مغادرة مخيّمات النازحين حلم يراود عائلات داعش

تقاریر‌‌ 09:42 AM - 2017-01-26
.

.

مئات العائلات مازالت تقبع في مخيمات النازحين وتُمنع من العودة إلى ديارها، غالبيتهم من النساء والأطفال يدفعون ثمن وصاية أولياء أمورهم، التي قادتهم إلى مستقبل مجهول.
بعد مرور قرابة خمسة أشهر على تحرير مدينة الفلوجة مازالت عائلات عمل أبناؤها مع داعش تسكن مخيمات النزوح، والتي أصبحت ملاذها الوحيد بعد اتهام ذويها بمناصرة التنظيم المتشدد، أو الانضمام إليه.
شهد احمد (32) عاماً، فضلت أن تتحدث لــ"نقاش" خلف هذا الاسم المستعار، وتروي معاناتها التي أوصلتها الى خيمة بائسة في مخيم يبدو الخروج منه الى مجتمع يتقبلها أمراً في غاية الصعوبة، فزوجها الذي مازال مفقودا، ترك لها ولداً وابنتين وتهمة يبدو أنها سترافقها بقية حياتها.
تقول شهد "عندما شاهدت زوجي يجلب الى ولدي الصغير ملابس سوداء كتلك التي يرتديها تنظيم داعش المتمثلة بالزي الأفغاني ويحاول أن يقلدهم في ملبسهم وطريقة كلامهم، أيقنت أننا في خطر، استنجدت بعائلة زوجي لأطلب مساعدتهم في ردع ولدهم، إلا أننا فشلنا جميعا وحاولت لأكثر من مرة إقناعه بالهروب والخروج من المدينة، إلا انه وفي كل مرة كان يجيب بطريقة الشخص المتطرف".
وتضيف أيضاً "وصلت تصرفاته الى الحد الذي يطاق، وبدأ يقلدهم في كل شيء خشينا أن يكون قد انضم إليهم، أصبحنا على يقين انه ما زال يمارس لعبة التقليد، قررنا وقتها الهروب من المدينة، لكننا فوجئنا أن عائلتنا من ضمن العائلات المطلوبة في نقاط التفتيش، وها نحن اليوم ندفع الثمن، زوجي مفقود، وقد قتل شقيقه ومازال والده في السجن ونحن تشتتنا ولا نستطيع الخروج من مخيم النازحين في عامرية الفلوجة أو العودة الى ديارنا مرفوعي الرأس".
زهرة عبد الواحد هو اسم مستعار لسيدة تكنى بأم علي وهي امرأة لم تتجاوز العقد الخامس من عمرها، تغيرت حياتها بين ليلة وضحاها منذ احتلال داعش لمدينتها، وانتماء زوجها واحد أبنائها لهم، فبعد المنزل الكبير الذي يتوسط ارضاً زراعية في ناحية الصقلاوية (25) كلم شمال غرب الفلوجة، تسكن اليوم غير مستقرة في خيمة صغيرة داخل احد مخيمات النزوح المنتشرة في أطراف مدينة الفلوجة، تعاني رعاية أحفادها الخمسة وابنتها.
أم علي، تحدثت لــ"نقاش" وقالت راوية قصتها "منذ اليوم الأول لدخول جماعات داعش الى مناطقنا، وأنا أصبحت في شجار مستمر مع زوجي بشكل شبه يومي لترك المدينة،إلا أنني كنت مثل الذي ينفخ الهواء في شبك، لاسيما بعد أن أصبح واضحا للجميع أن زوجي واحد أبنائي انتموا الى التنظيم وأصبحوا يصنفوننا ضمن عائلات داعش،  لكن لا احد يعلم كيف كانت معاناتنا اليومية ونحن نحاول إقناعهم بضرورة العدول عن هذه القرارات، والتخلي عن هذا التنظيم".
وتقول أيضاً "ندفع الثمن يوميا من أعمارنا ومستقبل أبنائنا،أصبحنا لا نمتلك الحق في العودة الى ديارنا، ولا نمتلك الحق في الحصول على الرعاية الصحية، والتعليم، بل وحتى مراجعاتنا الى الدوائر الحكومية أصبحت محفوفة بالمخاطر، بسبب الإجراءات الحكومية التي استحدثت لغرض التعامل مع عائلات داعش، أصبحنا غرباء في بلدنا ومجتمعنا الذي مازال يعاقب النساء والأطفال، على ذنب لم يكن لهم حق الاختيار فيه".
وتضيف، "كنت على قناعة تامة أننا سنواجه هذا القدر، وسنكون منبوذين من الجميع لان ما فعله داعش قد ولد الحقد والكراهية، إلا أن غالبية العائلات التي صنفت على أنها عائلات داعش كانت مغلوبة على أمرها، ومجبرة على البقاء مع ذويها بسبب سلطة الرجل التي تمنحه حق الوصاية وفرض الطاعة وان كانت بالإكراه، وعلى جميع أفراد العائلة الانصياع لتلك القرارات التي أوصلتنا الى ما نحن عليه اليوم".
وبحسب التقارير الامنية والإعلامية التي تناقلتها وسائل الإعلام المختلفة، فان هناك نسبة كبيرة من الأشخاص قد التحقوا مع عائلاتهم بتنظيم داعش، إلا أن غالبيتهم قد نجحوا بالهروب الى خارج المدن المحررة، ومنهم من قتل ومن تبقى تم اعتقاله، وهذا لا يعني أن كل من رفض الخروج من المدن التي كان يسيطر عليها التنظيم المتشدد هو مناصر لتنظيم داعش.
عبد الوهاب المحمدي (49) عاما، اعتقل لمرات عدة منذ سيطرت القوات الأمنية على مدينة الفلوجة، وفي كل مرة يواجه تهمة مناصرة داعش بسبب عدم مغادرته المدينة، وبقائه تحت سيطرة التنظيم المتشدد.
المحمدي تحدث لـ"نقاش" قائلا، "قررت البقاء في منزلي على الرغم من الحياة الصعبة التي كنا نعيشها تحت سيطرة داعش، وكنت احرص على أن أكون بعيدا عن المسلحين وعدم الاختلاط معهم، إلا أن عملي في مهنة الحلاقة كان يجبرني أحيانا على التعامل معهم، ما جعلني بنظر السكان المحليين أبدو وكأنني احد أفراد هذا التنظيم، ووفق هذا قد تسببت في معاناة طويلة الأمد لأطفالي وزوجتي، في مخيم عبارة عن سجن كبير".
ويقول أيضا "مشهد عودة العائلات الى مدنهم المحررة ومغادرة المخيم،  يثير السؤال في كل يوم عن سبب عدم رجوعنا، وتكون الإجابة بشكل غير مباشر من قبل أطراف أمنية ومدنية تتولى مسؤولية هذه المخيمات، أنهم عائلات داعش الأمر الذي يجعل من فرص تقبلنا مرة أخرى داخل المجتمع ضعيفة جدا، ويزيد من معاناتنا اليومية التي باتت تؤثر سلبا على مستقبل أطفالنا وعائلاتنا".
ويضيف المحمدي "لا أجد فرصة وان كانت بسيطة تسمح لي بالعودة الى مدينتي، فانا مازلت أعيش دور المتهم ولن انجح في إقناع المجتمع وتوضيح حقيقة ما كنت عليه أثناء وجودي داخل المدينة، ومابين هذا وذاك تدفع عشرات العائلات ثمن تلك القرارات، التي جعلت منا متهمين لا يسعون إلى العفو والخلاص من الإجراءات الحكومية فقط، بل يحلمون بان يتقبلهم المجتمع مرة أخرى".
عدد كبير من النساء والأطفال والشيوخ، يعانون جميعهم الرعاية والاهتمام منذ عامين، ومنذ عمليات التحرير هم أمام مصير مجهول يتأرجح بين المطالبات العشائرية وغياب الحلول الجذرية للحكومة المحلية والمركزية، التي مازالت تدعم مؤتمرات ووثائق شرف عشائرية ترفع شعارات السلم المجتمعي والحفاظ على المكاسب الأمنية.
طه عبد الغني، عضو مجلس محافظة الأنبار، تحدث لـ "نقاش" حول الموضوع بالقول: " تبنى شيوخ محافظة الأنبار، ووجهاؤها وثيقة شرف جديدة تدعو الى منع عائلات داعش من العودة مرة أخرى إلى المدن التي تم تحريرها، فضلا عن تقييد حركتهم ومراجعاتهم الى الدوائر الحكومية".
وأشار أيضا الى أن "الحكومة المحلية بصدد إنشاء مخيمات خاصة، تضم جميع العائلات التي تتهم هي أو احد أفرادها بانتمائهم الى جماعات داعش، ويأتي هذا الإجراء ضمن إطار الحفاظ على السلم المجتمعي والأهلي، والسيطرة على الصدامات العشائرية التي قد تحدث عند عودة هذه العائلات الى مناطق سكناها".

PUKmedia عن النقاش

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket