الإقليم السني.. مطلب جماهيري أم مشروع سياسي؟

تقاریر‌‌ 06:15 PM - 2020-10-31
الإقليم السني.. مطلب جماهيري أم مشروع سياسي؟

الإقليم السني.. مطلب جماهيري أم مشروع سياسي؟

منذ سنوات وتشهد الساحة السياسية في العراق طرح فكرة اقامة اقليم للعرب السنة لادارة المحافظات الغربية في العراق والتي يقطنها ابناء المكون السني، إلا أن المشروع وبحسب ما يرى المراقبون لم يتعد كونه مطلبا شعبيا لم يرتق إلى مستوى مشروع سياسي، في ظل الانقسام بين القوى والاحزاب السياسية السنية.

من الناحية القانونية يسمح الدستور العراقي الذي صوت عليه المواطنون في 2005، بتشكيل الاقاليم، حيث تنص المادة (116) منه على ان النظام الاتحادي في العراق يتكون من عاصمةٍ وأقاليم ومحافظاتٍ لا مركزيةٍ وإدارات محلية، كما وتحدد المادة 120 آلية تشكيل أي اقليم في البلاد. لكن تشكيل اقليم سني لا يواجه اي عائق قانوني بقدر ما يواجه عوائق سياسية حسب مراقبين.

 

الوقت غير مساعد

تتباين آراء القوى السياسية السنية حتى هذه اللحظة تجاه فكرة الاقليم، وهي مقسمة بين من يرى التوقيت غير مناسب للذهاب به قدما، ومن يرى الحفاظ على وحدة العراق وضرورة حل المشكلات على اساس الوحدة الوطنية، كل ذلك وسط غياب تبني اي طرف سياسي سني للمشروع بشكل علني ورسمي.

رئيس حزب بيارق الخير النائب محمد الخالدي وفي حديث لـ PUKmedia، قال ان الاقليم امر دستوري، لكن لا اتصور ان الوقت مناسب الآن، هناك انقسامات ومشاكل وخاصة اقتصادية، لافتا الى ان البلد الآن في وضع مادي صعب ولا يتم حتى صرف الرواتب، مشددا على تصوره بأن الاوان ليس أوان اعلان الاقليم السني.

وأشار الخالدي الى ان هناك جهات سنية تعمل على تأسيس اقليم سني، إلا أن الوضع السياسي الآن لا يسمح بتشكيل اقليم سني ولابد ان تكون هناك اجواء مناسبة لذلك.

النائب السابق حامد المطلك من جانبه يرى ضرورة الحفاظ على وحدة العراق، معتبرا تشكيل الاقاليم هو ادخال البلد في المشكلات.

وقال النائب السابق حامد المطلك في حديث لـ PUKmedia، "لا احبذ موضوع الاقاليم لانه يدخلنا في مشاكل كثيرة، وحتى اقليم كوردستان لا تزال هناك قضايا عالقة بينه وبين الحكومة الاتحادية لم تحل حتى الآن"، مشددا على ضرورة "الحفاظ على وحدة العراق ومستقبل البلد وابنائه، لذلك يجب ان تحل جميع المشاكل على اساس الوحدة الوطنية، بغض النظر عن مسمى الاقليم سنيا كان ام شيعيا ام كورديا."

واضاف المطلك: "هناك واقع في العراق منذ 2003 وهو ان هناك اقليم للكورد هو اقليم كوردستان وما تبقى من البلد لم يتكون من اقاليم، من وجهة نظري أن نبقى على هذا النموذج والاستفادة من كل الايجابيات والسلبيات التي حدثت من ذلك، ونعمل على تعزيز اواصر وحدة وطنية حقيقية والحفاظ على وحدة البلد"، مؤكدا ان من الافضل الآن عدم ادخال البلد "في متاهات اخرى، بعض المشاكل عالقة لحد الآن من 17 سنة ولم تحل، لذلك ارى ان الرجوع الى مبدأ الوحدة الوطنية الحقيقية والعراق الواحد افضل".

ويوضح المطلك "ان كان لابد من الاقاليم فلابد تكون اقاليم ادارية وليس اقاليم مذهبية او قومية للحفاظ على وحدة البلد، الاقاليم على اسس طائفية او قومية لن تخدم البلد وستدخلنا في مشاكل كثيرة".

وقد شهدت الساحة السياسية السنية ومنذ تحرير العراق في 2003، محطات بارزة كان لها دور في وجود الدعوات لإقامة الإقليم، بحسب مراقبين.

ففي 2003 قاطعت القوى السياسية السنية المشاركة في الحكومة ومؤسسات الدولة وكان المتصدر في هذا المشهد هيئة علماء المسلمين، كما قاطعت القوى السنية التصويت على الدستور بادئ الامر في 2005 لتعود وتتراجع عن قرارها وتشارك في عملية التصويت. 

اما في عامي 2006 و2007 فكانت الحرب الطائفية في العراق والتي استعرت بشكل غير مسبوق، تبعها بروز تنظيم القاعدة في العراق، حيث قام السنة بتشكيل الصحوات في 2008 لمحاربة القاعدة، وقاد هذا الحراك يومها كل من أحمد ابوريشة وعبد الستار ابو ريشة.

وفي 2012 واثناء ولاية حكومة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي أعلن عن اقليم صلاح الدين وديالى لكن ملف الاقليم بقي في درج مكتب رئيس الوزراء بحسب محللين من السنة.

وبعد 2012 ولغاية 2014 شهدت المحافظات السنية حراكا شعبيا تمثل بتظاهرات واعتصامات عدة، ليتبعها بعد ذلك بروز تنظيم داعش في 2014 واحتلال المدن في المحافظات الغربية، وليتم بعد عامين في 2016 و 2107 تحرير هذه المدن من قبل جهاز مكافحة الارهاب والقوات المسلحة العراقية.

 

حاجة مجتمعية لم ترق لمشروع السياسي

في ظل الاحداث التي شهدتها المحافظات السنية ظهرت الدعوة لتشكيل اقليم يجمع هذه المحافظات، بيد ان سياسيين ومحللين سنة يعتبرون هذا المطلب لا يزال شعبيا ولم يصبح مشروعا سياسيا. 

نائب رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب النائب ظافر العاني وفي حديث لـ PUKmedia، قال ان "الدعوة للاقليم تظهر وكأنها طوق نجاة في كل مرة يتم فيه الاعتداء على ابناء المحافظات المحررة ومصالحهم واخرها ما حصل في جريمة الفرحاتية حيث تصاعدت مطالب شعبية تنادي بالاقليم ولربما لما هو ابعد من ذلك".

ويرى النائب ظافر العاني ان "ردود الفعل هذه ما تزال في اطارها المعنوي والعاطفي ولم تتحول بعد لمشروع سياسي فدعاة الاقليم يجدون صعوبة في اقناع غالبية المجتمع السني بالاقليم خصوصا مع القلق من فكرة التقسيم او الحرب الاهلية التي قد تنشب على الحدود والموارد".

ويضيف النائب العاني "ان الدعوة لاقليم المحافظة الواحدة يجد اليوم رواجا اكثر من ذي قبل مع نفاد الأمل عند الناس بتغير ملموس لموازين القوى والمنهج الاقصائي في المركز واستشراء المليشيات في المحافظات المحررة".

الكاتب والمحلل السياسي علي البيدر من جهته يؤكد ان الاقليم السني سيرى النور سواء عاجلا أم آجلا، مشددا على ان هناك رغبة شعبية حقيقية في تشكيله. 

وقال البيدر في حديث لـ PUKmedia، ان المطالبة بالاقليم للسنة حاجة مجتمعية وتوجه سياسي، مشيرا الى ان بعض السياسيين عندما يشعرون بالتهميش او يتم اقصاءهم او ابعادهم خارج المشهد يقومون بالتلويح بهذه الورقة للضغط على الطبقة السياسية.

ويضيف "على المستوى الشعبي هناك رغبة حقيقية اخذت تتعزز بعد ان وصل الظلم والتهميش والاقصاء الى طبقات بسيطة من المجتمع العربي السني في العراق، بعد 2003 كان الحديث عن اقصاء وتهميش النخب والطبقة المتقدمة داخل المجتمع، الآن وصل الظلم والتهميش والاضطهاد الى اعمق نقطة في المجتمع."

ويتابع "هناك مجاميع مسلحة داخل المناطق السنية هي من تدير الحياة في هذه المناطق، ونتحدث عن وجود نازحين، وقوانين الهدف منها ضرب هذا المكون مثل قانون المساءلة والعدالة".

ويشير البيدر الى ان "البعض اخذ يفكر بما هو ابعد من الاقليم حيث يفكر بالانفصال او الكونفدرالية او تأسيس دولة بين المناطق السنية واقليم كوردستان، او اللجوء الى دولة مجاورة والانضمام لها"، مشددا على ان "خيار الاقليم خيار مجتمعي يحتاج الى تنظيم وعمل مؤسساتي ليكون مشروعا ناضجا"، منوهاً بأنه "قبل عام 2014 كان هناك مطلب حقيقي من قبل بعض السياسيين في محافظة صلاح الدين وصل الى ادراج مكتب رئيس الوزراء لكن لم يتم تفعيله لأسباب سياسية".

ويشدد البيدر "الاخفاقات كبيرة وتتفاقم يوما بعد آخر وقضية الاقليم السني لا مناص منها، سوف تتحقق عاجلا او آجلا بعد الظلم الذي عاشه هذا المكون"، مشيرا الى ان "تحقيق مطلب الاقليم ربما يتأخر بحدود عقد من الزمن لكنه سيتحقق، ان فكرة هذا الطموح تشبه فكرة اقليم كوردستان، الذي كان جزءا من العراق وحصل على حكم ذاتي وبعد 2003 كان له وضع خاص، وبعد فترة صوت على الانفصال عن العراق ليكون دولة مستقلة.

ويرى البيدر ان "العراق مضى قرن على تأسيسه وهو بحاجة الى اعادة النظر في الكثير من القرارات التي اتخذت في السنوات السالفة وبعقليات وامزجة وظروف اخرى، اليوم الظروف متغيرة عدد السكان تطور، والتقنية اصبحت متوفرة وكل ذلك يمهد لحصول القومية والمذهب العربي السني على اقليم وربما تمهيدا لاقامة دولة لهم".

 

تأثير الانتخابات الامريكية

الملفت والمثير في طرح تشكيل الاقليم السني هذه المرة هو انه يأتي قبل ايام على اجراء الانتخابات الامريكية، حيث سيتنافس الرئيس الامريكي دونالد ترامب مع مرشح الحزب الديمقراطي جو بايدن، صاحب فكرة تقسيم العراق، فضلا عن ان عضو مجلس النواب غضنفر البطيخ النائب عن تحالف الفتح الذي يتزعمه هادي العامري رئيس منظمة بدر واحد الشركاء في الحكومة الاتحادية اعلن انه هناك حراك على الارض لتشكيل الاقليم السني وبدعم أمريكي، فهل فعلا في حال فاز بايدن بالرئاسة الامريكية سيتم تشكيل الاقليم السني؟، ام ستذهب الفكرة في مهب الريح ان فاز ترامب بولاية جديدة؟ 

 الكاتب والمحلل السياسي علي البيدر يقول بأن "نتائج الانتخابات الامريكية ليس لها تأثير على العراق فحسب بل على المنطقة برمتها، وسينعكس ذلك على مشروع الاقليم السني، فحينما يفوز مرشح الديمقراطيين جو بايدن بالرئاسة الامريكية سيحصل هذا المشروع على ارضية جيدة وسقف جيد، فالارضية هي المطالبة الجماهيرية، والسقف له هو بايدن صاحب فكرة تقسيم العراق"، مشيرا الى ان "هناك جهات سياسية عربية سنية كثيرة تتبنى فكرة الاقليم وتدعمه لانها تريد الخلاص من واقع الحال وتحكم الآخرين".

ويتابع البيدر قائلا "اما ان كان اقامة الاقليم العربي السني تتناغم مع توجهات ترامب فالخير قادم، وسيمضي بهذا المشروع وان كان عكس ذلك ربما يجهض هذا المشروع، لكن انا ارى ان توجهات ترامب تدعم هذا المطلب حتى وان كان بشكل غير مباشر والدليل ان قاعدة عين الاسد وهي اكبر قاعدة للامريكيين في العراق متواجدة في مناطق العرب السنة، وسينقلب الحال عندما يتواجد ترامب ثانية في السلطة وقد يكون داعما للمشروع بطريق غير مباشرة".

السياسي والنائب السابق محمد الصهيود من ائتلاف دولة القانون، اعرب من جانبه عن الخشية من ان يكون تشكيل الاقليم السني توجه نحو تقسيم العراق. 

وقال الصيهود في حديث لـ PUKmedia، ان النظام في العراق بعد 2003 اتحادي، والاقاليم نظام معتمد عالميا وهو عبارة عن تقاسم الصلاحيات بين السلطة المركزية وسلطة الاقليم"، مشيرا الى ان "هذا يكون في الظروف الطبيعية للبلد، ولكن في العراق وفي الظرف الحالي لا يبدو ان موضوع اقامة الاقليم السني هو لتقاسم الصلاحيات بقدر ما هو ربما توجه باتجاه التقسيم، باعتبار ان مشروع التقسيم مشروع قائم ومتبنى من قبل قوى اقليمية ودولية، لذلك عندما نخشى من اقامة الاقليم السني او اي اقليم آخر فإننا نخشى من تقسيم البلد، لذا يجب ان لا نذهب في هذا الاتجاه لاقامة اي اقليم على الاقل في الوقت الحاضر الى حين ان يستقر الوضع في العراق، سياسيا واقتصاديا، ويصبح في حكم المؤكد ان اقامة الاقليم هو توزيع الصلاحيات بين المركز والاقاليم، اما ان كان الغرض من هذا الاقليم هو البداية الى التقسيم فأعتقد ان هذا الموضوع صعب  جدا".

واضاف الصيهود "نتمنى في الوضع الطبيعي عندما تقام الاقاليم ان لا تقام على اسس طائفية او فئوية كأنه الاقليم السني والشيعي والكوردي، لان اقامة هكذا اقاليم على اساس طائفي او فئوي سوف يكون بالنتيجة تقسيم البلد، لذلك لست مع هذا التوجه على الاقل في الوقت الحاضر".

ويرفض الصيهود المقارنة بين المطلب بتشكيل الاقليم السني واقليم كوردستان حيث يقول ان "اقليم كوردستان ليس وليد هذا اليوم ولم يكن وليد الظروف الحالية، انما بعد 2003 مباشرة وحتى قبل ذلك في زمن النظام الصدامي المحافظات الثلاث (اربيل- السليمانية- دهوك) هي كانت تقريبا شبه اقليم، وهو ليس وليد الظروف.

ويرى الصيهود، الذي كان نائبا عن محافظة ميسان، ان الحكومة الاتحادية لا تتدخل في شؤون المحافظات ويقول "المحافظات سواء كانت الجنوبية او الوسط او الغربية لا تتدخل الحكومة المركزية في العمل الاداري لها وهي شبه اقاليم وليس هناك نظام مركزي من قبل الحكومة المركزية تجاه البصرة او باقي المحافظات، على سبيل المثال لم يكن هناك محافظا لميسان من اهلها في زمن صدام، وكانوا من المحافظات الاخرى، اليوم محافظ ميسان منها وهناك حرية في المحافظات والانتخابات تجرى، ان كانت هناك مظلومية لهذه المحافظة او تلك فإن المظلومية ليست من الحكومة المركزية لانها لا تتدخل في ادارة المحافظة، والمظلوميات التي تحصل فهي تحصل من الادارات المحلية للمحافظات، وهذا ليس مبرر لاقامة الاقليم، بل على العكس ان الفشل في ادارة المحافظات من قبل اداراتها المحلية هذا لا يعطي مبرر بأن نذهب باتجاه الاقليم لانه في ادارة محافظة وحدة فشلنا فكيف نذهب الى اقليم يتكون من عدة محافظات".

يبدو ان الحلم بتشكيل الاقليم السني لن يترجم على ارض الواقع قريبا وانما سيبقى حبيس الظروف ومستجدات الاوضاع السياسية في البلاد، فإما الذهاب الى تطبيق احد بنود الدستور وتشكيل الاقليم وهو صعب وسط رفض سياسي من الاطراف الاخرى وعدم جدية لدى القوى السياسية السنية حيال المشروع، وإما الانتظار لحين تشكل ظروف سياسية جديدة قد يفضي الى تشكيل الاقليم السني.

 

PUKmedia - فائق إيزدي

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket