صلاح الدين وأردوغان

الاراء 09:25 AM - 2015-06-14
صلاح الدين دميرتاش

صلاح الدين دميرتاش

 في سعيه الحثيث لاستعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية، لم يجد أردوغان الذي تلفّع بعباءة السلطان العثماني، في طريقه سوى الكردي صلاح الدين ديمرطاش الذي ظهر فجأة على هيئة صلاح الدين الأيوبي، ليقطع عليه أحلامه في البقاء على عرش الباب العالي.

لم يكن أردوغان يدرك أن ديمرطاش زعيم «حزب الشعوب الديمقراطي» الكردي، «الحصان الأسود» للانتخابات التشريعية التركية، هو نتاج السياسات التي انتهجها بنفسه، والأخطاء القاتلة التي وقع فيها حزبه، عندما اتخذ من «حزب الشعوب الديمقراطي» و«حزب العمال الكردستاني» المحظور مخاطباً له، مستبعداً جميع القوى والفعاليات التقليدية الكردية من وجهاء ورؤساء عشائر، التي كان يعتمد عليها سابقاً من حساباته، ما دفع الشارع الكردي لتفويض ديمرطاش وحزبه ممثلاً شرعياً له، ومنحه الأغلبية العظمى من أصواته.

تفوق ديمرطاش على أردوغان في استحضار التاريخ، إذ سرعان ما تقمّص دور صلاح الدين الأيوبي في توحيد مكونات الكرد خلفه، مثلما فعل الأيوبي عندما وحّد ممالك بلاد الشام المتناحرة آنذاك، ثم وحّد مصر مع بلاد الشام، قبل أن ينطلق إلى تحرير فلسطين والقدس من الصليبيين. هكذا نجح ديمرطاش في كسر حاجز ال «10%»، بعد طول انتظار من الكرد الذين يمثلون 20% من سكان تركيا، ليحصد 13,3% من الأصوات، أي 80 مقعداً في البرلمان، كانت كافية لدفن أحلام أردوغان، والقضاء على هيمنة الحزب الواحد وتشكيله الحكومات منفرداً، على مدار 13عاماً متواصلة.

خسر أردوغان، الذي أراد أن يجعل من هذه الانتخابات استفتاءً شخصياً له، ونجح ديمرطاش في فرض وزن أكبر للكرد على الساحة السياسية، من حيث الدفاع عن حقوقهم وعملية السلام المتعثرة. وبالمحصلة، فقد تغير المشهد السياسي برمته، لتدخل تركيا مرحلة جديدة يغلب عليها طابع الأزمات بديلاً من الاستقرار، في ظل الاستبداد والهيمنة المطلقة. فلا حزب العدالة والتنمية (حصل على 260 مقعداً) قادر على تشكيل حكومة بمفرده، ولا حتى تشكيل حكومة ائتلافية مع أي من أحزاب المعارضة، نظراً للخلافات العميقة واستحالة التعايش بينها، يستبعد المراقبون حكومة أقليات تجمع أحزاب المعارضة، للأسباب نفسها، ما يجعل من الانتخابات المبكرة مخرجاً مرجّحاً في نظر هؤلاء المراقبين. ولكن، حتى في هذه الحال، ما الذي يضمن تغيير النتيجة لمصلحة حزب العدالة والتنمية، بعدما فرضت أحزاب المعارضة شخصيتها في الشارع وعززت ثقة الناخب بإمكانية الخلاص من تسيّد أردوغان وحزبه للساحة السياسية.

وسط كل هذا المشهد، تظل المخاوف قائمة من عملية التفاف متوقعة قد يقوم بها أردوغان، خلافاً لكل الرؤساء من قبله، عبر تكليف رئيس وزرائه داود أوغلو على الأرجح تشكيل الحكومة الجديدة، بالتزامن مع قيامه بتأمين العدد اللازم من النواب، من خلال شرائهم ودفعهم إلى الاستقالة من أحزابهم والانضمام إلى حزب العدالة والتنمية، لضمان الأغلبية في البرلمان. هذا على الأقل، ما يستشفّ من كلمة داود أوغلو من على شرفة حزب العدالة والتنمية فور الإعلان عن النتائج الأولية للانتخابات، وفي حال الفشل، فإن الطريق يذهب في مسار واحد هو الانتخابات المبكرة، وعندها سيكون لكل حادث حديث.

 

يونس السيد /  عن صحيفة (الخليج) الاماراتية 

 

 

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket