هل كانت محاصرة داعش داخل الموصل وراء الكارثة الإنسانية؟

تقاریر‌‌ 06:22 PM - 2017-03-30
هل كانت محاصرة داعش داخل الموصل وراء الكارثة الإنسانية؟

هل كانت محاصرة داعش داخل الموصل وراء الكارثة الإنسانية؟

بعد خمسة أشهر من انطلاق الحملة العسكرية لاستعادة الموصل من تنظيم داعش تراجع زخم المعركة مع توارد مشاهد وصور مؤلمة لمئات الضحايا المدنيين، فثمة أخطاء عسكرية وحسابات سياسية وراء ما حصل.
 
تطورات دراماتيكية مفاجئة شهدتها مدينة الموصل الاسبوع الماضي، وبعدما كانت الحملة العسكرية لاستعادة المدينة تجري بخطى واثقة منذ انطلاقها في تشرين (الأول) اكتوبر من العام الماضي، إذ تناقش الحكومة العراقية الآن إعادة تقييم الخطة العسكرية.

في 22 آذار (مارس) الجاري قتل المئات من السكان الابرياء في منطقة "موصل الجديدة" القريبة من البلدة القديمة غرب الموصل، بعدما جمع المتطرفون المئات من السكان في عدة منازل متجاورة ووضعوا سيارات مفخخة قريبة منها لإيهام طائرات التحالف الدولي بان المنازل مقرات لمقاتلي "داعش"، نفذت غارة عنيفة وكانت الحصيلة انهيار أحياء بالكامل ومقتل المئات.

الحادثة اجبرت القوات العراقية على ايقاف العملية العسكرية مؤقتا لإعادة تقييم الخطط العسكرية، واعترف التحالف الدولي بوقوع الحادثة وفتح تحقيق فيها كانت نتيجته ان الغارة تمت بطلب من القوات العراقية، فيما استحوذت قصص ومشاهد مئات الجثث الواردة من احياء غرب الموصل على غيرها من أخبار العملية العسكرية.

 محاصرة داعش داخل الموصل
من اكبر الاخطاء العسكرية التي وقعت فيها قوات الامن العراقية في معركة غرب الموصل كان قرار فرض حصار محكم على مقاتلي "داعش" داخل المدينة المكتظة بمئات الآلاف من السكان، اذ ان الحصار اجبر المتطرفين على القتال بشراسة حتى النهاية.

بالعودة الى الوراء قليلا، فان إستراتيجية الحكومة العراقية وقوات "التحالف الدولي" في محاربة داعش خلال السنوات الثلاثة الماضية تجسدت خلال المعارك السابقة في الفلوجة والرمادي وتكريت وبيجي على عدم محاصرة المتطرفين، وترك منفذ لهروبهم من اجل تجنب معارك طويلة ومدمرة.

وتمثل معركة الفلوجة التي جرت بين ايار (مايو) وحزيران (يونيو) نموذجا فريدا على ذلك، فالخطة العسكرية تضمنت هجوم قوات الشرطة الاتحادية و"الحشد الشعبي" من شمال وشرق المدينة، بينما هاجمت قوات جهاز مكافحة الإرهاب من الجنوب، وبقي غرب المدينة فارغا ليهرب منه المتطرفون نحو بلدة "القائم" الحدودية مع سورية.

وكان من المفترض ان يتم تطبيق هذه الخطة نفسها في الموصل كما يقول العقيد في الجيش العراقي في الموصل رائد التميمي الذي قال لـ "نقاش" ان "معركة تحرير شرق الموصل تمت بخسائر محدودة لوجود منفذ هرب منه المتطرفون الى غرب الموصل من خلال عبورهم ضفة النهر الذي يقسم المدينة الى شطرين، وكنا نتوقع ان يقوم داعش بالانسحاب من غرب الموصل نحو الحدود السورية عبر بلدتي تلعفر والبعاج وهو ما لم يحصل" لكن التميمي وضباط اخرون يتجنبون الاجابة على السبب وراء ذلك.

عندما انطلقت الحملة العسكرية لاستعادة الموصل في تشرين الاول (اكتوبر) من العام الماضي، تم استبعاد قوات "الحشد الشعبي" من المشاركة في المعركة، ولكن هذه القوات التفت حول الموصل غربا واعلنت انها ستقطع الطريق على "داعش" المؤدي نحو سورية، وايضا ستعمل على تحرير بلدة تلعفر التي كان يسكنها غالبية من التركمان الشيعة وتم تهجيرهم من قبل "داعش" في صيف 2014.

وفي مطلع تشرين الثاني (نوفمبر) من العام الماضي اعلن قياديان في "الحشد الشعبي" هما ابو مهدي المهندس وهادي العامري  ان قوات الحشد تمكنت من قطع الطريق امام "داعش" بين الموصل وبين مدينة الرقة في سورية، وهي جبهة طويلة ذات طبيعة صحراوية نجحت قوات الحشد في تأمينها بالكامل، وبهذا بات التنظيم المتشدد محاصراً تماما في الموصل.

بعض قادة الفصائل الشيعية العراقية القريبة من ايران يعتبرون العراق وسورية جبهة واحدة، كما ان هناك فصائل شيعية عراقية تقاتل على الارض في سورية، وترى ايران ان السماح للمتطرفين بالهروب من العراق نحو سورية سيزيد الضغط على حليفهم الرئيس السوري بشار الأسد، ومن الافضل ان يبقى "داعش" منقسما بين جبهتين بدلاً من ان يكون قويا في الجبهة السورية.

في 24 كانون الاول (ديسمبر) الماضي قال المتحدث باسم "الحشد الشعبي" النائب احمد الاسدي في مؤتمر صحفي من طهران ان "الارتباط بين الجبهة العراقية والجبهة السورية امر واقع، والحشد مستعد للذهاب الى سورية بعد موافقة الحكومة والبرلمان العراقي".

ولكن في الواقع هناك فصائل شيعية عراقية تقاتل الان في سورية دون موافقة رسمية عراقية، بينها حركة "النجباء" التي اعلنت قبل ايام تشكيل لواء عسكري باسم "لواء الجولان"، كما يشارك مقاتلوها في المعارك الدائرة في حيي جوبر والعباسيين في دمشق.

الخطأ الاخر الذي واجه قوات الامن العراقية هو قطع الطريق الرابط بين الموصل وبلدة تلعفر المهجورة من السكان ويقطنه مقاتلو "داعش"، اذ قامت قوات مشتركة من الفرقة التاسعة للجيش العراقي وقوات "فرقة العباس القتالية" بالسيطرة على بلدة بادوش غرب الموصل وبهذا بات مقاتلو "داعش" محاصرين وسط بلدة مكتظة بالسكان في غرب الموصل، بينما كان من الأفضل اجبارهم على الانسحاب نحو تلعفر وخوض القتال هناك.

استبدال خطة المعركة

في 24 كانون الثاني (يناير) اعلن رئيس الوزراء حيدر العبادي استعادة السيطرة على الجانب الشرقي من الموصل وسط احتفالات شعبية واسعة وحماسة قوات الامن العراقية، وبعد 26 يوما اعلن العبادي استئناف القتال لاستعادة الجانب الغربي من المدينة، ولكن بخطة مختلفة.

تفاجأ الجميع بان قوات جهاز مكافحة الارهاب التي لعبت الدور الكبير في تحرير الجانب الشرقي بعد معارك احترافية للحفاظ على حياة السكان استبعدت عن القتال واصبحت قوة ثانوية، بينما اصبحت قوات الشرطة الاتحادية هي القوة الاساسية في المعركة بعدما كانت قوة ثانوية في معركة شرق الموصل.

السبت الماضي قال نائب رئيس الجمهورية العراقي اسامة النجيفي الذي ينحدر من الموصل، في بيان رسمي ان استخدام خطة جديدة في معارك غرب الموصل تختلف عن خطة القتال شرقها أنتج مقتل المئات من المواطنين دفنوا احياء تحت أنقاض بيوتهم بسبب القصف الجوي لطائرات التحالف الدولي والاستخدام المفرط للمدافع والصواريخ من قبل قوات الشرطة الاتحادية.

في الواقع ان قوات الشرطة الاتحادية وقوات الرد السريع لا تمتلك خبرة كبيرة في حرب الشوارع مقارنة بقوات جهاز مكافحة الارهاب، فقوات الشرطة الاتحادية تأسست في الاساس لتكون قوة عسكرية تشبه قوات الجيش الاعتيادي مع تجهيزات وعجلات ثقيلة، كما انها لم تشارك في حروب شوارع معقدة من قبل، وفي بعض المحافظات تقوم بمهام الشرطة المحلية.

 في بغداد ومحافظات جنوب البلاد مثلا، تتقاسم قوات الشرطة الاتحادية مع الشرطة المحلية حفظ الامن وملاحقة الجرائم الجنائية والاشراف على المئات من نقاط التفتيش في المدن المستقرة، كما ان مقرات الشرطة الاتحادية تتواجد داخل الاحياء السكنية حالها حال مراكز الشرطة المحلية.

لم توضح الحكومة العراقية اسباب استبعاد قوات جهاز مكافحة الإرهاب من المعركة، ولكن بعض السياسيين يتحدثون خلف الكواليس عن ان مشاهد الاستقبال الذي حظي به كبار جنرالات جهاز مكافحة الارهاب من قبل سكان شرق الموصل بتحقيق الانتصار على التنظيم المتشدد بأقل الخسائر أثار حفيظة مجموعات سياسية.

فيما يقول محللون عراقيون محليون ان الخسائر الكبيرة التي تكبدتها قوات جهاز مكافحة الارهاب شرق الموصل اضعفت قدرته على القتال واجبر الحكومة على الاستعانة بقوات الشرطة الاتحادية، ولكن في الواقع هناك الوية لقوات مكافحة الارهاب تقاتل الان في غرب الموصل يقودهم الضباط الذي اشرفوا على معارك شرق المدينة.

 وتجدر الاشارة الى ان صراعا خفيا يتجنب العراقيون الخوض فيه يعود الى اختلاف سلوك قوات الامن العراقية المتفرعة الى تشكيلات عدة، ومن هذه السلوكيات يتجنب جهاز مكافحة الارهاب القتال مع قوات "الحشد الشعبي"، بينما هناك تفاهم كبير بين قوات الشرطة الاتحادية والحشد الشعبي وغالبا ما يقاتلون جنبا الى جنب.

ومثلا، في اذار (مارس) 2015 رفضت الفصائل الشيعية مشاركة طيران التحالف الدولي في عملية تحرير تكريت على الرغم من ان الحكومة والجيش يؤيدان مشاركته وحصلت خلافات بين زعيم الفصائل الشيعية هادي العامري وبين قائد جهاز مكافحة الارهاب الجنرال عبد الوهاب الساعدي، العامري اتهم الساعدي برغبته التعاون مع القوات الاميركية، واضطر العبادي الى اقالة الساعدي من مهامه العسكرية تلبية لطلب الحشد الشعبي.

بينما يعود التفاهم الكبير بين الشرطة الاتحادية و"الحشد الشعبي" الى ان الشرطة الاتحادية تابعة لوزارة الداخلية وهذه الحقيبة الوزارية من حصة الشيعة منذ (14) سنة طبقا للمحاصصة السياسية، وبسبب هذه المحاصصة فان موظفي ومقاتلي هذه الوزارة يكونون في الغالب من الشيعة، وفي 30 كانون الثاني (يناير) الماضي، انتخب البرلمان وزيرا جديدا للداخلية هو قاسم الاعرجي القيادي في منظمة "بدر" وهي جزء مهم من  قوات الحشد.

استعجال أميركي لحسم المعركة

يؤكد مسؤولون عراقيون أن الولايات المتحدة تأمل حسم معركة في غرب الموصل بأسرع وقت، ولتحقيق ذلك شاركت قوات اميركية برية للمرة الاولى في المعركة الى جانب قوات الجيش العراقي والشرطة الاتحادية، واستخدمت المدافع الثقيلة كما كثّفت غاراتها الجوية، بينما لم تكن هذه التحضيرات موجودة في معركة شرق الموصل.

في شباط (فبراير) الماضي تسلمت الفرقة التاسعة للجيش العراقي اوامر من الحكومة العراقية بالاندماج مع اللواء القتالي الثاني التابع الى الفرقة المجوقلة (82) الأميركية التي نشرت مدافعها الثقيلة لتقديم الدعم الى قوات الامن العراقية عند الجبهات الأمامية، كما ان وحدات من الجيش الفرنسي نشرت ايضا مدافع عند الضواحي الشمالية للموصل.

في 14 من الشهر الحالي وقبل حادثة مقتل المئات من السكان الابرياء غرب الموصل، حذر السياسي السني خميس الخنجر في مقابلة مع "رويترز" الولايات المتحدة من تزايد الضحايا المدنيين بسبب اصرارهم على حسم المعركة بسرعة، وقال ان السكان يخافون الآن من العمليات العسكرية بعدما كانوا فرحين في تحريرهم في شرق الموصل.

فرض الحصار على المتطرفين داخل الموصل، غياب قوات مكافحة الارهاب من المعركة، واصرار الولايات المتحدة على حسم المعركة بسرعة عوامل افرزت نتائج عكسية تماما في اهم واخر معركة يخوضها العراقيون للخلاص من تنظيم داعش بعد ثلاثة اعوام من احتلاله ثلث البلاد، والمجزرة التي دفع ثمنها مئات الابرياء ستوثر كثيرا على مستقبل المدينة التي تنتظرها صراعات سياسية وازمات اجتماعية وخدمية معقدة.

الجيش الاميركي اعلن لاحقا فتح تحقيق في وقوع مئات الضحايا من السكان المدنيين في الموصل فيما باشرت لجان تحقيق عراقية العمل في الموضوع ذاته بعد زيارتها لموقع القصف إذ ستحدد هذه التحقيقات ونتائجها الخطوات اللاحقة للمعركة.

PUKmedia عن موقع نقاش

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket