ملاحظات نقدية عن مؤتمر 'الآثار العثمانية في العراق' بكركوك

آثار‌‌ 04:06 PM - 2020-01-31
ملاحظات نقدية عن مؤتمر 'الآثار العثمانية في العراق' بكركوك

ملاحظات نقدية عن مؤتمر 'الآثار العثمانية في العراق' بكركوك

ملاحظات نقدية عن المؤتمر التي تقيمه جامعة کرکوك تحت عنوان: ( الآثار العثمانية في العراق) في نيسان 2020.

لقد طال انتظار الناس في کرکوك ليروا أن جامعتهم بدأت أخيراً تهتم بماضي المدينة العريق وواقعها المر من خلال عقد الندوات والمؤتمرات العلمية وذلك لإلقاء الأضواء علی النواحي المختلفة لحياتهم عبر العصور التاريخية، فضلا عن تقديم النصح والمشورة العلمية لإيجاد الحلول لمشاکلها المستعصية التي تقف حجر عثرة أمام تقدمها وازدهارها.

ولکن وکما يقول المثل تمخض الجبل فولد فأراً، إذ أن المؤتمر الذي أعلنت عنه كلية التربية للعلوم الإنسانية وكلية الهندسة وتحت إشراف رئاسة جامعة كركوك بالتعاون مع إحدى الجامعات الترکية غير المعروفة وترتيبها تتأرجح بين ٨٠٠ و ٢٠٠٠ وفق أکثر التصنيفات تفاؤلا.

مجرد اختيار فترة العهد العثماني، التي تعرف بکونها فترة مظلمة من تاريخ کرکوك الممتد إلى أکثر خمسة ألاف عام، لە دلالاته السلبية. حتى لو إفترضنا أن الاختيار جاء من منطلق تاريخي علمي، فإن محاور المؤتمر تفضح المختفين وراء هذا الإدعاء، إذ بدلا من أن يکرس المؤتمر للحديث عن تاریخ کرکوك في ظل الاحتلال  العثماني من النواحي الإدارية، الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية وغيرها من المواضيع المهمة، ترکز محاور المؤتمر علی البحث عن ما خلفه العثمانيون في کرکوك، وهي في مجملها بنايات قليلة لا تزيد عمرها في أحسن الأحوال عن قرن ونصف. أي أن المؤتمر لا يغطي حتى فترة السيطرة العثمانية علی کرکوك. وبدلا من إلقاء الأضواء علی التشکيلات الإدارية العثمـانية في کرکوك خلال سني احتلالها لهذه المدينة والمظالم التي تعرض لها السکان بمختلف مکوناتهم الدينية والقومية، وبدلا من الحديث عن الأوضاع الاقتصادية والضرائب الثقيلة التي کانت السلطات العثمانية تفرضها علی الناس والأساليب القاسية التي کانت تعتمدها لجمعها، ينشغل المؤتمر بالحديث عن المطبخ العثماني والرقصات العثمانية وغيرها من المواضيع الثانوية والقليلة الأهمية. وبدلا من تحليل الأوضاع الاجتماعية، التعليمية، الصحية للسکان، الذين کانوا يعانون الأمرين من الأوبئة والأمراض، ينشغل القائمون علی المؤتمر بدراسة الآثار العثمانية ومواضيع ثانوية تأتي في الدرجة العاشرة.

من خلال نظرة فاحصة لأهداف ومحاور المؤتمر يتضح لنا أن الهدف من عقد هذا المؤتمر لا علاقة لە بالدراسات الأکاديمية التي تنشغل بها الجامعات عادة، بل تصب کلها في خدمة توجهات العثمانيين الجدد في ترکيا بزعامة رجب طيب أردوغان ودولت باخچلي وامتداداتهم في العراق و سوريا وبعض الدول الأخرى في المنطقة. إذ يعلن هؤلاء يوميا بأنهم سيجعلون من کرکوك الولاية ال٨٢ ومن الموصل الولاية ٨٣ للدولة الترکية. لعل من بين أهم الوسائل لتحقيق هذه المطامع هو اختلاق وجود ثقافي وتاريخي للعثمانيين في هذه المناطق، وهنا يجري خلط الأوراق بصورة تخدم هذه التوجهات. نتمنى أن لا يکون هدف القائمين علی هذا المؤتمر ضمن هذه التوجهات والسياسات. اللعب بأوراق العثمانيين الجدد في کرکوك والموصل لعبة خطيرة ستلحق أضرارا کبيرة بمکونات هذه المحافظات وستثير ردود فعل قوية من الأطراف التي تقف بوجه هذه المطامع الاستعمارية. هل هناك رغبات مخفية بتحويل هذه المناطق إلى ساحة للصراع بين ترکيا وأذنابها والسکان الآخرين کما حصل في سوريا؟. الجواب قطعا لا.

نتمنى أن يفيق القائمون علی المؤتمر من أحلامهم ويبحثوا عن مواضيع تخدم التعايش بين سکان المدينة بمختلف مکوناتهم الدينية والأثنية ويبعدوا المدينة وسکانها عن الأحلام الشريرة للعثمانيين الجدد في ترکيا، ونتمنى أيضا من جامعة كركوك تعود لمسارها الأكاديمي والعلمي، وتبحث مستقبلاً التعاون والشراكة مع الجامعات ذات ترتيب متقدم عالمياً في التصنيفات المعترفة بها.

 

غ.ع. كركوكي

 

 

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket