التعذيب قبل وصولهم إلى قاعة المحكمة وأتهم صدام حسين أعضاء المحكمة بالجبن والتخاذل.

في 1/3/1977 انتظمت علاقاتنا بشكل جيد مع الحزب الديمقراطي الكوردستاني بعد تسعة اشهر من الخلافات الحادة والدموية أحيانا وذلك بعد زيارة السيد مسعود البارازاني إلى دمشق وعقد سلسلة اجتماعات مع مام جلال وقيادة الاتحاد بحضور القيادات العراقية المعارضة .

وتجدر الإشارة بأنه كان في دمشق تجمعاً جبهوياً عراقياً باسم ( التجمع الوطني العراقي ) كان يظم كل من حزب البعث العربي الاشتراكي ( قيادة قطر العراق بزعامة احمد العزاوي ومن ثم باقر ياسين ) والحركة الاشتراكية العربية بقيادة عبدالله النصراوي والقيادة المركزية للحزب الشيوعي العراقي بقيادة ابراهيم علاوي والجيش الشعبي لتحرير العراق بقيادة احمد حسن النهر ومؤتمر القوميين الاشتراكيين بقيادة اياد سعيد ثابت والحزب الاشتراكي بقيادة مبدر الويس وتنظيمات عراقية اخرى . وقد اجتمعنا مراراً مع التجمع الوطني العراقي الذي كان نواة العمل الوطني المستقبلي وأعلنا انضمامنا إلى التجمع لتعريف الحركة الكوردية وذلك في 2/9/1975 .

ان الاتحاد الوطني الكوردستاني بحكم قوته العسكرية وخبرة مقاتليه اصبح الجناح العسكري في التجمع العراقي الذي طور العمل بعد ذلك حيث كان للاتحاد مجموعة عسكرية متمرسة ومستعدة للرجوع إلى العراق فالدورة العسكرية الأولى التي نظمها التجمع كانت نسبة عسكريين الاتحاد اكثر من ( 90 % ) .

ساهم الاتحاد في نشاطات حركات التحرر العربية العاملة في دمشق التي كانت تمثل الحركات السياسية المعارضة في مصر والبحرين وإيران واليمن وإريتريا والأردن وظفار والمغرب والبوليساريو وتونس والسودان والسعودية . وكانت لهذه الحركات نشاطات مستقلة واسعة ومدعومة بشكل غير مباشر من القيادة القومية لحزب البعث السوري التي أعلنت رفضها لاتفاقيات كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل ومعاداتها لنظام صدام بشكل علني رداً على المؤامرات التي كانت تحيكها مخابرات صدام ضد الحكم في دمشق عن طريق تمويل المنظمات الإرهابية الفلسطينية التي جندت لصالح نظام بغداد ضد سوريا وحركة فتح .

 

 انضمام الحركة الاشتراكية الديمقراطية الكوردستانية إلى الاتحاد الوطني الكوردستاني

 بعد مرور أربعة اشهر على اندلاع المقاومة المسلحة في كوردستان ، أي في تشرين الثاني 1976 وصل إلى دمشق السيد عمر دبابة يرافقه السيد جوهر نامق حاملا معه أخبار مفصلة عن الحركة الجديدة والوضع بشكل عام وأحوال الكورد المنفيين الى جنوب وغرب العراق ورسالة من قيادة الحركة الاشتراكية الديمقراطية الكوردستانية الى مام جلال والهيئة المؤسسة حول انضمامها للاتحاد.

اجتاز المرحوم عمر دبابة مناطق بادنيان وكوردستان تركيا قادماً من منطقة قنديل بحماية قوات القيادة المؤقتة للحزب الديمقراطي الكوردستاني التي أعلنت عن الثورة والمقاومة المسلحة بقيادة السيد مسعود البارزاني ضد السلطة العنصرية في تموز 1976 .

وكان السادة الشهيد إدريس البارزاني والشهيد سامي عبد الرحمن وجوهر نامق وآزاد برواري وكريم سنجاري وجرجيس حسن والدكتور محمد صالح وشاخون نامق وعارف طيفور والشهيد فرانسوا حريري وفلك الدين كاكائي وملا محمد قادر وجمال علمدار ودارا عطا وشيخ رضا و وريا رؤوف الساعاتي وسيامند بنا وطارق عقراوي وغازي الزيباري وهاشم ابو عنتر وعبدالله صالح ونادر هورامي وابو بكر الزيباري ومصطفى نيرويي وعبد الرحمن صالح وعدد كبير من الكوادر السياسية والعسكرية للثورة الكوردية ضمن القيادة الجديدة للحزب وكانت لي علاقات جيدة مع العديد منهم .

مكث السيد جوهر نامق عضو قيادة الحزب الديمقراطي الكوردستاني ( القيادة المؤقتة ) في منزلي بدمشق لعدة ايام ثم جهزنا له جواز سفر تونسي وسافر الى لندن للاتصال ببعض القياديين هناك . وتم الاتفاق معه على التعاون والابتعاد عن التصادم والاقتتال الكوردي الداخلي الذي سيضعف الكورد ويعزز مواقع النظام العراقي والمتخاذلين ويفشل المقاومة الوطنية الكوردستانية وقد أبدى حرصه الشديد على الوحدة الكوردية وتوحيد الكفاح ضد السلطة .

ان عملية انضمام الحركة الاشتراكية الديمقراطية الكوردستانية إلى الاتحاد الوطني الكوردستاني ، أعطت زخما سياسيا وجماهيريا للاتحاد وكوادره في كوردستان ، حيث كان للحركة ثقلا جماهيريا واسعا وكان من ابرز قادتها الشهيد صالح اليوسفي وعلي العسكري وعلي هزار وخالد سعيد ورسول مامند والحاكم نظام الدين كلي وملا ناصح والشيخ محمد شاكلي وقادر شورش وماموستا امين قادر واحمد فقي رش واحمد كورده ومقدم عزيز عقراوي وكاردرو كلالي وسعد عبدالله وسيد سليم راوندوزي اضافة الى عدد من الكوادر العسكرية مثل الشهيد سعدي كجكه وملازم طاهر علي والي ونقيب عثمان وسيد كاكه ومام ياسين وعريف عثمان .

 

تضحيات جسام و أخطاء تكتيكية على الطريق

منذ بضع سنوات تبلورت الإرادة السياسية حول ضرورة كتابة فصل من فصول تاريخ الاتحاد الوطني الكوردستاني .. وكان خوفي من عدم الوصول إلى أعماق الوقائع والتفاصيل .. ثم ماذا عن السلبيات والأخطاء والهفوات والانفعالات اليسارية الطفولية مقابل البطولات والتضحيات . كانت هذه هموماً حقيقية ، ولكن ليقول الجميع ملاحظاتهم في العلن لكي نصل يوم ما إلى الحقيقة الكاملة .. وهل سيكون لدينا تاريخ للاتحاد ؟ أم شهادة للتاريخ ؟ فالصمت الرسمي سوف لن يكون قادراً على منع الآخرين من الكلام في الخفاء .. فلابد ان نتحدث عن مضار الفرقة والافتراق والاحتكام إلى السلاح لحل المنازعات السياسية .. فالحوار والشفافية والأساليب الديمقراطية كفيلة بحل المعضلات .

ربما خسرنا الوقت والتاريخ والدماء والرجال ولكننا لم نخسر المستقبل الوهاج .

لذلك تكونت لدينا قناعة بان وحدة الموقف والكلمة الصادقة تزيل الاحتقان .

بعد النكسة التي حلت بشعب كوردستان على اثر اتفاقية الجزائر بين صدام حسين وشاه إيران برعاية الرئيس الجزائري هواري بومدين في السادس من آذار 1975 التي قصمت ظهر الثورة المسلحة وأجهزتها الإدارية والصحية والاجتماعية والخدمية ، وأسفرت عن رجوع البيشمركة إلى المدن التي كانت تحت سيطرة النظام العراقي في حينه ، وتصاعدت وتائر تنظيمات عصبة كادحي كوردستان ـ كومه له ـ والحركة الاشتراكية الديمقراطية الكوردستانية ـ حسك ـ والحزب الديمقراطي الكوردستاني (القيادة المؤقتة) والحزب الاشتراكي الكوردي ( باسوك ) بقيادة جلال حاجي حسين وآزاد محمد وتنظيم وحدة القاعدة .

فقد تشكلت مجموعات تنظيمية كثيرة في كوردستان وعموم العراق وكانت معظمها ذات توجهات يسارية ثورية أو قومية كوردستانية يسارية .

كانت العصبة من انشط التنظيمات الكوردستانية في العراق ، مما حدى بأجهزة النظام العراقي إلى شن حملات بوليسية لاعتقال الناشطين منهم ، فتم إلقاء القبض على العشرات من الكوادر الشابة ، وتمكن القادة ( شهاب الشيخ نوري وجعفر عبد الواحد وأنور زوراب ) من التخلص من المداهمات وعيون المخابرات العراقية والهروب إلى إيران لترتيب السفر إلى الخارج ، ولكن السلطات الأمنية الإيرانية ( السافاك ) قد اعتقلتهم مع مجموعة من الشباب وبعد التحقيق معهم وتعذيبهم بقسوة سلمتهم إلى السلطات العراقية على الحدود العراقية – الإيرانية في منطقة بنجوين تنفيذاً للاتفاقيات الأمنية بين الأمن العراقي والساواك الإيراني .. فأحيلوا إلى محكمة عسكرية ونفذ فيهم حكم الإعدام في 21/11/1976 . كما صدرت قرارات جائرة بالحبس بحق عدد آخر من كوادر العصبة منهم ( عمر سيد علي وجبار فرمان علي اكبر ودارا شيخ نوري وارسلان بايز وفريدون عبدالقادر وآوات عبدالغفور وسلام محمد حسن برزو وسعدون يد الله فيلي ومراد خباز وعشرة آخرين ) .

لقد صعد القادة على منصات المشانق وهم يهتفون بحياة شعب كوردستان وحتمية انتصار الديمقراطية في العراق . وباستشهادهم ضربوا أمثلة على الصمود بوجه القتلة حكام بغداد . وخلال محاكماتهم الصورية أرعبوا الحكام الجلادين وهيئة المحكمة العسكرية الصورية . وبرحيلهم قدموا درساً مهما في النضال من اجل الحرية والديمقراطية والاستقلال وبناء دولة القانون في العراق. ان إعدام القادة ( شهاب وجعفر وأنور) كان دليلا صارخا على التنسيق الكامل بين الأجهزة المخابراتية القمعية لنظامي صدام حسين وشاه إيران المقبورين في حينه .

كان على الشهداء عدم الهروب إلى إيران ، بل الاختفاء في جبال وقرى كوردستان ، وحتى عند تسليمهم إلى السلطات العراقية على الحدود كان بإمكانهم الهرب من قبضة الشرطة العراقية .

ان رحيل هذه الكوكبة من القادة ترك آثار سلبية موجعة على مسيرة العصبة ، كونهم من خيرة الكوادر السياسية والفكرية والتنظيمية الكوردستانية الواعية .

أدى الاقتتال الداخلي بين قوات الاتحاد الوطني الكوردستاني والقيادة المؤقتة للحزب الديمقراطي الكوردستاني إلى استشهاد المئات من المخلصين وإساءة سمعة الحركة الكوردية والى أضعافها وتشتتها والإساءة أليها في الأوساط الكوردية الإقليمية والعالمية ، مما اضعف النضال الوطني الكوردستاني وابعد الكثير من الطاقات الكوردستانية عن ساحة الكفاح من اجل الحقوق الوطنية.

وقد خفت حدة الصراعات بين الطرفين عشية التوقيع على اتفاقية 1/3/1977 بين السادة جلال الطالباني ومسعود البارزاني في دمشق بحضور السيد باقر ياسين مسؤول القيادة القطرية لحزب البعث ( الجناح السوري ) المعادي للحزب العفلقي في بغداد في حينه .. ويتصدر السيد باقر ياسين حالياً مسالة تحقيق فيدرالية الجنوب.

لكن الخلافات والصراعات استأنفت من جديد بعد اشهر من توقيع الاتفاق ولعبت الأوساط المعادية للحركة الكوردية دورا معاديا ومنافقاً لتفتيت وحدة الصف الكوردي ودق الإسفين بين القيادات الوطنية الكوردية . ولعبت بعض العشائر الكوردية في تركيا وشلة من المنافقين في سوريا الموالية للطرفين أدوارا انتهازية لتأجيج نار الفتنة الداخلية المدمرة .

لكن التاريخ اثبت فشل حسم الخلافات بالسلاح بل بالحوار والشفافية والعلنية وبان وحدة شعب كوردستان فوق كل اعتبار وهذه الوحدة قادرة على خلق المعجزات وتحقيق الأهداف . وبرهن الكورد والتركمان والاشوريين والكلدان سكان كوردستان العراق والساكنين خارج كوردستان على وحدتهم عبر خوضهم الانتخابات الديمقراطية في 30/1/2005 وترشيحهم السيد جلال الطالباني رئيساً لجمهورية العراق والسيد مسعود البارزاني رئيساً لإقليم كوردستان ، وهي محطات مشرقة في تاريخ شعب كوردستان . فلولا التفاهم المطلق بين الحزبين والزعيمين لما تحققت هذه المكتسبات الوطنية الهائلة التي جاءت لصالح الشعب العراقي كله لا الكورد لوحدهم . وهناك قضية فكرية علينا التطرق اليها بشجاعة وحكمة وهي مسألة آالية ربط الحركة الكوردية بالحركة الديمقراطية العراقية . والتحدث بصوت عال عن الفتور الذي خيم على العلاقات السياسية بين الحركة الكوردية الجديدة والقوى الديمقراطية العراقية ، في مرحلة الثمانينات من القرن الماضي . علما ان مام جلال ومنذ اليوم الاول لتاسيس الاتحاد كان يؤكد على قضية الديمقراطية في العراق وحق تقرير المصير لشعب كوردستان ، وتلازم هاتين القضيتين تلازما جدلياً ، وشخص البيان التاسيسي للاتحاد هذه الحقيقة الموضوعية الشاخصة . ولكن الاحداث والتطورات اللاحقة وقصور بعض القوى الديمقراطية العراقية من هذه القضية حال دون استيعابها .

وكما اعتقد بان انهيار الحركة الكوردية عام 1975 خلقت حالة من الهزات النظرية في فكر النخب السياسية والمثقفة الكوردية ، ليس في العراق فحسب حتى في بقية اجزاء كوردستان ، وجاءت انتصارات الفيتناميين لتعزيز هذه التصورات الجديدة .

اصبحت الافكار اليسارية والماركسية هي المهيمنة على فكر النخب والمجموعات السياسية الصاعدة . وفسرت مقولات الاعتماد على النفس في الحركات الثورية المسلحة وحق تقرير المصير ، على ان الشعوب يجب ان تنفرد في اتخاذ القرارات دون دراسة الظروف الذاتية والموضوعية لكل شعب او كل حركة ودون التدقيق في تاريخ وجغرافية الارض والشعب والحركة السياسية او الحركة المسلحة ..

وبدأت الافكار الانعزالية تجد مكان لها داخل الحركة الكوردية الجديدة دون أي تخطيط لها . وبرزت افكار تدعو الى الانفراد بالقرار الكوردستاني دون دراسة كوردستان العراق الذي هو جزء من العراق . وبالتالي نمو حركة سياسية كوردستانية منعزلة عن عموم الحركة الديمقراطية العراقية .

اعطيت الاولوية لانتصار النضال القومي الكوردستاني المغلف بالرداء الديمقراطي اليساري وحتى الماركسي اللينيني . وحاولت القوى السياسية الكوردية على مختلف مشاربها ان تصل الى اهدافها وحقوقها القومية عبر مختلف الوسائل وخاصة منها الكفاح المسلح والبؤر الثورية والتجأت الى ترجمة كتب ماوتسي تونغ الى اللغة الكوردية وحتى ترجمة منير شفيق (الماركسي الفلسطيني القديم والاسلامي الحالي ) . وتلك المحاولات النظرية كان الغرض منها التمسك اكثر باليسار الحقيقي بعد فشل التجربة السوفيتية . وفي خضم تلك الحالة الثورية اليسارية التي عمت كوردستان العراق وعموم المنطقة ، تغلبت استيراتيجية الغاية السياسية القومية على ما عداها وبشكل خاص على هدف لنضال الديمقراطي العام في المجتمعات التي تنتشر فيها التجمعات القومية الكوردية ، بصفته السلاح الوحيد الذي يعالج تلقائياً كل المعضلات القومية مهما غدت معقدة . وكما اسلفنا فقد عززت انتصارات ثورة فيتنام هذه الحقيقة ولم يتم استيعاب الدروس والعبر من الثورة بشكل دقيق ولم تتمكن الحركة الكوردية الجديدة من تقديم الاهداف الديمقراطية العامة على ما عداها ، وربط الهم الكوردستاني والمعضلة الكوردية بعموم المعضلة العراقية ، على الرغم من ان الادبيات كانت مليئة بالشعارات الديمقراطية وحل القضية الكوردية في العراق ضمن حاضنة الدولة لديمقراطية العراقية وبالنظام الديمقراطي الذي سيأسس على انقاض النظام العنصري العربي المقيت .

وظهرت بعض النظريات من داخل النخب الكوردية الماركسية المثقفة تقول بان الحركة الكوردية الصاعدة لا يمكنها ان تنتظر الانطلاقة الديمقراطية البطيئة للحركة الديمقراطية العراقية ، لذا لا يمكن ربط الحركة الكوردية الثورية بالحركة الديمقراطية لعراقية المقموعة والخافتة .. وكانت هناك تربية سياسية وثقافية في هذا الاطار .

وتم التغاضي عن الحقائق التاريخية الأساسية التي اثبت عبر التاريخ الإنساني المعاصر بان الديمقراطية المدخل الوحيد لحل المسائل والاشكالات القومية .

لم تكن هذه الأفكار والمقولات هي الوحيدة ، بل كان العديد من كوادر الاتحاد الوطني الكوردستاني والحركة الكوردية لم يوافقوا على هذا الرأي واعتبروا بان الديمقراطية في العراق هو المدخل الوحيد لحل المسألة الكوردية المعقدة التي عانت الاضطهاد والقمع . وقالوا بان التنسيق مع الحركة الديمقراطية العراقية رغم ضعفها في عهد الدكتاتورية البوليسية سيخلق الثقة والاطمئنان بالحركة الكوردية وافكارها الثورية الجديدة وهذه الوضعية ستبني الجسور السياسية بين الشعب الكوردي والشعوب التي يقاسمها العيش المشترك ( العرب ، الترك ، الفرس ، الاذر ، التركمان ، الكلدان ، الاشوريين والارمن وغيرهم .) في عموم مناطق كوردستان .

 

طروحات ومبادئ الاتحاد الوطني الكوردستاني

أية حركة سياسية في العالم لديها أفكار واستراتيجية واهداف وتكتيك . إحدى إستراتيجياتنا كانت بشكل واضح هو التخلص بكل السبل الممكنة من النظام العنصري الدموي الذي كان يخطط من اجل تشويه العراق وشعبه وتغيير التاريخ والجغرافية في كوردستان بالرغم من تشدقه بشعارات الوطنية والقومية والإنسانية وبالوحدة العربية والحرية والاشتراكية الجوفاء ، وقد فرض على العراقيين نظاماً قمعياً شمولياً معادياً للدول العربية .

كان جهدنا في الاتحاد الوطني الكوردستاني منصباً على بناء عراق ديمقراطي تعددي فدرالي ، ومن خلال هذا البناء يكون الشعب الكوردي قد حقق تقرير مصيره . ووضع الاتحاد منذ تأسيسه أهداف وطنية وقومية وديمقراطية عامة لخصها :-

- بالنضال من اجل السلم والديمقراطية والحرية والمساواة بين العراقيين العرب والكورد والكلدان والتركمان والاشوريين والعدالة الاجتماعية .

- إنشاء المجتمع العراقي المدني وترسيخ دولة القانون والمؤسسات والفصل بين السلطات الثلاث .

- الكفاح من اجل التخلص من الدكتاتورية ونقل البلاد إلى الأوضاع الطبيعية ، وإلغاء الدساتير العراقية الخمسة المؤقتة التي صدرت في السنوات ( 1925-1958-1963-1968-1970) والتي كتبت دون اخذ رأي الشعب العراقي الذي هو مصدر السلطات وليس الحاكم سواء كان ملكاً أو رئيساً ، من خلال تمثيل الشعب في برلمان حر يعبر عن رأيه ، ويعتبر البرلمان السلطة التشريعية العليا .

- اقامة علاقات صداقة مع الدول العربية والإسلامية والعالم المتمدن .

الكفاح ضد الاحتلال والعدوان والحروب والاستغلال والإرهاب المنظم والقهر القومي العنصري والطبقي والعرقي والطائفي والجنسي.

كما رفع الاتحاد منذ تأسيسه شعار تنفيذ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان

والاتفاقيات والبروتوكولات المتعلقة بحقوق الإنسان والعمل مع العراقيين جميعاً لتحقيق العدالة والتعايش السلمي الطوعي .

وتامين الأجواء للحياة الديمقراطية وحرية الفكر والبحث والإبداع وحرية الاعتقاد الديني والمذهبي وحرية الصحافة والعمل والسكن والتنظيم السياسي والنقابي والمهني ، وتأسيس المنظمات غير الحكومية للطلبة والشباب والنساء والمعلمين والمحامين وتحريم العنف بكل أشكاله ونبذ التعصب وبث الكراهية بين المواطنين.

كنا في الاتحاد الوطني الكوردستاني نؤمن بان تلك الأهداف لن تتحقق إلا باتباع الكفاح السياسي السلمي ولكن تصاعد العنف الدموي العنصري للنظام أجبرنا على سلوك أسلوب الكفاح المسلح لتحقيق الأهداف بعد فشل الجهود السلمية والديمقراطية التي بذلت مع النظام العراقي والتي دشنها الشهيد علي العسكري في تشرين الأول /أكتوبر 1977 وقبله الشهيد صالح اليوسفي ، ولكن النظام الحاكم كان نظاماً قمعياً لا يؤمن بالحوار والمصالحة والاستماع للشعب فبدلاً من الشفافية مع أبناء شعبه وحل القضية مع القيادة الكوردية بالطرق الحضارية والديمقراطية ، التجأ إلى التنازل لشاه إيران ليدمر شعبه والعراق كله.

كان النظام العراقي مدعوما من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي السابق والمنظومة الاشتراكية في آن واحد إضافة إلى تحالفه الداخلي مع الحزب الشيوعي العراقي ، إذ كان يوصف بأنه نظام فريد من نوعه في الشرق الأوسط ، حيث استطاع ان يحافظ على علاقاته مع القوتين الأعظم ، تلك القوتين تصارعت من اجل التقرب لنظام صدام ، النظام الشيوعي ( الاتحاد السوفيتي السابق ) كان يعتبر صدام حسين كاسترو العراق لذلك دفع الحزب الشيوعي العراقي للتحالف مع صدام علماً أن أعضاء الحزب لم يقتنعوا بذلك التحالف ، لكن الاتحاد السوفيتي ضحى بحليفه الحزب الشيوعي العراقي للتقرب من نظام صدام . أما الغرب ففتح الشركات وقدم التكنولوجيا لدعم نظام صدام مقابل حصولهم على الامتيازات النفطية ، لذلك نحن في الاتحاد الوطني الكوردستاني كنا نواجه نظاماً سياسياً مدعوماً من الشرق والغرب والعالم العربي ، نظاماً قمعياً شرساً عدا كونه مسلحاً بالنفط الغزير .

أتذكر بان السيد جلال طالباني كان يبعث برسائل كثيرة إلى شخصيات سياسية عربية وعالمية والى الناس الذين يعرفهم لشرح الطبيعة القمعية الداخلية للنظام العراقي وقمعه للحريات العامة وحقوق الإنسان ناهيك عن إبادة الشعب الكوردي .

ففي إحدى المرات كتب رسالة إلى الدكتور جورج حبش الأمين العام السابق للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وكلفني بإيصالها الى بيروت ، فاستقبلني الرجل باحترام وقرأ الرسالة وقال لي ( هل ان الأستاذ جلال مصمم على معاداته للنظام العراقي فهو نظاماً قوياً ومدعوماً من المعسكر الاشتراكي وشيوعي العالم ومن الثورة الفلسطينية ) فكان يبدو بأنه مندهشاً من تصميم مام جلال على معاداة النظام ، ويبدو ان مام جلال كتب في رسالته بشكل مفصل عن سياسة ونضال واهداف الاتحاد الوطني الكوردستاني وحركة المعارضة العراقية وعن الطبيعة الدموية للنظام في بغداد . فالرسالة كانت اكثر من ثلاث أوأربع صفحات، أنا لم أرى الرسالة ولكنني استنتجت من كلام جورج حبش بأنه مقتنعاً بان كفاح الاتحاد الوطني الكوردستاني وزعيمه الطالباني ضرباً من الخيال علماً بان المخابرات العراقية كانت في حينه تفتك بالقادة الفلسطينيين وتنسق مع الفلسطيني الإرهابي أبو نضال لتصفيتهم .

وفعلاً عندما أصدرنا البيان الأول للاتحاد الوطني في 1/6/1975 فان الكثير من القوى السياسية وحتى القوى الصديقة كانت تعتبر ان تشكيل الاتحاد الوطني الكوردستاني مراهقة سياسية وطفولة يسارية او لعبة بعث سوريا ضد نظام البعث في العراق ، وأعلنا جهاراً عن تصميمنا على النضال لإسقاط الفاشية وانتصار الشعب العراقي ، وكان الدور الأساسي لمام جلال الذي كان المحرك الرئيسي وبمثابة الرافعة لحركة المعارضة العراقية آنذاك .

أتذكر في بعض الأيام كان مام جلال يكتب اكثر من ثلاثة أو أربعة رسائل إلى أماكن مختلفة للتعبئة وفضح الأساليب العنصرية للنظام عدا الندوات التي كان ينظمها لكوادر الاتحاد العسكريين والمدنيين .

ويمكن القول أننا في الهيئة المؤسسة كنا جزاً من الكفاح العام ، إذ كان معنا أبطال عملوا في الداخل مع الاتحاد الوطني الكوردستاني ، و قسم من هؤلاء الأبطال مواصلين معنا لحد هذه اللحظة والقسم الأخر تركوا العمل معنا في الاتحاد ولكن لا يمكن إنكار دورهم في النضال ، لقد ناضلوا ضمن تنظيمات الاتحاد الوطني الكوردستاني باعتبارها حركة تمثل تطلعات الشعب الكوردي كونه حركة جماهيرية واسعة ضمت كل قطاعات وشرائح عديدة من الشعب الكوردي ، حيث كنت تجد الماركسي اللينيني ذو توجهات ماركسية – ماوية و أخر ذو توجه شيوعي ، وهناك برجوازية ، وحتى البرجوازية الكوردية وبعض الملاكين تعاطفوا معنا ، فالكثير من الكوادر كانوا من العوائل الميسورة في منطقة بشدر في محافظة السليمانية الذين قدموا تضحيات كبيرة للحركة الكوردية وعلى سبيل المثال أتذكر منهم قادر مامند آغا وشيخ صدر الدين شيخ حسن وكويخا قادر وهومر آغا وكانوا من أوائل مناضلي الاتحاد الوطني الذين مدوا الثورة وحملوا معنا السلاح دفاعاً عن قراهم وشعبهم ، لان العدو كان لا يفرق بين طبقات الشعب الكوردي ، حيث كان أسلوب الإبادة الجماعية نهجه بغض النظر عن الهوية الطبقية أو الشريحة الاجتماعية ، و كان دورنا تعبئة طاقات الشعب الكوردي للتصدي لحملات الإبادة البعثية البربرية الفاشية ضد شعب كوردستان .

 

آفاق وتطور العلاقات السياسية

عند تقسيم المهمات نهاية عام 1975 بين أعضاء الهيئة المؤسسة للاتحاد الوطني الكوردستاني تم تكليفي بمسئولية العلاقات الخارجية في الاتحاد وتكليف الأستاذ نوشيروان مصطفى ( الذي كان طالباً للدكتوراه في النمسا عام 1975 وترك الدراسة لالتحاق بالاتحاد في دمشق ) بمسؤولية قيادة التعبئة للعمليات العسكرية وكان مقره على الحدود العراقية – السورية في قرية (ديريك) وكان معه الأستاذ عبد الرزاق عزيز والدكتور خضر معصوم وعدد من خيرة الضباط منهم النقيب إبراهيم عزو و سيد كريم كريم و حسن خوشناو ومجموعة المثقفين الشباب أمثال فرهاد شاكلي وداود الجاف وعبد الرحمن سنجاري وسامان كرمياني وشوان صالحي. وكانت الأمور التنظيمية السرية والفكرية من مهام مام جلال ، حيث انتخب من بيننا ليكون الناطق الرسمي للاتحاد الوطني الكوردستاني وأنيطت مهام الأعلام وبعض الأمور التنظيمية السرية والعلاقات العامة بالدكتور فؤاد معصوم بدمشق وكان مسؤولا عن اصدار صحيفة (( الشرارة)) .

كانت لدى النظام العراقي علاقات واسعة جداً بالأحزاب الشيوعية العربية والعالمية والقومية العربية واللبنانية والفلسطينية وبالأحزاب الأوربية الاشتراكية الديمقراطية والقومية وحتى العنصرية والدينية ، مما شكلت هذه العلاقات جداراً سميكاً بين النظام وحركة المعارضة العراقية الناشئة ، لكننا تمكننا من اختراق فسحة محدودة جداً من ذلك الجدار في بداية عام 1976 ولكن ببطأ شديد ، من خلال أقامتنا علاقات جيدة مع القوى السياسية الديمقراطية واليسارية العالمية ومع القوى الفلسطينية وعلى رأسها حركة فتح والجبهة الديمقراطية بقيادة نايف حواتمة ومع الجبهة الشعبية بقيادة جورج حبش ومع الحزب الشيوعي السوري بقيادة خالد بكداش ( الذي كان يحب ويحترم مام جلال كثيراً ).

مع الحزب الشيوعي اللبناني بقيادة جورج حاوي وكانت لنا علاقات ودية مع السيد غسان الرفاعي عضو المكتب السياسي الذي كان من أهالي مدينة السليمانية ومن عائلة جاويد الوطنية المعروفة وغادر العراق عام 1948 هرباً من الاعتقالات في حينه. وإكتشفته بالصدفة حينما كنا في زيارة سياسية له في بيروت وكنت أقوم بالترجمة للسيد سالار عزيز من الكوردية إلى اللغة العربية وفاجئنا وقال بأنه فهم الحديث فلا داعي للترجمة لأنه كوردي من مدينة السليمانية ، مدينة سالار عزيز. وكانت لنا علاقات مع الحركة الناصرية في مصر ومع الحزب الشيوعي المصري والمقاومين اليمنيين والجبهة الشعبية لتحرير ظفار ( سلطنة عُمان ) ومنظمة العمل الشيوعي اللبناني بقيادة محسن ابراهيم وكانت لنا لقاءات اسبوعية مع نائبه السيد نصير الاسعد يقوم بها السيد حمه زياد ونظمنا علاقات جيدة مع العصبة التروتسكية اللبنانية التي كانت تؤمن بحق تقرير المصير لشعب كوردستان . والجبهة الشعبية لتحرير إريتريا التي كانت لنا معهم علاقات جيدة .. فقد إلتقيت ولمرات عديدة مع الأمين العام للجبهة للسيد آسياس أفارقي في مكتبهم بمنطقة المزرعة في بيروت مقابل جامع جمال عبد الناصر وكان يزورنا بإستمرار في مكتبنا في بناية يعقوبيان.

أنتخب أفارقي بعد إنتصارهم ثورة شعبهم وإنفصالهم عن أثيوبيا أول رئيساً لجمهورية أرتيريا كما أنتخب مام جلال رئيساً لجمهورية العراق. وكان يسعى من أجل تطوير العلاقات بين الإتحاد والجبهة على مختلف الصعد .

وتم ترشيح نائبين في مكتب السيد محمد زياد للسفر إلى ارتيريا عن طريق السودان للإطلاع على أوضاع الثورة ولكن حصوله على زمالة دراسية إلى موسكو حال دون سفره إلى ارتيريا عام 1978.

لقد عرفنا على تلك المنظمة السيد تحسين الشيخلي، باعتبارها منظمة ثورية يسارية فاعلة. وخلال تلك الفترة في بيروت نظمنا علاقات سياسية مع الحزب الإشتراكي اليمني الذي حكم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية قبل الوحدة مع اليمن الشمالي . وقد اوت جمهورية اليمن الالاف من العراقيين الشيوعيين والديمقراطيين الهاربين من قمع وملاحقة النظام العراقي في حقبة السبعينات والثمانينات . وكانت لنا علاقات مع معظم الأحزاب الثورية الإيرانية من ضمنها الحزب الشيوعي الإيراني – تودة – الثوري ومع منظمة مجاهدي خلق الإيرانية اليسارية ( قبل دخولهم إلى إيران ) ، وكذلك أقمنا علاقات مع الحركات الثورية التركية والأرمنية ومع الجبهة الشعبية لتحرير جنوب السودان برئاسة الدكتور جون قرنق .

ومع أحزاب يسارية أوربية وأمريكية صغيرة وتنظيمات طلابية وشبابية أوربية وعربية ، وأقام الاتحاد الوطني الكوردستاني علاقات سياسية واضحة مع بعض الدول العربية مثل سوريا وليبيا التي قدمت للاتحاد مساعدات كبيرة واستلمنا من ليبيا مساعدات مختلفة ، ففي آذار 1976 استلمت مبلغ مليون فرنك فرنسي من القيادة الليبية عن طريق مكتبهم في باريس ، نقلت المبلغ إلى السويد بواسطة حقيبة سفر ، واشترينا من هناك عدد من أجهزة اتصالات ومحطة بث لا سلكي بواسطة مسؤول الاتحاد في السويد وقمت بنقل بقية المبلغ إلى دمشق سراً لتغطية العمل وإرسال قسماً كبيراً من المبلغ إلى كوردستان لتغطية مصاريف الانصار وشراء السلاح والعتاد . لقد استلمنا المساعدة السخية بعد اللقاء مع رئيس الاركان الليبي المقدم ابو بكر بالتنسيق مع النقيب سالم بوشريده وكان من المعجبين بمام جلال لمواقفه التاريخية في تعميق العلاقات التاريخية بين الامتين الشقيقتين العربية والكوردية . وقبل مغادرتي طرابلس في حزيران 1977 رتبوا لي زيارة قصيرة إلى الرئيس معمر القذافي وكان معي سالم بوشريده وشخص اخر .

والتقيت مرة ثانية بالرئيس الليبي في شباط 1986 ضمن وفد عراقي من قيادة الجبهة الديمقراطية الوطنية العراقية برئاسة المرحوم ادريس البارزاني ، وكان ضمن الوفد السادة الدكتور مبدر الويس سكرتير الحزب الاشتراكي وسالار عزيز والدكتور ماجد عبد الرضا عضو قيادة الحزب الشيوعي العراقي .

ومع الاتحاد السوفيتي السابق استطعنا ان نقيم علاقات معهم ، حتى قبل ضرب الحزب الشيوعي العراقي في نهاية عام 1978 حيث اتجهت القيادة السوفيتية بالاقتراب مرة أخرى من الحركة الكوردية المسلحة بعد ان انقطعت مع الحركة الكوردية بعد توقيع الاتفاقية الستراتيجية بين بغداد وموسكو في 7/4/1972 ، وكنت حلقة الوصل بين الاتحاد الوطني الكوردستاني ومسؤول سوفيتي رفيع المستوى في بيروت التي كانت تعتبر محطة مركزية للسوفيت في منطقة الشرق الأوسط وكان الدبلوماسي السوفيتي بدرجة سكرتير اول في السفارة السوفيتية في بيروت ويدعى الكسندر زايسيف . وفي صلة بالحديث فقد التقيت مرتين بالسيد بريماكوف الخبير الروسي في شؤون الشرق الاوسط والعالم العربي بشكل خاص والذي عينه الرئيس الروسي غورباتشوف عام 1990 رئيساً للوزراء ، التقيته في المرة الاولى عام 1977 في منزل السيد الكسندر زايسيف في بيروت وقدمه لي بصفته مدير وكالة نوفوستي في بيروت على ما اتذكر وخلال الاحاديث سألني عن كيفية الحصول على المقابلة الاصلية المصورة التي قام بها صحفي شاب نمساوي قام بزيارة إلى كوردستان سراً وقابل هناك السيد علي العسكري وقادة البيشمركة في ربيع 1977 . والمرة الثانية التقيته في مطعم بمنطقة الروشة على مأدبة اقامها الكسندر زايسيف وفي ذلك اللقاء سألني عن الموقف الحقيقي للاتحاد الوطني الكوردستاني ومام جلال بشكل خاص من نظام شاه ايران وهل لنا علاقة بالسيد الخميني الذي كان يقيم في حينه في النجف . كان رجل حاد الذكاء قليل الكلام ومستمعاً جيداً وميالاً إلى مجارات النظام العراقي في حينه .

ولاحقا تم تنظيم العلاقات مع البلغار والمجريين والرومان والتشيك بشكل مباشر في بيروت أو عن طريق تنظيمات الاتحاد في تلك البلدان ، بالرغم من ان تلك العلاقات لم تكن بالمستوى الذي كانت عليه علاقات النظام العراقي مع تلك الدول آنذاك ، ولكن الدول تلك بدأت تشعر بان النظام العراقي بدأ بالاقتراب من الغرب من خلال تعزز علاقاته التجارية مع الدول الغربية إلى درجات عالية واقترنت تلك العلاقات بضرب الحزب الشيوعي العراقي ومنظماته الجماهيرية . ولكنهم أي السوفيت وحلفائهم بدأو يستقبلوننا ونتصل بهم في الوقت الذي لم تكن لدينا علاقات مع الدول الغربية ، التي كانت على علاقة قوية بالنظام العراقي . واكتفت البلدان الغربية بقبول اللاجئين الكورد بأعداد كبيرة حماية لهم من بطش النظام ، حيث تم منح اللجوء للآلاف من الكورد كلاجئين في الدول الاسكندنافية ( السويد والنرويج والدانمارك ) والنمسا وهولندا وبريطانيا وأمريكا .

بذلت جهوداً من اجل تنظيم علاقة مع الصين الشعبية وكان هذا مطلب الكثير من قادة الاتحاد الوطني الكوردستاني في حينه . اتصلت بهم عن طريق مسؤول في المكتب الفلسطيني الغربي الذي كان يشرف عليه السيد خليل الوزير ( أبو جهاد) وجاءني الجواب بعد فترة من السيد منير شفيق ( كاتب ماركسي مسيحي تحول إلى الإسلام فيما بعد ) بان الصينيين يعتذرون لانهم يلتقون بمسؤول آخر من الاتحاد بشكل منتظم . فتلك كانت المحاولة الأولى والأخيرة .

بعد ان فشلت الجبهة الوطنية في العراق التي كانت بين حزب البعث والحزب الشيوعي العراقي والأحزاب الكوردية الكارتونية الهزيلة ، طرأت تطورات جديدة على الساحة السياسية العراقية بانفراط التحالف الهش بين حزب البعث والحزب الشيوعي العراقي ، فازداد نفوذ المعارضة العراقية ، وتطورت علاقات الاتحاد إقليمياً وعالمياً فالتحق بالجبال في نهاية عام 1978 كوادر وانصار الحزب الشيوعي العراقي الذي شكل قوات مسلحة إلى جانب القوى الكوردية وبذلك توسعت جبهة المعارضة والرفض للنظام العراقي .

ولعب قادة الحزب الشيوعي عزيز محمد وعمر علي الشيخ (ابو فاروق) وكريم احمد وعادل حبه وعبد الرزاق الصافي ابو مخلص وفخري كريم واحمد باني خيلاني ورحيم عجينة وملازم احمد الجبوري ، ادواراً مهمة في تصعيد الكفاح ضد النظام العراقي .

اما على الجانب الكوردستاني ، فان الاتحاد الوطني الكوردستاني ومنذ تأسيسه أولى النضال الكوردستاني المشترك أهمية قصوى . إذ شهدت الأيام الأولى لتأسيس الاتحاد تنظيما للعلاقات مع أبناء شعبنا الكوردي في سوريا ، حيث بنينا علاقات كوردستانية متميزة مع العديد من القوى منها ( الحزب الكوردي اليساري في سوريا [عصمت دينو– يوسف] والحزب الديمقراطي التقدمي الكوردي السوري ( حميد درويش ) والحزب الاشتراكي الكوردي اليساري في سوريا (عزيز شركس) والحزب الديمقراطي الكوردي السوري بقيادة الشيخ محمد عبد الباقي وغيرهم .

وفي علاقاتنا مع كورد سوريا كنا نحتكم الى الوقائع التاريخية الراهنة والاعتراف بحقائقها القائمة على الارض والتي تؤكد ان لحمة المجتمع السوري هي خليط من القوميات المختلفة التي تشاركت العيش معاً منذ القدم ! العرب والكورد والارمن والشركس والاشوريين وغيرهم ..

وقد ساهم الكورد قبل الف سنة في تحرير فلسطين وكل سوريا الكبرى من الصليبين بقيادة القائد الكوردي صلاح الدين الايوبي المدفون في الجامع الاموي بدمشق وقاد السيد ابراهيم هنانو الكوردي السوري الثورة الوطنية السورية ضد الاستعمار الفرنسي في بداية القرن الماضي . ورغم علاقاتنا الحارة مع الحكومة السورية في حينه فاننا لم ننسى ضرورة الاقرار الواضح والصريح بوجود الشعب الكوردي كجزء مهم من المجتمع السوري وكقومية ثانية في البلاد بعد العرب . وكان محور حديثنا مع القوى السياسية الكوردية السورية ومع النخب الثقافية والشخصيات الوطنية الكوردية والعربية والاشورية السورية اضافة الى القوى العراقية ، وجود مسألة سياسية نضالية ترتبط بالحقوق القومية المشروعة لكورد سوريا كحق المواطنة والحقوق الثقافية والسياسية بما في ذلك حل قضيته القومية حلا ديمقراطياً ضمن الوحدة الوطنية السورية . وكانت تردنا شكاوي وانتقادات وانزعاجات قوية من الاجهزة السورية حول اتصالات كوادرنا بالنخب السياسية والثقافية الكوردية في سوريا . وفي كل مرة كانت الامور تمر بسلام لكون قيادة الاتحاد على علاقة بالرئيس حافظ الاسد ، وهذه المواقف السياسية تصب لصالح سوريا وهي من طرف صديق وليس من النظام العراقي الذي كان يخطط لتدمير سوريا منذ 1968 لحين اندحاره في 9/4/2003 .

وتمكن الاتحاد الوطني الكوردستاني ان يلعب دوراً مهماً في تعبئة كورد سوريا ضد سياسات النظام العراقي العنصري وتقليص دور بعض التجمعات الكوردية السورية الميالة لبغداد .

أما على صعيد العلاقات مع كوردستان إيران ، تكونت لنا علاقات متينة مع الحزب الديمقراطي الكوردستاني الإيراني بقيادة الشهيد عبد الرحمن قاسملو . ففي آذار 1977 عقد اجتماعا كوردستانيا مهما في شقتي ببيروت بمنطقة الروشة وحضر الاجتماع مندوبين عن الحزب الكوردي اليساري في سوريا والحزب الديمقراطي التقدمي الكوردي في سوريا والسيد أمير القاضي مندوبا عن الحزب الديمقراطي الكوردستاني الإيراني والسيد عدنان المفتي مندوبا عن اللجنة التحضيرية للحزب الديمقراطي الكوردستاني ومندوباً عن تنظيم DDKD الكوردستاني التركي الذي كان يقوده عمر جتين وعن الاتحاد الوطني الكوردستاني حضر اللقاء الدكتور فؤاد معصوم والمرحوم عمر دبابة وعادل مـراد ، ولا تسعفني الذاكرة بأسماء من حضر من كوردستان تركيا أيضاً .. كان اجتماعا كوردستانيا ناجحا وجريئاً في تلك الشقة ببناية يعقوبيان في بيروت . فكان ذلك اللقاء الذي قمت بتنظيمه واعداده هو الاجتماع الأول لأحزاب كوردستانية لبحث أوضاع كوردستان عموماً .

عند وصول عبدالله اوجلان مؤسس حزب العمال الكوردستاني(PKK)  في تركيا (الذي اعتقل في كينيا يوم 15/2/1998) إلى بيروت عام 1978 التقيتُ به وعرفته على العديد من أطراف المقاومة الفلسطينية التي كان لنا معها علاقات جيدة بناءً على طلبه ، ومن خلالنا تعرف على الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين والجبهة الشعبية والقيادة العامة وفتح والقوى العراقية الثورية وأقاموا علاقات متينة مع مجموعة [ تنظيم الشيوعيون الثوريون ] بقيادة الشهيد تحسين الشيخلي الذي اغتيل على يد المخابرات العراقية صباح يوم 24/4/1980 في بيروت ، وتم اغتيال معظم تلك المجموعة العراقية الثورية في بيروت ، وحتى الذي فـر منهم إلى كوردستان قد اغتيل عن طريق أحد وكلاء المخابرات العراقية في كوردستان العراق عام 1984 وهرب القاتل إلى قلعه دزه في محافظة السليمانية ، ولكن قوات البيشمركة في الداخل قاموا بتصفيته قصاصاً على فعلته الشنيعة ضد المناضلين الضيوف على الكورد .

في دمشق وكوردستان تركيا تطورت علاقاتنا مع تنظيم DDKD بقيادة السيد عمر جتين الذي قدموا لنا مساعدات كبيرة أثناء عبور بيشمركة الاتحاد الوطني الكوردستاني إلى كوردستان العراق أو نقل السلاح والعتاد إلى هناك .

لم يكن الاتحاد الوطني الكوردستاني طرفا في الصراعات الدموية غير المبررة التي شنها حزب العمال الكوردستاني PKK ضد القوى الوطنية الكوردستانية التركية الأخرى كتنظيم KUK أو الحزب الاشتراكي الكوردستاني التركي PSKT بقيادة كمال بورقاي ، تلك الصراعات التي آدت إلى أضعاف الحركة الكوردستانية في كوردستان تركيا عموماً ، اذ ادانت القوى الكوردستانية العراقية وجميع القوى الكوردستانية في تركيا وسوريا وايران والقوى العراقية حروب PKK  غير المبررة ضد الاخرين من القوى الكوردستانية الوطنية .

لم تقتصر علاقات الاتحاد بالأحزاب والمنظمات الكوردستانية والكوردية في إيران وسوريا وتركيا ، بل نشأت علاقات فكرية وتعاضدية بين قادة الاتحاد وشخصيات كوردية تقدمية في أنحاء كوردستان . ومن هذه الشخصيات الكوردستانية في تركيا الشهيد نجم الدين يوكسك المعروف بصلاح نجو ، الذي قدم مساعدات هائلة للاتحاد الوطني الكوردستاني منذ تاريخ تأسيسه حتى استشهاده في سجن ديار بكر في منتصف الثمانينات على اثر اضرابه عن الطعام حتى الموت ، حيث كان يساعدنا بتفاني من اجل نقل الأنصار والسلاح من سوريا إلى داخل أراضى كوردستان العراق بشكل سري وقد تعرض إلى مخاطر حقيقية خلال تنقلاته .

كانت لنا علاقات مع الشخصية الوطنية صبري نواف مدير بلدية ( جزيره ) في كوردستان تركيا ومع علي ملا ياسين في قرية اولودره على الحدود التركية – العراقية وعمر جتين سكرتير حزب (DDKD) واحمد ترك وفريدون ورمضان وحاجي محمد من مدينة نصيبين على الحدود العراقية – التركية ومحرم وعدد من المحامين الكورد في أنقرة واسطنبول وديار بكر .. وفي سوريا قدم لنا العديد من الشخصيات الوطنية الكوردية مختلف المساعدات كالسادة خليل عبدي ( خليل سوور ) وحميد درويش وملانيو وعثمان صبري ومحمد مستو وعصمت دينو وعوائل وطنية عديدة كعائلتي محمد نواف وحسن ميللي .

وللحيلولة دون توطيد العلاقات بين الاتحاد الوطني الكوردستاني والقوى الكوردستانية في تركيا ، أبرمت الحكومة العراقية اتفاقية سرية مع أنقرة نشرت بعض نصوصها صحيفة ((ملليت)) التركية في 25/8/1978 التي جاء في المادة الرابعة منها ((يتخذ الطرفان التدابير الكفيلة لإيقاف أعمال التخريب التي تجري في مناطق حدود البلدين )) ، وتنص المواد الأولى والثانية والثالثة من نفس الاتفاقية على تشديد الرقابة على الحدود وإيقاف التسلل والأخبار عنه بسرعة، والقاء القبض على المتسللين وتسليمهم إلى الدولة الأخرى ووقع الاتفاقية عن الجانب العراقي طارق عزيز . ثم وقع اتفاق بين الحكومتين في نيسان 1981 يسمح لقوات البلدين بالتغلغل مسافة سبعة عشر كيلومتراً في أراضى وأجواء البلد الأخر بهدف خنق تحركات وتنقلات الأنصار والعوائل والجرحى على طرفي الحدود .

اما علاقاتنا مع كوردستان إيران ، فقد تكونت صداقات نضالية وعلاقات دافئة بين قيادات الاتحاد وعدد كبير من الشخصيات الوطنية والديمقراطية الكوردية في كوردستان ايران قبل سقوط الشاه ، واستمرت تلك العلاقات وتوطدت في العهد الجمهوري في مدن مهاباد وسقز وبانه واشنويه (شنو) وتبريز وطهران وسردشت وهورمان وارومية وميان دو آب ونقده والوتان وكرمنشاه وبيرانشهر (خانة) .. وأتذكر منهم الدكتور جعفر شفيعي الذي كان يطبب البيشمركة واهالي القرى الحدودية العراقية –الإيرانية من مستوصفه البسيط في ناوزنك ( مقر قيادة الاتحاد ومام جلال ) وكان معه مناضلاً أخر يدعى ساعد وطن دوست.

وعلى مستوى العلاقات مع العوائل الكوردستانية الإيرانية ، كانت لدينا علاقات جيدة مع العديد من العوائل ، مثل عائلة قادري الوطنية في اشنويه ، أتذكر منهم المدرس مراد قادري وشقيقه نبي قادري . وخلال رجوعنا من دمشق إلى كوردستان في تشرين الثاني / نوفمبر 1978 كنا في منزله ( عمر دبابة وعمر شيخموسى والصديق العربي عادل عبد المهدي [ نائب رئيس الجمهورية الحالي] وعدنان المفتي وعادل مراد ) حيث أوصلنا سراً من إيران إلى مقر القيادة في ناوزنك على الجانب العراقي حيث اقامة مام جلال .

وعلاقاتنا كانت منتظمة مع قيادات الحزب الديمقراطي الكوردستاني الإيراني ، أتذكر منهم الدكتور قاسملو وفتاح كاوياني وجليل كاداني وسيد رسول بابا كورا وحسن رستكار وعزيز يوسفي والأستاذ عبدالله حسن زاده والدكتور شرف كندي ( استاذ الكيمياء في جامعة طهران ) شقيق الشاعر الكبير المرحوم هزار .

ومع كومله إيران كانت لنا علاقات جيدة أيضا حيث كانوا من المناضلين الأشداء ضد نظام الشاه ، وأتذكر منهم المهندس سيد إبراهيم علي زاده وملا عمر عصري والدكتور جعفر شفيعي وزميله ساعد وطن دوست ومع شخصية وطنية قديمة كان يدعى محمد ملا علي من منطقة آلان في سررشت . إضافة إلى هولاء نظمنا علاقات مع شخصيات ومنظمات وروابط ثقافية وطلابية في مدن كوردستان إيران وعلى رأس هذه الشخصيات كانت لنا علاقات متينة مع الشخصية الوطنية الديمقراطية الكوردية الإيرانية الأستاذ صلاح مهتدي ومع شقيقه الأستاذ عبدالله مهتدي الذي اصبح فيما بعد زعيماً للكومله الإيرانية .

 

زيارة إلى السيد الخميني في نوفيل لوشاتو

بعد تصاعد الحركة الجماهيرية الواسعة في إيران نهاية عهد الشاه نتيجة نشر الرسائل الثورية التي كان يرسلها السيد الخميني من النجف الأشرف إلى الإيرانيين عموماً بواسطة أشرطة الكاسيت وخاصة إلى رجال الدين والطبقات الفقيرة والبازار . فشعرت الحكومة الإيرانية بالخطر القادم من النجف ، فطلبت من بغداد طرد الخميني من العراق لوقف نشاطاته التي هزت عرش الشاه ، إذ خرجت المظاهرات المليونية في مدن إيران ضد الحكم الاستبدادي الشاهنشاهي حليف صدام حسين في حينه .

ففي نهاية أيلول 1978 طرد صدام حسين السيد الخميني إلى الكويت ، ومنها سافر السيد الخميني إلى أوربا ، فاستقر في قرية نوفيل لوشاتو قرب باريس . ومن هناك تصاعدت نشاطاته السياسية ضد نظام الشاه ودعا إلى إسقاطه وبناء الدولة الاسلامية . واصبح مركزاً سياسياً – دينياً ضد حكومة طهران .

كان من ستراتيجية الحركة الكوردية سقوط حكومة الشاه الحليفة لحكومة صدام حسين ، نظراً للتحالف بين النظامين على أرضية اتفاقية الجزائر التي أبرمت بين صدام حسين ومحمد رضا شاه في 6/3/1975 ، تلك الاتفاقية التي أدت بالعراق إلى تقديم تنازلات كبيرة للجانب الأخر مقابل خنق وتدمير الثورة الوطنية الكوردية المسلحة في كوردستان العراق .

ورغبة من قيادة الاتحاد الوطني الكوردستاني بالاتصال بالسيد القائد الخميني ، فقد اتصلت بممثله في بيروت السيد حسن روحاني عن طريق مكتب السيد خليل الوزير نائب ياسر عرفات آنذاك ، فتم تنظيم سفرنا لزيارة الخميني في منفاه قرب باريس .

بادرنا إلى تشكيل وفداً من السادة الدكتور فؤاد معصوم واحمد بامرني ( سفير العراق الحالي في مملكة السويد ) وعادل مراد للقيام بالمهمة ، فالتقينا به يوم 4/10/1978 في ( نوفيل لوشاتو ) وخلال اللقاء رحب بنا ترحيباً حاراً وقال على ما اتذكر بان الشعب الكوردي شعب مسلم مظلوم ومقموع ولا بد ان يحصل على حقوقه الإنسانية بعد ان يتخلص من الحكام الظالمين المستبدين وقال بان الله ينصر المستضعفين على المستبدين . وحضر اللقاء عدد من مستشاريه أتذكر منهم السادة صادق قطب زاده الذي عين مديراً للإذاعة والتلفزيون لاحقاً وأبو الحسن بني صدر الذي كان اول رئيساً منتخباً للجمهورية الإسلامية الإيرانية والدكتور إبراهيم يزدي وزير الخارجية وحفيده احمد مصطفى الخميني واخرين لا أتذكرهم.

لمسنا من الخميني التصميم على الانتصار ودحر سلطة الشاه وعرفنا حجم زواره الإيرانيين القادمين من إيران وأوربا وأمريكا لدعمه واستلام الإرشادات والأشرطة الصوتية الثورية والتعليمات منه .. وبعد رجوعه منتصراً إلى إيران في 11/2/1979 قام مام جلال بزيارته والكتابة أليه وتكونت لنا علاقات مع العلامة حسين منتظري خليفة الخميني وباقي مسؤولي الثورة والدولة .

بعد سقوط نظام الشاه ، تنفس الكورد في العراق الصعداء ، ففتحت المناطق الحدودية للبيشمركة للتنقل والعلاج والاتصال بالسكان الكورد في كوردستان إيران وتمت الاتصالات هاتفياً بتنظيمات الخارج وبدأ الاتحاد بإرسال منشوراته الى العالم ، فتكونت علاقات سياسية راسخة بين قيادات ومنظمات الاتحاد الوطني الكوردستاني والكورد في المدن الحدودية ( خانه ، نقده ، مهاباد ، سردشت ، سنندج ، سقز ، بانه ، كرمنشاه ، شاه آباد ، قصر شيرين ) إضافة إلى العلاقات مع القوى السياسية الإيرانية المختلفة الكوردية والماركسية والقومية الأذربيجانية والعربية والإسلامية ومع التشكيلات والمنظمات الثقافية والأدبية والفنية ، عدا العلاقات الكوردستانية الخاصة مع الحزب الديمقراطي الكوردستاني الإيراني والكومله ومكتب الشيخ عز الدين الحسيني إمام وخطيب الجامع الكبير في مهاباد .

 

طبيعة العمـل التنظيمي في الخارج

بدأنا بتنظيم الشبيبة والطلبة في الخارج بعد تأسيس الاتحاد الوطني الكوردستاني بأيام ، حيث سافرت إلى هولندا في منتصف حزيران 1975 وشكلنا أول خلية للاتحاد الوطني الكوردستاني في الخارج من السادة فؤاد حسين وعلي إحسان الجرموندي والشهيد ظاهر حمد ( الذي استشهد مع عائلته في عمليات الأنفال سيئة الصيت عام 1988 ) والدكتور جيا عباس صاحبقران والدكتور جميل شرف ومحمود درويش وعدد آخر من الشباب الذين التحقوا بالاتحاد الوطني الكوردستاني بدون تردد . سافرت بعدها إلى بلغاريا وتم تأسيس منظمة للاتحاد الوطني الكوردستاني من الطلبة الأكراد المقيمين هناك : الدكتور سردار رضا وزوجته روناك وشيركو حمزة والدكتور طالب رشيد كاكه ي والدكتور جمال رشيد ، وسافرت إلى براتسلافا وبرلين و براغ ومناطق أخرى لتشكيل منظمات للاتحاد الوطني الكوردستاني وتم تشكيل منظمات للاتحاد الوطني الكوردستاني في بريطانيا والسويد والنمسا والنروج وايطاليا وسويسرا وأمريكا وألمانيا من قبل الرفاق الدكتور كمال فؤاد و نوشيروان مصطفى امين وآزاد خوشناو وفؤاد ملا محمود والدكتور عمر شيخموسى وسعدي بيره وصلاح رشيد. وقام الدكتور فؤاد معصوم بتنظيم الكورد في الكويت والقاهرة .

اما في رومانيا فعندما زرتهم بصورة سرية خوفاً من ملاحقة ازلام صدام في السفارة العراقية في تموز 1975 وجدتهم بانهم شكلوا منظمة للاتحاد الوطني الكوردستاني من السادة الدكتور إبراهيم محمود ( بله رش ) والدكتور جبار صابر والمهندس احمد بابكر و جزاحاجي عبدالله واحمد حمه سوور وسامان رشيد جودت وصلاح حاجي إبراهيم وآراس عبد الرحمن عارف وعبدول وبازران ونجاح ونوزاد وقد شكلوا المنظمة بناءً على رسالة موجهة من مام جلال الى الدكتور إبراهيم محمود نقلها لهم في حينه السيد آزاد خوشناو الذي كان من النشطاء البارزين للاتحاد في أوربا .

كان التوجه العام لنا هو حث طلبة كوردستان في العراق وأوربا للعمل في صفوف الاتحاد الوطني الكوردستاني ، إضافة إلى بناء المنظمات وكانت الاتصالات متواصلة وتمكنا من اختراق الحدود ومطار بغداد والحواجز المخابراتية من اجل الاتصال بالوطنيين الكورد وتنظيمهم .

إضافة إلى كوردستان سلكنا طرق مختلفة من اجل الاتصال برفاقنا وأصدقائنا في العراق ، على سبيل المثال كان للدكتور فؤاد معصوم عضو الهيئة المؤسسة صديقاً في الكويت وكان مديراً لشركة بناء ، ومن كوادر ثورة أيلول يدعى طلعت كلي ( عضو الجمعية الوطنية حالياً )، إذ كان يتصل ببعض مسؤولي الاتحاد المنفيين الى جنوب العراق عن طريق زوجته السيدة حليمة احمد حمدي بالتنسيق بين الدكتور فؤاد معصوم ، حيث كنا نبعث رسائل تنظيمية سرية للشهيد علي عسكري المنفي الذي عين مديراً لناحية الشطرة في محافظة الناصرية آنذاك ، وكانت السيدة حليمة تنقل اجوبة الرسائل عن طريق الكويت وينقلها طلعت بدوره إلى مام جلال أو الدكتور فؤاد معصوم أو الدكتور خضر في الشام . وكان هناك سواق من الكورد الفيليين نبعث بواسطتهم وعبر سياراتهم وبطرق سرية جداً بيانات وكراسات الاتحاد إلى الكويت ومن هناك إلى بغداد حيث كان ينقلها السائق الشهيد سيد خليل جعفر من دمشق مروراً بالأردن والكويت وصولا إلى العراق عن طريق البصرة ويسلمها للسيد شهزاد صائب لنقلها من بغداد إلى السليمانية ، وكنا نستفاد من كل وسيلة متاحة ، وكان هناك شخص من السليمانية يدعى حاجي عثمان من معارف الشهيد جبار حاجي رشيد يأتي إلى بيروت ونحمله مطبوعات الاتحاد الوطني لينقلها بدوره إلى الشهيد جبار ومنه إلى الشهيد آرام ( شاسوار جلال ) المشرف على تنظيمات الكومله .

ففي البداية لم نسلك السلوك التنظيمي التقليدي فقد سلكنا مختلف الوسائل المتاحة من اجل إيصال مطبوعات وتعليمات الاتحاد الوطني الكوردستاني إلى الداخل ، مما أدى إلى نشوء إشكاليات في بعض المدن ، فبعض المسؤولين تصلهم المطبوعات عن طرق غير تنظيمية وبطريقة عشوائية فقد كنا على عجلة من امرنا بحيث نرسل أدبيات الاتحاد إلى منظمات أوربا من دمشق بشكل مباشر لان البيروقراطية التنظيمية في أوربا كانت تعرقل الحملة الإعلامية لنا، ومثال أخر أوصلنا إلى السيد سلام عبد الرحمن في السليمانية مجموعة الكراسات قبل وصولها إلى المركز التنظيمي في السليمانية . فهدفنا كان إيصال أدبيات وأفكار الاتحاد الى الوطن لكي يطلع الشعب الكوردي والعراقي على أفكارنا الجديدة لعدم توفر وسائل اتصالات متطورة آنذاك مثل الستلايت أو الانترنيت أو الاتصالات عن طريق الهواتف الخلوية . فكانت تلك الأساليب البدائية الطريقة الوحيدة لإيصال البيانات التحريضية ضد النظام . وكانت ادبياتنا تكتب أحيانا باليد مرة أخرى لعدم توفر آلات الطابعة والرونيو لان تلك الأجهزة كانت من المحرمات في العراق ويعاقب بالإعدام من يحتفظ بواحدة من هذه الأدوات في منزله او مكتبه دون علم الأمن والمخابرات . وتمكنا في الهيئة المؤسسة في دمشق من إصدار ثلاثة أعداد من نشرة ( الشرارة ) الجريدة المركزية للاتحاد الوطني وإصدار كراس باسم (الاتحاد الوطني الكوردستاني .. لماذا ) وعشرات البيانات .

وتم نشر أفكار الاتحاد الوطني الكوردستاني الديمقراطية وأساليب العمل الجديد وكيفية الاعتماد على الجماهير والأفكار التي تبناها الاتحاد الوطني الكوردستاني وكيفية بناء نواة مركزية تنظيمية ثورية يمكن ان تقود حركة كفاح مسلح ، كل هذه الأفكار طرحت للمواطنين الكورد ولعموم العراقيين العاملين في منظمات سياسية مختلفة .

وقد استطاع الاتحاد الوطني الكوردستاني ان يرسخ تنظيماته وقواته ، بعد تنظيم المئات من الأنصار في المدن والقرى ، ورويدا رويدا بدأ تنظيم الناس وتعبئتهم خاصة في تموز 1977 ، عندما رجع مام جلال من بيروت إلى كوردستان العراق سراً في منتصف تموز 1977 بوثائق مزورة تفادياً من مراقبة المخابرات العراقية ليقود الحركة بنفسه ، وقد اختار منطقة ( ناوزه نكـ) في بشدر شمال شرق السليمانية في نهاية المطاف مركزاً لـه ومقراً للمكتب السياسي .

أدت عودة مام جلال عن طريق بيروت – أنقرة سرا بالتعاون مع قوى سياسية صديقة إلى كوردستان العراق إلى تنشيط الحركة وتوسيعها ، حيث كان الأنصار منتشرين في مناطق كرميان وبادينان وسوران . وكانت هناك خلافات سياسية فكرية وذاتية بين تنظيمي الكومله والحركة الاشتراكية الكوردستانية ، تمكن مام جلال بحكمته وصبره من الحد منها وبالتالي حلها والعمل معاً في بوتقة الاتحاد. بعد تزايد قوات المقاومة نتيجة الدعم الشعبي لها ، بدأت بالتصدي للقوات الحكومية المهاجمة للحصول على السلاح وكسر هيبة النظام . اندلعت معركة حامية صباح يوم 8/3/1978 في منطقة دشتيو قرب مدينة قلعه دزه وكانت بمثابة مواجهة عسكرية أولى وجها لوجه مع الجيش العراقي واسفرت المعركة عن قتل العشرات من ضباط وجنود النظام وعدد من المرتزقة الكورد (الافواج الخفيفة) الموالين للنظام والى استشهاد (13) من الأنصار وفي مقدمتهم الشهيد سعدي كجكه زعيم المجموعة وقد تطورت العمليات النوعية والكمية للأنصار في جبال وهضاب ومدن وقرى كوردستان بعد تلك المعركة ضد المؤسسات العسكرية والأمنية الحكومية ، وكبد البيشمركة في تلك المعركة ومثيلاتها النظام خسائر كبيرة في الأرواح والمعدات وكسروا شكيمته وعنجهيته العسكرية .

تلك الوتيرة من العمليات بدأت تنمو وتتوسع لتشمل معظم مناطق كوردستان العراق ، وبدأت الحركة الكوردية تحتل مكانتها الطبيعية والطليعية في جسد المقاومة الوطنية العراقية ، وبالتالي مواقعها السياسية في الحركة الكوردية الوطنية والعراقية ، خاصة بعد توحيد البرامج السياسية مع الحزب الديمقراطي الكوردستاني والحزب الشيوعي العراقي والحركة الاشتراكية العربية وقيادة قطر العراق لحزب البعث العربي الاشتراكي والجيش الشعبي لتحرير العراق والحزب الشيوعي العراقي ( وحدة القاعدة ) وأقيمت علاقات ثنائية مع العديد من الحركات والتنظيمات العراقية الإسلامية والماركسية والثورية والقومية العربية .

هذه كانت بداية ولادة الاتحاد الوطني الكوردستاني في عام 1975 ولمحات سريعة عن تطور هذا التنظيم الذي أضحى اليوم من أوسع التنظيمات العراقية وخلال مسيرته النضالية قدم الآلاف من الشهداء في ساحات الكفاح المسلح في المدن والأرياف والجبال وفي السجون والمسالخ البشرية البعثية الدموية .

تطور الاتحاد الوطني الكوردستاني في خضم كفاحه انسجاماً مع المراحل التاريخية التي مرت بها الحركة التحررية الكوردستانية وعموم حركة المعارضة العراقية ، حتى تكلل نضال الشعب العراقي بالقضاء على الدكتاتورية التي خلفت ورائها الدمار السياسي والاقتصادي والمقابر الجماعية والانفالات وعراقاً خرباً فقيراً يأن تحت وطأة ديون تقدر بثلاثمائة بليون دولار .

 

منظمة النسر الأحمر في بغداد

ان التاريخ الحافل بالانتصارات الباهرة للاتحاد الوطني الكوردستاني لا يمكن اختصاره ضمن هذه الوريقات ، ولا يمكن المرور عليها على عجالة . فالذاكرة قد لا تسجل الأحداث الجسام ، ولا تتذكر بطولات وتضحيات الكوادر والبيشمركة على الجبهات أو داخل المدن بتفاصيلها ، فكيف يمكن نسيان شهامة شهاب الشيخ نوري أثناء صعوده على منصة المشنقة حينما قال [ عش قليلاً ولكن بشموخ .. ] وسيتذكر الكورد في بغداد وكوردستان أبنائهم البررة الذين شكلوا تنظيماً ثورياً محدود العدد قوي الفعل باسم ( النسر الأحمر ) قاده الشاب الشهيد جوامير سيامير وكان معه كوكبة من الشهداء الخالدين سلمان داود المندلاوي وعادل عبد الكريم الداودي وجمال سعيد الفيلي وشيرو عبد القادر وكان شباب الكورد الفيليين يشكلون الغالبية في ذلك التنظيم الثوري ، اذكر منهم كوردو قاسم ورعد بشير اسكندر وعدنان رضا مسؤول احدى الخطوط الاساسية للاتحاد واحمد علي اكبر وكمال قاسم كل محمد وزيدان بهلوان ومنير محمد وخليل حسن . خططوا لتصفية المجرم طـه ياسين رمضان في منتصف حزيران 1977 حينما كان وزيراً للصناعة وامراً لمليشيات البعث ولم يصلوا اليه في لحظة التنفيذ ، فنفذوا حكم الشعب بالمجرم عثمان فائق المدير العام لمديرية الثقافة الكوردية ( البعثية ) المعادية للثقافة الكوردية وذلك في منطقة الخلاني وسط بغداد .

وبعد شهرين من نجاح العملية الاولى خططوا لتصفية صدام حسين وبعض القياديين البعثيين الذين كانوا من المقرر ان يحضروا يوم 16/8/1977 احتفالات تأسيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني المزيف الذي شكله هاشم حسن عقراوي ومجموعة من المرتزقة الكورد في بغداد . وكان من المقرر ان يقام الاحتفال في قاعة الجامعة المستنصرية في بغداد ، لكن الخطة فشلت قبل التنفيذ بأيام حيث تسلل احد ازلام المخابرات العراقية المدعو كاوه فاتح الى المنظمة الثورية فافشى بخطط المنظمة الثورية إلى المخابرات العراقية ، فادى الى اعتقال المجموعة ، وبعد تعذيب وحشي ولمدة اشهر نفذ حكم الإعدام شنقاً بالشهداء جوامير سيامير وسلمان داود وسلام عبد الرزاق وشيرو عبد القادر يوم 10/4/1978 في سجن ابو غريب ، اما الشهداء عادل عبد الكريم الداودي وجمال سعيد الفيلي فاعدموا رمياً بالرصاص لكونهما جنود في القوات المسلحة العراقية في حينه .

لقد تمكن الشهيد جوامير سيامير من الهرب قبل اعدامه من غرفة الاعدام في سجن مديرية الامن العام ببغداد وبصعوبة بالغة القي القبض عليه .. اعدموا المجموعة وهم يشتمون الجلادين ويهتفون بحياة الشعب والثورة .

كيف ننسى هولاء وكيف لا يمجدهم الشعب والتاريخ . ولا يمكن نسيان صمود المقاتل الشجاع سعدي عزيز كجكه وشلته الذين تحدوا دبابات وطائرات النظام في معركة غير متكافئة في كوردستان العراق ، فبعد رجوع مام جلال الى كوردستان في نهاية تموز 1977 وتصديه بشكل مباشر لمسؤوليات ادارة البيشمركة وتنظيمات الاتحاد الوطني الكوردستاني الذي انتظم عمله وهيكليته . فاصبح الاتحاد هيكل يتكون من حركتين سياسيتين وهما عصبة كادحي كوردستان (الكومله) والحركة الاشتراكية الديمقراطية الكوردستانية (حسك) ، اضافة الى عدد من القياديين المستقلين اطلق عليهم ( التنظيم الوطني العريض) .

نتيجة الممارسات اليومية على الارض والكسب الجماهيري الواسع وتلاقح الافكار والايديولوجيات ، ولدت خلافات مستديمة بين التنظيمين وهي نتيجة طبيعية بين حركتين سياسيتين مختلفتين ايديولوجياً وبرنامجياً .وكل فصيل كانت له علاقات سياسية خاصة مع القوى الكوردستانية في كل من ايران وتركيا .

ولكن الفصائل العسكرية ( البيشمركة ) كانت موحدة ومنضبطة وتستلم الاوامر من الامين العام للاتحاد مام جلال بشكل مباشر . اذ كان مام جلال شديد الحرص على وحدة التنظيمين ضمن اطار الاتحاد الوطني الكوردستاني ، ولكن ظروف خارجة عن ارادة الامين العام وتفجر عقد وحساسيات قديمة واختلاف الامزجة الثورية واللاعقلانية التي سادت أجواء الثورة والسموم التي بثتها عناصر أجهزة المخابرات العراقية في صفوف الاتحاد والثورة عن طريق عناصر مشبوهة تسلقت الى مراكز في الحركة ، وكانت تلك العناصر تتباكى على الحركة الاشتراكية الكوردستانية وتدعي بانها حركة مسحوقة ومظلومة فلا بد لها ان تعلن الانفصال عن الاتحاد . وفي الطرف الاخر برزت عناصر متطرفة ذات افكار طفولية يسارية لتزيد من حدة الخلافات وتشعل لهيب الاقتتال الداخلي الذي استمر منذ عام 1981 حتى مبادرة مام جلال للمصالحة الكوردستانية في منتصف عام 1985 .

كانت صفحة مفجعة في تاريخ الحركة الكوردية ، ولكن الحكماء في القيادات الكوردية ومام جلال بشكل خاص وضعوا حـد لتلك الحقبة التاريخية التي مهد لها صدام حسين ومخابراته ومرتزقته .

 

معارك الأنصار النوعية

كانت معركة (ده شتيو) وهي اسم قرية تقع شرق مدينة قلعه دزه في محافظة السليمانية صباح يوم 8/3/1978 معركة نوعية ومن نوع جديد بكل المقاييس، حيث غاب التكافؤ في العدد والعدة ، اذ دخلت الثورة الكوردستانية مرحلة التصدي المباشر مع قوات الجيش العراقي المدجج بالسلاح الحديث والثقيل والطيران المرعب . كان عدد البيشمركة (42) مناضلا مسلحين باسلحة خفيفة ومتوسطة قابلة للنقل السريع ومؤن بسيطة وعتاد محدود .

أسفرت المعركة غير المتكافئة التي شاركت فيها الهليكوبترات الحربية الحديثة والمدفعية الثقيلة عن مقتل العشرات من قوات النظام واعطاب آلياته الثقيلة ، وعن استشهاد ثلاثة عشر من اشجع بيشمركة الاتحاد الوطني الكوردستاني ، وكان في مقدمتهم سعدي عزيز المعروف بسعدي كجكه ، عضو اللجنة القيادية للاتحاد الوطني الكوردستاني وقائد قوات الاتحاد الوطني الكوردستاني في سهل اربيل وعضو قيادة الحركة الاشتراكية واستشهد الى جانبه فاروق صديق القائد السياسي لمنطقة سهل اربيل والكادر المتقدم لعصبة كادحي كوردستان ( كومه له ) واستشهد معهما عدد من البيشمركة ( فرخ قادر ، فريق همزة ، شاهين عزالدين ، طاهر حمد علي ، جبار اسماعيل ، عثمان باوه ، عزيز بابير ، سامي عبيد ، صباح جميل واحمد محمد امين واحمد محمد عثمان) وفي نهاية المعركة سقط اربعة من البيشمركة الجرحى اسرى بيد القوات العراقية ، وتم اعدامهم بدون محاكمة فجر يوم 21/6/1978 في سجن الموصل المركزي وهم (جعفر أسود وحسين عبدالرحمن وجواد كريم وكمال عبد الواحد) وتمكن الباقون من التسلل من ارض المعركة بصعوبة بالغة بدعم ومساعدة سكان القرى التي راقبت سير المعركة البطولية وكانوا (25) خمسة وعشرين بيشمركة وهم جرحى واصابات بعضهم كانت بليغة .

أعطت تلك المعركة دروساً بالغة الأهمية ، أبرزها إمكانية صمود قوة عسكرية صغيرة مؤمنة بمبادئها الوطنية أمام جيش كبير تعداده اكثر من ألف عسكري ومن مختلف الصنوف مدعومين من قوات مرتزقة كوردية (الجحوش والافواج الخفيفة) وبرهنت المعركة بان بيشمركة الاتحاد قوة فدائية موحدة دون النظر إلى الخلفية الأيدلوجية للبيشمركة .

أثبتت المعركة بان على القادة ( سعدي ورفيقه فاروق ) ان يقودوا المعارك معاً وان يكونوا في المقدمة ويستشهدوا قبل الآخرين ليسجلوا دروساً في الفداء والأقدام هذا ما كان يدور في كوردستان ونحن على الحدود العراقية السورية حاولنا تمهيد الطرق للعبور .

ففي إحدى الليالي الشتوية ( شباط 1977 ) واثناء عبورنا مع مجموعة من البيشمركة من الأراضي السورية إلى الأراضي التركية للتسلل من هناك إلى كوردستان العراق ، أثناء عبورنا نهر دجلة سراً على ظهر دواليب السيارات المصنعة محليا لعبور الأنهر ، تصدت لنا بشكل مفاجئ القوات التركية الحدودية بضراوة ، حيث أطلقت وابل من الرصاص من عرباتها المصفحة تجاهنا ، وقد عبرنا النهر بصعوبة بالغة بفضل عدد من البيشمركة الذين انبرو للتصدي لهذه القوة وتمكنوا من فتح ثغرة لمرورنا ، واذكر هذه الحادثة بتفاصيلها ولن أنساها ، ومن هولاء الأبطال الشهيد داود الجاف والسادة سامان كرمياني و رؤوف دانيمارك ( شوان صالحي ) الذين قاوموا ببطولة حتى عبورنا النهر مع الأنصار بسلام إلى الجهة الأخرى من الحدود وفي الصباح حلقت الهليكوبترات العسكرية للبحث عنا لاعتقالنا أو ابادتنا .. لقد عبرنا الحدود ولكن القوة تشتت في قرى المنطقة بالقرب من مدينة جزيره التركية الحدودية .. كيف ننسى تلك البطولات النادرة المسجلة في الوجدان لتلك المجموعة التي ضحت بارواحها من اجل انقاذ مجموعتنا .

وتبقى الذكريات المرة والجميلة في الذاكرة .. لم اتطرق إلى سنوات الازمة الداخلية والصراعات في صفوف شعب كوردستان التي راح ضحيتها المئات من البيشمركة الابرياء من القوى السياسية الكوردستانية .

لن ننسى لحظات الرعب ، حينما كانت الاستعدادات العسكرية العراقية قد استكملت للهجوم الشامل على مقراتنا الاساسية في منطقة ( ناوزنك ) في نهاية تشرين الثاني 1978 حيث انزلت القوات والمعدات على قمة جبل ( مامنده) المطل على مقراتنا في قرية شينه ونقطة ناوزنك ولكن الله سبحانه وتعالى افشل خطتهم ودمر قواتهم المعتدية المتغطرسة ، حيث هطلت الثلوج بكثافة غير متوقعة في ذلك الفصل على الجبل فقال القرويون في المنطقة في حينه بان ثلج الله اقوى من مدافع وجنود النظام العراقي . فشلت خطة الإبادة وانقشعت غيوم الموت فازدادت معنويات القيادة والبيشمركة وسكان قرية شينة البطلة .

قد يتسائل البعض عن هذا القفز على الأحداث ، إذ تحدثت عن البدايات وانتقلت إلى سقوط الطاغية وتشكيل الحكومة الوطنية .

كتابة كل هذا التاريخ ليس من حقي فلست مؤرخا او مخولا لكتابة التاريخ ، بل اكتب كشاهد على تاريخ فترة زمنية كما انني فرداً من مئات المناضلين الآخرين الذين لهم قصص مماثلة ، لربما أجافى الحقيقة ولربما اهضم حقوق الأبطال الذين صنعوا تاريخ الاتحاد على الأرض في كوردستان أو في السجون أو اللذين صنعوا الأحداث وهم في حالات الاختفاء والعمل السري .

فأنني لم أتطرق إلى أحداث جسام ومحطات مضيئة في تاريخ الاتحاد .. مثل :

-1 فعاليات ونشاطات الرفاق أعضاء الهيئة المؤسسة والكوادر الفكرية والقتالية ولم اكتب عما كتبه الاستاذ نوشيروان مصطفى امين في مؤلفاته المهمة .

-2 الصراعات السياسية والدموية المحزنة بين فصائل الحركة الوطنية الكوردستانية أو مع القوى الديمقراطية العراقية الأخرى .

- 3 مفاوضات عام 1984-1985 بين قيادة الاتحاد الوطني الكوردستاني والحكومة العراقية التي فشلت بسبب غطرسة صدام وإسناده من الغرب والشرق .

- 4الخلافات بين الاتحاد الوطني الكوردستاني والجبهة الوطنية الديمقراطية العراقية ( جود ) التي تشكلت من الحزب الديمقراطي الكوردستاني والحزب الشيوعي العراقي والحزب الاشتراكي الكوردستاني وطبيعة العلاقات مع الجبهة الوطنية القومية الديمقراطية (جوقد) المكونة من الاتحاد الوطني الكوردستاني والبعث الموالي لسوريا والحركة الاشتراكية العربية والقوميين .

-5  ضرورات تشكيل الجبهة الكوردستانية عام 1988 الذي انبثق بعد كارثة حلبجة يوم 16/3/1988 واستخدام الاسلحة الكيمياوية ضد قرى وريف كركوك ودهوك وكويسنجق ( شيخ وسانان ودولى جافتي ) عامي 1987 و1988 وعمليات التهجير القسري والتدمير مرورا بجرائم الانفال ضد الاف من قرى كوردستان في كركوك ودهوك ونقل اكثر من (182) ألف مواطن كوردي الى جنوب العراق ودفنهم وهم احياء في مقابر جماعية مرعبة في السماوة والناصرية وصحاري الحدود السعودية ودور الاتحاد في نشوء الجبهة بعد انفتاح قيادة الاتحاد والأمين العام مام جلال على الأحزاب الكوردستانية الأخرى والمصالحة التاريخية بين الاتحاد الوطني الكوردستاني والحزب الاشتراكي الكوردستاني عام 1986 وتلاه مع الحزب الديمقراطي الكوردستاني عام 1987 وتوقيع وثيقة المصالحة والعمل المشترك بين مام جلال والمرحوم إدريس البارزاني في شهر تشرين الأول / أكتوبر 1986 بطهران .

-6 انتفاضة آذار 1991 وتحرير مدن كوردستان العراق بدءً من مدينة رانية بوابة الانتفاضة يوم 4/3/1991 وتحرير اربيل يوم 11/3/1991 بقيادة القائد الشجاع كوسره ت رسول علي وصولا إلى كركوك في 21/3/1991 ، واسباب فشل الانتفاضة والهجرة المليونية التي تمخضت عنها الحماية الجوية لقوات التحالف ( الامريكية والاوربية والعربية ) التي حررت الكويت من الاحتلال الصدامي البغيض في نهاية شباط 1991 وفرضت حظر الطيران على القوات الجوية العراقية ضمن خط العرض (36) والتي أسفرت عن تحرير حوالي نسبة ( 65 % ) من كوردستان العراق التي خلقت وضعا آمنا.

-7انتخابات كوردستان في 19/5/1992 وتشكيل أول حكومة كوردستانية شرعية في تاريخ كوردستان برئاسة الدكتور فؤاد معصوم ، وتشكيل المجلس الوطني الكوردستاني برئاسة السيد جوهر نامق سالم . والتشكيلة الحكومية الكوردية الثانية برئاسة المناضل كوسرت رسول علي عام 1993 .

-8 لم اكتب عن ذكرياتي خلال استلامي مسؤولية الأعلام المركزي للاتحاد الوطني الكوردستاني منذ عام 1995 ولحين مغادرتي مكتب الاعلام متوجها إلى دمشق في تموز 2001 وتسلمي مكتب العلاقات هناك .. ولم اتطرق الى فترة خروجي وتركي العمل في قيادة الاتحاد عام 1980 ولغاية رجوعي إلى الاتحاد في اذار 1993 بعد الاجتماع بمام جلال وحل الاشكالات السياسية والتنظيمية السابقة في لندن . ومساهمتي في الكفاح في صفوف الحزب الاشتراكي الكوردستاني .

أحداث وذكريات كثيرة لم اكتب عنها على أمل ان أدونها مستقبلا في حلقات مع العشرات من الوثائق النادرة التي مضى عليها ثلاثة عقود هي جزء من تاريخ الاتحاد الوطني الكوردستاني والحركة الوطنية الكوردستانية .

يتطلع الاتحاد الوطني الكوردستاني وسائر القوى الوطنية الكوردستانية والإسلامية والقومية العربية اليوم إلى غد مشرق سعيد ، إلى عراق ديمقراطي فدرالي موحد مسالم بعد الانتصار على الدكتاتورية وإجراء الانتخابات الديمقراطية لاول مرة في تاريخ العراق يوم 30/1/2005 والذي تمخض عن تشكيل الجمعية الوطنية والحكومة الوطنية الانتقالية برئاسة الدكتور ابراهيم الاشيقر الجعفري .. عراق خالي من العنف والإرهاب والكراهية والعنصرية والطائفية وحكم الأقلية . فبعد ثلاثة عقود ، يتطلع الاتحاد الوطني الكوردستاني إلى الأمام ويتذكر شهدائه الاماجد الذين عبدوا طريق تحرير العراق بدمائهم الزكية فبعد ثلاثة عقود من الكفاح الثوري المتواصل من مقهى طليطلة في دمشق إلى بغداد يصل مؤسس هذه الحركة مام جلال إلى رئاسة جمهورية العراق بالانتخابات الحرة النزيهة ، ليطبق أفكاره ومبادئه السامية على ارض العراق – أفكاره التي تتلخص في بناء عراق مسالم ديمقراطي برلماني فيدرالي موحد ومزدهر ..


عادل مراد

[email protected]

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket