المراهنة على عدم استمرار انخفاض اسعار النفط

اقتصاد 03:21 PM - 2016-02-01
المراهنة على عدم استمرار انخفاض اسعار النفط

المراهنة على عدم استمرار انخفاض اسعار النفط

مؤخراً و في نهاية عام 2014 امتلأت الصحف المالية بتوقعات قاسية التي حذرت من أن التوسع المتهور لاقتصاديات الأسواق الناشئة، كالصين على وجه الخصوص، سيبقي على سعر النفط مرتفعاً فوق المائة دولار للبرميل الواحد لعقد أو أكثر. وفي تشرين الاول لعام 2014 احترم صندوق النقد الدولي التوقعات الاقتصادية العالمية لأسعار السلع بقيمة 102$ للبرميل الواحد لسنة 2014 وبقيمة 99$ للبرميل لسنة 2015. وبعد فترة قصيرة، انهارت أسعار النفط، ويقول المحللون ذاتهم الآن، الذين توقعوا سابقا بأن أسعار النفط ستبقى مرتفعة، بأن السعر المحدد بقيمة 30$ للبرميل أو اقل سيكون السعر الطبيعي لفترة طويلة من الزمن.
يقرّ الرأي العام السائد لدى خبراء الاقتصاد بأن (موجة ارتفاع أسعار السلع) قد انتهت، التي كانت السبب للنمو الاقتصادي لدول “BRICS” وهي (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، جنوب أفريقيا) و اقتصاديات أسواق ناشئة أخرى في أواخر العقد الأول من هذا القرن. و الدليل على هذا الرأي هو انهيار أسعار النفط هذه الأيام.
نظرة على الارقام
إنّ التنبؤ يعد فناً أكثر من كونه علماً. فسواء أكان تمويلا شخصيا أم شراكة متعددة الجنسيات أم اجتياحاً سرياً لدولة مجاورة فإن اتخاذ القرارات يجب أن يستند على الفطنة والذكاء. وتُظهر أفضل الممارسات بأن اتخاذ القرارات استناداً إلى أفضل السيناريوهات أو أسوئها هو أمر غبي، بل يحتاج المتنبئون إلى النظر للنتائج على المدى المتوسط، وما على  المرء سوى أن يرجع بالزمن إلى عام 2013 لمعرفة كيف إن استخدام اليقين خلال موجة الازدهار، وإن فكرة الأنماط طويلة المدى ليست موجودة فقط بل يمكن تنبؤها، التي استخدمت لتقدير نسبة النمو لعقود عديدة في المستقبل من قبل أبرز خبراء الاقتصاد في العالم. وأمّا الآن فقد تم إثبات إن معدلات النمو المتضاعفة للبرازيل و الصين وغيرهما من الاسواق الناشئة هي غير صحيحة.
وفي الواقع، كان اجمالي مفهوم (موجة الازدهار) هو عبارة عن تبسيط مفرط لديناميكية أفضل لحالة العرض والطلب، الذي استخدم في كل شي من الذهب إلى الغاز الطبيعي. بعد أشهر فقط من انهيار (موجة الازدهار) فقد أصبح من الواضح إن هذا المفهوم تضمن أعراضا كلاسيكية "للفقاعة المالية" وأتى ذلك مع فرضيات إن الوضع الحالي سيصبح مختلفاً. و بالنسبة لخبراء الاسواق الناشئة والمستثمرين فيها، فقد تم بناء التوقعات على "التفاؤل" بدلاً من وضع نماذج واقعية و مدروسة.
ومع انخفاض أسعار النفط في الوقت الحالي إلى أدنى مستوياته منذ عقود، فقد غيّر العديد من أسلوب تفكيرهم "من أفضل سيناريو إلى أسوأ سيناريو" وهذا بالطبع على الدرجة نفسها من السذاجة. إن "موجة الازدهار" هي بعيدة كل البعد من الانتهاء، بل تم ايقافها بشكل مؤقت فقط. فإن التوجه نحو الغذاء والطاقة والمعادن بشكل أكبر سيحافظ على أسعار السلع، تماماً كما نحن متأكدون باستمرار من نمو سكان الأرض ونمو حجم الطبقة الوسطى في البرازيل والصين ونيجيريا وتركيا. وتعتمد هذه الانماط على غرار العولمة على اتجاهات العرض والطلب التي تظهر بوادر ضئيلة على تراجعها، فكما استطاعت هذه الانماط النجاة من عاصفة توقف النمو في الاسواق الناشئة فكذلك ستنجو أسعار السلع الأساسية.
تقلبات سوق النفط
على الرغم من حديث السوق الحالي حول انتهاء"موجة الازدهار"، فإن قوانين العرض والطلب ما زالت قائمة. ومع ذلك، فقد كان هناك تغير هائل في القوى المنتجة وتفاعلها الجيوسياسي. إن عمليات التصديع الهيدرولي التي استخدمتها الولايات المتحدة الامريكية سببت بتغيير عقود من الافتراضات منها التأثير على أسعار النفط في الشرق الأوسط، وكذلك على سيطرة التكتلات الاحتكارية على أسعار النفط العالمية. عُرِفت المملكة العربية السعودية بأنها المنتج الرئيس للنفط في العالم إذ تحكمت بأسعار النفط العالمية بصورة منفردة منذ عام 1973 إلى عام 2014 لحين دخول الولايات المتحدة الامريكية في نزاع السيطرة على الانتاج. أنتقل العالم الآن وبشكل أساسي من إنتاج النموذج السعودي المتأرجح إلى إنتاج نموذج سعودي-أمريكي متأرجح.
تعمق بعض المحللون بفكرة التصديع الهيدرولي المستخدم في الولايات المتحدة الأمريكية بصورة أكبر، واستنتجوا أن هذا التصديع أدى إلى إزاحة المملكة العربية السعودية من كونها المنتج الاول في العالم، لتصبح الولايات المتحدة الأمريكية هي المنتج الرئيس للنفط في العالم. ولكن في الواقع، فإن الجهود الحالية التي تقودها المملكة العربية السعودية في الدفاع عن منظمة أوبك ضد تراجع حصتها في السوق من خلال رفضها لخفض الإنتاج يدل على أن الرياض تحتفظ بقدرتها على خفض الأسعار وذلك بإغراق السوق بالنفط. إن السؤال الحقيقي هو اذا توقفت المملكة العربية السعودية من انتاج النفط، فهل من شأن ذلك أن يغير وضع الأسعار الحالي؟.
وعلى الرغم من استمرار التراجع في أسعار النفط في عام 2016، فقد بلغ انتاج الولايات المتحدة من النفط أعلى مستوى قياسي ليصل إلى إنتاج تسعة ملايين برميل يومياً عام 2015، ومن المتوقع إن هذا الرقم سينخفض إلى ثمانية ملايين برميل يومياً عام 2016. ويعد هذا انخفاضاً كبيراً ولكن يجب أن يوضع في سياق اتجاه إنتاج النفط في الولايات المتحدة الامريكية. إذ تراوح الإنتاج النفطي الامريكي بين عامي 2000 و 2010 بمقدار من 4.5 إلى 5.5 مليون برميل يوميا، وبعبارة أخرى، فان الإنتاج الأمريكي المنخفض لعام 2016 يكافئ الانتاج العراقي اليومي للنفط مضافاً إليه متوسط الإنتاج الأمريكي في العقد الماضي.
فإذا كان الأمر كذلك، فكيف أدى الضغط السعودي على أسعار النفط إلى تباطؤ أسرع في استخدام التصدع الهيدرولي في الولايات المتحدة الامريكية؟. وعلى عكس الاقتصاد النفطي التقليدي، إذ تم إطفاء استثمارات ضخمة خلال ثلاثة عقود أو أكثر من انخفاض تدريجي للانتاج، فان طريقة الحفر الهيدرولي سينتج حوالي 85% من إجمالي الإنتاج خلال العامين الأولين من بدأ الانتاج في هذه الابار وستتناقص هذه الكمية بعد عقد أو أكثر. ولذلك فان الاقتصاديات المبنية على التصدع تحتم على بعض المنتجين من ذوي الربح المنخفض أو ذوي الربح المرتفع بالضغط على أسعار النفط على الرغم من ظروف السوق الحالية، والحل البديل هو إمّا البيع القسري أو الإفلاس.
أصبح من المؤكد إن طريقة إنتاج النفط بالتصدع الهيدرولي سيتوقف عام 2016. إن ثبات الأسعار بمقدار 30$ للبرميل أو أقل يمثل التكلفة الإنتاجية المحلية للنفط بطريقة التصدع، وأصبحت بعض الحقول في طريقها للفشل بتغطية تكاليف تشغيلها ولكن ستصمد العديد من هذه الحقول. وقد أثبتت طريقة إنتاج النفط بالتصدع بأنها سريعة ومرنة على الرغم من انخفاض أسعار النفط. ويرجع ذلك جزئياً إلى أن صناعة التصدع في الولايات المتحدة الأمريكية تعد طريقة ذكية بالتحكم في التكلفة وهي تنعم بمرونة النظام التشريعي. إنه من السهل إيقاف عمل هذه الآبار و إعادة تشغيلها لاحقاً، على عكس عمليات التنقيب عن النفط التقليدية. فعلى الرغم من أن عدد الحفارات العاملة قد انخفض بشكل كبير عام 2015 فان إعادة تشغيلها عند ارتفاع الأسعار يعد أمراً سهلاً. ولسوء الحظ لم يعتبر العديد من المراقبين هذا الأمر من ضمن أسوأ حساباتهم.
إن إنتاج النفط بالتصدع الهيدرولي لن يتوقف حتى وان استمرت الأسعار المنخفضة لمدة عامين آخرين الذي يمكن ان يحدث بسبب تباطؤ  النمو في الصين وتراجع إمدادات منظمة أوبك. وفي واقع الحال، فان قدرة صناعة التصدع في الولايات المتحدة الأمريكية بزيادة الإنتاج أو نقصانه ستؤدي إلى أقل الأضرار على الاقتصاد الأمريكي الأوسع فقد خلقت ميزة جديدة لسوق النفط العالمي فعندما يرتفع سقف الأسعار سيتبعه وبشكل مباشر إنتاج كبير للنفط في الولايات المتحدة. لا أحد يعرف السعر الدقيق الذي من شأنه أن يؤدي إلى عودة الطاقة الانتاجية القصوى لحقول النفط التي تعمل بطريقة التصدع الهيدرولي، وبالحقيقة فان الأسعار قد تختلف من منطقة إلى أخرى بل وأكثر من ذلك قد تختلف الأسعار ضمن المنطقة الواحدة. ولكن هناك شيء مؤكد وهو هل يجب على المملكة العربية السعودية أن تغير من موقفها من كمية الإنتاج  وتفرض على منظمة أوبك خفض الإنتاج مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار وفي الوقت نفسه ستعمل الحفارات الأمريكية مجددا. و هذا أمر مستبعد.
أما بالنسبة للمستهلكين في الدول المستوردة للنفط، فان انخفاض أسعار النفط تصب في مصالحهم الاقتصادية. ولكن يعزّي المصدرون وعمالقة الطاقة العالمية أنفسهم بحقيقة إن الوضع الراهن هو وضع مؤقت. فإن ارتفاع أسعار النفط والسلع المختلفة قد ملأت صناديق الثروة السيادية في العقد الأول من القرن قد تكون انتهت في الوقت الحاضر، ولكن التقلبات التي دفعت الأسعار إلى الارتفاع تارة والانخفاض تارة أخرى لم تنتهِ بعد. وطالما إن الناس الذين يديرون الأرض يتصرفون بطريقة غير متوقعة، فإنهم سيقومون بأعمال من شأنها أن تسبب بتقلبات السوق. ويعد ارتفاع أسعار النفط ليست سوى حرب غير مقصودة أو اجتياح غير محدد الأهداف.*
(*)ميكل موران: مدير مجلس إدارة تحليل المخاطر العالمية في كونترول رسكس.

PUKmedia/ عن مركز بيان للدراسات والتخطيط

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket