النفط مقابل الاعمار والتنمية.. النفط مع القطاعات الحقيقية أم ضدها؟

الاراء 11:21 AM - 2015-11-11
عادل عبد المهدي

عادل عبد المهدي

انتقل العراق بدءاً من النصف الثاني للقرن الماضي من اقتصاد زراعي الى اقتصاد نفطي ريعي. كانت الزراعة والصيد والغابات تشكل نسبة 32.3 من الناتج الوطني الاجمالي، وتراجعت في 1961 الى 20.6%، لتصل اليوم هي والصناعة الى رقم احادي بسيط. بالمقابل شكلت واردات النفط 3% في نهاية اربعينيات القرن الماضي لتقفز وتهيمن على الحياة الاقتصادية منذ بداية الخمسينيات، بمساهمتها بنسبة 45.7% من الناتج الوطني الاجمالي في عام 1953 لترتفع الى 49.7% في عام 1961.. ولتبلغ 61.4% في عام 1979، ولتصل اليوم الى نحو 70%، واكثر من 90% من واردات الدولة.
فتحولت الدولة من دولة جبايات في اواسط القرن الماضي الى دولة ريعية نفطية.. وتراجع تكوين رأس المال الثابت في القطاع الخاص وبات لا يمثل سوى 4% تقريباً من تكوين رأس المال الثابت عموماً.. واصبح اكثر من 7 مليون مواطن بين موظف ومتقاعد ومتعاقد ويتسلم الرعاية الاجتماعية اي حوالي 20% من مجموع الشعب، دون ذكر اشكال الرعايات التي تصرف من اموال النفط كالبطاقة التموينية والوقودية والصحية. فالنفط ليس شريان حياة الدولة فقط، بل حياة المجتمع والشعب ايضاً، عندما يتراجع، او تتراجع اسعاره –كما يحصل اليوم- يتراجع كل شيء معه.
فتطور القطاعات الاخرى لم يكن تطوراً طردياً مع تطور القطاع النفطي.. بل على العكس تطور عكسي.. فكلما تطورت الثروة النفطية ازدادت البطالة الحقيقية والمقنعة والنفقات العسكرية وتراجعت القطاعات الحقيقية.. والمطلوب اليوم من السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وصناع القرار والقوى السياسية والجامعيين والمثقفين والاعلاميين والشعب عموماً ادراك اهمية عكس هذه السياسة.. والتوقف عن الغرق كلياً في الرواتب والتعيينات والرعايات والاستهلاكيات بالاعتماد على موارد النفط فقط، بل ربط تطور النفط بتطور نشاطات المجتمع وهيئاته ورجالاته وامواله ومبادراته في المجالات الصناعية والزراعية والمصرفية والخدمية والتجارية والتعليمية والصحية وغيرها. فهذا هو الطريق الوحيد للخلاص، والا ستبقى البلاد مأسورة لمعادلة النفط الريعية المدمرة.
يجب ان يرفع شعار النفط مقابل التنمية والاعمار.. وان الايغال اكثر فاكثر في الاعتماد على النفط والصادرات النفطية له اضرار كبيرة بالاقتصاد، بل بمجمل التربية والسلوك الاجتماعيين.. ولابد من تلازم مسارات تطوير الطاقات النفطية مع تطوير القطاعات الحقيقية والخدمية الاخرى.. فالنفط يمكنه ان يكون عتلة ومحركاً رئيساً للزراعة والمياه والصناعة والخدمات والطاقة وطرق المواصلات والموانىء وسياسات الاسكان وغيرها. فالنفط يمكن ان يساعد جميع هذه القطاعات بما في ذلك الصحة والتعليم والمصارف والعلوم والاكتشافات والتكنولوجيات الحديثة. فهو يمكن ان يدعم الزراعة عبر مشاريع الاسمدة باستثمار غاز الميثان، وتوفير مياه الشرب النقية لحاجته لذلك في مشاريعه، او توفيرها للزراعة بالتلازم مع توفير المياه لنفسه لزيادة الضغوطات المكمنية المطلوبة لاباره.. وان يساعد على تطوير المزارع والمراعي باستغلال المحرمات النفطية، او غيرها من اراضي.. وان يشكل قاعدة قوية للصناعة عبر المصافي وشتى المشتقات وتوفير غاز الايثان للصناعات البتركيمياوية، او شتى الصناعات الثقيلية التي ستحرك بدورها مئات والاف المعامل المتوسطة والصغيرة لسد شتى الحاجات الصناعية.. وان يسهم بالحفاظ على البيئة بدل تلويثها عبر زيادة استثمار الغاز بدل حرقه، واستعمال الطاقة النظيفة كلياً او نسبياً في الاستعمال المنزلي والسيارات ووسائط النقل او المحطات الكهربائية او المعامل.. وان يكون اساساً لاعمال الهندسة المدنية عبر المشاريع المباشرة او الثانوية التي يقوم بها.. وان يكون قاعدة لتطوير المواصلات كسكك الحديد والطرق والموانىء عبر حاجته لنقل الخام والمنتجات النفطية او خزنها او تصديرها.. وان يعزز الحركة المصرفية عبر نشاطاته المختلفة، وان يرفد الصحة والتعليم بالاسهام في تطوير الجامعات والمعاهد وبناء الطبقة الوسطى من ملاكات فنية ومهندسين وعلماء، او في مشاريعه لتطوير الطاقات البديلة كالشمس والرياح وغيرهما.

عادل عبد المهدي/ الصباح الجديد

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket