حذار.. الفساد يغيّر جلده

الاراء 02:34 PM - 2015-01-18
عبدالمنعم الأعسم

عبدالمنعم الأعسم

في التعبير الشعبي، عندما يغيّر الشخص كلامه وولاءه، من دون تغيير افعاله، يقولون “يبدّل كَير” وليس اقدر من الفاسدين على مهارة تبديل “الكَير” من مسار الى آخر ومن ولاء الى ولاء، ومن لغة الى لغة، وفوزهم على غيرهم في الوصول الى مواضع التلاعب والغش والرشى وسرقة قوت الناس، والخطورة هنا قدرتهم على اعطاء المفاسد رداء من السياسة بالاندساس في الكتل النافذة، والاخطر حين يُظهرون انفسهم متدينين، او دعاة، او اصحاب تكيات تبشر بالجنان للورعين، وبالنار لمن يعصي امر ربه.

ومع تغيير مسارات ادارة السياسة في البلاد، ظهرت اولى مؤشرات التضييق (اقول التضييق)على الفاسدين، وامتدت يد التفتيش والعدالة الى بعض (اقول بعض) ابطالهم، وربما، إظهار “العين الحمرة” الى بؤر الفساد ذات العلاقة بمؤسسات الامن، وكل ذلك لا يزال يضرب بحافات هذه الآفة التي ابتلعت مليارات الدولارات وهربت المليارات في اكياس الزبالة الى (وبواسطة) بنوك، الكثير منها تحمل لافتات اسلامية وعلى رأسها اشخاص لا تسقط البسملة من بين شفاههم، وقد اعتمرت بالجلد وحجارة الغش والجشع وانعدام الذمة. 

اقول، بدأ ابطال الفساد في تحويل الولاء السياسي لكي يماشي التحوّل في ادارة السياسة، بل انهم صاروا يغدون بالرشى و”الهدايا” في دائرة خطيرة تحيط بالفريق الحاكم وسلطة القرار، وتشير تسريبات ومعلومات وشاشات ملونة الى ان بعضهم نجح في مسعاه لكي يكون، مرة اخرى، على مقربة من شؤون المال ومنافذ الاستيراد والاستثمارات والعقارات، بل ان عواصم مجاورة شهدت حركة في مناقلة الممتلكات والاموال المنهوبة من اسماء الى اسماء ومن الانجال الى الانسباء، لاستباق اجراءات قد تُتخذ ضد حرامية ونهابين ومطلوبين، يشار لهم بالبنان لتظهر صفحاتهم بيضاء، وذممهم بريئة، ولا يتورعون عن حمية لافتة في بناء المساجد، وتأسيس منظمات الخير والاحسان والاغاثة ومساعدة الايتام وابناء السبيل.

في كتاب “نهج البلاغة” ثمة رسالة وجهها الامام علي من الكوفة الى واليه على البصرة عثمان بن حنيف الذي كان قد دعي الى “وليمة” فحضرها، ما اعتبرها امير المؤمنين سقطة في الفساد.. ويقول في بعض سطورها ما يلي: 

“أما بعد، يا ابن حنيف، فقد بلغني ان رجلا من فتية أهل البصرة دعاك الى مأدبةٍ، فاسرعت اليها، تُستطاب لك الالوان، وتُنقل اليك الجفان (الصحون) وما ظننتُ انك تجيب الى طعام قوم عائلهم (فقيرهم) مجفوّ (مُبعد) وغنيهم مدعوّ. 

ألا وأنّ لكل قوم إماما يَقتدى به، ويستضاء بنور علمه، ألا وان امامكم (يشير الى نفسه) قد اكتفى من دنياه بطمريّة (الرداء العتيق) ومن طعمه بقرصية (رغيف) ألا وأنكم لا تقدرون على ذلك، ولكن أعينوني بورع وعفة وسداد، فوالله ما كنزت من دنياكم تبرا (ذهبا) ولا ادخرت من غنائمها وفرا، ولا أعددت لبالي ثوبي طمرا، ولا حزت من أرضها شبرا، ولا أخذت منه إلا كقوت أتان دبِرة (حمارة عليلة)... ولو شئتُ لاهتديت الطريق الى مصفى هذا العسل، ولباب هذا القمح، ونسيج هذا القز (الحرير) ولكن هيهات أن يغلبني هواي، ويقودني جشعي الى تخيّر الاطعمة. 

 

“البراطيل تنصر الاباطيل”.

الزمخشري

 

عبد المنعم الاعسم / الاتحاد البغدادية 

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket