داعش والاتجار بالنساء

الاراء 01:53 PM - 2015-07-05
داعش والاتجار بالنساء

داعش والاتجار بالنساء

ما قامت به عناصر داعش من جرائم إنسانية متوحشة لم يسجل التاريخ البشري مثلها إلا القليل ولفترات ليست بالطويلة، فقد سجل التاريخ الإنساني العديد من الحملات الهمجية والغزوات البربرية التي اجتاحت مدن ومجتمعات، فانتهكت كل معالم الحياة والتمدن فيها  .

سجلت كتب التاريخ حوادث اغتصاب وسبي النساء حين كانت المجتمعات غير منضبطة بقيم وسلوك حضاري وإنساني، وحين كانت الهمجية والنهب والسلب علامة من علامات الحياة القبلية المتخلفة، ولعل العرب قبل الإسلام مارسوا  تلك الهمجية في نهب النساء واستعبادهن وتوزيع السبايا على فرسان القبيلة المنتصرة . 

وتذكر كتب التاريخ الحملة المغولية التي قادها جنكيز خان ( 1165- 1227م)، مستغلا كثرة القبائل المغولية، فشن حروبا متوحشة، فأقدم على قتل البشر والحيوانات، وأحرق البيوت ومعالم الحضارة، من مكتبات وأماكن دينية، وقصور جميلة، وكان جيشه كأسراب الجراد حين تجتاح المزارع، ولعل اجتياحه بغداد يشكل صورة من صور الهمجية الإنسانية  والتخلف البشري  . 

وكان من بين القتلى النساء حتى أن بعض المتوحشين بقروا بطون الحوامل  ومثلوا بجثث القتلى، وقامت بعض الجيوش في انتزاع الأطفال من الأمهات أو سبي النساء ليكونن أسيرات، وتم بيعهن في أسواق النخاسة يوم كانت البشر تتعامل بالعبودية والرقيق . 

كما تذكر الكتب ( تيمورلنك 1336-1405 م ) الذي اشتهر بالتخريب والنهب والسلب وحرق المدن. 

كما تذكر كتب التاريخ الحديث ما حصل في الحروب العالمية الأولى والثانية، وما ولدته تلك الحروب من احتلال ومآسي وتدمير  وتخريب وقتل وأسرى ومفقودين  واغتصاب واعتداءات جنسية على أفراد المجتمعات المهزومة  والمنكسرة في الحروب وما تحملته الإنسانية بنتيجة  تلك الحروب المجنونة  . 

وظهرت حديثا عصابات منظمة تعتمد المتاجرة بالنساء والأطفال لأغراض الجنس، وقد تصدت الدول جميعا لمثل هذه العصابات ووضعتها أمام المسؤوليات القانونية، واعتبرت  أفعالها من الجرائم التي يطالها القانون الدولي والقوانين الوطنية، باعتبارها من جرائم الاختصاص الشامل سواء ارتكبت الجريمة خارج العراق أو داخله وسواء أكان الفاعل اصليا او شريكا . 

إلا أن مسألة استرقاق الفتيات الصغيرات وممارسة الجنس تحت ستار النكاح  كوسيلة من وسائل الجهاد الديني،  وبيع النساء  والمتاجرة بهن وممارسة الجنس معهن بالتناوب،  والإجبار على الزواج القسري لم  تكن تمارس من قبل مجتمعة إلا من قبل عصابات داعش وبوكو حرام في أفريقيا وجبهة النصرة وحركة الشباب وأبو سياف وطاليبان ومجموعة فتح الإسلام ولشكر طيبة،وجميعها من فروع  التنظيم الإرهابي المتطرف فكريا وأخلاقيا  . 

ومارست عناصر داعش بالإضافة إلى عمليات الأبادة الجماعية للأيزيديين، وفق عمل ممنهج ومستمر، بعمليات ذبح وحشي  للبشر، كما قامت تلك العناصر باغتصاب الفتيات  القاصرات، والقيام بالمتاجرة بهن وبيعهن ووضع أسعار لهن، ومارس العديد من أفراد التنظيم  جريمة الاتجار بالبشر، بالإضافة الى ممارسة جميع الجرائم الخسيسة التي لا يألفها المجتمع أو يتقبلها الدين بحق النساء والأطفال والمدنيين العزل من السلاح . 

  كانت ظاهرة الاتجار بالبشر  قد ظهرت ‏بشكل لافت للنظر في السنوات ‏الأخيرة بالتزامن مع تردي ‏ظروف العراق السياسية وبنتيجة ‏الحروب التي حدثت في فترة ‏النظام الدكتاتوري السابق، وتزايد ‏ظاهرة هجرة العراقيين طلبا ‏لقبولهم كلاجئين سياسيين او ‏إنسانيين . ‏ 

وظهرت بشكل عملي وواضح في انطباق كامل لأركان الجريمة ، ومساهمة واضحة من جميع أفراد العصابات الإرهابية ، إلا أن ماحصل لأبناء الأيزيديين، وما تعرضت له الفتيات والنساء والأطفال منهم، نتيجة اجتياح قراهم وقصباتهم في مناطق سنجار وما جاورها، يعد صفحة سوداء في التاريخ الإنساني بعد هيمنة تلك العصابات الإجرامية المدججة بالأسلحة الفتاكة والمتنوعة على مناطقهم مشكلين طوقا يفرض عليهم الحصار الشديد، مما أدى الى وقوع العديد من العوائل المدنية تحت سطوتهم وسيطرتهم، فارتكبوا تلك الجرائم الخسيسة التي يندى لها جبين الإنسانية، وترفضها جميع الشرائع والأديان مهما كانت تسميتها أو عقائدها، فتاجروا بالنساء، ومارسوا فعل السمسرة الجنسية، وباتت القوادة والدعارة من علامات تنظيمهم، وتبادلوا بالنساء،  وبرروا لتلك الأفعال تبريرات بعيدة عن المنطق والعقل الإنساني  . 

ووفق الإطار العام تشكل المتاجرة ‏بالبشر جريمة دولية وانتهاكا ‏خطيرا للقوانين، حيث تتشعب الى ‏عدة أشكال، منها ما يتعلق ‏بالمتاجرة بالجنس سواء كان ‏المجني عليه من الفتيات اللواتي ‏لم يبلغن الثامنة عشر من العمر ‏‏(سن البلوغ) والأطفال بشكل عام، ‏أو حتى النساء اللواتي بلغن السن ‏القانونية، كما يمكن أن يأخذ ‏الاتجار شكل تجنيد أعداد من ‏البشر بقصد أعمال الخدمة أو ‏أعمال السخرة أو أعمال قسرية، ‏ووفق هذه الأشكال يمكن استعمال ‏عدة وسائل لتنفيذ جرائم الاتجار ‏بالبشر منها ما يتعلق بالتزوير أو ‏الإكراه أو التهريب. ‏ 

وحين نذكر جريمة الاتجار ‏بالبشر وتفصيلها ينبغي علينا ‏معالجة قانونية الجريمة باعتبارها ‏من الجرائم الخطيرة التي يعاقب ‏عليها القانون الوطني وينص ‏على تجريمها ومكافحتها، وكذلك ‏معالجة وضع الضحايا الذين ‏وقعت عليهم الجريمة، أي إيجاد ‏وسائل وأسس لحمايتهم وإعادة ‏تأهيلهم بما يحفظ لهم كرامتهم ‏الإنسانية وحقوقهم التي أكد عليها ‏الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ‏باعتبار أن هاتين الفقرتين في ‏المعالجة تشكلان أسس معالجة ‏ما تعكسه جريمة الاتجار بالبشر ‏وما تتركه من نتائج سلبية على ‏المجتمعات وعلى الضحايا، حيث أقدمت العديد من الفتيات الأيزيديات على الانتحار تخلصا من عذابات واعتداءات المتوحشين من عصابة داعش، وحاولت العديد منهن الأقدام على الانتحار في محاولة لتخليص أنفسهن  وعوائلهن من عار التعدي الجنسي. ‏ 

أن جريمة الاتجار بالبشر ‏من الجرائم التي تقع على ‏مجموعة بشرية وفي بلدان ‏مختلفة،  غير أنها تخلف نتائج سلبية ‏مشتركة على هذه البلدان، يكون ‏مرتكبوها من المتهمين الذين ‏يمارسون عمليات الاتجار سواء ‏بشكل منظم أو بشكل منفرد، كما ‏إنها تدفع البلدان المختلفة ‏لتضمين قوانينها العقابية نصوصا ‏تعاقب على ارتكاب جريمة ‏الاتجار بالبشر بعقوبات صارمة ‏وتتناسب هذه العقوبات مع ‏خطورة الجريمة، مما يستوجب تطوير ‏أساليب ووسائل مكافحة الاتجار ‏بالبشر و تنوع طرق المكافحة ‏والمنع من خلال المؤتمرات ‏واللقاءات والبحوث القانونية و‏تفعيل عملية نشر الوعي القانوني ‏ودور الثقافة القانونية المهم في ‏هذا الجانب، بالإضافة الى ‏النهوض بالعملية التشريعية بما ‏يتناسب مع خطورة وأهمية تلك ‏الجرائم ومعالجة آثارها. ‏ 

فالضحايا في جريمة الاتجار ‏بالبشر تشمل كل شخص صغيرا ‏كان أو كبيرا، ذكرا أو أنثى وقعت ‏عليه جريمة المتاجرة بالبشر من ‏قبل جماعة إجرامية تتكون من ‏ثلاثة أشخاص أو أكثر يعملون معا ‏في إطار تنظيمي أو بدونه للاتجار ‏بالأشخاص بالإضافة الى جميع ‏من يسهم أو يشارك أو يسهل ‏تلك العمليات.‏

أن جريمة الاتجار بالبشر أخذت ‏حيزا ملحوظا في التنفيذ ‏والممارسة  خصوصا في الفترة الأخيرة، ‏وبرزت كظاهرة إجرامية دولية ‏تقوم بارتكابها عصابات ومافيات ‏منظمة تقوم ببيع  الأشخاص ‏ونقلهم عبر ممرات دولية بشكل غير ‏مشروع ووفق مخططات ‏منظمة، باستعمال أساليب القوة ‏والعنف والتهديد والخداع، إلا أن ما جرى من خسة في التعامل وفي ارتكاب الأفعال الجرمية  ما يخرج عن المنطق والمألوف في التعامل الإنساني، الإنسان الذي كرمه الله وفضله على كثير من المخلوقات،  فقد برهنت مجموعة عصابة داعش وذيولها المتمددة في مناطق أخرى، إنهم لا يلتزمون بقيم ومباديء وأخلاق وأعراف أو حتى أديان ، وإنهم أيضا يمارسون الجرائم الجسيمة بكل عناصرها وأركانها عمدا ومع سبق إصرار ، 

فقد بلغت الخسة والانحطاط والإيغال في الانحراف البشري في التعامل مع الفتيات الأيزيديات، وفي استغلال الأطفال جنسيا، وفي الانحراف الجنسي والتعدي الجسدي حين احتلوا قرى الأيزيديين على غفلة من الزمن وبغياب أية مقاومة رادعة، وأظهروا كل براعتهم في تعذيب وترويع العوائل من النساء والشيوخ والأطفال ممن لاحول لهم ولا قوة . 

وإزاء أفعال يندي لها جبين البشرية  ويخجل منها أصحاب الضمير، يلزم من كل صاحب ضمير  ووجدان أن يساهم في تخليص النساء الايزيديات من مخالب الأشرار المهووسين جنسيا من أفراد عصابات الإرهاب ممن انتزعت من قلوبهم الرحمة والعطف والإحساس والغيرة  فباتوا كالحيوانات المسعورة والقطعان الجائعة يفترسون الشرف والعفة  وينتهكوا الأعراض ويستبيحوا الحرام، ويبرهنوا على نذالتهم وانحطاطهم . 

ولم تزل آلاف العوائل التي اختطفت بناتها تنظر الى العالم الأخرس بعيون ممتلئة بالدموع وبقلوب واجفة، بانتظار بارقة أمل تعيد لهم فلذات أكبادهم، وهن واقعات تحت الحجز والاسر الداعشي، رهينات وسجينات وأسيرات .  

 

زهير كاظم عبود

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket