الاتحاد الوطني الكوردستاني.. التجـــديد والتجـــدد

ا.و.ك‌‌‌‌ 12:17 PM - 2020-06-03
الاتحاد الوطني الكوردستاني.. الجـــديد والتجـــدد

الاتحاد الوطني الكوردستاني.. الجـــديد والتجـــدد

لقد بدأت عملية التجدد عمليا داخل الاتحاد الوطني الكوردستاني، وتتجسد رويدا رويدا في جميع مفاصل أعماله ومواقفه وسياساته. ولان هذا التجدد بني على أساس متين كضرورة حيوية تنظيمية للاتحاد ويعد استجابة ضرورية للمرحلة الجديدة من حياة المجتمع الكوردي والسياسة الكوردستانية، فهو تجديد رصين، ليس انقلابا عشوائيا يدمر كل شيء تحت مسمى ثورة كاذبة، وليس علاجا ترقيعيا سطحيا يوفر الزمن للقوى المضللة ويماطل في انجاز مهمة التجدد.

بعد المؤتمر الرابع، مؤتمر التجدد، يلوح ظل في سماء كوردستان، الذي هو ظل اتحاد جديد. هذا الظل يعتبر بالنسبة للمتقلبين والمشغولين بلا أي هدف، ومن هم عالة على البيئة السياسية الكوردستانية، ظلا ثقيلا ونذير شؤم، إلا إنه بالنسبة للاتحاديين وللمخلصين من أبناء شعبنا كافة، الذين يتجاوبون مع الستراتيجية والأهداف الوطنية، القومية والديمقراطية للاتحاد الوطني ويعتبرونه الساعد القوي للحركة السياسية لشعبنا، الاتحاد المتجدد هو الغيث والمبشر بالخضرة والخيرات. لمن يرغبون في أن تحل سياسة كوردستانية واعية وهادئة، ولكن متينة وراسخة، محل الشعبوية والفوضى والتحريف، فإن التجدد هو انتعاشة جديرة بالدعم وانعقاد الآمال عليها.

التجدد المبني على مفهوم (الجديد) الرصين، الذي هو نتاج أربعة عقود من نضال اتحاد مام جلال، يستمد تجربته من هذا التراث الثري، يطور ايجابياته ويتجاوز السلبيات التي اعترت بعض المحطات الصعبة من التطويق والضغوط على الاتحاد الوطني بعد المرض الذي ألمّ بقائده العظيم، بروح الرفاقية والمسؤولية.

الأدبيات الغنية للاتحاد الوطني، وتجارب سوح نضال وعمل الاتحاد مبعث افتخار، وهي منهل واسع لذكرياتنا ومبعث إلهام لمرحلة التجدد.

ويدرك مناضلو الاتحاد القدامى والحديثين والذين ينخرطون في صفوفه مستقبلا في ضوء ربط مفهومي الجديد والتجدد، هذه الحقيقة الساطعة جيدا وهم ذوو بصيرة من هذه الناحية، يدركون أن العقود الأربعة الماضية من نضال الاتحاد هي مبعث فخر، وليست عائقا أمام النضال في العقود القادمة، فأربعة عقود وأكثر من النضال والتضحية ليس الهدف منها الغفوة على شدة ورد الانتصار أو الوقوف مكتوفي الايدي بانتظار أشواك هذه المحطة أو تلك، كما إن هذه المفاخر ليست للبكاء على الأطلال بل هي لاستمداد الطاقة والقوة للمهام النضالية المستقبلية (الاتحاد المتجدد). والمعلوم أن الاتحاد أمامه عشرات الأيام والليالي الطوال وعشرات الأشهر والسنين للاحاطة بالمستقبل وإدامة نضاله الرصين فيه. وما بقي أمامه من سنين أكثر بمئات الأضعاف مما مضى، وآفاق المستقبل مشرعة أمامه وهي أكثر بكثير من تأملات الماضي.

التجدد يتحقق بالوفاء لمدرسة (الجديد) وقادته وشهدائه، إضافة الى تحمل المسؤولية، فالحفاظ على الأمانة يكون بإضافة أمانات أخرى اليها، وأن تضاف المزيد من الذخائر الى الذخيرة المعنوية التي اكتسبت في الماضي، وبهذا يتحقق جدوى جيل، أو أجيال، التجدد.

تدرك القيادة الجديدة، من رأس الهرم الى بقية الفريق المنتخب في المؤتمر الرابع، بالتجارب العملية والعبرة من التاريخ أن هناك خيطا رفيعا غير مرئي بين التحفظ المولد للعجز والحفاظ على الإرث التاريخي. فليس هناك ما يمحو تأثير الإرث السياسي والمعنوي سوى التحفظ والخوف من الابداع والمبادرة، الارث السياسي والمعنوي كغيره من ميراث مجالات الحياة الأخرى، يحتاج الى التراكم والتطوير والإضافة، لا أن يكون مبعثا للانهيار والعجز، أو يسبب غرورا داخليا يؤدي الى الانطواء والتقزيم.

إن إرث مفاخر الاتحاد ونهج مام جلال خُلق ليكون زادا لإكمال المهام الستراتيجية (السلام والديمقراطية وحقوق الانسان وحق تقرير المصير)، لا أن يستغل لتراكم إرث مواقع ومناهج أخرى، التي أصابها الشلل والانجراف والانحراف، ولايمكنها تقويم وضعه المزري مهما فعلت.

إن التجدد بقيادته وأجياله المختلفة وجماهيره ومناضليه ومؤيديه، اطلعوا بالتزامن مع ظهورهم على الساحة السياسية الكردستانية، على أحزاب وتيارات ونشاطات سياسية أخرى، جاءوا واختفوا فجأة، ولكن لأنها كانت تجارب عابرة وحادت عن الطريق وشابها الاستعجال والتسرع، لم تصبح ملهمة للمستقبل ولا بديلا عن الاتحاد الذي كسب جدواه من ضرورة المرحلة.

لذا بعيدا عن المغالاة والرضا الحزبي فإن بديل الاتحاد الوطني الكوردستاني هو الاتحاد نفسه، ومخاض التجدد في مفترق الطريق هذا، هو بالتحديد ولادة بديل رصين للاتحاد الوطني من داخل الاتحاد، يدرك الرفاق في الاتحاد المتجدد هذه الحقيقة، ومن واجب القيادة الجديدة للاتحاد اتباع سياسة حكيمة وأن تجعل من بداية التجدد منطلقا لانخراط محيطه من جديد، وأن يدرك الجميع أن القوة في الاتحاد القوي والمركزي المتجدد الذي يلتم حوله الجميع.

هذا التشخيص لايعني أن يبتعد أي طرف سياسي عن الاتحاد ويجعلوا من الوصف الذاتي عائقا أمام العمل المشترك وتجمع القوى الديمقراطية والتجددية في الحركة الكوردية، بل العكس، فهي أيضا بمقدورها الحفاظ على خصوصياتها وتطويرها، مادامت تؤدي بها الى طريق العمل والمشترك والتشاور مع الاتحاد الوطني، فالاتحاد يرنو عمليا الى مفترق الطريق ويسلم التقييمات المختلفة الى القراءة المتأنية للتاريخ، ولن يجعلها عائقا أمام التفاهمات الضرورية للحاضر. فقد آن الأوان كما كنا نفعل ولكن هذه المرة بطريقة حداثوية متجددة  ان نتمسك بحلقة ستراتيجية التوازن السياسي في عمقناوصولا الى الرغبة في المنافسة الشريفة .

 

السياسة لا تقبل الفراغ. 

هذه الرؤية مستمدة من علم الفيزياء، ولكن كأنها كتبت لعالم السياسة والمسؤولية في الشؤون العامة. فالسياسة لاتقبل الفراغ ومماطلة وتسويف قليلي الهمة.

الاتحاديون مقتنعون أن نضالهم وسياساتهم وهممهم تكفي جميع جغرافيا كردستان ومتطلبات المراحل المختلفة من نضال الحركة التحررية لشعب كوردستان. هذه القناعة، لاتعني رفض نضال الآخرين، ولكنها مهمة صعبة على عاتق الاتحاد الوطني إن لم يلتزم بها يكون نضاله ناقصا ويدخل كوردستان في أزمة.

هذه القناعة المتولدة لدى كوادر الاتحاد الوطني الكردستاني هي نتاج معايشتهم للظروف العصيبة في كردستان. وعند بعض المحطات والمواقف التي غابت فيها سياسة الاتحاد الوطني الكوردستاني المتوازنة، أصاب الاضطراب مجمل العملية السياسية في كوردستان، لذا من واجب الاتحاد في مرحلة التجدد أن يفعّل سياسته هذه كما كان في عهد الرئيس مام جلال، ويتحقق ذلك بسد الفراغ الذي لم ولن تقبل به السياسة أبدا.

حين يحدث الفراغ فلن يقف الآخرون مكتوفي الأيدي، ويعملون على ملئه وفق مفهومهم ويعبرون عنه حسب مصالحهم ورغباتهم.

وفي ظرف كهذا بدل أن تسود سياسة واعية متزنة وشاملة وقراءة مثل قراءة الاتحاد الوطني للأوضاع، ففي بعض المحطات وللأسف، تسود في كردستان سياسة الوقوف على رجل واحدة والبعد الواحد وغير الناضج من ناحية التقييم، وليس هناك ما يظهر نواقصها ويوقفها عند حدها.

الاتحاد المتجدد عليه أن يعيد التوازن الى إدارة الحكم ويعيد الألق الى التنافس الديمقراطي، وهذه الرغبة والإرادة لايمكن أن ينظر اليها بنظرة المساواة مع الحرب والمواجهة التي لا تبقي فرصة للتفاهم والسياسة المشتركة، بل إن إعادة التوازن ومن ثم العمل على احتلال الاتحاد الوطني المرتبة الأولى في الانتخابات، وفي العملية السياسية في اقليم كوردستان وكذلك في تمثيل كوردستان في العلاقة مع بغداد، هي حق مشروع. فهذه هي مهمة الاتحاد من جهة، ومن جهة أخرى تؤكد الجدوى من وجود الأحزاب السياسية والتنافس الديمقراطي، فليس معقولا أن يقبل الاتحاد بصدارة أحزاب أخرى، وعندما يحاول استعادة المكانة اللائقة بتضحياته في الماضي، ينظر الى ذلك بأنه محاولة لخلق الاضطرابات وإشعال الحرب وتخريب السلم الاجتماعي. أليست هذه نفس رغبة الأطراف الأخرى التي تنشد الصدارة والزعامة؟!

ينبغي للاتحاد الوطني أن يعود الى عنوانه و ارثه العريق بحيث يعود اتحادا لكل جغرافية كوردستان والمناطق المستقطعة كافة، وعن طريق هذه القوة والتوازن والمشاركة الشاملة يمكنه أداء دوره القومي والديمقراطي المنشود في العملية السياسية بالعراق.

معلوم أن أحد أسباب انعدام التوازن يعود الى حدوث انشقاق في صفوف الاتحاد الموحد وانفصال قوى أخرى منه، ولكن إذا أعاد الاتحاد تنظيم جبهته التاريخية على شاكلة دعوة مام جلال في السابق لتوحيد القوى اليسارية، وعن طريق عقد سلسلة مشاورات وتحالفات سياسية دقيقة ومدروسة، من يقدر على منعه من ذلك؟ من يستطيع إضفاء الشرعية على منعه عن طريق المنافسة غير الشريفة والتقوية بعوامل غير طبيعية خارج المشروعية الديمقراطية ومشروعية الكوردايتي؟ لماذا يكون هذا قدرا سيزيفيا، ولا تستطيع الجبهة الديمقراطة اتخاذ موقف إزاءه بشجاعة وباتباع الوسائل الديمقراطية المشروعة؟

ألسنا جميعا متفقين حول الديمقراطية والكوردايتي والتنافس داخل المجتمع الكردي؟

يستطيع الاتحاد الوطني الكردستاني فعل ذلك، ويقوم بعد إعادة التنظيم في مرحلة التجدد هذه، تشكيل جبهة ديمقراطية وتوافقية ويعمل شيئا فشيئا على تشكيل تحالفات للانتخابات، وللعملية السياسية ولهامش العمل المشترك، من ثم ومن خلال هذه الجبهة المشروعة يبدأ بإعادة تنظيم علاقاته مع الحزب الديمقراطي في إدارة الحكم والعملية السياسية الكردستانية وكذلك في مجمل المشاركة الوكردية في العراق وعلى صعيد جميع أرجاء كوردستان ضمن النضال داخل الحركة التحررية لشعب كوردستان.

إن اتحادا صاحب جبهة تاريخية مشروعة بمقدوره الخوض في تنافس مشروع ومتكامل مع الحزب الديمقراطي وبناء نقاط وتفاهمات مشتركة حين تتطلب الكوردايتي والجتمع الكوردي ذلك، بينما يكون مخالفا له ويدخل معه في صراع، أينما اقتضت الديمقراطية والمنافسة الشريفة واللعبة السياسية.

الاتحاد الوطني الكوردستاني حزب اشتراكي ديمقراطي تقدمي وله رؤاه المختلفة، فهو يتبنى نظرية العدالة الاجتماعية وعليه التأقلم مع هذه المفاهيم لتبرز خصوصياته وتلمس الجماهير هذه الخصوصيات وتشهد لها.

فهذا الطرح للاتحاد الوطني المتجدد، المبني على التراث الغني للاتحاد والرئيس مام جلال، سيعيد تنظيم الخلاف والتوافق في السياسة، بحيث يطور النقاط المشتركة وينعش نقاط الخلاف بالديمقراطية والسلم، لأننا لا نريد ألا نختلف بحجة التشارك، ولانريد الدخول في نزاعات خشنة بحجة الاختلاف والتعددية.

فالاتحاد الوطني في داخله موحد وبالنسبة لمحيطه هو الاتحاد الجامع للاختلافات.

السياسة اليومية والشهرية والسنوية بإمكانها تنظيم هذا التوازن بين الخلاف والتوافق، الصداقة والاختلاف، وتجسيد ذلك على أرض الواقع.

 

 

 

PUKmedia الانصات المركزي

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket