الجزيرة السورية.. أحوال النساء إذ يحكمها قانونان وسلطتان

تقاریر‌‌ 08:03 PM - 2021-01-19
الجزيرة السورية.. أحوال النساء إذ يحكمها قانونان وسلطتان

الجزيرة السورية.. أحوال النساء إذ يحكمها قانونان وسلطتان

"نحن لدينا قانون وهم لديهم قانون مختلف ولا علاقة لنا بهم"... أصبحت النساء في شمال شرقي سوريا مجبرات على التعامل مع قانونين للأحوال المدنية صكّتهما جهتان تتشاركان السيطرة...

عام 2003 وبينما كانت الشابّة السورية سلوى (اسم مستعار) في السابعة عشرة من عمرها، تقدّم لخطبتها صيدلاني ميسور مادياً، وعمره 45 سنة، وجدت عائلتها فيه “فرصة العمر” فسارعت إلى إقناع الابنة بالزواج منه.

تقول سلوى: “مين يطلعلو، هذه الكلمة كانت كفيلة آنذاك بأن أرتبط بشخص يكبرني بعشرين عاماً، فهو صيدلاني، ووضعه المادي والاجتماعي جيد، ما يجعل الارتباط به أمراً صعب المنال، وحدهن المحظوظات ينلن ذلك”.

ولكن حياة الشابّة لم تكن كما حلمت بها، تزوّجت وهي قاصر شخصاً يكبرها بعشرين عاماً، وهي ظاهرة واسعة الانتشار في سوريا منذ ذلك الوقت حتّى الآن. ذاك الزواج سيّر حياتها وفق خطط زوجها، بحجّة أنّها صغيرة وهو يدرك الحياة أكثر منها، ما أدى إلى مشكلات بين الزوجين.

تواصلت الشجارات، لكنّ الشابة كانت تتردّد في اتخاذ قرار الانفصال بسبب ضغط أسرتها، غير أنّها عام 2017 قررت جدياً رفع دعوى تفريق ضد زوجها بمساعدة عمّها الذي ساند قرارها، وذلك بعد إنجابها ثلاثة أولاد منه خلال 18 عاماً من الزواج.

يضع القانون السوري قرار الطلاق بيد الزوج، وإذا أرادت المرأة الطلاق، فعليها رفع دعوى “مخالعة” بعد تقديم مبرّر أمام المحكمة.

في اللقاء الأول بين سلوى ومعدّة التحقيق، كانت الشابّة في أسوأ حالاتها النفسية، وقد فقدت الأمل بوصول قضيتها إلى نهاية سعيدة.

في أيار/ مايو 2017، رفعت سلوى دعوى طلاق لدى “بيت المرأة”، Mala jinê بالكردية، إحدى المؤسّسات التي أنشأتها “الإدارة الذاتية” للرقابة على تطبيق “قانون المرأة” والنظر في المخاصمات التي تقدّمها النساء ورفعها إلى المحاكم.

يضع القانون السوري قرار الطلاق بيد الزوج، وإذا أرادت المرأة الطلاق، فعليها رفع دعوى “مخالعة” بعد تقديم مبرّر أمام المحكمة.

لم يعترف زوجها بـ”بيت المرأة” وبقيت الدعوى عالقة شهرين هناك من دون فائدة، ما دفع سلوى للتوجّه إلى المحكمة التابعة لـ”الإدارة الذاتية”، لكن زوجها رفض حضور جلسات المحكمة، ووكّل محامياً للحضور نيابةً عنه. ونظراً إلى عدم تجاوبه، أعطت المحكمة سلوى قراراً بالطلاق في 1 شباط/ فبراير 2018.

بعد أشهرٍ قليلة، بينما كانت سلوى تحاول الحصول على بعض الأوراق من دائرة النفوس، فوجئت بأنها ما زالت متزوجة في خانة الحالة الاجتماعية، في ثبوتيات محاكم الأحوال المدنية التابعة للحكومة السورية، وأن طلاقها لم تعترف به سوى “الإدارة الذاتية”، وبذلك كان عليها أن تبدأ دعوى الطلاق من جديد، ولكن هذه المرة في المحكمة الشرعية السورية.

إنّها واحدة من قصص كثيرة خلفتها الحرب السورية وزادت الأعباء على كاهل النساء في هذه البقعة التي تشكل ربع مساحة سوريا.

وإضافةً إلى القوانين والأعراف التي تنتهك حقوق المرأة باستمرار، أصبحت النساء في شمال شرقي سوريا مجبرات على التعامل مع قانونين للأحوال المدنية صكّتهما جهتان (النظام السوري والإدارة الذاتية) تتشاركان السيطرة، لكنهما لا تعترفان ببعضهما بعضاً ومن الطبيعي ألا تعترف الواحدة بالوثائق الصادرة عن الثانية. لقد وضعتهُما الحرب الممتدة منذ عقد من الزمان، والتدخل الدولي والإقليمي في النزاع السوري، في صراع شرس، وكانت النتيجة أن تتحمّل نساء المنطقة الجزء الأكبر من المعاناة في أروقة المحاكم، والقصور العدلية، وغرف القضاء التابعة للجهتين. 

هذا الواقع الجديد الذي فرضه تراجع النظام السياسي شرق سوريا وتبدله بسبب الصراع، خلق فوضى قانونية في منطقة ذات طبيعة عشائرية، وزعزع ثقة السكان بالقوانين. كما اضطرت كثيرات إلى التخلي عن الدعاوى المرفوعة أمام المحاكم لتيسير أحوالهن الشخصية بسبب التكاليف الباهظة، والروتين الرسمي، والجهد الضائع من دون طائل، فيما لا تُبذَل جهود  بهدف إيجاد حلول حقيقية، تخفف المعاناة. 

تقول بهية مراد، مديرة مجلس الصلح في “بيت المرأة” في القامشلي معلقةً: “نحن لدينا قانون وهم لديهم قانون مختلف ولا علاقة لنا بهم”.

في تشرين الثاني/ نوفمبر 2013 تشكّلت “الإدارة الذاتية” في سوريا، أو ما يعرف بـ”روجافا”، وتعرّف نفسها بأنّها “منطقة حكم ذاتي”، وتُدير مناطق شمال شرق سوريا .

تتكوّن هذه المنطقة من أقاليم مترامية الأطراف من محافظات الحسكة والرقة ودير الزور وبعض قرى ريف حلب، وأقامت هذه الإدارة مؤسّسات تابعة لها، كما سنّت قوانين من بينها ما عُرف بـ”قانون المرأة” وشكّلت هيئات ومحاكم لتطبيقه.

جاء هذا القانون بنزعة مدنية مختلفة تماماً عن “قانون الأحوال الشخصية” وغيره من القوانين السورية التي تعتمد الدين الإسلامي كمبدأ للتشريع.

“نحن لدينا قانون وهم لديهم قانون مختلف ولا علاقة لنا بهم”.

وبقيت المؤسسات الرسمية والمحاكم الرسمية تعمل في المناطق الخاضعة لسيطرة “الإدارة الذاتية” بالتوازي مع عمل مؤسّسات الأخيرة، ولكن بسبب الاختلاف الجذري في القوانين الخاصّة بالمرأة، أصبحت النساء ضحيةً للازدواج القانوني والفوضى القضائية عدا طبعا عن الاجحاف الذي يعانين منه في القوانين وفي الثقافة المجتمعية.

ولا يعترف “النظام السوري” و”الإدارة الذاتية” ببعضهما بعضاً، وينطبق ذلك على عدم اعتراف أي جهة بالوثائق التي تصدرها الجهة الأخرى، وهو ما يزيد من تعقيدات حياة النساء والسكان عموماً في هذه المناطق، لجهة الحصول على المعاملات الرسمية، وبالتحديد معاملات الأحوال الشخصية والزواج والطلاق، والإرث، وتسجيل المواليد.

حتى اليوم، تضطر النساء إلى إجراء المعاملة ذاتها (زواج، طلاق، إرث… الخ) في محكمتين مختلفين، من أجل ضمان حقوقهنَّ، المحكمة الأولى تابعة لمؤسّسات الحكومة الرسمية بحكم ارتباط قيودهن ومعاملاتهن ووثائقهن بها في الفترة التي سبقت تشكيل “الإدارة الذاتية” أي قبل عام 2013، ومن جهةٍ أخرى تضطر النساء إلى استصدار الوثائق من مؤسسات “الإدارة الذاتية” كونها الجهة المسيطرة على المنطقة.

 

الطلاق مرّتين

بدأت سلوى رحلة إجراءات الطلاق مرّة ثانية في المحاكم السورية، وكانت إجراءات الطلاق التي خاضتها هناك أكثر صعوبةً وتعقيداً، إذ تلقّت وعوداً من أكثر من محامٍ بمساعدتها، لكنهم انسحبوا لاحقاً، لتكمل الطريق وحدها.

رافقت معدّة التحقيق سلوى إلى جلساتها في المحكمة الشرعية. الجلسة الأولى كانت في 29 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، لكنها تأجلت بسبب أخطاء في بعض الأوراق المطلوبة، فسلوى تخوض المعركة لوحدها من دون محامٍ، كونها غير قادرة على تحمّل تكاليف إضافية.

كانت الشابة تلقّت اتصالاً من المحكمة للحضور والجلوس مع المحكّمين، لكنّها لم تذهب خوفاً من أن تكون محاولة لاستدراجها من أحدٍ ما، فاعتبرت المحكمة أنها لم تتجاوب معها فأغلقت ملفّها.

استمرّت جلسات المحكمة ومحاولات سلوى حتّى تمكّنت من الحصول على قرار تفريق لعلّة الشقاق في شباط/ فبراير 2019، أي بعد نحو عام كامل من السعي في المحكمة، غير أنّها لم تحصل على النفقة والمهر بسبب غياب الزوج.

تقول سلوى: “إنّ رفع دعويي طلاق استغرق منّي جهداً كبيراً ووقتاً، إضافةً إلى المتاعب النفسية”، موضحةً أنّها اضطرت إلى دفع مبالغ مالية مرتفعة، على رغم أنّها تعتمد على عملها كخياطة لإعالة أولادها ودفع مستلزمات الحياة.

 

الطلاق في القانونين

رفع الظلم عن المرأة أولاً

تعتبر نورا خليل، الناطقة باسم “لجنة المرأة” في المجلس التشريعي التابع لـ”الإدارة الذاتية” أن الازدواج في المؤسّسات يساهم في زيادة العوائق المُلقاة على عاتق المرأة، لأنّها مضطرة دائماً للجوء إلى جهتين من أجل قضية واحدة.

وردّاً على سؤال حول ما إذا تم الأخذ في الاعتبار التضارب بين القوانين عند سن “قانون المرأة” أجابت خليل: “هذا الأمر لا يهمّنا كثيراً لأن هناك ظلماً يُمارس على المرأة منذ زمن، وانتُهكت حقوقها، لذلك تعبنا كثيراً حتى أصدرنا هذا القانون، الذي بقي ثمانية أشهر موضوع نقاش قبل إقراره، كما أنّه لقي رفضاً لأن المجتمع متأثّر بالمفاهيم الذكورية”.

وأضافت: “الأهم لدينا كان حماية حقوق المرأة، لذلك لم يكن يهمنا كيف تكون قوانين النظام، فالأمر الجيد هو صدور هذا القانون وتطبيقه وهذه التجربة يُنظر إليها بشكل إيجابي”.

وتشير خليل إلى أنه في كثيرٍ من الأحيان يلجأ الرجال إلى المحاكم الواقعة في مناطق النظام، لأنّها تلائم أفكارهم كون المنطقة عشائرية.

وتتابع: “القانون أمر معقد ولا بد من العمل عليه لسنوات حتى يتقبله الناس”، موضحةً أن “قوانين الإدارة الذاتية لا يعترف النظام السوري بها، حتّى أن هناك نساء قدمنَ من دمشق إلى القامشلي للجوء إلى محاكمنا لأنّها تحفظ حقوقهنَّ بحضانة أولادهنَّ”.

وتقول بهية مراد، مديرة مجلس الصلح في “بيت المرأة” في القامشلي: “إن النساء اللواتي يعشن في مناطق الإدارة يجب أن يخضعنَ لقانون الإدارة، سواء تعرضن للضرب أو الظلم أو لزواج قاصر أو عنف عائلي”.

أما عن رأيها في أي تعاون مستقبلي بين الطرفين لحل هذه الإشكالية فأجابت: “نحن لدينا قانون وهم لديهم قانون مختلف ولا علاقة لنا بهم”.

وتعتبر مراد أنّه يمكن تجاوز المشكلة الموجودة في الازدواج القانوني، عبر إجراء المعاملة لدى الطرفين، موضحةً أن الأمر ليس اختيارياً، إذ لا بد من اللجوء إلى الطرفين لضمان الحق أو الوصول إليه أو تسيير أمر عالق مرتبط بسير حياة الأفراد وخصوصاً النساء.

 

تثبيت واقعة الزواج مرّتين

 فيما اضطرّت سلوى للطلاق مرّتين، كانت الشابّة آفين حواس مضطّرة إلى إبرام عقد زواجها مرّتين أيضاً، وتحمّل الكلفة المادية المرتفعة مرتين أيضاً، إضافةً إلى بذل الوقت والجهد. كما اضطرّت إلى حمل وثيقتي زواج.

تزوّجت آفين (27 سنة) في يوليو/ تموز 2018 وثبّتت عقد زواجها في المحكمة الشرعية السورية، ثم سافر زوجها إلى كردستان العراق، بعدما اتفقنا على أن تلحق به.

وضّبت آفين حوائجها وانطلقت إلى كردستان عبر المنفذ الحدودي البرّي، بعدما أمّنت مع زوجها الوثائق اللازمة، وبينما كانت على وشك اجتياز الحدود للوصول، تمت إعادتها إلى الداخل السوري بسبب عدم امتلاكها أدلّة على الزواج، إذ لم تعترف “الإدارة الذاتية” بوثائق زواجها الصادرة عن محاكم النظام السوري، وطالبتها من جديد بإعادة العمل على معاملة زواج ثانية، ولكن في محاكم “الإدارة” واستخراج وثيقة حياة زوجية من هناك.

بعد عقد الزواج من جديد في محاكم الإدارة، سُمح لآفين بالعبور، وتقول: “لا أعتقد أن هناك تأثيراً سلبياً في مستقبلي عندما أعود إلى سوريا مع عقدَي زواج”.

وتطالب آفين بإنهاء معاناة النساء وإيجاد عقد زواج مشترك بين منظومتي الحكم الموجودتين في المنطقة وتسهيل الأمور ومساعدة الناس على عبور الحدود أو تسيير حياة النساء بأبسط السبل.

المعاناة ذاتها تنسحب على الشابّة نيفين، التي خاضت أيضاً معركة تسجيل زواجها مرّةً في المحكمة الشرعية السورية من أجل مستقبل أولادها كون هذه المحاكم تحظى باعتراف دولي، ومرّة أخرى في محاكم “الإدارة” لتتمكّن من الالتحاق بزوجها في كردستان- العراق من طريق المعبر الحدودي، وتقول إنّها كانت سعيدة لأن محاكم “الإدارة” تسمح بأن يكون الشهود نساءً، على عكس المحاكم الشرعية السورية التي تشترط أن يكونوا رجالاً.

وتضيف نيفين: “أثبتّ زواجي أولاً في المحكمة الشرعية ثم في محكمة الإدارة، ولم يكن أمامي سوى تسجيل الزواج مرّتين لأضمن مستقبل أولادي من جهة، وحتى أستطيع الالتحاق بزوجي من جهةٍ أخرى”.

 

فوضى قضائية

تعمل المحامية روفند خلف لدى المحاكم السورية الرسمية ومحاكم “الإدارة الذاتية”، وتصف هذا الازدواج الحاصل بأنّه “فوضى قضائية”.

وترى أن “قانون الإدارة أكثر إنصافاً للمرأة على رغم حاجته للتطوير”، لكنّها توضح أنّه “على رغم صونه كيان المرأة واستقلاليتها، لكنّ وجود قانون يخلق ازدواجية قانونية يشكّل عبئاً على النساء”.

وتضيف أن “كل قانون يصدر عن حاجة، ولكن ما مقدار الحاجة التي يغطّيها قانون المرأة؟ لا نعرف، ولكن لا يجوز أن يوضع قانونان في المنطقة ذاتها لمعالجة الموضوع ذاته”، موضحةً أن محاكم المرأة تطبّق قانوناً والمحاكم الرسمية تطبق قانوناً آخر، وهي كلها في منطقة واحدة، ما يولّد فوضى قانونية وعدلية وفوضى قضائية، فالشعب يضيع بين العدالتين.

وترى خلف أن “القضاء ليس دكاناً ليختار الشخص أن يشتري من هنا أو هناك، بل يجب أن ينعم باستقرار في المعاملات القضائية، واستقرار قانوني، ويتمكّن كل شخص من معرفة حقوقه وواجباته. لكن المدنيين في هذه الرقعة (شمال شرقي سوريا) يعيشون فوضى قضائية، لا يعرفون لأي جهة يلجأون، لذلك أصبح كثر منهم مضطرين لطرق باب الجهتين، أو ترك الدعاوى بسبب عدم القدرة على متابعتها”.

تقترح خلف “توحيد القانونين، فيجلس المعنيون في الإدارة والنظام، ويصدروا معاً قانوناً موحداً للمرأة، حينها نستطيع أن نقول إننا وجدنا الدواء لألم المرأة”.

وعن شعورها عند رفع دعويين اثنتين للشخص ذاته في جهتين قضائيتين مختلفتين تقول: “إنه شيء صعب وثقيل، أن ألجأ إلى جهة للتقاضي، وأنا أعلم أنّها ليست نهاية الطريق، بل عليّ أن ألجأ إلى طرف آخر، بعكس ما يحصل في دول العالم كافة”.

وتكمل: “يستصعب محام ضليع بالقوانين القيام بالإجراءات لدى جهتين، فكيف بنساء لا حول لهن ولا قوة ولا يملكن أي خبرة بالإجراءات والمداخل القانونية لدى كل طرف؟”.

منى عبد السلام عضو منظمة “سارا لمناهضة العنف ضد المرأة” تشير إلى أن النساء مجبرات على تنفيذ المعاملات القضائية في محكمتين، وعليهن الخضوع للقانونين ما يزيد معاناتهنَّ.

وقالت عبد السلام: “المرأة في هذه الحالة تتحمل تكاليف قضيتين في محكمتين مختلفتين، ويمكن أن تهدر الوقت وتسوء حالتها النفسية”، موضحةً أن المرأة تدفع الضريبة إذا أرادت أن تكون قضيتها سليمة من كل النواحي.

 

عوائق قانونية

عام 2015، قرّرت عائلة الفتاة السورية ربى (16 سنة) تزويجها، على رغم أنّها دون السن القانونية، وكانت الأسرة تحاول تخفيف ضغوط الحياة الاقتصادية عن نفسها، ولكن خلال العامين اللذين أعقبا الزواج، كانت الطفلة تتعرّض لضرب وتعنيف مستمرّين من زوجها، من دون علم عائلتها، ووصلت الأمور بزوجها إلى أن رفع في وجهها سلاحاً نارياً.

وخلال سنوات الحرب في سوريا زادت حالات تزويج الفتيات القاصرات، وهو عرف اجتماعي قديم في سوريا، إلّا أن الحرب وما نتج عنها من مشكلات اقتصادية واجتماعية، عوامل فاقمت هذه الظاهرة.

تقول والدتها زينب: “لم نتمكّن من تزويجها في محاكم الإدارة الذاتية، لأن ابنتنا دون السن القانونية، فاضطررنا إلى تزويجها في المحاكم الرسمية السورية حينها”.

بعدما علمت أسرة ربى بما تتعرّض له من تعنيفٍ جسدي ونفسي، قرّرت تطليقها من زوجها، إلّا أن محاولتها باءت بالفشل، بسبب عدم حضور الزوج جلسات المحاكم، ما عرقل حصول الفتاة على قرار الطلاق.

بعدما فقدت العائلة الأمل بتطليق ربى وتحصيل حقوقها من المؤجّل والمعجّل والنفقة، لجأت إلى محاكم “الإدارة الذاتية” ولكن الأخيرة لم تعترف بالزواج لأن الفتاة قاصر من جهة، ولأن واقعة الزواج غير مثبتة لديها.

وتضيف والدة الفتاة: “لجأنا إلى بيت المرأة وهناك استدعوا زوج ربى الذي حضر مرّة واحدة، على أن يقوم بتطليقها بشكلٍ شرعي عند شيخ دين، وأن يعطيها مبلغ مليوني ليرة سورية (نحو 1000 دولار) من دون أن يمنحها مصاغها من الذهب الذي اشتراه لها خلال مرحلة الخطبة.

وعلى رغم هذا الحل الجزئي، إلّا أن الفتاة ما زالت حتّى الآن زوجةً لذاك الشاب في المحاكم السورية، ومطلّقة منه أمام محاكم “الإدارة الذاتية” وأمام المحاكم الشرعية الدينية، في حين ما زالت أسرتها تحاول فعل ما يمكنها لإتمام عملية الطلاق قانونياً”.

 

انتهاك حقوق المرأة مرّتين

حُرمت الشابة السورية إيمان من تسجيل طفلتها بعد زواجها من رجل متزوّج وهو قريب لها، لتكون زوجته الثانية.

لا يمنع القانون السوري تعدّد الزوجات، ولكن قانون “الإدارة” يحظره، وهو عرف اجتماعي سائد رغم أن المعايير الحقوقية الدولية ومنظمات نسوية عديدة ترفضه وتحاول الغاؤه دون جدوى.

حاولت إيمان إخفاء هذا الزواج عن مؤسّسات “الإدارة الذاتية” الرسمية لشمال شرقي سوريا التي تحظر تعدّد الزوجات، في حين فشلت بتسجيله لدى المحاكم الشرعية في الحكومة السورية في المنطقة، التي تسمح بالتعدّد ولكنّها ترفض تسجيل هذا الزواج، لا لشيء سوى لأن زوج إيمان مطلوب للخدمة الاحتياطية في الجيش السوري، ولا يستطيع مراجعة الدوائر الرسمية خشية توقيفه أو اعتقاله.

تنحدر الشابة من محافظة الرقّة من خلفية عشائرية، وهي موظّفة في إحدى المؤسسات التابعة لـ”الإدارة الذاتية”، تزوّجت قريبها في نهاية المطاف بعقد زواج “براني” وغير رسمي عند أحد الشيوخ، ووضعت مولودتها بعد أشهر.

عندما علمت “الإدارة الذاتية” بموافقتها على الزواج من رجل متزوّج فصلتها من العمل استناداً إلى المادة 29 من “قانون المرأة” الذي أصدرته الإدارة، والذي ينص على حبس من يقوم بتعدّد الزوجات من عام إلى عامين وتغريمه بمبلغ نصف مليون ليرة، وفصله من العمل إذا كان موظّفاً لديها.

وسط ذلك كله، بقيت طفلة إيمان حتّى الآن بلا تسجيل، وبالتالي بلا وثائق رسمية، ترفض مؤسسات “الإدارة الذاتية” المدنية الاعتراف بواقعة الزواج، في حين لا تستطيع تسجيل الصغيرة في المحاكم المدنية السورية.

 

تعديلات لا تحل المشكلة

في الخامس من شباط 2019، عُدّلت بعض المواد في قانون الأحوال الشخصية السوري بموجب مرسوم رئاسي نصَّ على تعديل مواد في قانون الأحوال الشخصية الصادر عام 1953، ومنها إتاحة طلب حق التفريق للزوجين عند وجود العلل المانعة، وإمكان أن يُقيّد عقد الزواج بشروطه الخاصّة مع اشتراط ان لا تخالف الشرع الاسلامي ، ومنها ما يخص الزواج الثاني، والسفر، والعصمة، والعمل، ورفض الإقامة مع زوجة ثانية، ولأبناء البنت الحق من الوصية الواجبة مثل أبناء الابن.

ومنعت التعديلات، الولي من أن يزوّج ابنته، إلا بموافقتها الصريحة، حتى بموجب وكالة منها، ورفعت التعديلات سن الزواج إلى 18 سنة، بعدما كان 17، وأصبحت الولاية للزوجة على أبنائها القصر بعد زوجها، وتنتقل الحضانة للأب بعد الأم، ثم لأم الأم، بعدما كانت الحضانة تنتقل مباشرة من الأم إلى أم الأم.

وعدّل المرسوم مصطلح “عقد النكاح” ليصبح “عقد الزواج”، وغيّر كلمة “تحل له” إلى كلمة “يحلان لبعضهما”، وتحولت المخالعة إلى فسخ لعقد الزواج بعدما كانت طلاقاً، فضلاً عن اعتماد البصمة الوراثية DNA في إثبات النسب، إضافة إلى أحكام أخرى تتعلق بالمهر والنفقة والإرث.

ولكن هذه التعديلات رغم أهميتها بقيت قاصرة، ولم تؤدِّ إلى حل مشكلات النساء الناجمة عن الازدواج القانوني في هذه البقعة الجغرافية من سوريا التي لا يزال للنظام السوري وجود فيها، وبقيت معظم المواد القانونية وإجراءات التقاضي، تختلف بين القوانين السورية، و”قانون المرأة” الأمر الذي ترك الكثير من النساء في الجزيرة السورية رهينةً بين قانونين.

 

 

PUKmedia روشين حبو - صحافية سورية/متابعة

 

 

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket