اغتيال العراق اقتصادياً

الاراء 12:37 PM - 2016-02-01
.

.

وافق صندوق النقد الدولي على منح العراق قرضاً مالياً بقيمة 1.2 بليون دولار لتغطية رواتب الموظفين، بعد عجز الحكومة عن تسديدها في شكل منتظم . فقد ألقى هبوط أسعار النفط العالمية بظلاله على الحكومة العراقية، التي قدمت موازنتها السنوية للعام 2016 اعتماداً على سعر 45 دولاراً لبرميل النفط، بينما بلغ السعر العالمي أخيراً ما يقارب 35 دولاراً، أي بتراجع نسبته 70 في المئة مقارنة بالعام الماضي. والمرجّح، أن ينخفض مجدداً وفق بعض التقارير المتخصّصة.

الاقتصاد العراقي يُعتبر اقتصاداً ريعياً يعتمد على النفط كمصدر أساسي للدخل من دون وجود موارد أخرى للبلاد، إذ لم تكن القوى السياسية في مستوى المسؤولية لتنشيط القطاعات الاقتصادية والاستثمارية للبلاد طوال السنوات الماضية، على الرغم من حصولها على فرص ذهبية بعد رفع الحصار الاقتصادي بعد عام 2003، وإطلاق الأموال العراقية المجمّدة التي كان في الإمكان استثمارها في تنويع مصادر الاقتصاد وتنشيط عجلة الحياة الاستثمارية في شكل كبير، ووضع خطط تنموية وصياغة استراتيجية واضحة للاقتصاد. لكن ضعف إدراك بعض القوى السياسية المرحلة الجديدة والانشغال بالصراعات ، واستشراء الفساد ذلك كله أدى الى تدهور مستوى الاقتصاد العراقي تماماً، فتحوّل العراق الى دولة استهلاكية بامتياز .

في الوقت الراهن، يُعتبر استمرار الحرب الدولية على «داعش» استنزافاً حقيقياً لموارد العراق المالية والبشرية، فهكذا حرب طويلة المدى تتطلّب مصروفات مالية كبيرة لشراء الأسلحة وتجهيز المقاتلين من جانب الحكومة، ودفع الرواتب لهم، وتجنيد مزيد من المقاتلين كلما اشتدت الحرب وطال وقتها وتزايد حجم الخسائر البشرية في صفوف المقاتلين، كذلك دفع المعاشات لأسر القتلى منهم. إضافة الى تسيير أمور البلاد وإدامة عجلة الحياة المتردّية أصلاً.

استمر مسلسل هدر المال العام منذ 13 عاماً بسبب تفاقم ظاهرة الفساد ومأسستها إضافة إلى استمرار انخفاض أسعار النفط العالمية الذي شكّل كارثة على العراق، حتى خلال إعداد الموازنة العامة، التي شغلت رواتب الموظفين ميزانيتها التشغيلية، الجزء الأكبر منها خصوصاً التخصيصات المالية المرعبة للرئاسات الثلاث وأعضاء مجلس النواب والمؤسسات الحكومية المنضوية تحت مبدأ المحاصصة الطائفية السياسية.

دخول العراق في عجز مالي قد يؤدي الى انهيار اقتصادي موجع للمجتمع والى كارثة إنسانية. فبعض الدراسات الاحتمالية ترجح ارتفاع نسبة الفقر في البلاد الى 25 في المئة، وزيادة في نسبة البطالة تتخطى التي عليها الآن والبالغة 31 في المئة، مرتفعة بنسبة تزيد عنها. ناهيك عن الظواهر الاجتماعية التي بدأت بالحدوث فعلاً، كظاهرة الهجرة السكانية بسبب الظروف الأمنية والاقتصادية، وهجرة الفلاح من الريف الى المدينة بسبب عدم وجود الدعم الحكومي للمزارع، والتحاق الشباب العاطلين من العمل بالجماعات المسلّحة. كذلك ظاهرة تشكيل عصابات مُنظمة للسلب والنهب والخطف، وغيرها من المظاهر التي تتحمل مسؤوليتها الطبقة السياسية الحاكمة .

اقتراض العراق المال من البنك الدولي لتغطية معاشات الموظفين ينذر بدخول البلاد في مرحلة الخطر الحقيقي لانهيار الاقتصاد وتفكّك البلاد. لم تقترض الحكومة العراقية المال من أجل مشاريع تنموية طويلة الأمد تسدّد من خلال أرباحها التزاماتها الدولية، وإنما اقترضت من أجل تسديد رواتب الموظفين! هل هو القرض الأخير من البنك الدولي لتغطية معاشات الموظفين؟ وما هي الالتزامات المفروضة على العراق؟ ومن أين سيسدّد التزاماته المالية؟ وإذا كانت الحكومة عاجزة عن تسديد رواتب الموظفين، فهل ستكون قادرة على إدامة الحرب ضد «داعش»؟! إن انهيار العراق اقتصادياً هو أقرب الى الواقع من هلاكه بالحرب مع «داعش»! .

 

محمد ال ياسين/البينة الجديدة

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket