منهجية فهم التاريخ الاقتصادي

الاراء 10:54 AM - 2015-03-30
منهجية فهم التاريخ الاقتصادي

منهجية فهم التاريخ الاقتصادي

كما نعرف أنه يمكننا، في إطار الوعي بمراحل تاريخ النشاط الاقتصادي، أن نرصد أربع مراحل تقليدية مر بها الجنس البشري وهي الشيوعية البدائية والعبودية والإقطاع والرأسمالية. والَذي يهمنا في إطار هذا الحكي التاريخي لهذه الأطوار الأربعة أن يكون لدينا الوعي الناقد بما يلي:

أولاً: إن تقسيم التاريخ الاقتصادي، كما هو مذكور أعلاه، هو تقسيم سليم من جهة رصده للظاهرة الَتي هيمنت على المجتمع؛ فدمغت الحقبة التاريخية الَتي سادت فيها كظاهرة باسمها. ولكن قولنا بسلامة التقسيم يتعين أن يتناغم مع رؤية ناقدة تتجاوز حدود أوربا الغربية، كي ترى العالم بأسره عبر مراحل تطوره من البدائية المشاعية إلى الرأسمالية. فلقد مر العالم بأكمله، بوجه عام، بنفس المراحل ولو بأشكال متباينة وبدرجات متفاوتة، وليس غرب أوربا فحسب. مع الأخذ في الاعتبار أن لكل جزء من أجزاء العالم خصوصيته التاريخية والاجتماعية.

ثانياً: ولذلك يتعين أن لا نتوقف في أبحاثنا عند قلب أوربا كما تفعل أغلب الدراسات، وإنما يجب أن نوسع دائرة البحث في أرجاء العالم الوسيط، بل والقديم. إذ يجب أن يكون لدينا الوعي بأن التاريخ الَذي بين أيدينا، بشأن الاقتصاد السياسي بوجه عام، وتاريخ الفكر الاقتصادي بوجه خاص، هو تاريخ أوربا، الَتي أرَخت للعالم ابتداءً من تاريخها. ولعل توسيع نطاق البحث كي يشمل العالم بأسره من شأنه إثراء موضوع الاقتصاد السياسي نفسه. والظواهر الَتي ينشغل بدراستها، وفي مقدمتها الرأسمالية ذاتها. أي النظام الاجتماعي الناتج عن هيمنة الرأسمال كظاهرة.

ثالثاً: لا يتطور التاريخ بشكل خطي، كما أن أحقاب التاريخ ليست منفصلة، إنما في أَيْ حقبة من أحقاب التاريخ، قد نجد الخصائص المميزة للحقبة السابقة والحقبة اللاحقة جنباً إلى جنب، وقد نجد تلك الخصائص، السابقة واللاحقة، ممتزجة مزيجاً فريداً. إذ تتكون خصائص المجتمع الجديد في رحم المجتمع القديم، كما أن آثار هذا المجتمع القديم قد تبقى لفترة طويلة بداخل النظام الجديد. يتعين الوعي إذاً بأن أطوار التاريخ ليست أطواراً خالصة، وأنماط الإنتاج الَتي يعرفها تاريخ عالمنا ليست نقية دائماً. بل وحتى الرأسمالية الَتي صارت نمط الإنتاج المهيمن كونياً لا يمكن أن نقول أنها نمط إنتاج نقي غير مختلط ببعض مظاهر الأنماط السابقة عليها، وبصفة خاصة الرأسمالية التجارية، ضمن المجتمع الجديد. ويمكننا أن نجد لدى ابن خلدون القاعدة لهذا التطور الجدلي للتاريخ والمجتمعات، فقد كتب، وباقتدار شديد:”ومن الغلط الخفي في التاريخ الذهول عن تبدل الأحوال في الأمم والأجيال بتبدل الأعصار ومرور الأيام وهو داء شديد الخفاء إذ لا يقع إلا بعد أحقاب متطاولة فلا يكاد يتفطن له إلا الآحاد من أهل الخليقة والسبب الشائع في تبدل الأحوال والعوائد أن عوائد كل جيل تابعة لعوائد سلطانه كما يقال في الأمثال الحكمية الناس على دين الملك وأهل الملك أو السلطان إذ استولوا على الدولة والأمر فلابد من أن يفزعوا إلى عوائد من قبلهم ويأخذوا الكثير منها ولا يُغفلون عوائد جيلهم مع ذلك فيقع في عوائد الدولة بعض المخالَفة لعوائد الجيل الأول فإذا جاءت دولة أخرى من بعدهم مزجت من عوائدهم وعوائدها وخالفتْ أيضاً بعض الشيء وكانت للأولى أشد مخالفة ثم لا يزال التدريج في المخالفة حتى ينتهىي إلى المباينة بالجملة فما دامت الأمم والأجيال تتعاقب في الملك والسلطان لا تزال المخالفة في العوائد والأحوال واقعة والقياس والمحاكاة للإنسان طبيعة معروفة ومن الغلط غير مأمونة تخرجه مع الذهول والغفلة عن قصدِه وتعوَج به عن مرامه فلربما يسْمع السامع كثيراً من أخبار الماضيَن ولا يتفطن لما وقع من تغير الأحوال وانقلابها فيجريها لأول وهلة على ما عرف ويقيسها بما شهد وقد يكون الفرق بينهما كثيراً فيقع في مهواة من الغلط”.

في بعض البقاع من عالمنا المعاصر في شرق أسيا ووسط وغرب أفريقيا وشرق أمريكا اللاتينية ووسطها، نجد، وبوضوح، أنماط الإنتاج المشاعية، وربما العبودية أو الإقطاعية. أما ان الرأسمالية في طريقها لاجتياح العالم بأسره، فتلك مسألة أخرى تحتاج إلى مستقبل بعيد جداً، إن أتى!، كي يثبت مدى صحة الفرضية. والمرجح أن هذه الفرضية لديها مشكلاتها الخاصة الَتي أبسطها أنها ترى الرأسمالية نظاماً كونياً نهائياً خالداً غير خاضع لأحكام قانون التناقض على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي. ومن ثم لا يمكنها، ابتداءً من هذه المشكلة، أن ترى الرأسمالية كنظام يحمل بداخله عوامل فنائه، ويضم بداخله كل مكونات نظام آخر تال له، ربما كان نقيضه.

    رابعاً: إن اتفاق الغالبية من المؤرخين والباحثين على تسمية عصر إنما يأتي لاحقاً على تشكل واقعي/فعلي لسمات وخصائص معينة تبدو مميزة لهذا العصر، فحينما أطلق المؤرخون، الأوربيون ، على القرون الممتدة من القرن السادس حتى القرن الخامس عشر اسم عصور الإقطاع، كان أهم ما يميز هذه القرون، في أوربا هو التنظيم الاجتماعي المبني على الملكيات الزراعية الكبيرة والإنتاج الزراعي القائم على علاقات تراتبية راسخة بين الفلاحين الأحرار أو الأقنان، الَذين يمتلكون عادة وسائل الإنتاج، وكبار الملاك العقاريين من النُخب وكبار رجال الكنيسة والقصر. وستحكم هذه القاعدة، بطبيعة الحال، أَيْ بحث علمي في سبب تسمية عالمنا المعاصر بالعالم الرأسمالي؟ ولِمَ هذه التسمية تحديداً؟ على الرغم من أن الرأسمال، بأشكاله الثلاثة، كان من الظواهر المعروفة في التاريخ الإنساني.

 

محمد عادل زكي

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket