تجمع الطموح القومي وحماية مكاسب كردستان

الاراء 11:07 PM - 2021-04-29
.

.

السليمانية قلعة الثقافة الكردستانية والأخوة العربية الكردية

العراقيون الذين يتوجهون إلى كردستان، سواء للسياحة أو العمل أو الإقامة، يجمعون على الفارق الكبير بين التعامل معهم في "منافذ" الإقليم، سواء أكانت برية أم جوية، وبحسب ما يكرره العديد من زوار الإقليم فأغلبهم ينتابه شعور بأنه "يزور دولة أخرى، لكنها تعاملهم بحذر كبير لأنهم عراقيون، مقارنة مع تعامل المنافذ نفسها مع غير العراقيين، حيث تكون المعاملة ودية مع "الأجانب" الآخرين، بالأخص عندما يكونون أميركيين أو بريطانيين "وما شابه".

ويؤكد غالبية المواطنين إن مثل هذه المعاملة التي تتخطى البرود إلى حد الجفاء وبعض التعالي، لا يلمسونها في منافذ محافظة السليمانية (؟!)، على الرغم من أن بدايات حركة المطالبة بتقرير المصير والاستقلال الكردستاني انطلقت من السليمانية، في ظل الدولة العراقية الحديثة، المملكة العراقية الهاشمية، بإعلان قيام مملكة الكورد من قبل المرحوم محمود الحفيد (محمود حفيد زادة البرزنجي)، بل حتى قبل قيام المملكة العراقية الهاشمية، فلقد قاد شیخ محمود الحفيد مجموعات مسلحة كردية لمحاربة الاحتلال البريطاني في العراق، ثم اتجه لمحاربة قوات روسيا القيصرية التي غزت المناطق الكردية في إيران، وأعلن استقلال ولاية الموصل تحت قيادته في عام 1919م، في عهد احتلال الإنكليز للعراق، ورفض التفاوض معهم فأرسلوا قوات عسكرية حاربت قواته واعتقلته شخصياً. وحكم عليه الإنكليز بالإعدام واستبدلوه بالنفي إلى الهند. 

وبعدها بسنتين تقريباً، اضطر الإنكليز لإعادته إلى السليمانية مرة أخرى بسبب الاحتجاجات السياسية القوية التي أعقبت نفيه، وفي يوم 14 أيلول 1922 عاد الشيخ محمود الحفيد إلى لواء السليمانية من منفاه وعين رئيسا للمجلس المحلي ثم قائدا عاما في لواء السليمانية، وبعدها في شهر تشرين الثاني من عام 1922 لقب نفسه ملك كردستان.

واستمر يتمتع بنفوذ حكم ذاتي في بعض مناطق كردستان حتى عام 1932م، حين أعاد الإنكليز توحيد المملكة العراقية تمهيداً لإنهاء الانتداب البريطاني وأستقلال العراق ودخوله عصبة الأمم في تشرين الأول .1932

وكان ظهور الشیخ الحفيد وحركته المسلحة الداعية لاستقلال المناطق الشمالية الكردية في العراق ملهماً للكثير من الشباب الكرد وللتفكير السياسي وبلورة حركات سياسية لاحقاً طالبت باستقلال "كردستان". وبجانب هذا التاريخ المتميز للسليمانية، فأن الزعيم التاريخي اللاحق للحركة القومية الكردية الملا مصطفى بارزاني كان قد التحق بملك الكورد الحفيد وعمل تحت قيادته. لكن وللإنصاف فأن من الحقائق المهمة هي أن الأخ الأكبر للملا مصطفى، المرحوم الشيخ عبد السلام بارزاني، الذي اعدم في الموصل من قبل الوالي العثماني عام 1914، كان قد بدأ تحركه منذ نهاية القرن التاسع عشر لإقامة "إمارة"، ثم بعدها ولاية كردستان عام 1905،

وفي كل الأحوال، فمن الواضح أن التحرك المسلح للمطالبة بالحقوق القومية للكورد كان دوماً في احضان جبال السليمانية وكل ما هو قريب منها، فيما كانت أربيل مجرد ساحة لعبور القوات العثمانية ومن بعدها القوات العراقية.

ومن المفارقات التاريخية المهمة في توصيف كل من حركتي الكفاح المسلح للمرحومين الحفيد وعبد السلام برزاني، أن الحفيد قاتل مع القوات العثمانية والعشائر العربية في محاربة القوات البريطانية التي نزلت في البصرة، وكان له دور مشهود في معركتي الشعيبة والكوت، وبعدها في التصدي للاحتلال البريطاني في عام 1920 فقال الشاعر الشعبي في ثورة العشرين بحقه:

ثلثين الجنة لهادينا

وثلث لكاكه احمد وأكراده، (المقصود محمود الحفيد)

وشويه شويه للبربوتي

بالمقابل فأن كل تحركات المرحوم عبد السلام راهنت على متغيرات السلطة في الأستانة (اسطنبول) بعد فرض الدستور على السلطان العثماني وانشغالها داخلياً من جهة، وعلى الصراع الدولي، حيث راهن على الدعم البريطاني الروسي في مواجهة السلطات العثمانية (الرجل المريض في نزعه الأخير)، وهو رهان استمر حتى في ظل زعامة الملا مصطفى للحركة الكردية، بدءاً من مراسلاته إلى السفير البريطاني في بغداد كورنوراليس وقبوله تحكيم  الميجر ستيبنغ (المستشار البريطاني لوزارة الداخلية العراقية في نزاعه مع سلطات المملكة الهاشمية)، كذلك مراسلاته مع المستشار السياسي البريطاني في شمال العراق – ومقره كركوك – يبلغه فيها بنتائج محادثاته مع ممثل الحكومة العراقية لغرض تسوية أوضاعه بالقول: (تركنا مسألة تسوية شؤوننا، سواء كانت بصورة مرضية أو غير مرضية إلى رحمة حكومة بريطانيا وإلى همتكم المعروفة.. الشيء الوحيد الذي طلبته من الوزير هو أن يطلب منكم أن تضمنوا لنا حمايتكم)..(الوثائق البريطانية). 

وبعيداً عن أي استسهال لدمغ الحركة المسلحة بزعامة البرزانيين بالعمالة للبريطانيين أو غيرهم، فأن الحقيقة الكبرى التي ينبغي وضعها في أذهاننا هي أن الطموح القومي الكردي كان يبحث عن مناصر له، تماماً كما كان العرب في طموحهم القومي وإقامة دولتهم العربية الموحدة وتحركهم ضد السلطة العثمانية يبحثون عن نصير، وجدوه في بريطانيا عشية الحرب العالمية الأولى، وقبيل الحرب العالمية الثانية في ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية(؟؟!)، وبعدها ظنوا أن الولايات المتحدة بمبادئ روزفلت هي نصيرهم، فجاءهم ترومان الحريص علانية على علاقاته مع الحركة الصهيونية ودمجه لحركة التحرر العربي مع الشيوعية الدولية(!؟؟)

 

آخر الزعامات التاريخية

وتظل الحقيقة المهمة هي أن السيد مسعود هو من أخر القيادات التاريخية لطموح كردستان القومي، بعد رحيل جلال طالباني، وهو يتمتع بمكانة خاصة لدى أوساط معينة كردستانية، سواء بسبب تراث طريقة عائلته الصوفية من جهة، وهو شخصياً متمسك بالكثير من جوانبها، كما أنه يحظى بقبول أوساط شبابية من المتحمسين لطموح الدولة دون حساب الأعباء والتكاليف، إلى جانب ما تقود له السلطة من كسب للناس بوسائل متعددة، ضمنها التوظيف والتسهيلات والضغوط ايضاً. وبفعل هذه العوامل جميعاً ينبغي وعي ثقله الشخصي، والتعامل معه بصفته من الزعامات الكردستانية الرئيسة. 

ومن هذا السرد الموجز، يبدو أن كرد السليمانية راهنوا على عوامل ذاتية وإقليمية قبل العوامل الدولية (العلاقة مع السلطات العثمانية والدولة التركية لاحقاً وخطط الرئيس أتاتورك ضد الاحتلال)، في حين أن تحرك البرزانيين منذ البداية حاول توظيف الوضع الدولي في دعم الحركة القومية الكردية، وهو الرهان الذي قاد إلى منزلق حمل السلاح ضد المرحوم الفريق الركن عبد الكريم قاسم، برغم كونه أول من اعترف بالوجود القومي الكردي في الدستور، وسعى إلى البناء على هذه الخطوة، لكن شركات النفط المتضررة من سياساته الوطنية (قانون رقم 80 لاسترجاع الأراضي العراقية غير المستثمرة من امتياز الشركات الأجنبية وتأسيس منظمة أوبك ورفع أسعار النفط والانفتاح على المعسكر الشرقي) وعداء الشاه الإيراني للنظام الجمهوري العراقي التقدمي، وقلق واشنطن في ذروة الحرب الباردة (بالأخص ألن دالاس مؤسس المخابرات المركزية الأميركية وأول مدرائها) من حصول الاتحاد السوفيتي على موطئ قدم في حوض النفط، وظفا الطموح الكردستاني وقلة الصبر إلى عمل مسلح مهد لسقوط النظام الجمهوري الوطني وذبح التقدميين، ضمنهم الثوار الكردستانيين، الذين ساهموا في إضعاف حكم الزعيم عبد الكريم قاسم ومشاغلته تمهيداً لإسقاطه بعيداً عن مصلحتهم  الموضوعية....

ولابد هنا من الإشارة إلى أن لقاءات ومراسلات الوطنيين والتقدميين العرب العراقيين، على رأسهم الشيوعيون، دعت إلى تحالف وطني واسع يطالب بـ"الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكردستان" من خلال حراك جماهيري واسع يضغط على الزعيم الركن عبد الكريم قاسم لإنهاء الفترة الانتقالية التي تحكمها سلطات الجيش وأحكامه العرفية، وإقامة حكم مدني ديمقراطي عبر إجراء انتخابات عامة حرة نزيهة، لكن الزعامة الكردستانية لم تستجب لمناشدة الديمقراطيين والتقدميين العرب العراقيين، وراهنت على دعم الشاه وبريطانيا، فكانت النتيجة نفسها التي أودت بحياة الشيخ عبد السلام برزاني ورفاقه الذين شنقتهم السلطات العثمانية في الموصل، مع الفارق في التفاصيل.

 

كردستان اليوم...مفترق طرق

الإصرار على إجراء الاستفتاء بشأن الانفصال عن العراق في يوم 25 سبتمبر/أيلول 2017،.الذي أجرته حكومة أربيل بزعامة السيد مسعود برزاني المنتهية ولايته دستورياً، بدون أية تفاهمات مع الحكومة الاتحادية برئاسة د. حيدر العبادي، وإظهار النتائج التمهيدية عن إدلاء الغالبية العظمى من الناخبين بأصواتهم بنسبة 92%، لصالح الاستقلال، ونسبة مشاركة بلغت 72%. وتصريح حكومة الإقليم بأن الاستفتاء سيكون ملزم،لأنه سيؤدي إلى بدء بناء الدولة وبداية للمفاوضات مع العراق بدلا من إعلان الاستقلال الفوري. وهو ما رفضته الحكومة الاتحادية والرأي العام العربي العراقي، وعدته خرقاً للضوابط الدستورية التي تحكم تصرفات الأقاليم والمحافظات غير المرتبطة بإقليم،

كان هذا الأجراء تحشيداً للكره ضد العرب من جهة، حد أن البعض بدأ يتحدث عن طرد المحتلين من كردستان، فيما أطلق بعض الشباب العنان لتعصبهم فبدأوا يعتدون على السواح العرب العراقيين في أربيل، مع أن السياحة من المحافظات الوسطى والجنوبية العراقية هي مورد رئيس من موارد الدخل في الإقليم، وتشغيل لأيدي عاملة كردستانية غفيرة،وموجة الكراهية تفاقمت لدى البعض في ظل مجموعة من الإجراءات التي اتخذتها السلطات الاتحادية، منها وقف صرف مستحقات الإقليم من الموازنة العامة، بسبب قيام سلطات أربيل ببيع النفط والاحتفاظ بعوائده، بجانب منح الشركات الأجنبية في الإقليم مستحقات كبيرة غير مبررة مقابل تطوير الحقول، القصد منها شراء دعم دولي لخطة الانفصال.

كان الضحية الرئيسة في هذه المواجهة غير المسلحة لكنها المشبعة بروح الكراهية للعرب والعراق، الموظفين والمنتجين الزراعيين وأصحاب المرافق السياحية والعاملون فيها الكورد.

 

الشعارات لا تشبع

وبدا انقسام الرأي العام الكردستاني واضحاً، فمن جهة حاملو حلم الدولة الكردستانية ومجد الزعامة التاريخية لإقامة دولة كردستان يتصدرهم السيد مسعود برزاني، ومن جهة ذوي الدخل المحدود من الموظفين والقطاع الخاص الذين يعتمد مورد حياتهم على حقوق الإقليم في الموازنة العامة، بضمنهم الأخوة البيشمركه. ومع هذا الانقسام كان هناك تباين ملحوظ في مواقف بعض القوى السياسية، فمع أن أحدا لم يستطع رفض فكرة الاستفتاء، إلا أن البعض من الساسة الكرد أشار إلى أن زعامة السيد مسعود برزاني في ظل المعارضة لاستمرار ولايته على الإقليم، لجأ إلى الاستفتاء للهروب من أزمة السلطة، مثل حركة تغيير، فيما اعتبرت بعض "أطراف" الاتحاد الوطني الكردستاني، منهم السيدة هيرو إبراهيم احمد وأختها السيدة شاناز إبراهيم، وشقيقها هلو، ولاهور جنكي وعدد من أسرة الزعيم الكردستاني الراحل جلال طالباني ضمنهم السيدة ئالا طالباني رئيسة كتلة الاتحاد الوطني الكردستاني في البرلمان الاتحادي حالياً، والسيدان لطيف رشيد و فرياد راوندوزي، اعتبروا أنه ليس من مصلحة الإقليم والحفاظ على مكاسب اتخاذ أية خطوة بمعزل عن التفاهم مع السلطات الاتحادية، بكل ما يعنيه هذا من مخاطر، في ظل ظروف إقليمية ودولية غير مناسبة كلية.

أما د. فؤاد معصوم رئيس جمهورية العراق في حينه، واحد القادة المؤسسين للاتحاد الوطني الكردستاني، ففي لقائه مع السيد مسعود في أربيل قبيل الاستفتاء، دعاه إلى "إلغاء مشروع الاستفتاء لاستحالة تحقيقه في ظل حقائق الجغرافية السياسية لما يحيط الإقليم، برغم أنه حق مشروع للشعب الكردي، لذلك ومن اجل تجاوز الأضرار الكبيرة التي تلحق الإقليم ينبغي إلغاءه".

 

شجاعة لاهور جنكي

وقد كان السيد لاهور جنكي شجاعاً في عدم تفريطه بالدم العراقي، سواء دماء المقاتلين الأشداء من البيشمركه الكورد أو الجيش العراقي البطل، عندما أتخذ قرار الانسحاب من كركوك عندما اتخذ القائد العام للقوات المسلحة د. حيدر العبادي قرار دخول الجيش العراقي كركوك لفرض سلطة الدولة ورفض كل الإجراءات غير الدستورية وغير القانونية التي أقدم عليها محافظ كركوك نجم الدين كريم في ضم كركوك إلى الإقليم بدون الالتزام بنصوص المادة 140 من الدستور التي اشترطت مجموعة من الإجراءات لحسم قضية المناطق "المتنازع عليها"، منها التطبيع وتسوية الحقوق وأخيراً الاستفتاء لمعرفة إرادة مواطني المحافظة إن كانوا يفضلون أدارياً بقائهم محافظة غير مرتبطة بإقليم أو الالتحاق بإقليم كردستان.

 

قيادة السليمانية ومثقفوها: الحفاظ على وشائج الأخوة العربية الكردية

عزز المؤتمر الرابع للاتحاد الوطني التوجهات التي طالما أصر عليها الزعيم الكردستاني الراحل مام جلال وكان بحق رئيساً عراقياً ناشطاً من اجل بناء دولة العراق المدنية الديمقراطية الاتحادية، فكان انتخاب السيدين بافل جلال طالباني ولاهور كنجي أمانة مشتركة لقيادة الحزب، فيما جرى إحالة القيادة السابقة المتعاونة مع السيد مسعود في الاستفتاء إلى هيئة استشارية.

وتهدف قيادة الاتحاد الوطني مع عدد من الأحزاب الكردستانية التقدمية والإسلامية إلى تعزيز أواصر التعاون الأخوي بين جميع العراقيين، مع السعي إلى حل جميع الإشكالات مع الحكومة الاتحادية بالحوار، وهو ما يعمل عليه بدأب وصبر كبيرين السيد قوباد جلال طالباني نائب رئيس وزراء الإقليم، بدعم واضح من قبل السيد نيجيرفان برزاني رئيس الإقليم الحالي، المدعوم من قبل الأوساط الكردستانية الواعية لطبيعة العلاقة العضوية بين مواطني الإقليم وبقية العراق.

 

السليمانية بوتقة الأخوة العربية الكردستانية

مع أن السليمانية تعاني من ندرة في الموارد، حيث ان المنفذ الحدودي الوحيد الموجود فيها مع إيران ظل مغلقاً لفترة طويلة، فيما المنافذ الحدودية الرسمية وغير الرسمية في أربيل ودهوك كانت مواردها وخدمتها تصب لصالح سلطات أربيل وقواها المهيمنة، في ظل مجموعة قيود مفروضة من أربيل تحرم سلطات محافظة السليمانية حتى من حق البت في أية استثمارات لتطوير المحافظة وتعظيم مواردها للحد من البطالة والأزمة الاقتصادية، إلا أن مواطني السليمانية ظلوا يتطلعون إلى إرساء مؤسسات ديمقراطية محلية واتحادية،

وفي ظل زعامة مام جلال ومن بعده، تظل التعددية سمة رئيسة في حياة المحافظة، حيث برزت حركة تغيير بزعامتها التاريخية المرحوم نوشيروان مصطفى، إلى جانب حركات شبابية ناشطة أخرى ظهرت لاحقاً، فأن السليمانية بجبالها الشماء وغابات أشجارها المثمرة وشلالاتها الهادرة، كانت ومازالت وستظل أحضانا مفتوحة للأشقاء العرب وبقية العراقيين.

وليس في السليمانية من يتعالى على العرب وبقية العراقيين، فبدءاً من منافذها البرية ومطارها، تكاد تحس وكأنك في مطار البصرة أو مطار أور "الفضائي" ما قبل التاريخ، كل شيء اخوي بعمق وأصالة...

ولعل هذا من أسباب تزايد إقبال بقية العراقيين على السليمانية، سواء للإقامة أو السياحة، فالقادم ليس غريباً إنما بين أهله من بقية العراقيين. ولعل من أفضل ما عبر عن هذه الحقيقة ما قاله د. فؤاد معصوم رئيس الجمهورية السابق في دراسة مبكرة في الثمانينات عن الأواصر المشتركة بين الكرد وبقية العراقيين حين كتب مشيراً إلى "العوامل الاقتصادية والاجتماعية من التعايش والتصاهر والتعاون في مختلف مجالات الحياة خلق تكويناً نفسياً مشتركاً قد يكون في أحياناً عديدة أكثر تناغماً عما هو مع بقية الكرد في تركيا وسوريا."

ولعل صواب موقف القيادة الشابة للاتحاد الوطني الكردستاني وتحفظها على الاستفتاء ونتائجه من ضرر لحق بكرد الإقليم وتهديد مكتسباتهم عنصر مضاف لأحاسيس الألفة بين بقية العراقيين والسليمانية والأحزاب الكردستانية التي ترفض الخطوات المنفردة في معالجة الطموحات القومية الكردستانية، على الرغم مما لحق رصيدها الجماهيري آنياً ومؤقتاً، حيث تبين أنها أكثر وعياً لأحكام الجغرافية والسياسة الإقليمية والدولية، مع كامل الحق تاريخياً في الطموح العادل والمشروع قومياً الذي يشاركون السيد مسعود برزاني فيه لكنهم يعرفون أن لا الظرف الإقليمي ولا الدولي يعمل لصالحه حالياً، والمهم حالياً هو الحفاظ على مكاسب كردستان العراق والبناء عليها من خلال ترسيخ قيم الديمقراطية والإدارة الاتحادية واللامركزية في العراق عموماً، وفي الإقليم بالأخص.

 

أمنية كبرى

وإذا ما كانت الأحزاب الكردستانية قد اتفقت على إقامة تجمع لتبادل الرأي والمشورة بقصد تنسيق المواقف لصياغة سياسة موحدة (كلما أمكن) للتعامل مع السلطات الاتحادية في بغداد، وتجاوز الأزمات التي استفحلت نتيجة تفرد قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني في التعامل مع بغداد، فأنني اعتقد بأن الاتحاد الوطني الكردستاني بقيادته الشبابية الجديدة، ومواقفه الكردستانية العراقية الشجاعة الأخيرة، يمكن له أن يبلور نواة لتحالف وطني كردستاني أولاً من اجل تعزيز التعاون لترسيخ المؤسسات الديمقراطية في الإقليم ، وعلى أن تكون نواة التحالف الكردستاني هذه مرتكزاً عابراً للأثينيات والطوائف، يحشد كل الطاقات العراقية نحو مواصلة العمل لبناء دولة المواطنة في العراق وفق قيم الديمقراطية والإدارة الاتحادية واللامركزية. خصوصاً  وأن تجربة الاستفتاء كانت درساً لمزيد من الوعي في قيادة الصراع في المنطقة عموماً، وداخل العراق خصوصاً، في ظل زعامات شابة تصدت للمهام الرسمية بدرجة اكبر في أربيل، وبدرجة اقل في مضمار قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني. وهذا عامل مضاف "عسى" يكون لصالح ابتكار نهج أكثر مرونة وأكثر فائدة لجماهير الإقليم وقياداته السياسية، خصوصاً وأن المؤمل تولي السيد نيجيرفان بارزاني رئاسة جمهورية العراق في الدورة المقبلة، وهو يتعمق حالياً في دراسته للغة العربية بما يتجاوز مجرد حفظ كتاب الله القرآن الكريم ليتمكن بدرجة أكبر من مهمة المقبلة.

 

حسين فوزي

 

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket