الاتحاد الوطني الكوردستاني.. من طليطلة إلى بـغداد

ا.و.ك‌‌‌‌ 04:32 PM - 2015-05-27
الاتحاد الوطني الكوردستاني.. من طليطلة إلى بـغداد

الاتحاد الوطني الكوردستاني.. من طليطلة إلى بـغداد

الحلقة الثانية


واندلعت الشرارة …
أعلن الاتحاد الوطني الكوردستاني في بدأ الكفاح المسلح عبر مجموعات مسلحة صغيرة متنقلة، ففي 1/6/1976، يوم عبور النقيب المهندس إبراهيم عزو ورفاقه الثمانية والثلاثين إلى كوردستان العراق انطلاقاً من الأراضي السورية الشمالية الشرقية، لخوض حرب أنصار ثورية محدودة وبالتصدي العسكري الجزئي والمحدود لمخططات النظام العنصري ضد سكان القرى الكوردية والدفاع عن الكورد العائدين المنفين الذين القوا السلاح وعادوا إلى بيوتهم وقراهم في كوردستان، حيث قام النظام العراقي في منتصف عام 1975 بتهجير ما يناهز الأربعمائة ألف مواطن كوردي إلى الجنوب والمنطقة الغربية من العراق وإسكانهم في المخيمات والجوامع والحسينيات والمدارس والخرائب وفي العراء أحيانا كثيرة وكذلك تم إعدام اكثر من (250) مائتين وخمسين مواطناً كوردياً كانوا معتقلين في سجن أبي غريب ببغداد وسجن الموصل منذ عام 1974 أي قبل فشل المفاوضات بين الوفد الكوردي برئاسة ادريس البارزاني وعضوية دارا توفيق وصالح اليوسفي في بداية آذار 1974، إذ تم إعدامهم انتقاما من الشعب الكوردي في سجني ابي غريب والموصل، علما بانهم لم يساهموا في الثورة الكوردية في عامي 1974 و1975 .
واتذكر منهم الشهداء ملا حيدر محمد (كفري)، احمد عباس كاكا (جلولاء)، حسيب قادر، عبدالواحد جوامير، حميد محمد رشيد، خديدا سبيل ايزدي (سنجار)، تحسين حاج احمد واحسان جمعة حسين، كما ان مجموعة من كورد جلولاء كانوا معتقلين منذ عام 1972 بتهمة نسف سكة حديد جلولاء افتراءً فتم إعدامهم دون أية أدلة.
بدأت حملة منظمة بعد انهيار الثورة في اذار 1975 ضد العناصر العسكرية والسياسية الوطنية الكوردية في كوردستان وبغداد والموصل، مما ادى إلى اختفاء المئات من الكوادر العسكرية والسياسية. ففي فجر يوم  24/4/1974 داهمت مفارز الأمن العام بوحشية بيوت عدد عوائل المسؤولين الكورد في بغداد فتم تجميع الأطفال والنساء والشيوخ في مديرية الأمن العام بطريقة مرعبة وأرسلتهم بسيارات الحمل العسكرية (الزيل) المغلقة إلى شقلاوة ومن هناك إلى قلعه دزه في محافظة السليمانية وكانوا عوائل السادة (صالح اليوسفي ودارا توفيق ونوري شاويس وعبد الرزاق عزيز ومحمد أمين بك ويد الله كريم وعبد مراد وحسن حسين ومظفر النقشبندي وعادل مراد) .
بعدها بأيام بدأت حملة واسعة لطرد مئات العوائل من السليمانية واربيل وكركوك وخانقين وكفري وسنجار وجنوب الموصل إلى المناطق المحررة من كوردستان للضغط على الثورة وارباك الحياة الاجتماعية هناك، ولكن النتائج كانت على عكس مخططات النظام، فروحية المقاومة قد تجذرت وتصاعدت باضطراد.
وعندما أعلن الاتحاد الوطني الكوردستاني الكفاح المسلح  بدأ مئات من أبطال ثورة أيلول بإخراج بنادقهم المخفية في الكهوف والجبال والقرى النائية والذين فقدوا أو سلموا أسلحتهم شرعوا بشراء السلاح للدفاع عن شرفهم وعوائلهم ضد تجاوزات واستهتار قوات ومخابرات النظام العنصري .
فمن مدن كوردستان خرجت مجموعات صغيرة من الشباب الثوريين في ربيع 1976 إلى الجبال لتجوب القرى والهضاب للإعلان عن بدء المقاومة ضد النظام ونشر أفكار الثورة الجديدة وتعبئة الفلاحين. خرجت هذه المجموعات من مناطق مختلفة إلى الجبال بتخطيط من منظمة الكومله وبتنسيق مع الحركة الاشتراكية الديمقراطية الكوردستانية بزعامة الشهداء (صالح اليوسفي – علي العسكري – علي هزار- عمر مصطفى دبابة –رسول مامند –الدكتور خالد سعيد - طاهر علي والي – كاردو كلالي).
أسس زعيم الكومله الشهيد آرام مركزاً تنظيمياً له في إحدى قرى (قره داغ) جنوب السليمانية ومن هناك نظم الخلايا المشتتة للعصبة (كومه له) التي منيت بنكسة تنظيمية بعد إعدام قادتها ومؤسسيها (شهاب وجعفر وأنور في 21/11/1976 في سجن ابي غريب). وتركت مجموعات ثورية أخرى المدن باتجاه الجبال والأرياف النائية، كمجموعة سالار عزيز ومجموعة ملا بختيار ومجموعة أخرى مكونة من محمد حاج محمود وشيروان شيروندي (عثمان صالح باجلان) والشهيد شوكت حاجي مشير وحامد حاجي غالي وغيرهم.
ان الانطلاقة بدأت من الداخل باتجاه الجبال والمناطق الآمنة فكانت مفارز علي العسكري ورفاقه الدكتور خالد سعيد وعمر دبابة توجهت إلى قنديل ومجموعة آرام إلى قرداغ وأخرى بقيادة سالار عزيز وأخرى بقيادة الملازم طاهر علي والي ومجموعة أخرى لحزب باسوك (الحزب الاشتراكي الكوردي-الذي تاسس من بقايا كازيك) .
أما مجموعة الخارج التي تحركت باتجاه كوردستان فكانت بقيادة النقيب المهندس إبراهيم عزو ومعه (38) مقاتلا مدرباً ومسلحاً تسليحا جيدا، وانطلقوا من منزل الشخصية الوطنية الكوردية السورية خليل سور، فعبروا الحدود العراقية – السورية ليلة 1/6/1976. فانقسموا الى ثلاثة مجموعات، الأولى بقيادة الشهيد عبدالجبار عبدالغني السندي وتمركزوا في جبل بيخير في دهوك والمجموعة الثانية بقيادة الشهيد عزت السنجاري فتمركزت قرب مدينة زاخو .
والمجموعة الثالثة كانت بقيادة ابراهيم عزو ومجموعته الذين بقوا في منطقة برواري، وارسلوا عدد من البيشمركة إلى مناطق السليمانية، فاتصلوا بالسيد شازاد صائب لتنظيم الاتصال مع قيادة الاتحاد في الداخل. وبعد اشهر عبرنا مع مجموعة من البيشمركة نهر دجلة ليلا وتحت وابل من الرصاص للالتحاق بالرفاق الذين سبقونا إلى كوردستان العراق ولكن ظروف عسكرية خطيرة طارئة أفشلت الخطة وتكررت المحاولات حتى نجحنا في العبور للتنسيق مع الدكتور كمال خوشناو وصلاح قايا لتمرير المؤن والسلاح والعتاد والأدبيات والرسائل والأفراد والأدوية إلى كوردستان العراق عبر كوردستان تركيا .
ان الأسلوب الدموي الذي اتبعه النظام الحاكم أدى إلى انتشار الوعي القومي الكوردي وشجع الفلاحين والكسبة والطلبة والمثقفين إلى حمل السلاح للدفاع في كل المدن والقرى الكوردية وبدء الناس بتشكيل قوات شعبية للدفاع المدني عن قراهم ومدنهم وممتلكاتهم واشجارهم فبدأت الحركة المسلحة تتوسع بالكوادر العسكرية والسياسية التي ظلت في إيران.
إذ بدأنا بالاتصال بهم من اجل العودة إلى العراق ومشاركتهم في تنظيم المواطنين في الداخل. فبدء أصدقائنا بمغادرة إيران وتوجهوا إلى دمشق وكنا نستقبلهم في المطار ونهيئ لهم السكن المتواضع استعداداً للتعبئة السياسية القادمة .

التجمع والتعبئة في سوريا
كان رجال السافاك (مخابرات الشاه) يشجعون من يرغب بالسفر إلى أوربا أو العودة للعراق، لكنهم في نفس الوقت كانوا يراقبون من يبقى في ايران. كنا نبعث رسائل إلى بعض مؤيدينا لتنظيم أنفسهم وإرسال الكوادر العسكرية إلى سوريا لاستيعابهم وتهيئتهم للمرحلة القادمة ولم نتطرق في رسائلنا او اتصالاتنا الهاتفية إلى ذكر الحكومة الإيرانية أو الإساءة أليها، ورغم هذا تم اعتقال بعض أصدقائنا وتعرضوا للاستجواب لاشهر. وكنا نبعث بعض بيانات الاتحاد الوطني الكوردستاني سراً إلى معسكرات اللاجئين الكورد العراقيين في إيران عن طريق أنصارنا في تلك المعسكرات ولعب السيد عدنان المفتي دوراً متميزاً في تجميع الشباب حول الاتحاد الوطني في ايران.
كانت لنا مجموعات صديقة تعمل في إيران بشكل منظم بين اللاجئين الكورد خارج المعسكرات كالسادة المرحوم إبراهيم أحمدو وشمس الدين المفتي والدكتور محمود عثمان وفؤاد الجلبي وقادر جباري، إذ كانوا يتصلون بالكوادر العسكرية والحزبية للسفر إلى سوريا لانها أصبحت حاضنة للكوادر العسكرية والسياسية الكوردية رويداً رويداً، وقد وصل دمشق عدد من الأنصار الشيوعيين (القيادة المركزية) الذين ساعدهم السيد مسعود البارزاني مادياً ومعنوياً بعد ان فاتحته وشرحت له وضعهم الصعب وضرورة خروجهم من إيران والتوجه إلى سوريا أو أوربا .
كنا نستقبل العديد من الضباط، على سبيل المثال فخلال ستة أو سبعة اشهر وصل إلى دمشق عدد كبير من الضباط، منهم الملازم فؤاد الجلبي والنقيب المهندس إبراهيم عزو الذي كان يعمل في شبكة صواريخ اطراف بغداد إذ هرب من بغداد مشياً على الأقدام حتى وصوله مدينة البوكمال السورية الواقعة على الحدود العراقية – السورية وكان معه السادة الشاعر فرهاد شاكلي وابراهيم عبد علي قربان بعد صدور أوامر إلقاء القبض عليهم وذلك بعد اعتقال العشرات من كوادر العصبة في نهاية 1975 وهروب القادة (شهاب وجعفر وأنور) إلى إيران، ووصل دمشق السيد عدنان المفتي يوم 7/10/1975، بعد ان اصبح بقائه غير ممكناً في ايران ومن ثم وصل من بعده الملازم الأول حسن خوشناو. ووصل سوريا مشياً على الاقدام من ايران كل من المناضلين رؤوف الصالحي وسامان كرمياني وداود الجاف الخانقيني والمعاون جمال احمد خوشناو والملازم سيد كريم وعارف كريم وبهزاد محمد سعيد والملازم عبدالله خوشناو ومعاون الشرطة قرني جميل والملازم عمر عثمان (زعيم علي) والرائد عزيز حاجي محمود الراوندزي والسيد سليمان قصاب والمرحوم الملازم سردار أبو بكر خره بدراوه والملازم فريدون مصطفى والملازم أنور مصري والملازم علي والملازم وليد مظفر النقشبندي، والكثير من هولاء كان بإمكانهم السفر إلى أوربا من ايران بسهولة لكنهم فضلوا ان يساهموا في عمليات التعبئة والرجوع إلى كوردستان انطلاقا من المناطق الحدودية في سوريا.
كذلك وصل عدد من الكوادر السياسية للثورة كالسادة على سنجاري ومنذر النقشبندي ومصطفى إبراهيم خوخي وعمر بوتاني وحسن فيض الله وحسيب روزبياني وسلام الخياط والبرفسور جمال رشيد وبرهان الجاف وعباس شاهين شبك والشيخ حسين بابا شيخ الايزيدي وبوزو احمد (ابوعلي) وخديده بسو وعبد الرحمن سنجاري وعزت سنجاري وشيخ خلف الايزيدي وعدد كبير من المناضلين الكورد الايزيدية إضافة إلى السياسيين والفنانين والفنيين والتحق بنا شخصية رياضية من منتخب العراق يدعى سيد مرسل سيد مجيد الذي كلف فيما بعد بمهمة تنظيمية استشهد جرائها في شقلاوة عام 1977، وكانت هناك مجموعات من النساء عملن بشجاعة نادرة في تنظيمات الاتحاد داخل وخارج العراق .
كما وصل دمشق من بغداد السيد زكي محمد رضا بابير الفيلي في حزيران 1977 للالتحاق بالثورة الجديدة، فتسلل إلى كوردستان وتبعه السيد فلاح حسن توزمال الفيلي الذي عمل ضمن حماية مام جلال في كوردستان .
إضافة إلى وصول الهاربين الى كوردستان، زارنا وفي فترات متقاربة المناضلين فريدون عبد القادر والشهيدين عزيز محمود وجمال ره ش حاملين رسائل وتوصيات واستفسارات سياسية تنظيمية من قيادة العصبة (كومله) إلى  مام جلال. وفي أب 1975 سافر معنا إلى برلين السيد فريدون عبد القادر ليسلم رسالة خاصة من (كومله) إلى مام جلال. وأتذكر بان السيد عبدالاله النصراوي قد جهز له جواز سفر سوري للسفر معنا على متن الطائرة التي انطلقت من دمشق إلى برلين الشرقية في 13/8/1975، للقاء مام جلال خلال المؤتمر العام لجمعية الطلبة الكورد في أوربا KSSE .
كما زرنا في دمشق الدكتور نجم الدين عمر كريم في كانون الأول 1975 على ما أتذكر قادماً من طهران وسلمني رسالة شخصية من السيد مسعود البارزاني حول ظروف كوردستان وما آلت أليها الأوضاع بسبب النكسة التي حلت بالحزب والثورة. أجبت على رسالته السياسية الودية وكتبت له الأسباب الموضوعية والذاتية لتأسيس الاتحاد الوطني الكوردستاني والأسباب التي دفعتني للعمل مع التنظيم الجديد (الاتحاد). ورغم العلاقات الودية القديمة مع الدكتور نجم الدين عمر أثناء العمل معاً في مكتب سكرتارية اتحاد طلبة كوردستان حيث كان مسؤولا للاتحاد في جامعة الموصل حتى عام 1972، فقد عاد من دمشق إلى إيران بعد أيام وهو منزعج مني بسبب موقفي التنظيمي الجديد، علماً باني شرحت له أمور كثيرة، وأكدت له بان نهج الاتحاد هو التعاون المطلق على كل الصعد مع الحزب الديمقراطي الكوردستاني وقيادته ولكنه لم يقتنع بطروحاتي. وبذل جهود مضنية للتأثير عليَ فلم يفلح .
لم تكن زيارات الرفاق المسؤولين إلى دمشق فقط، فقد زارنا في بيروت عندما كنت مسؤولاً عن مكتب العلاقات هناك عدد من المسؤولين كالسادة سالار عزيز وعمر دبابة وشازاد صائب وعدنان المفتي والدكتور خالد سعيد اضافة الى اصدقائنا من القوى العراقية والكوردستانية للقاء الأحزاب والمنظمات الديمقراطية والفلسطينية والشيوعية الصديقة في لبنان وذلك في فترات مختلفة (1975 – 1979).
رتبتُ لهم لقاءات عديدة مع السادة نايف حواتمة الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين عام 1977 والدكتور جورج حبش الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين واحمد جبريل وكذلك للقاء المرحوم السيد ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية الذي كانت تربطني به علاقات جيدة، والتقوا بالسادة جورج حاوي سكرتير الحزب الشيوعي اللبناني وبمسؤولي حركة فتح السادة خليل الوزير أبو جهاد (الذي اغتيل عام 1987 في تونس) وماجد أبو شرارة وأبو أياد، وبالحركات الثورية والديمقراطية الناشطة حيث كانت بيروت الحاضنة الأساسية لحركات التحرر الوطني العربية والإقليمية والعالمية، ومركزاً سياسياً للعديد من سفارات الدول العربية والاشتراكية في الشرق الأوسط .
نظم الاتحاد الوطني الكوردستاني علاقات جيدة مع بعض الشيوعيين الذين انشقوا عن الحزب الشيوعي العراقي الرسمي وشكلوا تنظيماً ثورياً بقيادة المفكر الدكتور عادل عبد المهدي بأسم تنظيم وحدة القاعدة.
وتجدر الإشارة بأن المجموعة كانت منعكفة على دراسة تاريخ شعوب الشرق والإسلام بشكل خاص ولها علاقات خاصة بالمجموعات الفلسطينية الإسلامية وبشكل خاص بمكتب خليل الوزير، وكانوا يرجون لقرب إنهيار الإتحاد السوفيتي المنهك داخلياً. مؤمنين بنظرية العوالم الثلاث التي كانت يطرحها الصين في حينه وقد جمعوا حولهم عدد من الإيرانيين اليساريين المؤيدين للثورة الإيرانية والإمام الخميني وكان لتنظيم وحدة القاعدة مكتب للدراسات يشرف عليه الكاتب الفلسطيني منير شفيق بمنطقة الجامعة العربية ببيروت وكان يعمل معه عدد من الشباب في بيروت وأوربا، أتذكر منهم الدكتور عبد الحسين الهنداوي والشهيد فاضل ملا محمود وسامي شورش ومحمد الهنداوي (فاضل) وحاجي وعلي الشبيبي وحازم النعيمي)، وكانت لنا علاقات متميزة في دمشق مع كوادر الحركة الاشتراكية العربية بزعامة عبد الإله النصراوي، أتذكر منهم الدكتور قيس جواد العزاوي وجواد الدوش ورضا دله علي ومحمد محيل وابراهيم عوني القلمجي. ولم تقتصر علاقات الإتحاد الوطني الكوردستاني مع القوى العراقية الديمقراطية والشيوعية والقومية والناصرية والبعثية المتواجدة على الساحة السورية، وقد أقمنا علاقات مع حركة القوميين العرب بزعامة هاشم علي محسن في دمشق وبيروت.
وتمكنا من تنظيم علاقات سياسية مع إحدى القوى الإسلامية العراقية في بيروت في نيسان 1977 عبر الشهيد فاضل ملا محمود. فتم تنظيم لقاء مع مندوب (الجبهة الوطنية الإسلامية في العراق). فكان ذلك اللقاء الأول مع جهة إسلامية عراقية. زودني بكراس طبع في بيروت تحت إسم (برنامج الجبهة الوطنية العراقية) الصادر في 22/2/1977. صدر الكراس بعد إنتفاضة شيعة جنوب العراق التي إندلعت خلال قمع مخابرات النظام لمسيرة ذكرى أربعينية إستشهاد الإمام الحسين وذلك في يوم 5/2/1977. سميت في جينه بإنتفاضة (شهر صفر). فنتشرت المظاهرات بعد أيام في معظم المدن الشيعية في جنوب العراق، وقابلتها السلطات بالقمع الوحشي المفرط. سارعت الحكومة إلى تشكيل محكمة صورية من القيادة القطرية لحزب البعث برئاسة عزت مصطفى العاني وعضوية فليح حسن الجاسم وحسن علي العامري، فصدرت أحكام إعدام مسبقة بحق العشرات من المتظاهرين الأبرياء، مما خلق شرخاً في قيادة البعث وأسفر عن طرد عضوي المحكمة عزت مصطفى العاني وفليح حسن الجاسم من الحزب والدولة بسبب تعاطفهم مع المتهمين الذين إستشهدوا تحت التعذيب قبل وصولهم إلى قاعة المحكمة وأتهم صدام حسين أعضاء المحكمة بالجبن والتخاذل.
في 1/3/1977 انتظمت علاقاتنا بشكل جيد مع الحزب الديمقراطي الكوردستاني بعد تسعة اشهر من الخلافات الحادة والدموية أحيانا وذلك بعد زيارة السيد مسعود البارازاني إلى دمشق وعقد سلسلة اجتماعات مع مام جلال وقيادة الاتحاد بحضور القيادات العراقية المعارضة.
وتجدر الإشارة بأنه كان في دمشق تجمعاً جبهوياً عراقياً باسم (التجمع الوطني العراقي) كان يظم كل من حزب البعث العربي الاشتراكي (قيادة قطر العراق بزعامة احمد العزاوي ومن ثم باقر ياسين) والحركة الاشتراكية العربية بقيادة عبدالله النصراوي والقيادة المركزية للحزب الشيوعي العراقي بقيادة ابراهيم علاوي والجيش الشعبي لتحرير العراق بقيادة احمد حسن النهر ومؤتمر القوميين  الاشتراكيين بقيادة اياد سعيد ثابت والحزب الاشتراكي بقيادة مبدر الويس وتنظيمات عراقية اخرى. وقد اجتمعنا مراراً مع التجمع الوطني العراقي الذي كان نواة العمل الوطني المستقبلي وأعلنا انضمامنا إلى التجمع لتعريف الحركة الكوردية وذلك في 2/9/1975.
ان الاتحاد الوطني الكوردستاني بحكم قوته العسكرية وخبرة مقاتليه اصبح الجناح العسكري في التجمع العراقي الذي طور العمل بعد ذلك حيث كان للاتحاد مجموعة عسكرية متمرسة ومستعدة للرجوع إلى العراق فالدورة العسكرية الأولى التي نظمها التجمع كانت نسبة عسكريين الاتحاد اكثر من 90%.
ساهم الاتحاد في نشاطات حركات التحرر العربية العاملة في دمشق التي كانت تمثل الحركات السياسية المعارضة في مصر والبحرين وإيران واليمن وإريتريا والأردن وظفار والمغرب والبوليساريو وتونس والسودان والسعودية. وكانت لهذه الحركات نشاطات مستقلة واسعة ومدعومة بشكل غير مباشر من القيادة القومية لحزب البعث السوري التي أعلنت رفضها لاتفاقيات كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل ومعاداتها لنظام صدام بشكل علني رداً على المؤامرات التي كانت تحيكها مخابرات صدام ضد الحكم في دمشق عن طريق تمويل المنظمات الإرهابية الفلسطينية التي جندت لصالح نظام بغداد ضد سوريا وحركة فتح .

انضمام الحركة الاشتراكية الديمقراطية الكوردستانية إلى الاتحاد الوطني الكوردستاني
بعد مرور أربعة اشهر على اندلاع المقاومة المسلحة في كوردستان، أي في تشرين الثاني 1976 وصل إلى دمشق السيد عمر دبابة يرافقه السيد جوهر نامق حاملا معه أخبار مفصلة عن الحركة الجديدة والوضع بشكل عام وأحوال الكورد المنفيين الى جنوب وغرب العراق ورسالة من قيادة الحركة الاشتراكية الديمقراطية الكوردستانية الى مام جلال والهيئة المؤسسة حول انضمامها للاتحاد.
اجتاز المرحوم عمر دبابة مناطق بادنيان وكوردستان تركيا قادماً من منطقة قنديل بحماية قوات القيادة المؤقتة للحزب الديمقراطي الكوردستاني التي أعلنت عن الثورة والمقاومة المسلحة بقيادة السيد مسعود البارزاني ضد السلطة العنصرية في تموز 1976 .
وكان السادة الشهيد إدريس البارزاني والشهيد سامي عبد الرحمن وجوهر نامق وآزاد برواري وكريم سنجاري وجرجيس حسن والدكتور محمد صالح وشاخون نامق وعارف طيفور والشهيد فرانسوا حريري وفلك الدين كاكائي وملا محمد قادر وجمال علمدار ودارا عطا وشيخ رضا و وريا رؤوف الساعاتي وسيامند بنا وطارق عقراوي وغازي الزيباري وهاشم ابو عنتر وعبدالله صالح ونادر هورامي وابو بكر الزيباري ومصطفى نيرويي وعبد الرحمن صالح وعدد كبير من الكوادر السياسية والعسكرية للثورة الكوردية ضمن القيادة الجديدة للحزب وكانت لي علاقات جيدة مع العديد منهم .
مكث السيد جوهر نامق عضو قيادة الحزب الديمقراطي الكوردستاني (القيادة المؤقتة) في منزلي بدمشق لعدة ايام ثم جهزنا له جواز سفر تونسي وسافر الى لندن للاتصال ببعض القياديين هناك. وتم الاتفاق معه على التعاون والابتعاد عن التصادم والاقتتال الكوردي الداخلي الذي سيضعف الكورد ويعزز مواقع النظام العراقي والمتخاذلين ويفشل المقاومة الوطنية الكوردستانية وقد أبدى حرصه الشديد على الوحدة الكوردية وتوحيد الكفاح ضد السلطة .
ان عملية انضمام الحركة الاشتراكية الديمقراطية الكوردستانية إلى الاتحاد الوطني الكوردستاني، أعطت زخما سياسيا وجماهيريا للاتحاد وكوادره في كوردستان، حيث كان للحركة ثقلا جماهيريا واسعا وكان من ابرز قادتها الشهيد صالح اليوسفي وعلي العسكري وعلي هزار وخالد سعيد ورسول مامند والحاكم نظام الدين كلي وملا ناصح والشيخ محمد شاكلي وقادر شورش وماموستا امين قادر واحمد فقي رش واحمد كورده ومقدم عزيز عقراوي وكاردرو كلالي وسعد عبدالله وسيد سليم راوندوزي اضافة الى عدد من الكوادر العسكرية مثل الشهيد سعدي كجكه وملازم طاهر علي والي ونقيب عثمان وسيد كاكه ومام ياسين وعريف عثمان .

تضحيات جسام وأخطاء تكتيكية على الطريق …
منذ بضع سنوات تبلورت الإرادة السياسية حول ضرورة كتابة فصل من فصول تاريخ الاتحاد الوطني الكوردستاني.. وكان خوفي من عدم الوصول إلى أعماق الوقائع والتفاصيل.. ثم ماذا عن السلبيات والأخطاء والهفوات والانفعالات اليسارية الطفولية مقابل البطولات والتضحيات. كانت هذه هموماً حقيقية، ولكن ليقول الجميع ملاحظاتهم في العلن لكي نصل يوم ما إلى الحقيقة الكاملة.. وهل سيكون لدينا تاريخ للاتحاد؟ أم شهادة للتاريخ؟ فالصمت الرسمي سوف لن يكون قادراً على منع الآخرين من الكلام في الخفاء.. فلابد ان نتحدث عن مضار الفرقة والافتراق والاحتكام إلى السلاح لحل المنازعات السياسية.. فالحوار والشفافية والأساليب الديمقراطية كفيلة بحل المعضلات .
ربما خسرنا الوقت والتاريخ والدماء والرجال ولكننا لم نخسر المستقبل الوهاج .
لذلك تكونت لدينا قناعة بان وحدة الموقف والكلمة الصادقة تزيل الاحتقان .
بعد النكسة التي حلت بشعب كوردستان على اثر اتفاقية الجزائر بين صدام حسين وشاه إيران برعاية الرئيس الجزائري هواري بومدين في السادس من آذار 1975 التي قصمت ظهر الثورة المسلحة وأجهزتها الإدارية والصحية والاجتماعية والخدمية، وأسفرت عن رجوع البيشمركة إلى المدن التي كانت تحت سيطرة النظام العراقي في حينه، وتصاعدت وتائر تنظيمات عصبة كادحي كوردستان ـ كومه له ـ والحركة الاشتراكية الديمقراطية الكوردستانية ـ حسك ـ والحزب الديمقراطي الكوردستاني (القيادة المؤقتة) والحزب الاشتراكي الكوردي (باسوك) بقيادة جلال حاجي حسين وآزاد محمد وتنظيم وحدة القاعدة .
فقد تشكلت مجموعات تنظيمية كثيرة في كوردستان وعموم العراق وكانت معظمها ذات توجهات يسارية ثورية أو قومية كوردستانية يسارية.
كانت العصبة من انشط التنظيمات الكوردستانية في العراق، مما حدى بأجهزة النظام العراقي إلى شن حملات بوليسية لاعتقال الناشطين منهم، فتم إلقاء القبض على العشرات من الكوادر الشابة، وتمكن القادة (شهاب الشيخ نوري وجعفر عبد الواحد وأنور زوراب) من التخلص من المداهمات وعيون المخابرات العراقية والهروب إلى إيران لترتيب السفر إلى الخارج، ولكن السلطات الأمنية الإيرانية (السافاك) قد اعتقلتهم مع مجموعة من الشباب وبعد التحقيق معهم وتعذيبهم بقسوة سلمتهم إلى السلطات العراقية على الحدود العراقية – الإيرانية في منطقة بنجوين تنفيذاً للاتفاقيات الأمنية بين الأمن العراقي والساواك الإيراني.. فأحيلوا إلى محكمة عسكرية ونفذ فيهم حكم الإعدام في 21/11/1976. كما صدرت قرارات جائرة بالحبس بحق عدد آخر من كوادر العصبة منهم (عمر سيد علي وجبار فرمان علي اكبر ودارا شيخ نوري وارسلان بايز وفريدون عبدالقادر وآوات عبدالغفور وسلام محمد حسن برزو وسعدون يد الله فيلي ومراد خباز وعشرة آخرين) .
لقد صعد القادة على منصات المشانق وهم يهتفون بحياة شعب كوردستان وحتمية انتصار الديمقراطية في العراق. وباستشهادهم ضربوا أمثلة على الصمود بوجه القتلة حكام بغداد. وخلال محاكماتهم الصورية أرعبوا الحكام الجلادين وهيئة المحكمة العسكرية الصورية. وبرحيلهم قدموا درساً مهما في النضال من اجل الحرية والديمقراطية والاستقلال وبناء دولة القانون في العراق. ان إعدام القادة (شهاب وجعفر وأنور) كان دليلا صارخا على التنسيق الكامل بين الأجهزة المخابراتية القمعية لنظامي صدام حسين وشاه إيران المقبورين في حينه .
كان على الشهداء عدم الهروب إلى إيران، بل الاختفاء في جبال وقرى كوردستان، وحتى عند تسليمهم إلى السلطات العراقية على الحدود كان بإمكانهم الهرب من قبضة الشرطة العراقية .
ان رحيل هذه الكوكبة من القادة ترك آثار سلبية موجعة على مسيرة العصبة، كونهم من خيرة الكوادر السياسية والفكرية والتنظيمية الكوردستانية الواعية .
أدى الاقتتال الداخلي بين قوات الاتحاد الوطني الكوردستاني والقيادة المؤقتة للحزب الديمقراطي الكوردستاني إلى استشهاد المئات من المخلصين وإساءة سمعة الحركة الكوردية والى أضعافها وتشتتها والإساءة أليها في الأوساط الكوردية الإقليمية والعالمية، مما اضعف النضال الوطني الكوردستاني وابعد الكثير من الطاقات الكوردستانية عن ساحة الكفاح من اجل الحقوق الوطنية.
وقد خفت حدة الصراعات بين الطرفين عشية التوقيع على اتفاقية 1/3/1977 بين السادة جلال طالباني ومسعود البارزاني في دمشق بحضور السيد باقر ياسين مسؤول القيادة القطرية لحزب البعث (الجناح السوري) المعادي للحزب العفلقي في بغداد في حينه..
لكن الخلافات والصراعات استأنفت من جديد بعد اشهر من توقيع الاتفاق ولعبت الأوساط المعادية للحركة الكوردية دورا معاديا ومنافقاً لتفتيت وحدة الصف الكوردي ودق الإسفين بين القيادات الوطنية الكوردية. ولعبت بعض العشائر الكوردية في تركيا وشلة من المنافقين في سوريا الموالية للطرفين أدوارا انتهازية لتأجيج نار الفتنة الداخلية المدمرة .
لكن التاريخ اثبت فشل حسم الخلافات بالسلاح بل بالحوار والشفافية والعلنية وبان وحدة شعب كوردستان فوق كل اعتبار وهذه الوحدة قادرة على خلق المعجزات وتحقيق الأهداف. وبرهن الكورد والتركمان والاشوريين والكلدان سكان كوردستان العراق والساكنين خارج كوردستان على وحدتهم عبر خوضهم الانتخابات الديمقراطية في 30/1/2005 وترشيحهم السيد جلال طالباني رئيساً لجمهورية العراق والسيد مسعود البارزاني رئيساً لإقليم كوردستان، وهي محطات مشرقة في تاريخ شعب كوردستان. فلولا التفاهم المطلق بين الحزبين والزعيمين لما تحققت هذه المكتسبات الوطنية الهائلة التي جاءت لصالح الشعب العراقي كله لا الكورد لوحدهم. وهناك قضية فكرية علينا التطرق اليها بشجاعة وحكمة وهي مسألة آلية ربط الحركة الكوردية بالحركة الديمقراطية العراقية. والتحدث بصوت عال عن الفتور الذي خيم على العلاقات السياسية بين الحركة الكوردية الجديدة والقوى الديمقراطية العراقية، في مرحلة الثمانينات من القرن الماضي. علما ان مام جلال ومنذ اليوم الاول لتاسيس الاتحاد كان يؤكد على قضية الديمقراطية في العراق وحق تقرير المصير لشعب كوردستان، وتلازم هاتين القضيتين تلازما جدلياً، وشخص البيان التاسيسي للاتحاد هذه الحقيقة الموضوعية الشاخصة. ولكن الاحداث والتطورات اللاحقة وقصور بعض القوى الديمقراطية العراقية من هذه القضية حال دون استيعابها.
وكما اعتقد بان انهيار الحركة الكوردية عام 1975 خلقت حالة من الهزات النظرية في فكر النخب السياسية والمثقفة الكوردية، ليس في العراق فحسب حتى في بقية اجزاء كوردستان، وجاءت انتصارات الفيتناميين لتعزيز هذه التصورات الجديدة .
اصبحت الافكار اليسارية والماركسية هي المهيمنة على فكر النخب والمجموعات السياسية الصاعدة. وفسرت مقولات الاعتماد على النفس في الحركات الثورية المسلحة وحق تقرير المصير، على ان الشعوب يجب ان تنفرد في اتخاذ القرارات دون دراسة الظروف الذاتية والموضوعية لكل شعب او كل حركة ودون التدقيق في تاريخ وجغرافية الارض والشعب والحركة السياسية او الحركة المسلحة ..
وبدأت الافكار الانعزالية تجد مكان لها داخل الحركة الكوردية الجديدة دون أي تخطيط لها. وبرزت افكار تدعو الى الانفراد بالقرار الكوردستاني دون دراسة كوردستان العراق الذي هو جزء من العراق. وبالتالي نمو حركة سياسية كوردستانية منعزلة عن عموم الحركة الديمقراطية العراقية .
اعطيت الاولوية لانتصار النضال القومي الكوردستاني المغلف بالرداء الديمقراطي اليساري وحتى الماركسي اللينيني. وحاولت القوى السياسية الكوردية على مختلف مشاربها ان تصل الى اهدافها وحقوقها القومية عبر مختلف الوسائل وخاصة منها الكفاح المسلح والبؤر الثورية والتجأت الى ترجمة كتب ماوتسي تونغ الى اللغة الكوردية وحتى ترجمة منير شفيق (الماركسي الفلسطيني القديم والاسلامي الحالي). وتلك المحاولات النظرية كان الغرض منها التمسك اكثر باليسار الحقيقي بعد فشل التجربة السوفيتية. وفي خضم تلك الحالة الثورية اليسارية التي عمت كوردستان العراق وعموم المنطقة، تغلبت استيراتيجية الغاية السياسية القومية على ما عداها وبشكل خاص على هدف لنضال الديمقراطي العام في المجتمعات التي تنتشر فيها التجمعات القومية الكوردية، بصفته السلاح الوحيد الذي يعالج تلقائياً كل المعضلات القومية مهما غدت معقدة. وكما اسلفنا فقد عززت انتصارات ثورة فيتنام هذه الحقيقة ولم يتم استيعاب الدروس والعبر من الثورة بشكل دقيق ولم تتمكن الحركة الكوردية الجديدة من تقديم الاهداف الديمقراطية العامة على ما عداها، وربط الهم الكوردستاني والمعضلة الكوردية بعموم المعضلة العراقية، على الرغم من ان الادبيات كانت مليئة بالشعارات الديمقراطية وحل القضية الكوردية في العراق ضمن حاضنة الدولة لديمقراطية العراقية وبالنظام الديمقراطي الذي سيأسس على انقاض النظام العنصري العربي المقيت .
وظهرت بعض النظريات من داخل النخب الكوردية الماركسية المثقفة تقول بان الحركة الكوردية الصاعدة لايمكنها ان تنتظر الانطلاقة الديمقراطية البطيئة للحركة الديمقراطية العراقية، لذا لايمكن ربط الحركة الكوردية الثورية بالحركة الديمقراطية العراقية المقموعة والخافتة. وكانت هناك تربية سياسية وثقافية في هذا الاطار .
وتم التغاضي عن الحقائق التاريخية الأساسية التي اثبت عبر التاريخ الإنساني المعاصر بأن الديمقراطية المدخل الوحيد لحل المسائل والاشكالات القومية .
لم تكن هذه الأفكار والمقولات هي الوحيدة، بل كان العديد من كوادر الاتحاد الوطني الكوردستاني والحركة الكوردية لم يوافقوا على هذا الرأي واعتبروا بأن الديمقراطية في العراق هي المدخل الوحيد لحل المسألة الكوردية المعقدة التي عانت الاضطهاد والقمع. وقالوا بأن التنسيق مع الحركة الديمقراطية العراقية رغم ضعفها في عهد الدكتاتورية البوليسية سيخلق الثقة والاطمئنان بالحركة الكوردية وافكارها الثورية الجديدة وهذه الوضعية ستبني الجسور السياسية بين الشعب الكوردي والشعوب التي يقاسمها العيش المشترك (العرب، الترك، الفرس، الاذر، التركمان، الكلدان، الآشوريين والارمن وغيرهم) في عموم مناطق كوردستان .

طروحات ومبادئ الاتحاد الوطني الكوردستاني
أية حركة سياسية في العالم لديها أفكار واستراتيجية واهداف وتكتيك. إحدى إستراتيجياتنا كانت بشكل واضح هو التخلص بكل السبل الممكنة من النظام العنصري الدموي الذي كان يخطط من اجل تشويه العراق وشعبه وتغيير التاريخ والجغرافية في كوردستان بالرغم من تشدقه بشعارات الوطنية والقومية والإنسانية وبالوحدة العربية والحرية والاشتراكية الجوفاء، وقد فرض على العراقيين نظاماً قمعياً شمولياً معادياً للدول العربية.
كان جهدنا في الاتحاد الوطني الكوردستاني منصباً على بناء عراق ديمقراطي تعددي فدرالي، ومن خلال هذا البناء يكون الشعب الكوردي قد حقق تقرير مصيره. ووضع الاتحاد منذ تأسيسه أهداف وطنية وقومية وديمقراطية عامة لخصها:
- بالنضال من اجل السلم والديمقراطية والحرية والمساواة بين العراقيين العرب والكورد والكلدان والتركمان والآشوريين والعدالة الاجتماعية .
- إنشاء المجتمع العراقي المدني وترسيخ دولة القانون والمؤسسات والفصل بين السلطات الثلاث .
- الكفاح من اجل التخلص من الدكتاتورية ونقل البلاد إلى الأوضاع الطبيعية، وإلغاء الدساتير العراقية الخمسة المؤقتة التي صدرت في السنوات  (1925-1958-1963-1968-1970) والتي كتبت دون اخذ رأي الشعب العراقي الذي هو مصدر السلطات وليس الحاكم سواء كان ملكاً أو رئيساً، من خلال تمثيل الشعب في برلمان حر يعبر عن رأيه، ويعتبر البرلمان السلطة التشريعية العليا.
- اقامة علاقات صداقة مع الدول العربية والإسلامية والعالم المتمدن .
- الكفاح ضد الاحتلال والعدوان والحروب والاستغلال والإرهاب المنظم والقهر القومي العنصري والطبقي والعرقي والطائفي والجنسي.
كما رفع الاتحاد منذ تأسيسه شعار تنفيذ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقيات والبروتوكولات المتعلقة بحقوق الإنسان والعمل مع العراقيين جميعاً لتحقيق العدالة والتعايش السلمي الطوعي.
وتامين الأجواء للحياة الديمقراطية وحرية الفكر والبحث والإبداع وحرية الاعتقاد الديني والمذهبي وحرية الصحافة والعمل والسكن والتنظيم السياسي والنقابي والمهني، وتأسيس المنظمات غير الحكومية للطلبة والشباب والنساء والمعلمين والمحامين وتحريم العنف بكل أشكاله ونبذ التعصب وبث الكراهية بين المواطنين.
كنا  في الاتحاد الوطني الكوردستاني نؤمن بأن تلك الأهداف لن تتحقق إلا باتباع الكفاح السياسي السلمي ولكن تصاعد العنف الدموي العنصري للنظام أجبرنا على سلوك أسلوب الكفاح المسلح لتحقيق الأهداف بعد فشل الجهود السلمية والديمقراطية التي بذلت مع النظام العراقي والتي دشنها الشهيد علي العسكري في تشرين الأول /أكتوبر 1977 وقبله الشهيد صالح اليوسفي، ولكن النظام الحاكم كان نظاماً قمعياً لايؤمن بالحوار والمصالحة والاستماع للشعب فبدلاً من الشفافية مع أبناء شعبه وحل القضية مع القيادة الكوردية بالطرق الحضارية والديمقراطية، التجأ إلى التنازل لشاه إيران ليدمر شعبه والعراق كله.
كان النظام العراقي مدعوما من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي السابق والمنظومة الاشتراكية في آن واحد إضافة إلى تحالفه الداخلي مع الحزب الشيوعي العراقي، إذ كان يوصف بأنه نظام فريد من نوعه في الشرق الأوسط، حيث استطاع ان يحافظ على علاقاته مع القوتين الأعظم، تلك القوتين تصارعت من اجل التقرب لنظام صدام، النظام الشيوعي (الاتحاد السوفيتي السابق) كان يعتبر صدام حسين كاسترو العراق لذلك دفع الحزب الشيوعي العراقي للتحالف مع صدام علماً أن أعضاء الحزب لم يقتنعوا بذلك التحالف، لكن الاتحاد السوفيتي ضحى بحليفه الحزب الشيوعي العراقي للتقرب من نظام صدام. أما الغرب ففتح الشركات وقدم التكنولوجيا لدعم نظام صدام مقابل حصولهم على الامتيازات النفطية، لذلك نحن في الاتحاد الوطني الكوردستاني كنا نواجه نظاماً سياسياً مدعوماً من الشرق والغرب والعالم العربي، نظاماً قمعياً شرساً عدا كونه مسلحاً بالنفط الغزير .
أتذكر بان السيد جلال طالباني كان يبعث برسائل كثيرة إلى شخصيات سياسية عربية وعالمية والى الناس الذين يعرفهم لشرح الطبيعة القمعية الداخلية للنظام العراقي وقمعه للحريات العامة وحقوق الإنسان ناهيك عن إبادة الشعب الكوردي .
ففي إحدى المرات كتب رسالة إلى الدكتور جورج حبش الأمين العام السابق للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وكلفني بإيصالها الى بيروت، فاستقبلني الرجل باحترام وقرأ الرسالة وقال لي (هل ان الأستاذ جلال مصمم على معاداته للنظام العراقي فهو نظام قوي ومدعوم من المعسكر الاشتراكي وشيوعي العالم ومن الثورة الفلسطينية) فكان يبدو بأنه مندهش من تصميم مام جلال على معاداة النظام، ويبدو ان مام جلال كتب في رسالته بشكل مفصل عن سياسة ونضال واهداف الاتحاد الوطني الكوردستاني وحركة المعارضة العراقية وعن الطبيعة الدموية للنظام في بغداد. فالرسالة كانت اكثر من ثلاث أوأربع صفحات، أنا لم أرى الرسالة ولكنني استنتجت من كلام جورج حبش بأنه مقتنع بأن كفاح الاتحاد الوطني الكوردستاني وزعيمه طالباني ضرباً من الخيال علماً بان المخابرات العراقية كانت في حينه تفتك بالقادة الفلسطينيين وتنسق مع الفلسطيني الإرهابي أبو نضال لتصفيتهم .
وفعلاً عندما أصدرنا البيان الأول للاتحاد الوطني في 1/6/1975 فإن الكثير من القوى السياسية وحتى القوى الصديقة كانت تعتبر ان تشكيل الاتحاد الوطني الكوردستاني مراهقة سياسية وطفولة يسارية او لعبة بعث سوريا ضد نظام البعث في العراق، وأعلنا جهاراً عن تصميمنا على النضال لإسقاط الفاشية وانتصار الشعب العراقي، وكان الدور الأساسي لمام جلال الذي كان المحرك الرئيسي وبمثابة الرافعة لحركة المعارضة العراقية آنذاك.
أتذكر في بعض الأيام كان مام جلال يكتب اكثر من ثلاثة أو أربعة رسائل إلى أماكن مختلفة للتعبئة وفضح الأساليب العنصرية للنظام عدا الندوات التي كان ينظمها لكوادر الاتحاد العسكريين والمدنيين.
ويمكن القول أننا في الهيئة المؤسسة كنا جزاً من الكفاح العام، إذ كان معنا أبطال عملوا في الداخل مع الاتحاد الوطني الكوردستاني، وقسم من هؤلاء الأبطال مواصلين معنا لحد هذه اللحظة والقسم الأخر تركوا العمل معنا في الاتحاد ولكن لايمكن إنكار دورهم في النضال، لقد ناضلوا ضمن تنظيمات الاتحاد الوطني الكوردستاني باعتبارها حركة تمثل تطلعات الشعب الكوردي كونه حركة جماهيرية واسعة ضمت كل قطاعات وشرائح عديدة من الشعب الكوردي، حيث كنت تجد الماركسي اللينيني ذو توجهات ماركسية – ماوية وأخر ذو توجه  شيوعي، وهناك برجوازية، وحتى البرجوازية الكوردية وبعض الملاكين تعاطفوا معنا، فالكثير من الكوادر كانوا من العوائل الميسورة في منطقة بشدر في محافظة السليمانية الذين قدموا تضحيات كبيرة للحركة الكوردية وعلى سبيل المثال أتذكر منهم قادر مامند آغا وشيخ صدر الدين شيخ حسن وكويخا قادر وهومر آغا وكانوا من أوائل مناضلي الاتحاد الوطني الذين مدوا الثورة وحملوا معنا السلاح دفاعاً عن قراهم وشعبهم، لان العدو كان لايفرق بين طبقات الشعب الكوردي، حيث كان أسلوب الإبادة الجماعية نهجه بغض النظر عن الهوية الطبقية أو الشريحة الاجتماعية، وكان دورنا تعبئة طاقات الشعب الكوردي للتصدي لحملات الإبادة البعثية البربرية الفاشية ضد شعب كوردستان .

عـادل مــراد
[email protected]

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket