من باريس.. الخارطة السياسية الفرنسية الجديدة

الاراء 11:01 AM - 2015-03-31
د. لؤي محمود الجاف

د. لؤي محمود الجاف

شهدت فرنسا في الايام الماضية تظاهرة انتخابية محلية من أجل انتخاب اعضاء مجالس المحافظات. وأفرزت هذه الانتخابات عن خارطة سياسية جديدة أنهت من خلالها الثنائية المعهودة لتبادل السلطة المحلية بين اليمين المعتدل المتمثل بحزب الاتحاد من أجل حركة شعبية UMP واليسار المعتدل المتمثل بالحزب الاشتراكي الفرنسي PS. ان الساحة السياسية الفرنسية تشهد منذ عقود تبادل للأدوار والسلطات المحلية وعلى مستوى الدولة الفرنسية بين الحزبين المذكورين اللذين يعتبران من أكبر الاحزاب التي لها القدرة على ادارة البلاد دون المساس بتقاليد الحكم للجمهورية الفرنسية الخامسة (دستور عام ١٩٥٨). لكن السنوات الاخيرة وأحداثها قد أفرزت سطوع نجم حزب الجبهة القومية  FN الذي يصفه كثيرون باليمين المتطرف أو اليمين العنصري، والذي تشهد شعبيته تطورا ملحوظا في ظل أزمة مالية ونسبة بطالة مرتفعة ومشاكل اقتصادية واجتماعية لم تستطع الاحزاب الرئيسية ايجاد حلول شافية وكافية لها.

السؤال المطروح هو، كيف لدولة كفرنسا، مهد الحضارة والمدنية والحريات والعدالة، أن تصوت نسبة من مواطنيها لحزب غير جمهوري، قومي، عنصري ومتطرف بحسب رأي الكثيرين، والذي قد يذهب بفرنسا الى الهاوية اذا استلم الحكم ؟ لماذا خسر اليسار الفرنسي أمام حزب  الجبهة القومية ؟ هل أن التصويت للجبهة القومية، تصويت عن قناعة أم تصويت لاقصاء المعتدلين الذين لم يفلحوا للخروج من الأزمة المالية ؟

الجواب على هذه التساؤلات ليس بالشيء البسيط ويحتاج الى التحري والبحث الميداني ودراسة المعطيات السياسية، ولكن نستطيع هنا أن نقف على نقطتين قد تساعدنا على فهم ما يجري أو ما جرى. بالطبع هناك أسباب كثيرة متداخلة ومتشابكة ومعقدة، وصلت بالناخبين الفرنسيين للتصويت لصالح اليمين المتطرف، ولكن هناك سببين رئيسيين باعتقادي، الاول سبب ذاتي مرتبط خاصة باليسار الفرنسي المنقسم وغير القادر على لم شمل ناخبيه، والثاني سبب موضوعي مرتبط بالوضع والنقاش العام في فرنسا.

بالنسبة للسبب الاول أي انقسام اليسار الفرنسي وعدم التوافق على برنامج سياسي موحد وواضح لمواجهة الازمة المالية والبطالة قد أضعف ثقة الناخبين به ولمقدرته على حل المشاكل، أضف الى ذلك عدم وجود شخصية كاريزماتيكية يسارية تلم شمل الجميع تحت سقف ائتلاف موحد. أما بالنسبة للسبب الثاني وأقصد السبب الموضوعي المتعلق بالرأي العام والمواضيع المطروحة للنقاش، فقد تغيير الحال، فبعد أن كان رفع اجور ذوي الدخل المحدود والموظفين في القطاع العام والخاص، والعدالة الاجتماعية والخدمات الصحة للجميع باسعار زهيدة وبدون مقابل للفقراء والمحتاجين والخ ..  مواضيع نقاش الاعلام والعامة من الناس. أصبحت اليوم، الاجانب والهجرة الى فرنسا ومشاكلها، اندماج الاجانب في المجتمع الفرنسي، الحفاظ على الهوية القومية الفرنسية، مشاكل الارهاب والأمن هي مواضيع النقاش العام. أي أن الخط البياني للقيم اليسارية بدأ بالانحدار، والخط البياني للقيم اليمينية المتطرفة بدأ بالارتفاع. ويمكن القول بأن اليمين المعتدل يعاني تقريبا من نفس المشاكل الذي يعاني منه اليسار مع فارق قليل.

هناك موضوعان أساسيان يشغلان عقول الفرنسيين. الاول موضوع الازمة المالية والاقتصادية، والثاني موضوع الأمن والحريات (خاصة بعد أحداث شارلي ابدو في باريس الذي راح ضحيتها العشرات من خيرة المثقفين الفرنسيين). والقسم الذي يصوت لليمين المتطرف، يعتبر أن هناك علاقة بين العنف وممارسته من جهة، وزيادة نسبة الاجانب من طالبي اللجوء من جهة أخرى. أصابوا أم أخطأوا، هكذا يفكر اليوم نسبة غير قليلة من الفرنسيين. 

 

د. لؤي محمود الجاف /  رئيس المركز الفرنسي الكردي للعلوم والثقافة في باريس

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket