الرابع عشر من تموز.. ريجيس دوبرية.. النووي الايراني

الاراء 11:03 AM - 2015-07-16
عادل عبدالمهدي

عادل عبدالمهدي

تطل ذكرى الرابع عشر من تموز بكل ما فيها من دروس وعبر.. بعضهم يبجلها من دون مراجعة وتقويم، وبعضهم يندد بها دون موضعتها في سياقها التاريخي.

 فالتجربة الجمهورية شهدت مآسٍ لم تشهدها المرحلة الملكية، وكثيرون يقولون لو بقيت الملكية لكان وضع البلاد افضل واكثر تقدماً.. 

ولعل ذلك صحيح، لكن التاريخ لا يجري بنظريات الـ "لو" والمقارنات الشكلية. للتاريخ منطق قاسِ وغير مجامل وليس بالضرورة عادلاً في يومياته. فعندما يعجز نظام من احتواء علاقاته الداخلية فان انقلاباً او ثورة او تمزقاً. فالانفجار يحصل وتتفكك المنظومة السابقة.. 

فاما ان تبنى منظومة جديدة تحمل من الماضي شيئاً وتتجاوزه لمستقبل جديد.فان فشل القادمون الجدد، فان اوضاعاً غير مستقرة ستستمر بالتدافع تبحث عن مستقرات جديدة ونظام جديد.

 فشهدنا منذ تموز 1958 مختلف التحولات، وما زلنا نشهد ذلك، بدءاً من المحاولات القاسمية، ومحاولات البعث والتوجهات القومية، وصولاً الى المحاولات الاسلامية.. لنقف اليوم بعد 57 عاماً، والعراق يطرح دستوراً يسعى لتنظيم علاقاته الداخلية عبر علاقات ديمقراطية، لامركزية اتحادية ما زالت تتعثر ولا تجد لنفسها مستقراً حقيقياً.. فكردستان تتململ وتعلن صراحة انها تتجه للمزيد من الاستقلال.. والمناطق الغربية والشمالية تشهد احتلالاً حقيقياً ضد ارادة سكانها والارادة الوطنية من "داعش".. والمناطق الجنوبية والوسط ىتشهد تململاً شعبوياً هو انعكاس للتململ الذي فجره 14 تموز.

14 تموز 1789 الثورة الفرنسية وحرق سجن الباستيل وقتل الملك لويس السادس عشر وعائلته وزوجته ماري انطوانيت.. ومحاولة اقامة نظام جديد يرفع شعارات "الاخوة والحرية والمساواة".. نظام سرعان ما غرق بدماء المعارضين معتمداً المقصلة والاغتيال لتصفيتهم.. 

فعاشت فرنسا مرحلتي الجمهورية الاولى والثانية بكل عظمتها وفوضاها، فولدت من رحمه "البونابارتية" سواء بشكلها العسكري التوسعي لبونوبارت الاول (1804) الذي اعاد الحكم الملكي والامبراطوري بشخصه، او بشكلها الامني لبونابارت الثالث 1852، والتي استطاعت الاحتفاظ بالجمهورية وعلاقاتها الداخلية ليس لقوتها وعنفوانها، بل بسبب استمرار صراع التيارات.. 

فالثورة والدكتاتورية ونزعات التوسع والفوضى اختلطت جميعاً لتنتج "كومونة باريس" عام 1871..كما انتجت في العراق بعد تموز 1958 محاولات الاصلاح والدكتاتورية والحروب ونزعات التوسع "الانتفاضة الشعبانية"، وهذه مجرد مقاربات وليس مقارنات او تشبيهات.

ريجيس دوبرية هو الثائر الذي استلهم افكار "كومونة باريس والثورة الفرنسية".. والذي زامل تشي جيفارا في حرب عصاباته في امريكا اللاتينية، وكان معه عندما قُتل في بوليفيا عام 1967.. فحكم عليه بالسجن 30 عاماً.. واطلق سراحه عام 1970، ليصبح لاحقاً مستشار العلاقات الخارجية للرئيس الفرنسي الاشتراكي السابق ميتيران. دوبرية فيلسوف ومؤلف وصحفي..واهم مؤلفاته المبكرة "الثورة في الثورة".. فهو كملايين الشباب الذين ارادوا، او ما زالوا يريدون، تغيير العالم ويرفضون واقعهم الحالي.

 دوبرية لم يعد يلجأ للسلاح لتغيير العالم.. لكنه ما زال رافضاً للغوغائية الفكرية والمواقف الجاهلة.. فكتب في زيارته لايران (2014) مقالاً اثار ضجة غير قليلة.. كتب يطالب الفرنسيين بالتخلي عن قناعاتهم الموروثة حول الاسلام.. وان لا يروه عبر التكفيرين والمتطرفين.. وان لا يحولوا الخلافات السياسية بين الدول الى خلافات تحكم على العقائد.. 

كتب ان اكثر من نصف التعليم الجامعي في ايران هو من الاناث.. وان فيها تطورات وعلاقات وحريات واسعة لا تتمتع بها دول كثيرة.. كتب ان ما يمر به السنة والشيعة فيه مقاربة لما مر به الكاتوليك والبروتستانت.

كتب ان في الاسلام عناصر معارضة وتجديد تتصدى للفكر السلفي التكفيري.. كتب عن المظلومية ودور الامام السيستاني ودعواته للسلم والتعايش.. وان الشيعة (Catholique par le clergé,،maisquelquepeu protestant en esprit) اي ما يمكن ترجمته بان "الشيعة كاتوليك بمرجعيتهم، 

وبعض الشيء بروتستانت بروحيتهم"، وفي ذلك اشارة لمنهج الاجتهاد والتجديد وروح معارضة الظلم الذي يتمتعون به. 

ويدعو مواطنيه وحكومته للانفتاح على ايران، وهو نفس ما بات يدعو اليه وزير الخارجية الفرنسي "فابيوس" اليوم الرابع عشر من تموز 2015 بعد انتصار ايران في ملفها النووي..

 ويدعو مواطنيه لتغيير رؤيتهم للاسلام والمسلمين.. ففيهم المعتدل والثوري والذي يمد يده لمصافحة الاخر والتعايش معه لكن بشروط غير شروط الظلم والاستلاب.. سواء اكانوا من الشيعة والسنة.. وفيهم بالطبع المتطرفون،وقاطعو الرؤوس، وباقرو البطون والذين يحرقون الناس او يدفنونهم وهم احياء.

التجوال في التاريخ يعطينا الامل ان التاريخ ان كان ظالماً وقاسياً في احداثه ويومياته، لكنه رحيم وعادل في مآلاته.. فلابد للعلاقات ان تجد مستقراتها في النهاية.. وان ما نشهده اليوم من تصادمات وتوجهات لابد ان تعيد تركيب نفسها في ظل اطارات وعلاقات جديدة.

تموز هو اله الخصب عند البابليين.. 14 تموز فرنسا.. 14 تموز العراق.. و 14 تموز الملف النووي الايراني. فتأمل!!.

 

عادل عبدالمهدي / صحيفة (العدالة) البغدادية

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket