لو كان (كورونا) رجلاً لقتلته.. !!

الاراء 10:14 AM - 2020-03-23
علي شمدين

علي شمدين

لم يعد فيروس كورونا وهماً، وإنما بات وباءاً حقيقياً طال المجتمعات المتقدمة إقتصادياً قبل الفقيرة منها، والمتطورة حضارياً قبل المتخلفة، حيث أختار حاضنته الأولى في إحدى أهم الدول العظمى لينتشر منها وبشكل (عادل)، إلى جميع بقاع العالم من دون استثناء أو تمييز بين الأجناس والألوان والأعراق والأديان، متسبباً في شل الحياة في هذه المجتمعات ومنع تجمعاتها البشرية، وتجميد حركتها الإقتصادية، وإقفال أماكنها الدينية المقدسة، وإبطال طقوس العبادة وصلوات الجماعة فيها..

لقد بات هذا الفيروس المتناهي الصغر وباءاً مرعباً يهدد البشرية جمعاء، دون أن ينجح العلماء والمراكز الصحية العالمية حتى اللحظة في الإهتداء إلى لقاح حاسم يحصن الإنسان من هذا الفيروس، وعجزت حكومات الدول عن إغلاق حدودها المنيعة في وجهه رغم استنفارها واستنفار قطاعاتها الصحية والأمنية في مواجهته. 

ولهذا لم يبق أمام العالم إلاّ اللجوء إلى إجراءات الوقاية المجتمعية الأشد صرامة، والتي من شأنها أن تحد من انتشار الفيروس قدر الإمكان، وتعطيل إنتقاله بين الناس وتأخيره عن الوصول إليهم، حيث تم تشخيص آليات هذا الانتقال في الملامسة المباشرة والتنفس عن قرب وغيرها من السبل التي تساهم بشكل مؤكد في نقل الفيروس وتسهل من إنشاره وتفشيه، حيث بات محسوماً علمياً بأن هذا الفيروس لاينتقل بنفسه وإنما عن طريق حامل آخر، وهذه هي أنجع مزاياها التي يتم التركيز عليها حالياً في الوقاية من وصوله إلى حاضنته الأساسية (جسم الإنسان وجهازه التنفسي تحديداً)، وإبقائه خارجها.

كما إن ما يميز هذا الفيروس أيضاً هو عمره القصر نسبياً، والذي لايتجاوز الأيام  القليلة شرط بقائه في الهواء الطلق أو على أسطح الأشياء الجامدة خارج جسم الإنسان، فتعد هذه بمثابة كعب أخيل بالنسبة لمستقبل الفيروس، ونقطة ضعفه الرئيسية التي من خلالها يمكن الحد من انتشاره  وتعطيل دورة حياته، وهذا لايتم إلاّ عبر الإلتزام الصادق بالتعليمات الصحية التي لاتكف الأجهزة الإعلامية المختلفة عن بثها على مدار الساعة، والإستبسال في التحصن من هذا الفيروس وعزله وبالتالي المساهمة العملية غير المباشرة في قتله وموته. 

إذاً، من هنا يأتي التحدي الأكبر في مواجهة هذا الفيروس الذي جعل العالم يستنفر من أقصاه إلى أقصاه، وذلك بالتكاتف وبإتجاه واحد بعيداً عن المصالح والأنانيات والدوافع المختلفة وخاصة السياسية منها، والإلتزام بحزم بالإجراءات الأمنية الصارمة والخطط الصحية المتكاملة، والتي تبدأ بحملة النظافة الشخصية والعامة، وتجنب التجمعات الجماهيرية والإختلاط المباشر بين الناس، والأهم من هذا وذاك هو اليقظة المطلقة تجاه الإصابة الشخصية وغير الشخصية بهذا الفيروس، والإسراع في الإبلاغ عن المصابين للجهات الصحية، باعتبار إن المصاب لا يشكل خطراً على نفسه فقط، وإنما كل مصاب هو في الوقت نفسه بؤرة متنقلة وحامل موبوء ناشر للفيروس في وسطه الذي يبدأ بأقرب المقربين إليه (عائلته)، وبتستره على إصابته أو استهتاره بها وبأيّ ذريعة كانت فإنه يقتل غيره بقدر ما يقتل نفسه، ولهذا فإن شخص جبان كهذا يصبح أخطر من الفيروس بذاته..  

لاشك بإن هذا الإستنفار الذي يخوضه شعبنا الكردي في مواجهة هذا الفيروس وفي هذه الظروف القاهرة يضاعف من معانته، وخاصة في كردستان سوريا، ويجعله فريسة بين مخالب العوز والفقر والحرمان، هذا الغول الذي توعد علي بن أبي طالب بقتله لو كان رجلاً، وهذا يلزم الجهات المعنية بأخذ هذا الواقع بعين الإعتبار، والتيقظ من انفلات الأسعار والحرص بمسؤولية على مصير العوائل المعدمة التي ستفقد مصادر رزقها اليومية، وذلك بحمايتها من المحتكرين وبإعداد خطط إغاثية عاجلة، وتأمين السلات الغذائية للمحتاجين.. وغيرها من الإجراءات الضرورية العاجلة التي من شأنها أن تخفف من وطأة هذه المأساة.

فإذا كان الفقر يستحق أن يقتل مرّة لو كان رجلاً، فإن فيروس كورونا يستحق أن يقتل مرّتين، مرّة لأنه آفة مرضية، وأخرى لأنه يشل المجتمعات لتفتك بها الجوع والفقر والحرمان.

 السليمانية 23/3/2010

 

علي شمدين

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket