فدرلة العراق أم تقسيمه؟

الاراء 11:02 AM - 2015-08-13
 فدرلة العراق أم تقسيمه؟

فدرلة العراق أم تقسيمه؟

يرى أحد السياسيين الاستراليين أن افراد قوات بلاده، ومعهم الاميركيون، الذين يدربون عناصر الجيش العراقي يجب ان يرافقوا نظراءهم العراقيين في العمليات القتالية في المستقبل. ويبدو هذا التغيير في التكتيكات العملياتية ضروريا لاسيما بعد ان تمكن تنظيم "داعش" من احتلال مدينة الرمادي العراقية وتدمر السورية في نفس الوقت تقريبا، بالرغم من ان كفة المعارك الجارية لاستعادة الرمادي من براثن التنظيم ترجح تقدم القوات العراقية واستمرار مكاسبها في الوقت الراهن.
لكن مراقبين آخرين اعربوا عن تحفظ ازاء هذا التوجه اذا كان من دون حوار موسع عن هذا الموضوع داخل الحكومة والبرلمان حول طبيعة هذا الصراع الشرق اوسطي وعواقبه على موضوع الارهاب الدولي. ويجادل هؤلاء بالحاجة الماسة الى استجابة استراتيجية جوهرية بغية مواجهة محور ولب التهديد "الاسلاموي"، ذلك التهديد المتمثل في ايديولوجية المتطرفين الاصوليين. لقد توقع هؤلاء ان معظم الدول العلمانية الحديثة، لاسيما الغربية منها، ستبقى في حالة حرب موسعة مع الاسلاميين الراديكاليين لمئة سنة اخرى، فيما يجب ان تأتي الحلول في النهاية وبالدرجة الاساس من داخل العالم الاسلامي نفسه.
لكن اذا كان هنالك من حرب موجهة ضد الغرب لمئة عام، فإنها ليست سوى فصل من فصول حرب لا تزال مستعرة بين سنة الاسلام وشيعته منذ اكثر من الف ومئة عام مضت. وكما هو الحال مع المسيحية السابقة وسط اوروبا، فإن هذه الحرب كما تلك انما ترتبط بطموحات الامراء والاساقفة قدر ارتباطها بالأيديولوجيات، الامر الذي برهن ان العنف في العالم الاسلامي ليس سوى عنف مسلم ضد مسلم وحسب.
في هذا السياق، يبدو من الصعوبة بمكان ايجاد مركز سطحي يمكن من خلاله تحدي وهزيمة ايديولوجية الاسلام الجهادي. ان العنف النابع من اصل الجهاد في العالم الاسلامي قد يكون بغيضا جدا، لكن السؤال الجوهري يكمن في: هل ان هذا العنف قادر على ايجاد توافقات اصيلة داخل المجتمع الاسلامي بطريقة تكفي لتهميش التطرف "الاسلاموي" نفسه يا ترى؟ فبرغم الجهود الفردية البطولية المبذولة، الا ان شيئا كبيرا لم يتحقق على الارض، ولسوف يبدو من الحكمة صرف النظر عن الاستراتيجيات القائمة على انتظار نوايا المعتدلين الطيبة كي تبزغ لتدفع باتجاه اعتدال اسلامي حقيقي مفيد.
ومن اللافت انه لا يمكن انكار حقيقة ان عنف الجهاديين قادر على كسب واستقطاب تأييد كبير. فحسب استطلاع اجرته قناة الجزيرة مؤخرا وشمل عينات غلب عليها المصريون والسعوديون، خلصت القناة الى ان 81% ممن استطلعت آراءهم يؤيدون "داعش". ان هذه المجتمعات السنية تبدو مستعدة لغض البصر عن وحشية متطرفي "داعش" وقبولها بسبب كونها تمثل، في اعينهم، اعمالا بطولية ترفع من حقوق السنة ضد النجاحات الشيعية والتدخلات العسكرية الغربية.
ان الموقف في مصر وليبيا واليمن وباقي الدول الاسلامية لا يتوقع له ان يروج لتنامي التوافقات المعتدلة. كما ان الدعم والتمويل الذي يتحصل عليه السلفيون في دول الخليج الى جانب اندماج الوهابية بآل سعود، فضلا عن استعداد تركيا للمتاجرة بموارد تنظيم "داعش" تفترض كلها ان البيئة الاستراتيجية الاقليمية لهذا التنظيم متساهلة وترخص له ما يريد ويفعل على اقل تقدير.
كما ان من الصعوبة بمكان رؤية اي تطورات فيما يخص الدراسات القرآنية التي يمكن ان تقوض بشكل جوهري طبيعة تلك الحركات الجهادية الاصولية ما بين الكثير من اجزاء المجتمع الاسلامي، لاسيما اي تفسيرات يمكن ان تدعم المصالح الاستراتيجية الغربية. فضلا عن ذلك, فيبدو ان الامر صعب بما فيه الكفاية لمواجهة عناصر الراديكالية ضمن المجتمعات الاسلامية المنتشرة في الامم الغربية.
لذلك، فقد تكون الطريقة الوحيدة لتقويض تنظيم "داعش" فعليا، مبنية على تشجيع تطورات يمكن ان تقود الى اعادة رؤية الحدود السياسية عبر سوريا والعراق من جديد. فحتى لو كانت القوات العسكرية الاجنبية قادرة على هندسة عملية طرد "داعش" من العراق، فإن هذا التنظيم قادرة على اعادة خلق نفسه في سوريا من جديد. لقد ركز البعض على فكرة ان هذه الدعوة لتغيير التكتيكات العسكرية في العراق جاءت نتيجة لقرب سقوط البلاد في خانة التقسيم. لكن السؤال الذي يتمخض عن هذا الكلام يتمثل في هل يجب مقاومة هذا التقسيم يا ترى؟ لقد مضت وانتهت تلك الايام التي كان فيها العراق بلدا علمانيا يحقق معدلات عالية من الزواج بين طائفتي الشيعة والسنة. كما ان حكومة الاغلبية الشيعية العراقية تعتمد على المليشيات الشيعية بسبب، انها قوانين اللعبة وطبيعتها، انما تحارب من اجل تحقيق النصر. كما ان الامر ذاته ينطبق على قوات البيشمركة التي تحرس، بغيرة لافتة، ما يقدر بربع مساحة العراق ممثلة في اقليم كردستان المستقل بحكم الامر الواقع، فضلا عن ان الكلام ذاته ينطبق على ايضا على العشائر السنية التي قضت على تنظيم القاعدة في العراق اثناء فترة الصحوات ابتداء من العام 2006.
من جانب آخر، فإن ادارة حالة الاختلاف والتشرذم والفرقة التي يعيشها العراق ليست بالامر الهين قط، غير ان الولايات المتحدة تمكنت من تسهيل هذه العملية عبر تشريع وفرض وتطبيق منطقة حظر الطيران عام 1992، فضلا عن تمويل ابناء العشائر العراقية السنية كجزء من استراتيجية دعم موجة القوات الاميركية الاضافية التي وصلت العراق عام 2007.
غير ان الاميركيين تسببوا بخلق صدوع اكبر في الجغرافيا السياسية للشرق الاوسط. كما ان مفاوضات واشنطن مع ايران بخصوص برنامج طاقة الاخيرة النووي مترافقة مع الحاجة لتحقيق التعاون في محاربة تنظيم داعش انما غيرت اصلا من قواعد وديناميكيات الجغرافيا السياسية في المنطقة. فضلا عن ذلك،فأن حلفاء اميركا المرتابين من السنة انما باتوا في وضع يفرض عليهم المنافسة من اجل ضمان ان تكون مخاوفهم وموارد قلقهم مسموعة فعلا في واشنطن.
ان سياسة مقصودة تشجع اعادة تعريف الاختلافات الطائفية في العراق سياسيا انما يمكن لها ان تنقذ وحدة البلاد الجغرافية اذا ما تجسد ذلك في صورة فيدرالية فضفاضة.كما انه قد يكون هنالك مصلحة في تفسير وحدة جغرافية فضفاضة للبلاد اذا ما شعرت طوائف سوريا بأن امنها يرتكز على الترابط مع الطوائف المشابهة لها في العراق، الامر الذي يزيد من مساحة الاراضي التي تشهد العمليات المناهضة لتنظيم داعش. لكن استراتيجية من هذا النوع لايمكن ان تمر من دون مخاطر حيث يتطلب هذا الامر دعما غربيا فعالا وقويا على المدى الطويل، دعما يكفي لضمان عدم استعادة الحركات الجهادية الاصولية لنشاطها في المستقبل. لكن برغم ذلك، فأن العملية العسكرية الهجومية المحدودة ضد داعش في العراق وسوريا لا تزال تترنح، الامر الذي يعني ان هنالك اسبابا وجيهة للبحث والجدل بشأن مناهج بديلة للمنهج الحالي.

دريك ووهلنر

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket