موصليون يروون قصصاً تراجيدية بعد فرارهم من داعش

العراق 10:31 AM - 2017-01-22
موصليون يروون قصصاً تراجيدية بعد فرارهم من داعش

موصليون يروون قصصاً تراجيدية بعد فرارهم من داعش

القضبان الغليظة التي ضربها تنظيم داعش الارهابي حول الموصل منذ حزيران (يونيو) 2014 أخذت تتكسر ليفر المدنيون المحاصرون بحقائب صغيرة وقصص تراجيدية مهولة، "نقاش" اختارت ثلاثا منها نقلتها عن ربة بيت وموظف وشاب موسيقي نالوا الحرية أخيراً.
ما أن يتنفس الموصليون الحرية حتى تنفتح قريحتهم لسرد قصصهم المأساوية التي عاشوها طوال سنتين ونصف تحت حكم التنظيم الأشد تطرفا وعنفا، الى جانب أربعة أشهر من المعارك الطاحنة في الأحياء السكنية تمكنت القوات العراقية خلالها من تحرير الجانب الأيسر أي نحو (60) في المئة من مساحة المدينة.

قصة اكشن
احمد الحاج (55 عاماً) موظف في معمل الغزل والنسيج كان يسكن حي الزهور الذي شهد معارك دامية قبل ثلاثة أسابيع، فانتهى به الحال وعائلته المكونة من سبعة أفراد إلى خيمة صغيرة.
منذ وصوله لمخيم الخازر شرق الموصل اعتاد الجلوس مع أصدقائه الجدد يتبادلون أطراف الحديث، استهل روايته قائلا: قصصكم مأساوية لكن ما لدي أكثر اثارة ولايختلف عما نشاهده في أفلام الاكشن سأختار لكم مقطعا قصيرا من قصتي:
يبدأ بالسرد "ذات ليلة اندلعت اشتباكات قوية ثم لجأنا الى إحدى الغرف، ساعات قليلة ووصل القتال إلى زقاقنا، اطلاق نار كثيف بكل أنواع الأسلحة المتوسطة والثقيلة لقد تخشبنا من الخوف، كنا نحاول كتم بكاء الأطفال، عندما هدأت الاشتباكات خرجت لأرى ما يحدث ففوجئت بمقاتلين من جهاز مكافحة الإرهاب يصوبون سلاحهم نحوي ويصرخون: انبطح... نفذت أمرهم فوراً وانا اصرخ: أرجوكم لاتطلقوا النار انا مدني وعائلتي هنا".
اخذ نفسا عميقا من سيجارته وهو ينفخ الدخان من رئتيه ليكمل: "خرجت زوجتي وبقية أفراد العائلة إليهم فاطمئنوا إلينا، وفيما كانوا يهدئون من روعنا دوى انفجار قوي في حديقة المنزل، تهشم الزجاج وتطايرت الشظايا وتعالى صراخنا، كانت رمانة يدوية ألقاها أحد ارهابيي داعش من منزل جيراننا، هنا بدأت معركة بالرمانات اليدوية والأسلحة الخفيفة حتى الفجر".
ويضيف: "احد الارهابيين الانتحاريين قفز من السطح على عجلة لمكافحة الإرهاب وفي يديه غالونين مفخخين فقتل جنديين لكن بقية الجنود لم يهتزوا واصلوا القتال بشراسة واحدهم يعادل رامبو، عندما كانت تهدأ الاشتباكات تندلع المعارك الكلامية: الله أكبر يصيح ارهابيي داعش أما مقاتلو مكافحة الإرهاب فكانوا يخيرونهم بين الاستسلام او الموت، كل ذلك ونحن متخشبون تحت سلم المنزل الكونكريتي".
ثم يكمل: "بعد دقائق قليلة من الهدوء حسبنا ان الأمر قد انتهى، دوى انفجار هائل فتهدم المنزل على رؤوسنا، كنا نموت، عندما دخل الجنود لم يصدقوا أننا لم نصب بأي أذى، السلم الكونكريتي أنقذنا، عندها أخلونا من الحي نهضنا ونحن نتفحص أجسادنا لم نصدق أننا أحياء".

فررنا من الجانب الأيمن ونحن نتعثر بالجثث
مازال الجانب الأيمن للموصل في منأى عن حرب الشوارع، لكن السكان الذين فروا ينقلون قصصا حزينة. وعندما وصلت إقبال حسين (30 عاما) وعائلتها الى منطقة محررة قادمة من الجانب الأيمن رفعت الخمار الأسود وقالت: أخيرا خرجنا من بطن الحوت، ها نحن أحياء.
تقول اقبال: "كنا في سجن لعين نخاف الجميع بعدما أشاع التنظيم الارهابي القتل بتهم تافهة كحيازة هاتف جوال، ومن المفارقات ان طفلتي التي لم تتجاوز ربيعها الرابع انتبهت إليّ لشدة حرصي على إخفاء هاتفي فقالت ذات مرة لتبتزني: إذا لم تشتري لي ما أريد سأخبر داعش بان لدينا هاتفا في المنزل، ضحكت في البداية لكن عندما قتل عمي لامتلاكه جوالا اخذت تهديد الطفلة بجدية، لقد خشيت حقا ان تقودها براءتها إلى الوشاية بي فيقتلونني".
وتضيف: "وصل بي الخوف الى حرمان أطفالي مشاهدة أفلام الكارتون لكي لايسمعهم أحد يرددون أغاني الأطفال فيعرفون أن لدينا تلفازا، في النهاية ضاقت الدنيا علينا كثيرا فقررنا الفرار قبل وصول الحرب الينا، حملنا حقيبة صغيرة وقصدنا حافة نهر دجلة لنعبر بقارب بعد تدمير الجسور بقصف التحالف الدولي، المشكلة ان داعش يمنع عبور المدنيين الى الجانب الأيسر ليجعلهم دروعا بشرية تعيق تقدّم القوات العراقية، كذبنا عليهم واخبرناهم اننا ذاهبون لزيارة أقاربنا، سحبوا منا البطاقة الشخصية ليضمنوا عودتنا، كنا مستعدين للتضحية بكل شيء مقابل الحرية، وفعلنا".
وتكمل اقبال قصة نجاتهم غير المتوقعة: "توجهنا الى حيث تدور المعارك الطاحنة، انتظرنا في أحد المنازل، وعند مغيب الشمس انطلقنا أنا وزوجي واطفالي الأربعة وفي الطريق انضمت الينا مجموعة عائلات، سرنا مطأطئي الرؤوس بمحاذاة الجدران والصواريخ والاطلاقات تمر من فوقنا، وفي احد الاحياء كان الدمار هائلا دسنا على الشظايا وتعثرنا بجثث الارهابيين ومدنيين حاولوا الفرار، لقد كنا هدفا لقناصي داعش وقنابل الهاون التي يطلقونها عشوائيا".
تتوقف قليلا ثم تكمل: "الرحلة التي استغرقت خمس ساعات مرت ببطء شديد، لقد أوقفنا ارهابيو داعش ثلاثة مرات وأفلتنا منهم بالتوسل والتحايل، احدهم ارغمنا على دفع المال له وآخر طلب منا مفاتيح سيارات ليتم تفخيخها، تقدم صبي وهو يرتجف من الخوف والبرد: هذا مفتاح دراجتي النارية لقد ربطتها تحت الجسر. فأخذه منه".
أخيرا نجت اقبال ووصلت الى بر الأمان بعد مجازفة محفوفة بالموت لكن ثمنها الحرية تقول "يكفي أنني لم اعد اتسمر تحت السلم الكونكريتي كلما سمعت صوت الطائرة ولا اخرج إلا إذا أفرغت حمولتها من الجحيم على المدينة".

"قصة موسيقي عاش تحت حكم داعش"
ذات يوم نشرت "نقاش" قصة شبان موسيقيين شكلوا فرقة صغيرة في جامعة الموصل يدفعهم طموحهم الكبير، أحدهم أمين مقداد (27 عاما) بطل هذه القصة الذي صار بعد خمس سنوات عازف غيتار ويؤلف في الموسيقى ويكتب الشعر.
عندما احتل "داعش" الموصل قرر المجازفة بالبقاء في المدينة رغم لجوء عائلته الى بغداد، والجنون الحقيقي انه واصل العزف ونشر نتاجاته الموسيقية مصورة على يوتيوب رغم ان التنظيم الارهابي  يحرّم الفن والموسيقى قطعا ويطارد من يتعاطاها بعقوبات تصل الى القتل.
يقول امين: "تمسكت بالبقاء حباً في مدينتي ومعارضة لوجود التطرف" يقول أمين الذي وصل بغداد قبل أسبوع، كنت واحد أصدقائي المقربين نعزف باستمرار ونكتب الشعر في منزلي الذي حولته الى أستوديو صغير وسط المنزل بعد أن أخذت الاحتياطات اللازمة لمنع تسرب صوت الموسيقى الى الشارع، حتى داهمني عناصر داعش منتصف ليلة من ليالي تموز (يوليو) 2015، حققوا معي حينها ثلاث ساعات، في النهاية صادروا جميع الآلات والنوطات الموسيقية والأقراص المدمجة وتوعدوني بالعقوبة جلدا او حبسا، عندما غادروا حمدت الله لأنهم لم يعتقلوني لان حياتي ستكون في خطر".
ويضيف: "عندها غادرت فورا إلى منزل عمي في حي آخر بالمدينة، لكن لم استسلم كنت استعير آلات موسيقية لعمي واعزف عليها لأنظف أذني من أصوات القصف والتفجيرات، ومن المفارقات ان أحد أصدقائي لم يكن مهتما بالموسيقى ولأنه يزورني باستمرار ويجلس معي لساعات لملء وقت الفراغ إذ لاتوجد دراسة ولاعمل، حتى تعلم العزف على الغيتار وهو أحد إنجازاتي في تلك الفترة المظلمة.
يقول وهو يدندن على الغيتار: "لا أنسى الألم الذي سببوه لي عندما استولوا على آلاتي الغيتار عندها قررت الانتقام منهم على طريقتي، ألفت (25) مقطوعة موسيقية آخرها سميتها (يُسر) نشرتها على يوتيوب ومواقع التواصل الاجتماعي فور نيلي الحرية وفي جعبتي الكثير".

PUKmedia

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket