العمل الفنيِّ... جمالياته.. أبعاده

ادب و فن 09:12 PM - 2015-12-16
كديانو عليكو أمام أحد أعماله بكاليري زاموا

كديانو عليكو أمام أحد أعماله بكاليري زاموا

"الأقنعة" عند اسماعيل خياط
ان اسماعيل خياط كأحد الفنانين المتألقين احساسا ومعاناة على الساحة الكردية والعالمية لا يعكس الواقع بصورة ميكانيكية في اعماله (الاقنعة)، فعالمه الروحي يؤجل وضع بصماته على مايراه ويسمعه وكيف يفهمه ويدرك ويتأمل ويتمعن ما يستوعبه، ان خياط في عالمه الروحي الخاص بتعامله مع الطبيعة  والانسان انما يبرز في جميع اعماله عالمه الروحي الفردي ورؤيته للحياة، وفي اعماله الخاصة ( الاقنعة )، يحاول خياط خلال تجواله في الدول الأوروبية ان يظهر العالم في وجوها متعددة تختبيء وراء اقنعتها المآسي واحزانا يصعب ادراكها او تفهمها بسهولة، والملاحظ في اعماله ان خياط قد ربط بين وجوه حزينة من وطنه واخرى تعيش حالة من الكآبة والحزن على احداث يصعب تحديدها في وجوههم، ان خياط لم يقف عند حد الحزن فقط بل اظهر وجوهاً مقنعة تختبيء وتحمل خلف وبين طياتها الاجرام والشراسة دالا بذلك على الأسنان المكشرة والوجوه المخيفة والعيون التي تظهر فيها عوالم اخرى من التحدى والعدوانية وحب التملك، ان نظرة خياط الاستتيكية الى اللون التعبيرى وقدرته الفائقة على نقل مشاعر البشر واحاسيسها
 وطبائعها من الخير والشر والكآبة والامل قد وجد تجسيدا له في معظم اعماله التعبيرية، ان خياط يدعو في (الاقنعة) على ان يكون الانسان (انسانا) بكل ما يحمله من القيم الانسانية من الخير والحب والجمال، كما تظهر (الاقنعة) السيكولوجية الخاصة لخياط التي تحمل حبه لفلسفة الحياة واحساسه الاصيل في تصوير مشاهد المأساة والحب والتواريخ الخالدة لوطنه ليس كفنان فقط بل كانسان له اصالته الخاصة وابداعه المرهف في التعامل مع الطبيعة والواقع.

الاستمتاع بالعمل الفني في فضاء غريزة (الجنس)
يذكر جورج سانتيانا ((اننا لن نصل الى فكرة صادقة عن امر يتعلق بالطبيعة البشرية اذا نحن اهملنا البحث في علاقة الحساسية الجمالية بالغريزة الجنسية))، وهو يرى ان تلك الاشعاعات التي يبعثها هذه الغريزة هي التي تضفي الحرارة على الجمال، وان طبيعة الرجل (الشديد التاثر بالمراة) تجعله قادرا على الاحساس بالرقة والحنان والنعومة حتى ازاء الموضوعات الاخرى الثانوية غير المراة، فالاحساس الجمالي وفقا لراي هذا الفيلسوف يعتمد ضمن العوامل الاخرى على عوامل جنسية ولولا ذلك لكانت الحساسية الجمالية ادراكية ورياضية بدلا من كونها جمالية وماذكرنا عن احساس الرجل نحو المراة ينطبق هو الاخر على احساس المراة بالقيم الجمالية كنتيجة لانجذابها الطبيعي نحو الجنس الاخر ... وهو الرجل (رغم حيائها من الاعتراف بهذه الحقيقة) وقد أتسع مجال الاحساس الجمالي لدى كلا من المراة والرجل بحيث قد تثيره موضوعات ثانوية متعددة، فاللون والشكل والخطوط والرشاقة او القوة وهي من الصفات التي قد يتميز بها الرجل او المراة والتي كانت من مثيرات الانفعال الجنسي وقد صارت من العوامل التي تثير الاحساس الجمالي الشعوري، والذي يكون خلفه مؤثرات جنسية لا شعورية، وبحيث قد ينسى الفرد ان احساسه بالقيم الجمالية مرجعه عواطف جنسية دفينة في نفسه او قد يكون واعيا وتمنعه نفسه السامية (الانا العليا) في الاعتراف بهذه الحقيقة ومواجهتها، ويعلل ما تقدم بان  الفرد لو شعل خياله بصورة معينة للجنس الاخر وراى فيها صفات تبعث في نفسه قيما جمالية، فلابد وان يكون لهذه الصفات نفسها القدرة على اثارة هذه القيم الجمالية حتى لو لم ترتبط هذه الصفات بالمؤثر الاول (وهو الجنس الاخر) بل ارتبطت بصورة اخرى لا علاقة لها بهذا المؤثر الاول وانما تتميز فقط ببعض صفاته ... واذا لم يظهر المؤثر في صورة محددة فسوف يتحول هذا الميل الجنسي في نفس الانسان ويبعث من جديد في صورة اخرى كعشقه للطبيعة وتقديره لما تحويه صورها من قيم جمالية سواء كانت هذه الطبيعة ممثلة في صورة مناظر عامة ام ممثلة في صور انسانية او حيوانية او اشكال معينة ... فالطبيعة عندئذ تصبح معشوقة ثانية بديلة عن الجنس الاخر، فالشجرة لو مالت بحيث تشابهت خطوطها العامة مع خطوط ظهر المراة مثلا، لكانت هذه الصفة المشتركة بينهما باحثا للاحساس الجمالي ولعل في ذلك ما يفسر التسمية المعروفة باسم (خط الجمال) وهي التسمية التي اطلقها اساسا الفنان الانكليزى وليام هو كارث على الخط المنحني الذي يمثل خطوط ظهر المراة العارية واستخدامه كثيرا في لوحاته المرسومة وصار بعدئذ عنصرا من العناصر الجمالية في بناء الصور سواء المرسومة او الفوتوغرافية، وكثيرا ما استخدم فيما يؤديه المصورون المعاصرون في اعمال فنية.

التحليل النفسي في مشكلة الابداع
ان مدرسة التحليل النفسي وعلى رأسها فرويد تحاول ان تستخلص العمل الفني من صميم الخبرات الشخصية للفنان، هذه العلاقة تبين لنا ان الفنان ان هو الا شخص منطو يسير على حافة العصاب (او المرض النفسي) وتحاول ان تثبت لنا ان اعمال الفنان لا تخرج عن كونها وسائل للتنفيس عن رغباته الجنسية. ومعنى هذا ان العمل الفني مثله في ذلك كمثل المرض النفسي انما يرتد في نهاية الامر الى العقد المكبوتة في اللاشعور.
ولما كان للعصاب في نظر فرويد مصدر عميق يكمن قي صميم الحياة الباطنة العميقة للفرد، فان للفن ايضا اصلا عميقا يرتد الى الحالات العاطفية والخبرات الواقعية او الخيالية للطفولة. ولكن العصاب عند فرويد هو بمثابة بديل يقوم مقام الوسيلة المباشرة الصحيحة للاشباع، وتبعا لذلك فانه مظهر من مظاهر النقص او الخطا او التعلل او التبريد او العمى الارادي.
بيد ان من المؤكد مع ذلك ان فرويد حين يقرب الفن من العصاب، فانه لا يرمي من وراء ذلك الى التقليل من قيمته او الانتقاص من قدره بل هو يريد فقط ان ينص على امكان تحليل العمل الفني بالاستناد الى مظاهر الكبت الموجودة لدى الفنان.
وهكذا اتجه فرويد نحو تحليل اعمال "ليوناردو دافنشي" بالاستناد الى مذكراته وكتاباته الشخصية ولوحاته الفنية، مع الاعتماد ايضا على بعض الوثائق التاريخية التي حدثنا فيها تلاميذه وعارفوه عن بعض احداث حياته، فلم يلبث ان توصل من كل هذه الدراسة الى ان دراسة طفولة الفنان وما اكتورها من احداث نفسية هامة هي المسؤولة عن التجائه الى الفن وانتاجه لبعض لوحات خاصة مثل الموناليزا ويوحنا المعمدان وغيرهما.
وليس في استطاعتنا هنا ان ناتي على خلاصة وافية لدراسة فرويد، ولكن حسبنا ان نقول ان زعيم مدرسة التحليل النفسي قد وجد في شخص ليوناردو خير مثال لتاييد نظريته في الربط بين الفن والكبت الجنسي، فقد كان هذا المصور الايطالي المشهور ابنا غير شرعي، ومما ادى به الى الارتباط بامه ارتباطا زائدا، فشل معه في تكوين علاقات عاطفية ناضجة مع الجنس الاخر، وبالتالي فقد ظهرت لديه بعض الاتجاهات الشاذة نجو الجنسية المثلية في علاقته بمريديه، وهذه الاتجاهات جميعا قد تجلت في اعماله الفنية على صورة ابتسامات سحرية عذرية (كما في لوحة الموناليزا) او خلط بين الذكورة والانوثة (كما في لوحة يوحنا المعمدان) ومعنى هذا ان الفن عند ليوناردو دافنشي لم يكن سوى عملية اعلاء او تسام بالعزيزة الجنسية. فقد تعطلت الحياة الجنسية لدى هذا المصور الى ابعد حد، حتى لقد تعذر على كل عارفيه ان يعثروا على اسم امراة واحدة احبها ليوناردو..! وهكذا كان الفن عند هذا المصور بمثابة منفذ ومنقذ لرغبته الجنسية، فجاءت لوحاته الفنية تعبيرا عن تركيزه لطاقة الليبيدو في الحياة الوهمية الخيالية بدلا من توجيهها نحو عالم الواقع.
المصدر: مشكلات فلسفية (3) للدكتور زكريا ابراهيم

الفن .. حرية و إبداع (أندريه مالرو)
فلسفة الفن عند مالرو

إن البعض ليظن أن الرجل العادي هو بالضرورة أقل عاطفة من الفنان، ولكن الفنان ليس بالضرورة أقوى حساسية من أي هاوٍ من الهواة، أو من أية فتاة مراهقة مشبوبة الوجدان. فليس الفارق بين عيان الفنان عيان الرجل العادي مجرد فارق في الشدة، بل هو فارق في الطبيعة. آية ذلك أن الفنان على العكس من الرجل العادي لايقنع بما في الطبيعة من موضوعات جاهزة معدة من ذي قبل،بل هويتجه ببصره في معظم الأحيان نحو تلك الجوانب الناقصة أو الغامضة أو الملتبسة التي مازالت تنتظر من يبرزها ويكملها ويفسرها ويعيد خلقها من جديد. وتبعاً لذلك، فإن الفن ليس هو الطبيعة منظوراً إليها من خلال مزاج شخصي، اللهم إلا إذا كانت الموسيقى هي البلبل مسموعاً من خلال مزاج شخصي!....ولكن ليس معنى هذا أن مالرو ينكر أهمية الإحساس الفني، أو يستبعد عنصر المزاج الشخصي، وإنما كل ماهنالك إنه يعتبر ((الانفعال))مجرد وسيلة لخلق اللوحة، كما أن اللوحة في رأيه مجرد وسيلة لتثبيت الانفعال. وعلى الرغم من أن الأعمال الفنية الكبرى تستثير لدينا إحساسات هائلة، وانفعالات قوية، إلا أن السبب في هذه الاستشارة لايرجع مطلقاً إلى كونها تمثل موضوعات مشتقة من الحياة، أو منتزعة من الواقع، وحينما ينجح الفنان في أن يثبت أمام أنظارنا لحظة ممتازة من لحظات الواقع، فإنه لايعيد تصويرها على نحو ماحدث بالفعل، بل هو يخلع عليها طابعاً خاصاً يجعل منها موضوعاً فنياً صالحاً للبقاء. ولهذا يقول مالرو)): إن غروب الشمس الذي يستثير إعجابنا في فن التصوير ليس هو غروب الشمس الجميل، بل هو غروب الشمس الذي صوره فنان عظيم، كما أن الصورة الشخصية (البورتريه)الجميلة لايمكن أن تكون مجرد صورة لوجه جميل.
كان هذا جانباً بسيطاً من فلسفة أندريه مالرو ونظرته العبقرية لحقيقة الواقع الذي يحمل بين طياته حقائق جمالية تتضارب فيها الفلسفات.

اندريه تاركوفسكي Sacrifice (التضحية)
الفيلم الذي يبحث في عالم الخير في الزمن الاخير

ها هي سيمفونية النهاية تعزف على البشرية لتبشر بنهاية العالم على ارض بيضاء لا نهاية لها. كل شيء ينتظر الاخرة، تلك الشجرة اليابسة بدت فروعها وكانها تطلب النجدة حتى لا تقع الكارثة. هكذا اراد المخرج الشاعر تاركوفسكي ان تكون البداية، حيث يروي الفيلم حكاية المؤلف المسرحي الكساندر مع بعض اصدقاءه المقربين في منزله الذي يبدو منعزلا تماما عن العالم، حيث النهاية الضبابية للارض الواسعة الا المساحات القريبة، حيث تجد فيها طبيعة غير عادية من الاشجار الييابسة الطويلة القامة، وكان الكساندر قد خصص هذا المنزل فقط لقضاء الايام الجميلة، حيث العطل القليلة، كانوا يحتفلون بيوم عيد ميلاد الكساندر وهم في قمة السعادة في الحوار والحب والضحك والمرح. ان تاركوفسكي اراد برومانسيته ان يغير من مجرى الحياة على هذه الصورة الجميلة، حيث وجدوا فجأة انفسهم امام واقع اخر انه عالم (الآبوكاليبسيدا) اي اخر الزمان، حيث يظهر تاركوفسكي التفاصيل الدقيقة من اللوحة الكبيرة المعلقة على جدار المجٍهول، وكأن اللوحة تبشر بصراع قوي سيلم للبشرية، حيث الطفل والام والحصان والشجرة الطويلة القامة التي ظهرت في الواقع ولكنها في اللوحة وكأنها تحاول ان تحمي جميع العناصر من الهلاك والفناء. ان مشهد الخزانة الخشبية وما بداخلها، وكذا الطاولة وما عليها من اواني زجاجية وكذا الغرفة وما بداخلها من رؤوس أدمية ساكنة تنتظر ساعة الكارثة، فجأة وبشكل تراجديدي لا أفزع منه ولا اروع منه، حيث صوت صاعقة من الخارج تسمع بشكل تدريجي، حيث بدت كل الجمادات في الحجرة المظلمة المخيفة بالتحرك ويزداد التحرك بزيادة قوة الصوت الاتي من الخارج، بدأ الكل يبحث عن الفلات الا الكساندر الذي بقي صامتا كالحجر ينظر بتمعن غريب الى الآنية الزجاجية المعبئة بالحليب وهي تتحرك بحركات مخيفة غريبة وفجأة تسقط على ارض الحجرة فيغطي الحليب مساحة كبيرة من الارضية، ثم يظهر مشهد للواقع وكأنه ارض تلك الحجرة، ولكنه جليد وصقيع، حيث لا حراك الا بشق الانفس. ولم تقع الكارثة بعد؟ ان الهجوم الاتومي على العالم لم يبدأ بعد، ان الكساندر كان يخشى من وقوع مثل هذا الهجوم الذري على البشرية، حيث نهاية الحب والسعادة واحس في الوقت نفسه بعظمة هذا الحدث وأستنتاجاته، ووصل الى النتيجة التي تعتبر احب ملك لديه واعز شيء يملكه التي هي داره ويخسرها، ويقضي الليل وحيدا مع مريم والدة المسيح، حتى يستطيع تغير اتجاه الاحداث، واخيرا يحرق داره ويجعلها قربانا وتضحية تفاديا لوقوع ذلك الهجوم فيكون بذلك نهاية عالم يحضر للحياة من جديد. يحاول تاركوفسكي في نهاية الفيلم ان يظهر في مشهد رائع عودة الحياة الجديدة الى العالم، حيث يحاول الطفل الصغير ان يروي شجرة يابسة تماما وتراقبه الفتاة الجميلة ذات القامة النحيفة الطويلة، وكأنها تنتظر بداية الحياة من جديد، حيث ترجع الاحداث كما بدأت، وها هي سمفونية بداية النهاية تعزف من جديد في عالم اشبه بالسراب والخيال، حيث ولادة تاريخ جديد للبشرية مبني على الخير والسعادة.
ان تاركوفسكي في فيلمه (التضحية) يحاول كانسان ان يضع كل المكتشفات العلمية في سعادة البشر بكل ما تحملها من فلسفة وحب وجمال.

المنهج السيكولوجي
التحليل النفسي والفن

يقول فرويد:لا يعتبر الجمال من بين اهداف الفنان المباشرة, اذ ان مشكلات الحياة هي التي تستأثر باهتمامه اولا وقبل كل شيء, فالجمال ليس الا سلاحا او وسيلة دفاعية او حيلة للمراوغة في تلك المعركة التي يخوضها مع الواقع (التسامى والاعلاء).
اما الفن بوصفه وسيلة للاشباع التعويضي فانه لن يكون من الميسور لنا فحسب فهم النشاط الفني, بل ان هذا النشاط حريُّ بان يحمل لنا معنى اكبر اذا ما نظرنا اليه على اعتبار انه احدى حيل الاستراتيجية العقلية ووسيلة للغلبة او الانتقام وصورة من صور الدفاع او الهروب.
ان التحليل النفسي لا يرى فحسب ان التكوين البيولوجي للانسان او ما يسمى (بالطبيعة الحيوانية التي لا تمحى) ذو طابع ستاتيكي متزن بل انه يتورط ايضا في كثير من المفاهيم غير الدينامية او الحركية الاخرى.
وهناك ما يسمى (النزعة النفسانية المتطرفة واستقلال الصور الروحية) وفي هذا الصدد يقول فرويد في رد له على سؤال وجهه اليه الفنان السريالي الفرنسي اندريه بريتون (ان الحلم لا يعني شيئا اخر سوى العلم بشخصية الحالم وصراعاته واعراضه وخبراته الماضية, اما الاثر الفني فقد يكون على النقيض من ذلك عظيم الدلالة الا انه لا يمدنا باية معلومات من هذا القبيل عن صاحبه).
ان الاستمتاع بالشكل الفني, الامر الذي يعجز عن تفسيره, بل لا يحاول تفسيره يعتبر عديم المعنى في حد ذاته, اي انه مجرد لون من الوان الاغراء او كما يسميها (لذة تمهيدية) يراد بها فتح شهية الجمهور.
وهناك دور هام وخطير للفن في التخريب والاصلاح, ومنذ ان ظهرت الرومنسية اصبح الفن انتجاعا لوطن يظن الفنان انه كان مالكا اياه زمن طفولته, كما يتراءى لناظريه في صورة فردوس فقده نتيجة لخطئه.
واخيرا لا يعتبر الاحساس بالكمال من المكونات الضرورية للتجربة الجمالية, لان هذه الحالة تختلف من انسان الى انسان اخر حسب درجة ثقافته والبيئة التي يعيش فيها وعلاقته بالاشخاص الذين يتعامل معهم.

اصالة الواقعية ومستقبل اللون المخيف عند رفو شنكالي
في اخر معرض واقعي وليس الاخير تمكن رفو شنكالي في لوحاته من جذب نظرات المشاهدين الذين اصبحوا واقعيين اكثر مع اصالة الواقعية التي صورتها ريشة هذا الفنان, هذه الواقعية التي تحمل بين طياتها الصدق والامانة الفنية مخترقة بذلك الخطوط الكلاسيكية الدقيقة, وهنا نتعرف على عالم اللون والتعبير عند رفو شنكالي.
حيث يبدو للناظر من الوهلة الاولى التناسق العجيب بين محتويات إحدى لوحاته (الخلفية, الصوف, العصاة, الاشياء المعلقة على جدار المنظر الخالي من الزوايا, السجاد الكبير المنبسط على الارض....الخ) حيث يبدو من خلف الامراة العجوز تماما النور الذي يتلاشى شيئا فشيئا كلما امعنت بالنظر من الوسط الى اليمين والى اليسار ولا شك ان شنكالي قد عبر بذلك عن التاريخ العريق لشعبه وعن الاصالة التي لا تعدو ان تكون شيئا فريدا ونادرا في تاريخ الشعوب ثم بالمرور من محيط اللوحة دون تحديد نقطة البدء تكون جميع العناصر قريبة من اللامحدود اشارة من شنكالي الى التناقضات وما مر به الكرد من طرق عسيرة وظالمة حتى وصلوا الى ما وصلوا, اما الغطاء الابيض الذي تضعه المراة العجوز على راسها وكذلك اللباس الابيض اضافة الى انه خاص بفلكلور ايزيدي كذلك يعبر عن صدق وامانة واصالة الكرد, وبالملاحظة الدقيقة للوجه وما يتضمنه من تجاعيد, والامل الحامل معه شيئا من الياس انما ذلك دلالة على ما قاساه الكرد, اما حركة اليدين القابضتين بقوة على طرفي الصوف الاسود ثم وضعها على المشط الخاص دلالة على استمرارية الحياة رغم الياس والظلم, ثم تاتي وضعية الرجل اليمنى الممدة الى الامام والمنسجمة والمستقيمة مع اتجاه خطوط السجاد التي تكاد تختفي شيئا فشيئا من الخلف دون تحديد نقطة النهاية اشارة الى الحياة الجديدة والمستمرة السائرة الى الامام دائما بعد ان اعطى الكرد دماءهم رخيصة لكل شبر من تراب وطنهم الغالي وهذا ما دل عليه اللون الاحمر للسجاد الكبير المنبسط على الارض, وكذلك حركة العصاة المستقيمة مع الخطوط الاخرى العمودية وكلها سائرة الى الامام. هذه اللوحة بكليتها وتناسق الوانها وكأن الصوف ظاهر في كل مكان ولكن الغريب ان لون الصوف في كل مكان يبدو ابيضا وان هذه التراجيديا لتذكرنا بافلام السينما المرعبة دلالة على الخوف من الحياة القادمة وما سيلقاه الكرد في الغد, وان عظمة هذه العجوز اشارة الى عظمة هذا الشعب وصلابته وجبروته.
ان رفو شنكالي كانسان قبل ان يكون كرديا يرى ان مهمة العمل الفني ان يعبر لا عن نوع فني او عن تكنيك ولا حتى عن احساس او انفعال جزئي, بل مهمته ان يعبر عن الالهام الذي لا يتجزا والذي يصدر عن شخصية باكملها.
فكان رفو بذلك جريئا واصيلا وصادقا مع ريشته ومع لونه الذي ينتظر منه الكثير الانساني...


علي لطيف... صراع لوني دافىء
يقول سقراط: المتع الحقيقية هي تلك التي تنشا من الالوان التي ندعوها جميلة ومن الاشكال، ومعظم المتع من الشم والصوت. ان المتع الحقيقية تنشا من جميع تلك الاشياء التي ليست حاجتنا اليها بالمؤلمة انما التي يكون شبعنا منها سارا بشكل واقع وغير مشروط بالالم.
التشكيلي الراحل علي لطيف من خلال تجربته مع اللون يقدم لنا متعا من الالوان الدافئة التي قد تبدو للانسان العادي ثورة حقيقية خلفتها دماء الالاف من البشر، وعند النظر والتمعن والتنعم في مكنونات اللوحة ستجد هدوءا من المشاعر العاطفية تعقبها اصالة التاريخ الكوردي بنسائه وآماله وآلامه التي تبدو جلية في معظم لوحاته، لقاء وانتظار وترقب، بركان هائج من المشاعر الاصيلة تحتاج الى من يتعامل معها بفلسفة الحب والجمال.
ان علي لطيف في تقنيته التعبيرية التي يغلب عليها الطابع التجريدي من الجهة السفلية في كل لوحة، وحين يتكلم عن التعبير الذي هو على الاغلب لا واعي ولا عفوي عن الشخصية الداخلية، الطبيعية غير المادية فانه يكون في الحقيقة يشيرالى ما ندعوه اليوم باللا وعي. انما ثمة التباس في هذه المسالة- نعني ان عملية التعبير ذاتها لا واعية- اي غير موجهة ام نعني ان ما يعبر عنه الشخصية الداخلية او الطبيعية غير المادية لما يعبر عنه- مشكل لا شعوريا؟ اعتقد في هذه الحالة علينا ان نقيم تمايزا ما بين العفوية والتلقائية، ما بين فعل الاسقاط وما هو سابق على الاسقاط، فعل التشكيل او الخلق الذي يجري تحت مستوى الوعي.
علي لطيف لا يقدم مشاعره اللونية بصورة جاهزة للقارىء الفني، انما عليه اي القارىء ان يبحث في خلايا الالوان والخطوط والتشعبات اللونية التي تقدم لك واقعا اخر جدير بالبحث فيه، انه يبدأ من وجود ضرورة داخلية، وجود حاجة داخلية يجب ان تفرغ سواء عن طريق اللون او الصوت، ارادة تكرهه على نشدان تعبير لا نعرف ماهيته ولكن بامكاننا ان نغوص في تحليله فنستنتج ما يريحنا او يغضبنا ونحن كفنانين فان ما ننشده هو شكل عيني- صورة بالالوان او الاصوات او حتى الحركات- يتطابق مع هذه الحاجة، وعن طريق موضعته، تحديده، توضيحه، يخلفنا في حالة من الهدوء الداخلي، من التوازن النفسي.
ان فلسفة الجمال عند علي لطيف تبدأ من نقطة انه لا يحتاج الى وقت طويل لابراز مشاعره الانسانية كفنان كوردي له عالمه الخاص، بل هو شخصية ذا ترجيع قريب في التعامل مع اللون والحدس، يقدم تقنيته التعبيرية بشيء من الغموض بمواضيع انسانية تاركا للقارىء الذكي مجالا شاسعا في رحاب لوحاته ليسبح في فضاء قراءاته للون والخط وخفايا الاشياء ما يلبث ان يجد نفسه في عالم مليئ بفلسفة الحب والجمال والابداع.
ان الضرورة الداخلية الصادقة لدى علي لطيف كفنان له اصالته الخاصة تتطابق مع ضرورة خارجية، وهي ببساطة ضرورة التواصل مع الاخرين من البشر باقصى القوة، والفن ما هو الا توفيق بين هاتين الضرورتين.
 
 مصارعة الالوان عند فريد زامدار
ان الاثر الفني لكل عمل فني لا يتوقف على رؤيته والتمعن والتنعم في تفاصيله، بل تتطلب المراجعة والرؤية الفنية حالة من الخروج عن عالم الحقيقة والولوج في حالة اشبه بالخيال مع مراقبة معالم اللوحة وربطها بعضها مع البعض حتى تصل في النتيجة الى نوع من الشعور اما بالغبطة الفنية او الشعور بنوع من الترح الجميل.
فريد زامدار باسلوبه في صناعة اللوحة، اكثر ما يهتم به هو اخراج مكنوناته المباشرة وانطباعها على السطح الابيض، تجده دائما في صراع مع اللون، في صراع مع الذات، انه حالة قلقة لا يستطيع ان يضبط نفسه او يضبط الالوان، ان مشاعره انية تحمل روحا من الاسى والالم الذي لا يعرف سببه الا انه دائما يحاول ان يبحث عن الطريق، الطريق المجهول الجميل، الطريق الى الحرية والجمال الموجود في عالم اخر.
 عالم زامداري لا يستطيع احد التأقلم معه الا اذا سبح في فضاءات الصراعات اللونية عنده فهو بذلك سيجد عالما اخر مليئا بالحب والغضب والالم، الالم الذي لا يكشفه في نفسه بل تجده في الخطوط المجنونة التي يحركها، انه يحاول دائما ان يبحث في نفسه من خلال الشعر واللون، لا من خلال تعامله العادي مع الاخر.
فريد زامدار لا يتوقف عند نهج فني محدد، انه يسير اللوحة حسب حالته، لا يتعامل كثيرا مع التنسيق اللوني، لانه في حالته تلك لا يشعر بالتوازن، انه يحاول ان يخلق التوازن من خلال الصراعات المتعددة، من جميع اطراف اللوحة ويخلق منها حالة من الاستقرار الذي يصعب على القارىء ان يستوعب مدلولاتها لكنها في النهاية تدخل القارىء في جو من الاستقرار الرؤيوي اللذيذ، قلق من الداخل لانه يخشى ان يحس به احد.

من الطبيعة الى العمل الفني
الله خالق الكون، ولم يخلق الانسان شيئا، فعمله لا يعدو ان يكون تجميعا للعناصر والخامات التي يجدها في الطبيعة، فالكيميائي لا يخلق خامة جديدة بل يجمع العناصر لايجاد تكوين كيميائي جديد، والزارع يضع بذرة النبات في ارض بعد تسميدها لينبت الزرع، ولا شان له بقدرة البذرة على الانبات او قدرة السماد على زيادة خصوبة الارض، فما فعله الزارع لا يعدو ان يكون تجميعا بذكاء لعناصر لم يبذل جهذا في خلقها، بل جهد فقط في جمعها، وكان من الممكن ايضا للبذرة ان تنمو دون تدخل الزارع، كان تذروها الرياح الى ارض خصبة، ولن يكون هناك فرق في النتيجة بين ما فعله الزارع او ما فعلته الرياح، ففي الحالتين سوف ينمو النبات.... والفنون الانسانية جميعا هي فنون تجميع لعناصر لايجاد تكوين جديد، ولا يعدو دور الفنان ان يكون اداة لتنظيم هذه العناصر وفقا لنمط او نهج رآه معبرا عن ميوله واحاسيسه، فالفنون لا تخلق انما تشكل العناصر.
ومن غرور الانسان ان ينسب الى نفسه فضل "الخلق الفني"للتعبير عن عمل لا يعدو ان يكون تجميعا وفقا لتنظيم او ترتيب معين رآه، وكما ان الرياح قد تكفل القاء البذرة في الارض لينمو النبات بطريقة عشوائية، كذلك فان الطبيعة تكفل احيانا تجميع العناصر بطريقة عشوائية لخلق ترتيب يكون منبعا للالهام الفني.
والبذرة قد تلقى ارضا او بيئة لا تناسبها، فلا ينبت الزرع، وكذلك ايضا قد تتفق العناصر في الفن التشكيلي او لا تتفق، فيكون التجميع ناجحا او فاشلا وفقا لمدى اتفاق العناصر او تنافرها. فالخصائص الطبيعية للعناصر هي الفيصل في هذه النتيجة او تلك، فليس هناك فن يجمع بين النار والماء، او بين الزيت والماء. وهنا تكمن الحدود التي وضعتها الطبيعة امام الفنون الانسانية، فالمسلك الانساني في الفن كما هو في الحياة قد حوصر بما وضعته الطبيعة حوله من قيود. فالطبيعة بذلك وهذه قدرتها كانت رائدة في فنون التجميع أي فنون التشكيل التي اعتدنا على تسميتها "بالفنون التشكيلية" والطبيعة وهي الحاكمة هي التي يجب ان تطاع، والفنون تسكت حين تتحدث الطبيعة. والانسان حين يريد البناء لا تتدخل الطبيعة في فكره لتذكر له أي خامات يجب ان يجمعها، ولكن الطبيعة تذكر ان من الخامات ما لا يمكن الجمع بينها. يمكن الجزم في القول بان الطبيعة هي المصدر الوحيد لالهام الفنان في اختيار موضوعاته، فهو لن يخلق شيئا من العدم، بل يمكنه ان يبدع فيما هو موجود لان قدراته الابداعية لن تتعدى حدود الموجود ولن ياتي بشيء غير موجود، فقط يمكنه ان يضع من ما اتت بها الطبيعة وفقا لاهوائه وغرائزه وميوله وسيكولوجيته الخاصة التي قد تخرج احيانا عن حدود المالوف عند عامة الناس فيضع شيئا غريبا ومبدعا ولكن يبقى مصدره الطبيعة وبالتالي يبقى ذلك الشيء موجودا فهو لم يخلقه وانما ابدع فيه وخرجه عن المالوف.

دقة العفوية في اعمال وهبي رسول
اللاوعي قوة لا محدودة قادرة على التغيرات اللانهائية، تتحدى مرور الزمن، وهي محصنة ضد ابعاد المكان الذي نعرفه ونحن واعون، انه (اللاوعي) قلعة احلامنا ومعملها يشتمل على كل ما هو مكبوت من التجارب (المتمزقة) في المسرات والالام، التي لا تستطيع معمار شخصياتنا الفردية ان يجد مجالا لها، او قوة للاحتفاظ بها على نحو علني تتمثل تلك التجارب بعراقتها ووحشيتها وبدائيتها، التي تشبعت بالوف الاثار التي واكبت تطورنا الارتقائي من الاميبيا الى الانسان المعروف، في الجنس البشري.
وهبي رسول في رسالته الانسانية، الفنية هذه، يبحث في علاقة الانسان الهزلية مع الواقع، بقوة بصرية وكان حركاته الفنية تسابق الاعاصير التي يحتضنها العقل البشري، بل وانها في احايين اخرى تسابق الزمن للوصول الى غايات يتطلب انجازها السريع من الوقت.
بنظرة متقنة في اعمال وهبي رسول ستجد فيها رسالة فنية من اللاوعي المتقن البعيد عن فانتازيا اللعب باللون والخط وعناصر اللوحة، انه يحاول ايصال هذه الرسالة بنية فنية صادقة وبدقة عفوية يصعب فهم مكنوناتها، الا انه من خلال الحركات السريعة والروح الصادقة تجد فيها شيئا من الغضب والصراع والتناقض وكانه في اعماله يعيش دائما حالة من عدم الاستقرار من خلال التلاعب بدقة بعناصر اللوحة من الوجوه التي تعاني حالة من الفلتان الحسي والحركي والاعين التي تبدو وكانها من وراء جسم بلوري تخدع البصر.
ان العالم الذي يصنعه وهبي رسول بهذه العفوية المتقنة او الاقرب هذا العمل الابداعي الذي ينجزه، قبل كل شيء عمل صعب مرهق لا رحمة فيه، وبهذا المعنى (كل عمل فني هو عمل ماسوشي) وفي الوقت نفسه انه عمل يوسع ويعمق الادراك النفسي، ويمتع ويوجه الفنان والمتلقي، وذلك عندما تصير الحقيقة جمالا للاندفاع المبدع الملهم اللاوعي ينبغي ان تضاف الممارسة التقنية المستمرة، المتمثلة في الهيمنة الخلاقة الواعية المدركة، التي تبدا في شباب الفنان بالتتلمذ والتدريب والمحاكاة. حقيقة الحدس الملهم، المعرفة، الاندفاع المبدع، والهيمنة الخلاقة، هذه هي خلاصة العبقرية الاصيلة وجوهرها كما ونوعا، وعلى قدر امتلاك الميزات تتوقف درجة الابداع والخلق.
رسالة لوحات (هيسا) كما عنونها وهبي رسول اشبه بهبوب العواصف التي تجرف معها كل شيء الا اصالة الوجود والروح الكامنة بين رموز وعناصر لوحاته، انه يحاول ان يجول المشاهد في هذا الاعصار في عوالم اخرى تسكنها فن فلسفة الجمال العفوي المتقن واصالة التقنية التي يحتاج القارىء الى الكثير لفهم مكنوناتها.

تأملات في الفن
ما هو العمل الفني؟ يمكن ان نتسائل: ما المعيار الذي يجعلنا نقول هذا عمل او موضوع فني؟ لاحظوا اننا نستطيع ان نقول ذلك عن اكثر الموضوعات قبحا. فقد يقال: هذا فظيع ولكنه موضوع فني. ونحن نجد اشياء كثيرة من هذا النوع. فكيف نميزها اذن حتى نطبق عليها ذلك الوصف.
لا بد اولا من ان نطرح سؤالا ان الموضوع او العمل الفني هو شيء مصنوع من قبل الانسان. فما الذي يجعلنا ان نعرف، حين نفحص موضوعا من الموضوعات، انه مصنوع من قبل الانسان؟ يمكن ان نطرح هذا السؤال الذي يبدو لاول وهلة ساذجا كل السذاجة، ما الذي يثبت لي ان هذا الموضوع هو من صنع يد انسانية، وان هذه في الدواة مثلا ليست محصولا طبيعيا؟ حين نقول انه لا بد من ان توجد في العمل الذي يصدر عن يد انسانية بعض الخصائص التي تتعارض مع خصائص العمل الانساني ونظرنا الى صورته او الى بنيته الخارجية وقارناها ببنيته الداخلية لوجدنا ان بين البنيتين علاقة مختلفة عن العلاقة التي نجدها حين نفحص موضوعا طبيعيا، سواء كان من نتاج الحياة او معدنيا.
اني لا اقول ان المشكلة قابلة لان تحل دائما، فهناك حالات مشتبهة. الا اننا في اغلب الاحيان نجد ان بنية الاجزاء الصحيحية للشيء تبدو لدى الفحص انها لا تلعب في حالة العمل الفني الانساني، الا دورا ثانويا في تكوين شكل المجموعة.
ومن هنا يظهر ان العمل الانساني المصنوع بواسطة مواد اية كانت هو مجموعة لا يحسب الصانع فيها الا حسابا محدودا جدا للبنية الصحيحية للشيء الذي يصنعه.
فانتم تستطيعون ان تصنعوا من اكثر المواد اختلافا موضوعات متشابهة. فالكأس، سواء كانت من البلور او من المعدن او من الودع، تستطيع ان تاخذ الشكل الواحد تقريبا. ولكنكم تهملون هنا المادة التي تصنعون منها الكأس. ثم اذا فحصنا ايضا هذا الموضوع المصنوع بيد الانسان وجدنا ان شكل المجموعة اقل تعقيدا من البنية الصحيحية للاجزاء. وهذا ما يوحي بفكرة الخلل. وبهذا المعنى نقول ان النظام يفرض عدم النظام.
ان الحس المشترك البسيط يقول لنا: ان العمل الفني في جوهره، عمل غير نافع. يعني ان الفن لا يجيب على اية حاجة من الحاجات الفيزيولوجية للحياة، تلك التي يشترك فيها الجميع والتي يكون عملها ثابتا وتكون ضرورتها منظمة. ولكننا نجد على العكس من ذلك، ان اثار الفن تثير او ترضي وظائف فيزيولوجية خاصة ومحلية هي الحواس.

زهير حسيب... اصالة اللون الحزين ابدا
مذ عرفت هذا الفنان الكوردي الاصيل وهو يعيش جمالية مأساة اللون، يعيش عراقة واصالة شعب يكادح ابدا، انه لا ولن ينسى سهول وقرى ووديان الجزيرة في كوردستان سوريا، بل واضحت جزءا منه لا يتجزا في جميع التقنيات التي يتداخلها لصنع لوحته.
لاتختلف الوجوه كثيرا عند زهير، فهي بريئة دائما وحزينة دائما، ترقص وهي حزينة وكانها ترقص مناداة للعالم لفك اللغز المتناقض في وجوه اشخاصه التي تحمل الحيرة في بعضها والحلم في بعضها الاخر على انغام موسيقى سينما عامودا ورائحة الاجساد البريئة المحترقة.
في جميع اعماله البحث عن الطفولة، الحرمان من الامومة، البحث عن الحرية المفقودة، حتى في اجمل اللحظات التي يتمتع فيها الاطفال.
ان مسالة دمج الفرح والبراءة والحزن بالزغاريد لهي القمة في وصف استمرارية الحياة رغم الماسي بتلك الاصالة الخيالية التي يعبر عنها حسيب باللباس الاصيل وملحقاته ومتناقضات الوجوه التي تبدو للوهلة الاولى بانها في قمة الفرح لكنها في الحقيقة تخفي خلفها الالاف من الاحزان، وبالتدقيق العميق الممعن في الوجوه ستجد بانها تخفي ورائها ابتسامة غريبة اقرب الى بداية بكاء لن ينتهي ابدا.
ان الة الناي الموجودة في بعض لوحات حسيب انما تعزف سمفونية القدر التي انزلت على سينما عامودا مهاجرا معه العشرات من الاطفال الذين كانوا يستعدون للفرح حتى كانت حكاية الناي الحزين.
ان المتابع الدقيق لبدايات حسيب الفنية سيجد بان الامهات يفتقدن ابدا الى الاطفال الحالمة، الاطفال النائمة، الاطفال الراحلة الى فضاء الله الواسع حيث الملائكة.
زهير حسيب اصالة لونية حزينة لن تفارقه في تقنيته وفي لوحاته وجوه الاطفال البريئة الحزينة ابدا، انه يعيش ماساة اللون باصالته التي افتقدها الكثيرون من جيله، انه يملك الازلية في الحب لوطنه لنساء وطنه لاطفال سينما عامودا مهما عاش.

ستار قادر و صراعات اللون والحب
ينتمي ستار قادر إلى عالم ملؤه المحبة الفامضة التي تحتضن في أعماقها نسيم حب آت أوقد يرحل إلى الأبد، فهو دائماً يصارع في لوحاته مع اللون والريشة لألا يفقد الأمل في الحياة وفلسفة حب وجمال اضحت تفتقد الى من يواسيها بكلمات العشق المستحيلة، ستار قادر يقدم في اعماله القدسية المستحيلة للحب والعشق فهو يظهر في وقت قيمة الحب وما يحتويه هذا الحب من عذاب لذيذ وفي آن اخرى يصارع نفسه لألا يحب , فهو يبحر في عالم ملؤه اللون الأحمر الأقرب بتقنيته الى حمم البراكين الفظيعة، يصارع الحب لألا يحب فهو يظهر مدى حاجته القصوى إلى فلسفة وفنون الحب، النسيم العصبي يفوح من أعماق لوحاته بانفعالاته اللذيذة، فهو يحمل الاحساس والعاطفة الفكرية في لوحاته،إن الفلسفة اللونية التي تتحدث للعالم والتي تظهر في لوحاته تظهر في الوقت نفسه المخيلة الفكرية الاحساس بالحب وأخيراً تظهر اللوحات خالدة ولكنها لاتقوى على مجابهة حروب الحب المستحيلة. إن الوجه الظاهر في أعمال ستار قادر يحمل القدر المحتوم ومعارك وإنفعالات الحب المستحيلة في ذلك الوجه يظهر للقارىء الفني حكاية حديث خلق في البداية، في باطن العشق وأية خسارة أبدية في وجه اللوحة يعكس المستحيلات  في الحياة أمام عظمة واستحالة الحب ولايظهر امام الأعين.
يعيش ستار في لوحاته في ظل ضوضاء لامثيل لها وتحطيم أبدي، تسمع اصوات العالم وترى في ضبابها، حيث يلقي الضوء على المساحات الواسعة المعتمة بلاحدود ولا نهاية وبهذا يجد ستار عدم القدرة على مجابهة فلسفة الحب والحياة فتظهر الحياة بكل حبها مستحيلة.
يقول ستار قادر (نحن في ظرف الحقيقة والحب والخيال حتى لا يموت الجمال ابدا) إن الصراعات اللونية الحمراء تقول بأننا جئنا في الظلام في وقت لم يكن هناك فتحة ضوء تنور ظلام الحقيقة المخفية، نحن جئنا بمجموعة حقائق اقرب الى الخيال ولكنها تحتضن في اعماقها حكاية حقائق الحب والجمال حتى نختار من براكين هذه الحقائق ونقرر الى الأبد حتى تستمر نسمات الحب المستحيلة الى الأبد.
 كل شيء في إبداعات ستار وتكويناته وأحاسيسه وإنفعالاته وحبه للحياة تقول أنت أيتها الابنية العمياء .....أيتها الظلمة، بالعين الفاتحة تقولين أنت ترحل.....ولن تبقى أبدا. لا تعشق إن استطعت قد يكون قد قصد ستار من وراء ذلك بعدم قدرة الإنسان بعاطفته وحزنه وحبه على عدم قدرته الا ان يحب ولكنه يبحث ويصارع مع حب مستحيل لا جدوى منه لان الحب هو نفسه الجمال فعندما يعيش في ظرف الحقيقة والخيال ويقاوم لألا يموت الجمال فإنه دون أدنى شك يبحث عن الحب ولكن أيما حب.......!؟ إنه الحب الذي لا مثيل له في الوجود .

واقع الحركة التشكيلية في سوريا
التشكيل الكردي في سوريا بين الحقيقة والواقع والواقعية والتجريد..

هل حقق الفنان الكردي في سوريا مبتغاه في تطبيق نظرية طلاقة الريشة والحرية المحايدة كما يشاء وبما يمليه عليه واقعه في ظل الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية السارية؟
هل أصبح التجريد الفن الراقي والمباشر والمبسط لإخراج مكنونات الفنان الكردي؟
ما هو مصير الفنانين المغتربين ومدى علاقة ريشتهم بواقعهم؟
أسئلة وأخرى تطرح نفسها على الساحة التشكيلية الكردية في سوريا.
لقد أفرزت الحركة التشكيلية الكردية في سوريا عدداً هائلاً من الفنانين الكورد يتجهون اتجاهات مختلفة؛ فالبعض اختار الانطباعية أسلوباً بل هاجساً ارتبط بروحه يمكنه بها مصارعة هذا الواقع الذي يولّد في اليوم الواحد آلاف اللوحات الواقعية الحقيقية بتكوينات لونية يكون الأحمر مسيطراً على الجميع، والبعض الآخر سار مسرى التجريديين خالقاً لنفسه عالماً من الألوان التي تبدأ دون نهاية، يقف المشاهد حسرة أمام لوحاته حيث ينقله إلى عالم آخر لا تجد فيه إلاّ تناقضات للألوان التي تتشتت هنا وهناك في جميع أرجاء اللوحة رمزاً على تشتت شعبه هنا وهناك في جميع أرجاء العالم.
وفي الآونة الأخيرة خرّجت كلية الفنون الجميلة بدمشق بجميع أقسامها نخبة من الفنانين الكورد الشباب الذين أصبح لهم حضورهم على الساحة التشكيلية السورية، بالإضافة إلى ذلك فقد خرّج الواقع العربي في سوريا أيضاً نخبة من الفنانين المتحمسين غير أكاديميين إلا بالاعتماد على الدراسات الخاصة الذين يغذون تجربتهم من بقايا هذا الزمن المخيف والمرير. هنا سنلقي الضوء على أعمال بعض الفنانين على وجه التحديد:
عبد الكريم مجدل بك: من الفنانين المتخرجين من كلية الفنون الجميلة بدمشق؛ هذا الانسان الذي صارع اللون والريشة قبل دخوله الأكاديمية لفترات لا بأس بها، ألوان ضائعة في خفايا المجهول، ريشة هادئة معذبة تخطط لنفسها آلاماً موجعة بألوان تميل إلى السواد تاركاً وراء الأفق الذهبي أسراراً كبيرة تعجز عن اكتشافها إلا روحه ونفسه، ريشة تخطط لشيء غامض وخفي، جماجم آدمية هنا وهناك، خطوط متقاطعة مشكلة زنزاناً لا تسكنها إلا روحه وخياله المراقَب من جميع الأطراف. عند دراستك وتحليلك للوحات عبد الكريم ستجدها تختبئ في ذاتها تاركة آلاماً وآمالاً إنسانية خلفها.
أما حسكو حسكو المتمرد في لوحاته التي تحكي قصص الأدغال، إنها - أي اللوحة - مدينة ضائعة بين خفايا الأشياء المتعددة التي رابط بينها إلا اللون وكأن كل شيء يعيش بمعزل عن الاخر، ولكن يربطها خطوط طولانية وعرضانية تخترق تلك الأشياء مشكِّلةً بذلك مدينة لا يسكنها إلا الأموات.
أما هژار عيسى العائد من أحضان الأصالة، فاللون عنده هو كل الأشياء التي يراها في محيطه، مختاراً بذلك اللباس والطيور والأبنية والناس والأشجار تعبيراً عن مكنونات داخله محافظاً بذلك على أصالة الفولكلور الكردي من الضياع، خطوط تسكنها روح نقية، ألوان دافئة بعيدة عن التعقيد تحمل بين طياتها أسرار الزمن الغابر، اللوحة عنده ألوان حزينة وأناس طيبون يحملون في قلوبهم آمالاً أشبه بالخيال.
أما المغتربون من الفنانين الكورد السوريين فسأذكر منهم عمر حمدي (مالفا) وبشار عيسى وعينيات عطار وبهرم حاجو، وهنا سنعالج بالتحليل النظري لوحات كل من عمر حمدي وبشار عيسى كونهما ذاقا مرارة الحياة أكثر من غيرهما لما كانا يقدمانه من صدق وأمانة في نقل الرسالة الفنية في ولو طيف.
فلوحات عمر حمدي براكين متفجرة تتقاذف بحممها في أرجاء العالم، معبراً بذلك عن الكبت النفسي الذي لاقاه وهو بين أبناء شعبه. عمر حمدي كأحد الملونين في العالم حسب ما ورد في وسائل الاعلام ينظر الآن إلى العالم على أنه وحش مفترس يحاول أن يبتلع كل ما هو جميل، حلبجة عنده بحر هائج يبتلع بأمواجه الأطفال والنساء والشيوخ والأشجار والأزهار والديار، ألوان سوداء يصاحبها الأحمر والأبيض على مساحات كبيرة تكاد تخرج من اللوحة لتطايرها هنا وهناك مشكِّلةً بذلك سحباً غير منتهية من الغيوم الماطرة وكأنك تعيش في عالم ميتافيزيقي من الخيال. ومع ذلك، بمقارنة عمر حمدي في لوحته حلبجة مع الاسباني فرانسيسكو دي غويا في المجزرة الاسبانية، نجد أن غويا قد أدخل الروح إلى نفوس الجنود الاسبانيين قبل إعدامهم وكذلك وحشية منفذي هذا الاعدام وأسلحتهم المخيفة الموجهة إلى صدورهم حتى طلقات الأسلحة بدت ظاهرة للعيان لوحشية هذه العملية، وكأن غويا كان ينظر إلى المشهد من بعيد ويعيشه مقطعاً مقطعاً، بينما بقي التجريد عند عمر حمدي هو الغالب في لوحته من البداية إلى النهاية دون إدخال أية رموز مباشرة تدلنا على فظاعة وبشاعة هذه المجزرة التي راح ضحيتها أكثر من خمسة آلاف من السكان المدنيين. أريد أن أقول بأن اللوحة خلت من العناصر الأساسية لها وهي النساء والأطفال والشيوخ ..الخ.. لم نلاحظ سوى تكوينات لونية بالغة التعقيد تدلنا على المشهد، ولكن يبقى ثمة انعدام تام للحياة في هذه اللوحة ومن الطبيعي أن عمر قد قصد أن يكون التصوير على هذا الأساس أثناء إنجازه للوحة مثلما كان غويا قد أراد أن يكون التصوير على ذلك الأساس. ولكن في مثل هذه المشاهد ينبغي أن تكون اللوحة مقروءة إلى حد ما للعالم لأنه في هذه الحالة بالذات يجب أن تجعل من الناس وأن تُشعِر الناس بحجم هذه المأساة، وهنا تكمن العظمة الحقيقية. وللتأكيد على هذه الحالة نورد لوحة المأساة لبيكاسو أثناء موت صديقه كازاجيماس؛ فهو لم يشر بصراحة إلى موضوع الموت، أشار إلى الوحدة أو غياب الحب، يظهر في اللوحة أفراد عائلة لا رابط عاطفي بينهم، أشخاص بدون حياة مجمدين كالتماثيل لا يوجد في المحيط ما يولد الأمل في كسر العزلة بين بعضهم البعض، فقط الطفل يقوم بحركة معينة رافعاً رأسه، يبدو الأشخاص وكأنهم يحاولون إخفاء أنفسهم في ملابسهم ولكنهم مع ذلك لم يتمكنوا من إخفاء أقدامهم العارية رمز حالة الفقر التي يعيشونها.
أما بشار عيسى فأينما وجدت لوحاته فإنها تعيدك إلى مسقط رأسك؛ أمانة في التصوير وصدق ودفء في اللون، غابات من الألوان الموحدة المترابطة بريشة ناعمة شفافة شفافية قلوب أبناء قريته ومنطقته وحبه للأراضي الحمراء الخالية من أي شيء إلا رائحة التراب المحلي. بشار المغترب القاطن في فرنسا ينقل عبر الخيال الساكن في قلبه بيوت قريته ونساءها وأطفالها، ينقل دجاجات أمه وحمامات الجيران، ينقل السهول والهضاب بكل روح قروية إلى أنحاء أوروبا، إنه يعيش مع اللوحة كما لو أنه يعيش على تراب وطنه وبين أهله وأصحابه، فهذه الروح النقية تظهر في كل لوحة تصنعها أصابع وريشة هذا الفنان المخلص لرسالته الفنية، فهو بذلك يبتعد عن التجريد المحض مختاراً التجريدي التعبيري أو الانطباعية الواقعية البعيدة عن التعقيد والتصنيع. وهذا ما يظهر إلى حد ما عند عينيات عطار وبهرم حاجو مع مصاحبة اللوحة بنوع من التكوين التجريدي وخاصةً عند عينيات عطار.
يبقى التحليل العام لواقع الحركة التشكيلية في سوريا البعد عن التكوين الواقعي وغيابها في أعمال غالبية الفنانين الكورد بصورة واضحة، ولكن هل إخفاء الواقعية بين طيات التجريدية والانطباعية أمر مقصود أم مراضاة للأمر الواقع هرباً من الرقابة على الخط واللون؟.
في رأيي الشخصي أن هذا الأمر ليس عفوياً من ناحية لأن التجريد والانطباعية كأحد أهم مدرستين في تاريخ الفن الحديث لا تأتي إلا بعد صراع مع الذات ومع اللون ومع الريشة ومع الواقع ولا تأتي إلا بعد كفاح طويل في أحضان الواقعية، لأن الكثير من الفنانين العرب أنفسهم لم يلجأوا إلى التجريد إلا بعد صراع طويل مع الواقعية. ومن جهة أخرى ففي نظري إن غالبية الفنانين الكورد السوريين لديهم تجاربهم المعطاءة والمبدعة في الحركة التشكيلية فيميلون إلى التجريد بسبب الرقابة السلطوية الصارمة على أعمالهم وما يدل على هذه التجارب الشابة المبدعة وجود فنانين من الشباب الكورد بشكل واضح على الساحة التشكيلية السورية.

PUKmedia كديانو عليكو/ فنان وناقد تشكيلي

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket