نهاية حكومة الحزب الواحد في تركيا

الاراء 07:40 PM - 2015-06-10
نهاية حكومة الحزب الواحد في تركيا

نهاية حكومة الحزب الواحد في تركيا

بعد 13 عاما من الهيمنة كحكومة الحزب الواحد، شهد حزب العدالة والتنمية، الذي كان يتلقى الانتقادات المتزايدة لاتباعه سياسات مثيرة للانقسام للغاية، سياسات استبدادية وقمعية، تآكلا كبيرا من الدعم في انتخابات يوم الأحد الماضي وفشله  في تأمين 276 مقعدا في البرلمان وهي المقاعد الضرورية لمواصلتة حكم الحزب الواحد لفترة أخرى.
وقد  تمكن حزب الشعوب الديمقراطي الكردي (HDP)، والذي اختار  خوض الانتخابات كحزب في هذه الانتخابات لأول مرة، بدلا من ترشيح مرشحين مستقلين للتحايل على عتبة الانتخابات في البلاد وتجاوز عتبة  10 في المائة ، مما قلل من عدد المقاعد في البرلمان التي كانت ستذهب الى  حزب العدالة والتنمية. وبالتالي، فإن إنشاء حكومة ائتلافية عاد  مرة أخرى على جدول أعمال تركيا بعد أكثر من عقد من الزمان.
ومن المحتمل ان تكون هذه النتيجة قد أحبطت  أيضا خطط حكومة حزب العدالة والتنمية والرئيس التركي رجب طيب أردوغان لتغيير دستور البلاد وتحويل النظام البرلماني في  تركيا إلى نظام رئاسي، الذي قال العديد من المحللين بانه سيمكن  أردوغان من مواصلة مراكمة السلطة وصعود  نظام من دون الضوابط الضرورية والتوازنات.
النتائج غير الرسمية للانتخابات، التي قال كثيرون انها كانت أشبه باستفتاء من شأنه  أن يحدد المصير والمستقبل السياسي للبلاد – في أن تصبح إما أكثر استبدادية أو حرمان  الرئيس أردوغان من التغييرات التي يطمح إليها والحد من سلطته – تشير الى ان  أن حزب العدالة والتنمية حصل على  40.6 في المائة، بينما حصل حزب  المعارضة الرئيسي حزب الشعب الجمهوري على  25.3 في المائة، وحصل حزب الحركة القومية   MHP على 16  في المائة في حين حصل حزب الشعوب الديمقراطي ، الذي اتسعت جاذبيته  وراء أصوات الكرد الأساسية الى يسار الوسط والقطاعات العلمانية المصابة  بخيبة أمل مع أردوغان، على  12.7 في المائة من الاصوات على الصعيد الوطني. هذه النسب تترجم الى 257 مقعدا لحزب العدالة والتنمية، 131 لحزب الشعب الجمهوري، و 83 لحزب الحركة القومية، و 79 لحزب الشعوب الديمقراطي .
لتشكيل حكومة من حزب واحد، ويجب ان يحصل  الحزب  على 276 مقعدا على الأقل ، وهو ما يمثل الأغلبية المطلقة في البرلمان التي تضم 550 مقعدا. في الانتخابات العامة السابقة التي عقدت في يونيو 2011، حقق حزب العدالة والتنمية انتصارا باهرا، وتلقى ما يقرب من 50 في المائة من الاصوات على الصعيد الوطني وكسب 327 مقعدا في البرلمان. وكان التصويت للحزب في الانتخابات المحلية التي جرت العام الماضي حوالي 46 في المائة.
ما يقرب من 46 مليونا من أصل 53.7 مليون ناخب مسجل ذهبوا الى مراكز الاقتراع في جميع أنحاء البلاد مابين الساعة الثامنة صباحا والخامسة عصرا 0 وكان الإقبال على التصويت نحو 85 في المائة.
وأجريت انتخابات يوم الاحد وسط مخاوف من تزوير الانتخابات، مما دفع أكثر من 50،000 شخص للتسجيل ليكونوا بمثابة مراقبي الانتخابات. المخاوف لم تكن  من دون سبب، فالانتخابات المحلية العام الماضي، التي عقدت يوم 30 مارس، طغت عليها مزاعم تزوير الانتخابات وذلك نتيجة التباين بين الأرقام المسجلة في مراكز الاقتراع والذين دخلوا فعلا في السلطة الانتخابية في البلاد، المجلس الأعلى  للانتخابات (YSK)، بالإضافة إلى انقطاع التيار الكهربائي المشبوه  الذي وقع في  22 محافظة خلال عملية فرز الأصوات.
يوم الاحد، كان المزاج متوترا في بعض مراكز الاقتراع، لا سيما في الجنوب الشرقي ذي الأغلبية الكردية في البلاد، بعد تفجير يوم الجمعة الذي اسفر عن مقتل شخصين وإصابة 200 على الأقل في تجمع انتخابي لحزب الشعوب الديمقراطي HDP، الذي كان  هدفا لهجمات متكررة في الفترة التي تسبق الانتخابات.
بعد الادلاء بصوته في اسطنبول، دعا الرئيس المشارك في حزب الشعوب الديمقراطي  صلاح الدين دميرتاز للسلام بعد ما اعتبره "حملة صعبة ومضطربة."
وشكا زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليشاراوغلو الذى ادلى بصوته في أنقرة، من أن الحملة الانتخابية لم تكن عادلة وقال  ان الهجوم المميت على مسيرة حزب الشعوب الديمقراطي  في ديار بكر يوم الجمعة محزن للغاية.
حزب الشعب الجمهوري تلقى  حوالي 26 في المائة من الاصوات على الصعيد الوطني في الانتخابات العامة 2011 .
وقال زعيم حزب الحركة القومية دولت بهجلي للصحفيين بعد الادلاء بصوته في أنقرة "لتكن  الانتخابات  الأفضل حتى الآن لاحزابنا العشرين ، ومرشحيهم و 165 من المرشحين المستقلين"،. كانت الأصوات التي حققها حزبه  في الانتخابات العامة لعام 2011 في حوالي 13 في المائة.
وكان زعيم حزب العدالة والتنمية ورئيس الوزراء أحمد داود أوغلو في محافظة كونيا للادلاء بصوته يوم الاحد. وقال انه كان يوم اتخاذ القرارات الذي من شأنه  تحديد مصير تركيا، مضيفا أن كل نتيجة تخرج من صناديق الاقتراع، يجب احترامها.
الرئيس أردوغان، الذي تحدث للصحفيين بعد ادلائه بصوته في اسطنبول، قال ان إجراء الانتخابات في الوقت المحدد يدل على أن هناك الاستقرار والثقة في تركيا، مضيفا أن الاهتمام الجماهيري العال  في الانتخابات هو أيضا علامة على وجود ديمقراطية قوية .
بينما التوافق دستوريا هو مطلوب  للبقاء فوق السياسة الحزبية، عقد أردوغان مسيرات متكررة طوال الحملة الانتخابية ، والانضمام الى رئيس الوزراء داود أوغلو في مهاجمة أحزاب المعارضة. خلال هذه المسيرات، التي عادة ما تعقد بذريعة  او بحجة افتتاح المؤسسات ، طلب أردوغان، مؤسس حزب العدالة والتنمية ورئيس الحزب حتى شهر أغسطس الماضي عندما انتخب للمنصب الشرفي الى حد كبير وهو أعلى منصب في الدولة، من الناس انتخاب 400 من نواب حزب العدالة والتنمية - دون تسمية الحزب - الذين سيصوتون لوضع دستور جديد من شأنه أن يمهد الطريق لنظام رئاسي. ويطمح أردوغان أن يصبح أول رئيس لتركيا في ظل نظام رئاسي.
خلال الحملة الانتخابية، وكثيرا ما انتقدت أحزاب المعارضة مسيرات أردوغان، قائلة  انه انتهك صراحة المادة 103 من الدستور، التي تتناول قسم الرئيس في  منصبه وينص على ان الرئيس سوف يظل محايدا أثناء أداء مهامه بشكل واضح.
وأجريت انتخابات يوم الاحد في الوقت الذي كانت فيه حكومة حزب العدالة والتنمية وأردوغان يجتذبان  كثير من الانتقادات من داخل وخارج تركيا على حد سواء لسلك السياسات الاستبدادية على نحو متزايد، وخنق المعارضة، والمضي قدما مع القوانين التي تضر  باستقلال القضاء والحد من حرية الصحافة؛ وبعبارة أخرى ان  تركيا تسير بسرعة بعيدا عن دوري البلدان الديمقراطية التي يحكمها القانون.
وقد لجأ  حزب العدالة والتنمية وأردوغان وبشكل  متزايد نحو السياسات القمعية والاستبدادية، وخاصة بعد ان تم الكشف علنا عن  تحقيقين بالكسب غير المشروع يوم 17 و 25 ديسمبر 2013 والتي كشف فيها عن ان أعضاء بارزين في الحكومة كانوا متورطين على ما يبدو عميقا في الفساد.
وصف  أردوغان التحقيقات بأنها  "محاولة انقلاب" تهدف لاسقاط حكومته في حين جعل حركة غولن الحركة الدينية، و التي يتزعمها المفكر التركي الإسلامي فتح الله غولن الهدف الرئيسي له، وحمل  الحركة المسؤولية عن الكشف. وأطلق حملة التشهير وحرب شاملة ضد جميع المنظمات والشعب التابعة للحركة. واتهم المتعاطفين مع الحركة، لا سيما في قوة الشرطة والقضاء، بتدبير التحقيق وإقامة "دولة موازية" داخل الدولة على الرغم من نقص الأدلة في هذا الشأن. الحركة تنفي بشدة مزاعم أردوغان.
وقد فعلت حكومة حزب العدالة والتنمية كل ما في وسعها لاخفاء  ادعاءات الفساد على نطاق واسع تحت البساط. وطردت  الآلاف من ضباط الشرطة والمدعين العامين والقضاة، وعلقت مناصبهم  ثم طردت العديد من أولئك الذين شاركوا في فضيحة الفساد من مهنتهم. ثم ضمنت الحكومة أن التهم في قضية الفساد قد أسقطت وعينت المدعين العامين الجدد من اصدقائها  لهذه التحقيقات.
من خلال محاكم السلام الجزائية المثيرة للجدل ، التي وضعتها الحكومة في الصيف الماضي، ضمنت حكومة حزب العدالة والتنمية إطلاق تحقيقات ضد منتقديها وكذلك ضباط الشرطة الذين شاركوا في العمليات الكبرى مثل 5 تحقيقات بالكسب غير المشروع في 17 و25 ديسمبر وكذلك عملية  (المطرقة)، اركنكون ، ومجتمعات الاتحاد الكردستاني (KCK) وقد  هزت هذه العمليات ثقة الجمهور في النظام القانوني، وعززت المخاوف بشأن تشكيل السلطة القضائية التي تسيطر عليها الحكومة. وأدت العمليات إلى اعتقال او طرد العشرات من ضباط الشرطة من ذوي الخبرة.
كما تعرض  الصحفيون أيضا لضغوط غير مسبوقة تحت حكم حكومة حزب العدالة والتنمية على مدى السنوات القليلة الماضية، مع مواجهة العديد منهم إجراءات قانونية لمجرد أداء واجباتهم. وخسر الكثير منهم  وظائفهم أو لجأوا ببساطة إلى الرقابة الذاتية لكي لا يغضبوا أردوغان أو الحكومة.
اليوم، العشرات من الصحفيين بما في ذلك مدير تلفزيون مانيولو TV هدايت كاراكا، وصحفي التحقيقات محمد برانسو  وغيرهم الكثير هم قيد الاعتقال في تركيا أو بمواجهة الملاحقة القضائية. الصحفيون يواجهون في الغالب بتهمة الإرهاب أو اتهامهم  بإهانة أردوغان أو مسؤول حكومي آخر. يتم توجيه التهم ضد الصحفيين حتى بسبب منشوراتهم على موقع تويتر التي تنتقد سياسات الحكومة أو أردوغان.
بالإضافة إلى الصحفيين فأن القضاة الذين حكموا لإطلاق سراح بعض المسجونين من ضباط الشرطة كانوا هم أنفسهم عرضه للحبس  في وقت لاحق لحكمهم، وهى المرة الأولى في تاريخ القضاء في تركيا التي يحكم فيها  بالسجن على القاضي بسبب حكمه.
كما تم إرسال النيابة العامة إلى السجن للإشراف على العمليات التي أحبطت أردوغان وحزب العدالة والتنمية، مثل إلقاء القبض على أعضاء النيابة العامة المشاركين  في البحث عن الشاحنات المتجهة الى سوريا التي تم العثور عليها والتي تعود  إلى منظمة الاستخبارات الوطنية (MIT) في يناير 2014. ويزعم ان الشاحنات تحمل بطريقة غير شرعية اسلحة الى جماعات المعارضة في سوريا. و تدعي الحكومة التي تنفي هذا بشدة ان الشاحنات كانت تحمل مساعدات للتركمان  في سوريا.
وقد أدت كل هذه التطورات إلى تراجع كبير في ثقة الجمهور في النظام القضائي في البلاد، وترك كثير من الناس مع مشاعر انعدام الأمن وانعدام الثقة.
كما ان  الحكومة لم تكن ناجحة أيضا  في حربها ضد الفقر. في الواقع، لقد اتهمت من قبل المعارضة بـ "إدارة" الفقر من أجل الحفاظ على أصوات الفقراء بدلا من محاولة القضاء عليه. وكان لاردوغان مؤخرا أيضا، القصر الرئاسي الفخم الضخم الذي بناه  لنفسه والذي فيه  اكثر من 1000 غرفة وكثيرا ما انتقد حزب العدالة والتنمية لإضاعة أموال دافعي الضرائب على البذخ.
واعتبرت انتخابات الاحد الماضي كأكبر تحد انتخابي لحزب العدالة والتنمية منذ وصوله للسلطة في عام 2002، وقد اتضح أن ذلك صحيح  تماماً.

ترجمة: لمى الشمري

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket