الكُرد في مصيدة الإتفاقيات الصادمة

الاراء 02:14 PM - 2019-10-29
عدالت عبدالله

عدالت عبدالله

من الواضح ان الاتفاق الأمريكي – التركي بخصوص الملف السوري والمنطقة الآمنة في شمال سوريا، جاء على حساب خرق فاضح للقانون الدولي وللسيادة السورية واحتلال الأراضي لهذه الأخيرة، وكذلك على حساب تشريد اكثر من(400) الف شخصاً من المدنيين في شمال شرق سوريا من كافة المكونات وعلى رأسهم العرب والكُرد، الذين يشكلان منذ الآف السنين ديموغرافيا منطقة رأس العين وتل الأبيض، فضلاً عن قتل اكثر من (300) مدنياً وإصابة الآلاف.

وقد حدث كل ذلك طبعاً بذريعة إبعاد قوات سوريا الديمقراطية عن الحدود التركية – السورية!، والمقصود هنا القوات التي لم تطلق أبداً حتى طلقة واحدة بإتجاه الحدود التركية قبل هذا الغزو ولم تشكل تهديداً قط على أمن تركيا وإستقرارها ولا على أمنها القومي كما تدعي أنقرة وتسوق له سياسياً وإعلامياً منذ سنوات.

بمعنى آخر، ان الاتفاق مُسَوَّغ بذرائع غير موضوعية أساساً، وحديث الأتراك عن إعادة اللاجئيين السوريين من داخل تركيا الى المنطقة الآمنة هو أيضاً ليس سوى مجرد تسويغ ضمني آخر للغزو وتبريره أمام الرأي العام العالمي والأوروبي، والدليل هو ان المتحدث الرسمي للرئاسة التركية، إبراهيم قالن، صرح بنفسه أكثر من مرة بأن تركيا لن تُجبر احد على العودة الى سوريا ولن تكون العملية قسرياً إطلاقاً، وهذا يعني، بكل بساطة، ان الملف هذا كان، هو الآخر، مجرد ورقة ضغط ليس إلا استخدمتها السلطات التركية ولاتزال بوجه الدول الأوروبية لتجميد أي موقف ضد انقرة وغزوها لشمال سوريا.

بعبارة أخرى، ان الأستراتيجية التركية تقوم عادةً على تنفيذ أجندات مسلحة بذرائع مسبقة!، غير ان الهدف في النهاية فيما يتعلق بغزوه هذا هو ليس سوى إنعدام الإستقرار في العالم العربي وبث روح الفتنة والكراهية بين الشعوب والمكونات في هذا العالم لأن ذلك يصب مباشرةً في ملصحته على المدى القريب والبعيد ويجعله تدريجياً بمثابة المرجع للعديد من الدول والحركات السياسية في المنطقة العربية، لاسيما في ظل الصراعات الطائفية والسياسية.

وبالتأكيد للإتفاق التركي - الأمريكي أيضاً تداعيات على موقف الكُرد في كردستان العراق، خصوصاً مع تزايد أعداد اللاجئيين والضحايا في صفوف المدنيين جراء القصف التركي وإحتلالها للمناطق المختلفة في شمال شرق سوريا.

الكُرد هنا في إقليم كردستان، غاضبون اليوم للغاية دون أدنى شك، بل يرفضون الغزو التركي كلياً والتعامل مجدداً بعقلية إبادة الكُرد، التي لاتزال عقلية سائدة عند معظم الساسة الأتراك بمختلف خلفياتهم الآيديولوجية والسياسية، لاسيما ان الأمر يُذكر الكُرد دوماً بعهد نظام صدام حسين البعثي(1968-2003م) عندما إجتاح دولة الكويت (1990م) وقمع الشعب العراقي وفي مقدمتهم الكُرد في أواخر إنتفاضة عام (1991م) وإنتكاستها، لذا لا غرابة بأن نجد اليوم ان الشارع الكُردي يغلي فعلاً إزاء هذه التهديدات الخطيرة. وقد أتخذ الموقف منها بشتى الوسائل المتاحة، رافضاً الإجتياح التركي الغادر لمناطق شمال سوريا وخاصة المناطق الخاضعة لسلطة قوات سوريا الديمقراطية، بكل السبل المدنية والسياسية الممكنة.

وقد اصدرت حكومة إقليم وكذلك برلمان كردستان ومقر البارزاني، بهذا الصدد، بيانات متتالية، أعربت كلها عن مخاطر هذا الغزو وعواقبه الوخيمة على أمن وإستقرار المنطقة برمتها. كما وأجري إجتماعاً طارئاً للأحزاب الكُردية في العراق في مكتب رئاسة الإقليم لتوحيد الموقف بناءاً على نداء ثاني أكبر حزب سياسي في الإقليم ألا وهو الإتحاد الوطني الكُردستاني، حزب الطالباني، وبمقترح من نائبه الأول" كوسرت روسل علي".

وفضلاً عن ذلك كله، ثمة معونات إنسانية تُجمع اليوم من كافة المحافظات الكُردستانية في العراق وإرسالها لللاجئيين السورين من الكُرد والعرب والأرمن والسريان والتركمان دون إستثناء، اولئك الذين هجّروا أو فروا من مناطقهم بسبب القصف الجوي والبري العشوائيين للقوات التركية الغازية.

وربما حتى على مستوى علاقات الإقليم مع أنقرة، يبدو المشهد ليس على ما يرام!، بل العلاقات مهتزة دبلوماسياً بعض الشيء، وذلك نتيجةً للمظاهرات الأخيرة المنددة بالإجتياح والتي نُظمت في مختلف المدن الكردستانية من جهة، ومن جهة أخرى لأن اقليم كردستان يعتبر نفسه أيضاً، من حيث المبدأ، مرجعاً سياسياً وملهماً قومياً بل مسؤولاً حيال مصير بقية الأجزاء الكُردية في المنطقة.

وعلى الصعيد الشعبي، ثمة اليوم نداءآت واسعة النطاق لمقاطعة البضائع والسلع التركية في إقليم كردستان وتجميد التبادل التجاري مع تركيا ونشاطات أخرى مدنية تنديداً بالعدوان التركي على الأراضي السورية وبحق الكورد والمكونات الأخرى.

أما بخصوص الاتفاق التركي – الروسي في سوتشي بخصوص الملف السوري، فنعلم بأنه زاد الطين بلة دون أدنى شك، إذ جاء أيضاً على خلفية تفاهمات مسبقة وبتناغم تام مع أجندات ومصالح كل من تركيا وروسيا والحكومة في ديمشق بشأن سبل حسم الأوضاع في شمال سوريا!، وبموجب هذا الاتفاق رأينا بأم الأعين ان الجيش السوري عاد فعلاً الى أغلب المناطق التي كانت تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، وهذا بحد ذاته يُعتَبر ضمنياً بمثابة ضربة موجعة لمطامح الكُرد ولإستمرار الإدارات الذاتية كما كانت عليها في الماضي، والتي تمتع بها الكُرد في غرب كُردستان منذ إندلاع الأحداث في سوريا عام 2011.

 

 

 

عدالت عبدالله 

 

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket