مستقبل النفط: الحرق أم النانوتكنولوجيا؟

الاراء 11:34 AM - 2015-04-20
مستقبل النفط: الحرق أم النانوتكنولوجيا؟

مستقبل النفط: الحرق أم النانوتكنولوجيا؟

يحتفل اليابانيون بعيد الحب من خلال توزيع الشوكولاتة، وبأشكال متنوعة، وجميلة، بل ومبدعة. فحينما تزور متاجر الشوكولاتة اليابانية بشارع الجنزا، والذي يعتبر شارع أكسفورد في طوكيو، تجد تعليبات مختلفة للشوكولاتة، من اشكال مربعة تقليدية، لأشكال الورود الملونة الجميلة، لأشكال الحيوانات المتنوعة، بل وحتى اشكال حروف الكتابة، بحيث أنك تستطيع أن ترسل رسالة رقيقة من خلال أحرف من الشوكولاتة. والجدير بالذكر بأنك تستطيع أن تشكل أية فكرة مبدعة في خاطرك إلى هدية الشوكولاتة، فيوجد في متجر الشوكولاتة كومبيوتر، وطابعة ثلاثية الأبعاد، تستطيع أن تشكل بها هديتك كما تشاء، بل تغلفها كما تشاء، وحتى ترسم وتصور وتكتب عليها ما تشاء. وتلاحظ بأن الابداعات في صناعة الشوكولاتة، تزيد من القيمة المضافة في الربحية، حتى تصل قيمة حبة الشوكولاتة الصغيرة الواحدة لحوالي الدولارين.

 وبعد زيارة سوق الشوكولاتة، وقفت أشاهد عرضا لسيارة يابانية كهربائية، وقد شرح مدير المبيعات بأن الطاقة اللازمة لهذه السيارة يمكنك شحنها كهربائيا من بيتك، وبسعر معقول حينما تركب الشركة ألواح الممتصة للطاقة الشمسية على سطح البيت، حيث توفر الكهرباء للبيت والسيارة، كما أنه من الممكن بيع ما زاد من الطاقة الكهربائية، بدفعه للشبكة الكهربائية في المنطقة، ليسجل عداد الكهرباء ما انتجته، ويدفع لك ثمنه.

وقد ذكرتني زيارة اسواق شارع الجنزا بأزمة اسعار النفط في الشرق الأوسط، والإبداع المستقبلي في الاستفادة من النفط في مجالات إبداعية متعددة، ولأطرح الأسئلة التالية: ما الذي يجري في سوق النفط؟ هل هناك حرب خفض أسعار؟ أم هناك فائض نفطي كبير؟ وما سبب هذا الفائض؟ هل له علاقة بزيادة احتياطي النفط العالمي؟ أم بسبب تطوير تكنولوجيات جديدة لانتاج النفط؟ وما دور تكنولوجية الطاقة النظيفة في ذلك؟ وهل سيتوقف العقل البشري أمام تدهور أسعار النفط، لتتفرغ دول الشرق الاوسط اتهام بعضها البعض لانخفاض اسعار النفط، أم ستعمل جاهدة معا لاكتشاف صناعات جديدة، يكون النفط جزءا مهما من موادها الخام؟ وهل سيتأسف العالم من حرق النفط حينما يكتشف أهميته كمادة اساسية في الصناعات الجديدة؟ وهل ستلعب النانوتكنولوجيا دورا مهما في  كيفية استخدام النفط في المستقبل، من مادة تحرق لإنتاج الطاقة، إلى مادة تصنع منها اختراعات مبدعة جديدة؟

كتبت صحيفة اليابان تايمز في شهر يناير الماضي افتتاحية بعنوان: لماذا نسبح في تلاطم امواج النفط فجأة؟ تقول فيه: الاستهلاك العالمي من النفط لم يكن في التاريخ اعلى من اليوم وهو في تصاعد مستمر، ومع ذلك انخفض سعر النفط لأكثر من النصف خلال الاشهر الستة الماضية، بسبب، حسب رأي الخبراء، هناك امواج تتلاطم من النفط. والسؤال: من أين اتى كل ذلك النفط؟ لقد تراكم على سطح الكرة الارضية النفط والغاز الطبيعي خلال مليارات السنين. بينما يحفر ويحرق الانسان النفط والغاز منذ 150 سنة الماضية، أي منذ أن بدأت صناعة النفط في عام 1859 في مدينة بنسيلفانيا الامريكية. وحتى حينما ارتفعت اسعار النفط في بداية هذا العقد، وقلق العالم من انخفاض مدخرات النفط، عرف العلماء وشركات النفط بان هناك الكثير منه. ولم يكن السؤال عن كمية النفط والغاز الباقية في اعماق الارض، بل كان السؤال عن امكانية الحصول علية اقتصاديا.

ويؤكد دوج دنكان خبير النفط بأن: “السؤال عن كمية النفط والغاز الموجودة، هو سؤال اقتصادي وتكنولوجي، وليس سؤالا جيولوجيا، لأن هناك كمية نفط أكبر بكثير من الكميات التي يمكننا ان نسحبها اقتصاديا، باستخدام التكنولوجية الموجودة لدينا اليوم.” فهناك صخور رسوبية تحتوي على النفط، تحت رقعة هائلة من القشرة الارضية، وثخانة بعض هذه الصخور تصل إلى 9 ألاف متر، ولكن جزءا صغيرا منها يحتوي على النفط والغاز، ولكن يعكس ذلك احتمالات كميات هائلة من الموارد النفطية. وهذا هو الجزء الذي يقلق علماء البيئة كثيرا، فحرق النفط والغاز الذي وجدناه حتى الان، سيؤدي إلى تغيرات مناخية خطيرة، بل كارثية. وفي نفس الوقت نكتشف كميات هائلة من النفط والغاز اكثر مما نستهلكه، فقد وصل الاحتياطي العالمي المثبت من النفط 1.7 تريليون برميل، زيادة عن ما كانت مقدرة في عام 1980 بحوالي 683 مليار برميل.

وتأتي تطورات الخفر التكنولوجية في نوبات، وتزداد مع ارتفاع الاسعار. وقد بدأ يرتفع سعر النفط بشكل مثير للقلق في بداية ومنتصف عام 2000، والذي أدى لتشجيع شركات النفط لاستخدام تكنولوجيات جديدة لاستخراج النفط من مناطق عميقة. وفي عام 2007 وعام 2008 ارتفع الاستهلاك بسرعة مع ان التكنولوجيات الجديدة لم تطبق بعد، ليصل النفط الى 150 دولارا للبرميل. وقد تجاوز اليوم استخراج الكميات اللازمة عن الاستهلاك اليومي العالمي للنفط، وذلك لتطور تكنولوجية استخراج النفط من الصخور الغنية بالنفط والغاز. ففي الماضي كان الحفر يحتاج لاكتشاف حقول نفط، تجمع فيها النفط خلال آلاف السنين، بسبب الجاذبية والضغط، ولكن تستطيع التكنولوجية الحديثة اليوم، استخلاص النفط من الصخور، قبل أن ترسبها الجاذبية في حقول باعماق الارض، لتسهل عملية استخلاص كميات هائلة من النفط، وعلى السطح. لذلك زادت الكميات المتوفرة من النفط على حاجة السوق، لينخفض سعر برميل النفط لاقل من 50 دولارا للبرميل الواحد، بعد أن كان السعر ما يقارب المائة دولار خلال الاربع سنوات الماضية، وهذا سعر أقل من سعر الانتاج في كثير من المناطق، ويعني ذلك سيقل الانتاج تدريجيا حتى يزداد الطلب. وقد يؤدي ذلك لارتفاع مفاجئ لسعر النفط، وقد نتساءل بعدها: من اين سيأتي برميل النفط القادم؟ وقد فكر الكثيرون بأننا نواجه انخفاضا في العرض مع زيادة سعر النفط والغاز، ولكن التكنولوجيات الحديثة غيرت تلك المعادلة، ولا نعرف أن كانت المعادلة ستتغير مرة اخرى.

فنلاحظ بأن انخفاض اسعار النفط هي نتيجة توفر تكنولوجيات جديدة تستطيع استخلاص النفط ليس فقط من مخازنه العميقة تحت الارض، بل ايضا من ترسباته السطحية المتراكمة تحت سطح القشرة الارضية، ولنتذكر بأن بعض هذه التكنولوجيات الجديدة مرتفعة الثمن، ولكن مع الوقت ستتطور وترخص. وطبعا هناك تطور اخر في مجال الطاقة، وهو تكنولوجيات الطاقة المتجددة، التي بدأت تتطور وترخص ثمنها.

وقد كتبت الصحيفة الالكترونية الفكرية، بروجيكت سيندكيت، في شهر مارس الماضي، مقالا بعنوان، تكنولوجية الطاقة النظيفة ومستقبلها الباهر، كتبه جون كريتس، مع مارتن ستاشتي، يقول فيه: قد يغفر للمراقبين الذين يعتقدون بأن لحظات الطاقة الشمسية النظيفة قد انتهت، فخلال السنتين الماضيتين كثير من شركات الطاقة كان اداؤها في سوق الاسهم ضعيفا، ففي أوربا تعرضت الطاقة الشمسية لهزة حينما قررت اللجنة الأوربية إلغاء الدعم للطاقة النظيفة مع حلول عام 2017. فنزلت سوق الطاقة النظيفة 60% في المانيا في عام 2013، وفي إيطاليا 70%، بينما في بريطانيا أقل من 30% من شركات الطاقة النظيفة قد مولت، وفي الحقيقة مررنا على هذه الخبرات من قبل، فرجفة قطاع التكنولوجية النظيفة هي ببساطة اعراض دورة تميز التكنولوجيات الصاعدة، الاثارة، وتضخم التوقعات، والتوحد، ثم تنتهي بالاستقرار، ورجوع النمو. وفعلا التطورات الاخيرة هي اعراض لتحولات مهمة، وهي أن التكنولوجية النظيفة أصبحت قابل للحياة اقتصاديا، ولا تحتاج للدعم، فالثقة في مستقبل التكنولوجية النظيفة تجذرت في الحاجة لحلول مستدامة، لكوكب يدعم سكان أكثر ثراء. فخلال العقدين القادمين، سيرتفع عدد الطبقة المتوسطة المستهلكة إلى ثلاثة مليارات، من ما هي عليه اليوم 1.8 مليار، فنوعية حياتهم ستحتاج لموارد تضم الطاقة، وستكون هذه الزيادة في الطلب، في الوقت الذي  سيكون اكتشاف وتطوير واستخراج هذه الموارد صعبا ومكلفا.

فمثلا خلال 12 سنة الماضية، تضاعف متوسط كلفة بناء بئر نفط، كما أنه في السنوات الاخيرة اصبحت اكتشافات التعدين نادرة، بالرغم من الجهود الصناعية الكبيرة والمكلفة، بينما كلفة الطاقة النظيفة تتجه في الاتجاه المعاكس، وتنضج الحلول، في الوقت الذي تزداد بشكل حاد الحاجة، وخاصة في المدن الكبيرة في العالم. والسؤال المحوري، لمستقبل الطاقة النظيفة: هل تحتاج هذه الطاقة لدعم القوانين لكي تنتعش؟ وفعلا أدى سحب الدعم الاوربي لهذا القطاع لأذيته بشكل حاد، وترافق فقدان المانيا وايطاليا ترتيبهم الاول والثاني في تجارة الطاقة الشمسية، ولكن حلتا الصين واليابان مكانهما، بينما نمت صناعة الطاقة الشمسية بمعدل 57% سنويا منذ عام 2006. فقد كان لدعم القوانين تأثير كبير في زيادة الطلب، مما ساعد على زيادة الحاجة للطاقة النظيفة، وكان الدرس الاول من التجربة الالمانية، هو التغير المفاجئ في الانظمة، قد يخلق زيادة وانخفاض على الطلب الذي لا يساعد صناعة صاعدة، والخطر الاكبر في كثير من الاسواق، ليس سحب الدعم، ولكن الخوف بأن لا تكون القوانين متآلفة مع تطور هذا القطاع. ومع نضوج هذه الصناعة، سيضعف دعم القوانين لها، وفعلا الطاقة الشمسية يمكنها أن تنتعش بدون الحاجة لدعم القوانين. كما أن سوق العولمة المنتعشة تحتاج لوقت طويل لكي توازي بين مختلف انواع الطاقة المتوفرة. فخلال السنوات الخمس الماضية، فشلت عشرات من الشركات الصناعية، لتستبدل بشركات اقوى، وأكثر إبداعا وكفاءة. وتتوقع وكالة الطاقة الدولية بأن تصبح الطاقة الشمسية هي الطاقة الرئيسية مع قبول عام 2050. وقد ارتفعت استثمارات الطاقة النظيفة في العام الماضي إلى 310 مليار دولار، كما بدأت تتطور التكنولوجية النظيفة، وتتكيف مع مهارات ادارية متطورة، في عملياتها، وتسويقها، ومبيعاتها، وتوزيعها. كما زاد من استخدام الصناعة النظيفة لآليات اثبتت نجاحها في القطاعات الاخرى، مثل خفض سعر المشتريات، وتطوير مهارات التصنيع.

يبدو أن الطاقة النظيفة ستزداد انتشارا، كما ستنخفض اسعارها مع تطور  تكنولوجية انتاجها، وقد يترافق ذلك بخفض استهلاك النفط، وخاصة مع بدء نضوج الاقتصاد الصيني، وزيادة استفادة الهند من تكنولوجية الطاقة المتجددة، وستضطر شركات النفط لاكتشاف طرق جديدة لتسويق النفط، لينتقل من مادة للحرق الى مورد طبيعي مهم في الانتاج الصناعي، وقد تلعب تطورات النانوتكنولوجيا دورا كبيرا في هذا المجال. ولنتذكر بأنه حاليا يستخدم النفط في صناعة البلاستيك لصناعة الملابس، كما ان المطاط الوجود في الجلد الصناعي مصنوع من النفط، بالاضافة لادوات المطبخ البلاستيكية، وبعض الاجهزة، والمواد العازلة، وحتى العجلات. كما أن النفط يلعب دورا في صناعة الادوية، كالاسبرين، وادوية السلفا، والمضادات الحيوية، ومدرات التبول، وبعض الادوية المضادة للتشنجات. كما يستخدم النفط في صناعة الكحوليات، لإنتاج المواد المذيبة، ومواد التجميل، والمواد المطهرة في تعقيم الادوات الطبية، وتطهير الجروح. كما يستخدم الاسفلت في رصف الشوارع، ومواقف السيارات، والمطارات، وفي المواد العازلة والأصباغ، كما تستخدم منتجاته في عمليات بناء المساكن، والبنية التحتية. ويستخدم النفط أيضا في صناعة زيوت التشحيم للأجهزة والسيارات والطائرات، كم يستخدم في الاسمدة الصناعية، وفي صناعة الامونيا، وحمض الكبريت. وتلعب الامونيا دورا مهما في صناعة جميع منظافات المنزل، وفي صناعة الاسمدة. كما يستخدم حمض الكبريت، المستخرج من ابار النفط،  في الكثير من صناعات اليوم، من المواد المضادة للتجميد، وحتى مواد تنظيف المجاري. وتستخدم منتجات النفط أيضا في صناعة المحليات الصناعية، كالسكرين والاسبرتين، والمستخدمة في صناعة المشروبات الغازية، والحلويات، وفي معجون الاسنان، وفي صناعة الكبسولات والسوائل الدوائية، بالإضافة لاستخداماتها في صناعة العطور، والأصباغ، والمتفجرات. وستعلب تطورات النانوتكنولوجيا دورا مهما في تطوير صناعات جديدة من مادة النفط، كالألماس الصناعي، والمهم في صناعات كثيرة، وألياف الكربون الميكروسكوبية، والتي ستلعب دورا أكبر في صناعة اجسام السيارات والطائرات. ويبقى السؤال: هل ستهتم دول الشرق معا بالابحاث النفطية في مجال النانوتكنولوجيا، لاكتشاف فرص جديدة لمادة النفط، لترفع من قيمة الربحية المضافة؟ ولنا لقاء.

 

د . خليل حسن /  ايلاف

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket