أزمة العراق الاقتصادية: التأثيرات والحلول

الاراء 10:21 AM - 2015-11-17
 أزمة العراق الاقتصادية: التأثيرات والحلول

أزمة العراق الاقتصادية: التأثيرات والحلول

تعرف الازمة الاقتصادية بانها الاضطراب الذي يطرأ على التوازن الاقتصادي الذي ينشأ في العادة عن اختلال التوازن بين الانتاج والاستهلاك، كما يعرفها البعض بانها الاضطراب الشديد في تدبير امور الدولة المالية الذي يحتاج الى بذل جهد وتسخير طاقات لازالته واعادة الوضع الى الاستقامة والاعتدال، بمعنى اوسع الازمة الاقتصادية تعرف بانها كل خلل يحدث في موارد الدولة بسبب عوامل طبيعية او بشرية، وينعكس اثره على الدولة والافراد .
فالبلدان عندما تتعرض الى كوارث مدمرة كالحروب والزلازل والاعاصير وانتشار الاوبئة الفتاكة تضَع تلك الكوارث بصماتها على كل الثروات البشرية والحيوانية والنباتية والمائية، مما يؤدي الى اصابة اقتصادياتها بالشلل ويُنتِج أزمات حادة وفي مقدمتها ألأزمةً المالية . وبالذات إذا كان إقتصاد البلد أحادياً ريعياً كالاقتصاد العراقي، حيث يمثل النفط العمود الفقري في الهيكل الاقتصادي الوطني للعراق، فهو اذن الشريان المغذي لعملية التطور الاقتصادي نتيجة الاعتماد على الموارد النفطية التي تمثل عصب الحياة للنمو السريع وبناء خطط التنمية المستدامة. هذه الموارد النفطية تعتبر الركن الرئيسي في الموازنة العامة للسياسة الاقتصادية في البلاد لكونها تشكل اكثر من 94% من ميزانية الدولة.
ترجع اسباب الازمة الاقتصادية الحالية في العراق الى تداعيات الازمة المالية العالمية التي بدات عام 2008 في الولايات المتحدة والتي اطلقت على تسميتها "ثورة البركان النقدي والمالي"، حيث كان هناك عدة عوامل سارعت على بروزها منها تدهور الائتمان الامريكي الناتج عن التمويل الواسع لمقترضي العقار المكبلين بالفوائد الباهضة، بالاضافة الى انخفاض قيمة العقارات وعدم استطاعة المقترضين من اصحاب المساكن والبنوك من تسديد المستحقات حيث تجاوز انخفاض قيمة العقار الى 80%، مما ادى الى انهيار البنوك المركزية الكبيرة التي كانت تمول البنوك الثانوية والشركات والمؤسسات الانتاجية لمصانع السيارات . ونتيجة لأنخفاض بورصة السوق الامريكية فقد رافقه انهيار الاسهم في اوربا واسيا واستراليا وكندا الذي جاء نتيجة انخفاض سعر الصرف للدولار وادى ذلك الى انخفاض سعر برميل النفط في السوق العالمية.
انخفاض اسعار النفط في بورصات النفط العالمي اثر تأثيرا مباشرا على تطوير المشاريع الهيدروكاربونية العراقية وفق الخطط المهيأة لها من قبل الحكومة العراقية، هذه الخطط المزمع تنفيذها لتطوير العملية النفطية تعتمد بالاساس على زيادة الانتاج وتجاوز المعدلات السابقة التي تراوحت بين (2- 2،5) مليون برميل حاليا والتي كان المؤمل ان تصل الى (4) مليون برميل، مما انعكس بشكل سلبي على خطط التنمية وعلى الموازنة العامة التي تغذي هذه الخطط . كما اثر انخفاض اسعار النفط بشكل سلبي في معدلات النمو الاقتصادي في العراق بسبب تقلبات اسعار صرف الدولار الامريكي وانعكاسه على صرف الدينار العراقي لان تقلبات اسعار النفط العالمي صعودا او هبوطا تؤثر بشكل واضح في سعر البرميل الواحد من النفط العراقي وذلك نتيجة ارتباط التبعية النفطية في العراق لبورصات الولايات المتحدة الامريكية وتعادلها وارتباطها بالقيمة النقدية للدولار الامريكي وهو السعر السائد والخاضع في تقلبات اسعار النفط العالمي، ايضا اثر هذا الانخفاض في الاسعار على عدم تنشيط الاستثمار الوطني.
الى جانب انخفاض اسعار النفط، يعتبر الوضع الامني الهش وانتشار الفساد المالي والاداري، وتضخم الجهاز الحكومي وترهله وتفشي البطالة المقنعة بين الموظفين، وضعف القطاع الزراعي والصناعي وتراجع السياحة من الاسباب الرئيسية للازمة الاقتصادية التي يشهدها العراق الان. وعلى الرغم من ان حكومة دولة رئيس الوزراء حيدر العبادي قد حددت آليات تجاوز العجز المالي في الموازنة الحالية من خلال تخفيض رواتب الموظفين والهيئات الرئاسية الثلاث اوالاقتراض من صندوق النقد الدولي، أو البنك الدولي، أو البنك الإسلامي، أو إصدار سندات خارجية أو داخلية، أو فرض الضرائب والرسوم على البضائع والسلع المستوردة”. لكن تلك الإجراءات واجهت سخطاً شعبياً بمظاهرات واسعة، شهدتها أغلب المحافظات الوسطى والجنوبية.
ان الازمة الاقتصادية التي يعيشها العراق تمثل إمتحاناً عملياً صعباً تواجهه حكومة العبادي وتجعلها واقعة على المحَك في حالة عدم قدرتها على التغلب على تلك الأزمة والخروج منها بأقل الخسائر. لذا، يُحتّم الواقع الحالي ومن أجل معالجة العجز الحاصل في الموازنة السنوية أنْ يتحول إقتصاد البلد إلى إقتصاد تعبـوي من خلال الادارة المباشرة لجميع مفاصل الاقتصاد الوطني والاشراف عليها من قِبَل الحكومة العراقية لفترة مؤقتة ولحين عبور الأزمة المالية، ويتطلب ذلك تنفيذ خطوات اكثر عقلانية بعيدة عن القرارات الارتجالية، منها، اتباع سياسة نفطية تعتمد على ستراتيجية واضحة تستلزم الاعتماد على التقنيات الفنية الحديثة التي تساعد على زيادة الانتاج، اتباع سياسة نقدية متوازنة من قبل البنك المركزي يأخذ بنظر الاعتبار تطورات تقلبات النقد الدولي وتأثيرها على العملة العراقية، تنشيط دور الاستثمار الوطني وتفعيل دور الهيئة الوطنية للاستثمار الوطني وفق قانون الاستثمار رقم 13 لسنة 2006 كما يستدعي توسيع افق صلاحيات هذه اللجنة، اتخاذ المواقف المسؤولة من قبل الحكومة لحماية ما يمتلكه العراق من الارصدة المودعة في الاحتياطي الفيدرالي الامريكي، الامتناع عن إستيراد السلع الكمالية وإحلال مثيلاتها من المنتجات المحلية، التوقف عن خلق وظائف جديدة وفرص العمل في القطاع الحكومي للتقليل من مشكلة تضخم الجهاز الاداري للدولة، تخفيض رواتب الدرجات الوظيفية الخاصة وإلغاء الامتيازات المالية الملحَقة بها، الاسراع بتشريع قانون يُحدِد عدد المستشارين للرئاسات الثلاث ونوابهم، وأنْ يكون للتحصيل الأكاديمي للمستشار علاقة مباشرة بعمله الاستشاري، مبادرة وزارة النفط بزيادة الانتاج للتعويض عن انخفاض الاسعار، العمل بجدية على تنويع مصادر الايرادات والابتعاد عن الاقتصاد الاحادي الجانب الذي يعتمد على ايرادات النفط من خلال توسع الحكومة في حجم الزراعة والصناعة والسياحة الدينية، تفعيل عمل هيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية بغية الحد من مظاهر الفساد، حل المشاكل العالقة بشان تصدير النفط بين حكومة المركز وحكومة اقليم كردستان، واخيرا دعوة الاجهزة الامنية واجهزة وزارة الدفاع باعادة النظر بالخطة الامنية ووضع استراتيجية جديدة تتناسب مع حجم التحديات الامنية لان استتباب الامن من شأنه خلق بيئة مشجعة للبناء والاعمار ويساعد على تدفق الاستثمارات الاجنبية.
 
عمار سعدون البدري / الحوار المتمدن

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket