رأي في سلم الرواتب الجديد

الاراء 02:44 PM - 2015-10-23
 رأي في سلم الرواتب الجديد

رأي في سلم الرواتب الجديد

كان من المرتقب في جدول سلم رواتب موظفي الدولة أن يكون جزءا من حزمة إصلاحات حكومة الدكتور حيدر العبادي، وعلى اساس أن هذه الحزمة هي أيضا جزءا من الاستجابة الحكومية للرغبة الشعبية في الإصلاح.
لقد سئم العراقيون من حالة الفساد المستشري ولذلك خرجوا في مظاهرات اسبوعية يطالبون بالإصلاح ومكافحة الفساد. وكانت مطالب الناس صريحة وواضحة لاسيما وان موارد هذا الفساد معروفة في هدر المال العام . ويعرف الراي العام العراقي ان موازنة الدولة في السنوات العشرة الماضية مهدورة في سرقات واختلاسات كبيرة جدا وفي مشاريع وهمية وفي مزاد العملة الأجنبية وفي نفقات ورواتب ومخصصات مؤسسات السلطات التنفيذية والتشريعية العليا مثل الدرجات الخاصة والمستشارين والوزراء والوكلاء والنواب ومجالس المحافظات والحمايات وتقاعد المتقاعدين من هذه المؤسسات، مع نفقات كمالية غير ضرورية اخرى مثل الايفادات والتدريبات خارج العراق وشراء السيارات وصيانتها ونفقات وقود السيارات الحكومية المشكوك في مصداقيتها. هذه الموارد وتفاصيل اخرى أكلت موازنات العراق المالية خلال السنوات العشرة الماضية بحيث تقدر الاموال الضائعة من العراق خلال هذه السنوات بين ( 250ـ300) مليار دولار وهو ما يعادل حاجة مصر إلى انعاش وتطوير الاقتصاد المصري. آلية الاستجابة لإرادة الجماهير في مكافحة الفساد اشارت اليها المرجعية الدينية في اكثر من مرة وذلك في محاسبة الفاسدين الذين استولوا على المال العام واستعادة هذه الأموال والغاء امتيازات المسؤولين وتخفيض رواتبهم لتحقيق مستويات مقبولة من العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروات. أنظار الناس كانت مشدودة نحو الإجراءات العملية للدكتور العبادي، فلقد سبق للسيد العبادي أن اعلن عن عدة حزم إصلاحية وكانت الناس تنتظر التنفيذ. وعلى الرغم من تفاعل الناس وتعاطفها مع الحزم الإصلاحية المعلنة من السيد رئيس الوزراء إلا أن الإعلان عن الجدول الجديد لسلم رواتب موظفي الدولة قد اصاب الناس بالإحباط والدهشة والاستغراب من انحراف بوصلة ( الإصلاحات) من مكافحة الفساد وتخفيض رواتب وامتيازات الصف الأول في الدولة الى تخفيض رواتب والغاء مخصصات موظفي الدولة على ضوء الجدول الجديد لسلم الرواتب. ويعتبر هذا التخفيض حالة غريبة وغير منطقية ذلك أن التخفيض في معدلات الرواتب سوف يشمل الموظفين من الدرجات العليا وهي الدرجات التي اكتسبها هؤلاء الموظفين بسنوات خدمتهم الطويلة في الدولة وخدماتهم الكثيرة التي قدموها لهذه الدولة العتيدة خلال سنوات الخدمة هذه، مما يعني ان هذه الدرجات وهذه الرواتب هي حقوق مكتسبة واستحقاقات وظيفية وليست درجات خاصة ولا منحا ولا هبات من أحد فكيف يجري مصادرة هذه الحقوق والاستحقاقات وبهذه السهولة؟ ثم ماهي الحكمة من هذه التخفيضات ولماذا ؟ هل هي إصلاحات أم هي جزء من الإصلاحات ؟ إن الإصلاحات كانت تقتضي مكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين واسترجاع الأموال العامة، واذا كان جزءا من الإصلاح فان هذا الجزء يقتضي رفع معدلات رواتب الدرجات الدنيا ورفع الحد الادنى للرواتب والأجور لا تخفيض رواتب الموظفين اصحاب سنوات الخدمة الطويلة والخدمات الكثيرة، أما أن يجري تخفيض الرواتب والغاء المخصصات بهذه الطريقة فهو سياسة خطيرة تتجاوز اعتبارات الدرجات الوظيفية وسنوات الخدمة الى الإضرار بموقع ودور الطبقة الوسطى في بناء الدولة والمجتمع. إن للطبقة الوسطى دورا مهما وحيويا وأساسيا في الدولة والمجتمع لا سيما في مجتمعنا العراقي والذي خرج من النظام البائد بدون طبقة وسطى بعد ان حطمها ذلك النظام. وتلعب الطبقة الوسطى دورا حيويا في تقديم مختلف الطاقات السياسية والاقتصادية والثقافية والإدارية والمشاركة في تحمل المسؤولية في الدولة والمجتمع لذلك كان لزاما على الدولة لفترة ما بعد عام 2003 العمل على إعادة بناء وتشكيل وتعزيز وترسيخ الطبقة الوسطى والتي جزءا منها الموظفين والمهندسين والمحامين والأطباء
لذلك فان تخفيض رواتب الموظفين وبهذه الصورة يعني التضيق على الطبقة الوسطى هذه وتآكلها وهدمها وتخريبها وكما حصل إبان النظام السابق مما يعني تحطيم وتدمير فرص النمو واعادة البناء والتطور والذي من غير الممكن حدوثه دون وجود طبقة وسطى او وجود طبقة وسطى ضعيفة ومحاصرة
ان الاجراءات الاقتصادية السليمة والصحيحة تقتضي رفع رواتب ومداخيل الطبقة الفقيرة او ذات الدخل المحدود حتى يمكن توسيع وترسيخ وتطوير الطبقة الوسطى لذلك فان وقف تطبيق او تنفيذ الجدول الجديد لسلم رواتب موظفي الدولة هو حاجة وطنية واقتصادية قبل ان يكون حاجة انسانية او وظيفية أو خدمية اذا كانت الدولة تريد إعادة بناء بنيتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والتي تشكل الطبقة الوسطى خزان طاقاتها البشرية ومصدر عناصرها الاساسية وفي غير ذلك فلتنتظر الدولة ارتدادات وتداعيات خطيرة واضطرابات حتى قد تكون امنية واجتماعية.


علي الأوسي

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket