ذكرى رحيل مام جلال.. 60 عاماً من النضال المتواصل

10:26 AM - 2019-10-02
ذكرى رحيل مام جلال.. 60 عاماً من النضال المتواصل

ذكرى رحيل مام جلال.. 60 عاماً من النضال المتواصل

تصادف، يوم الخميس، 3/10/2019، الذكرى السنوية الثانية لرحيل فقيد الامة الرئيس مام جلال هذا القائد والمناضل الكبير الذي لعب دوراً بارزاً وكبيراً من أجل خلق بيئة سلام وعمل جاهداً على معالجة جميع المشاكل. في العراق واقليم كوردستان.

 

من هو مام جلال طالباني؟

الرئيس مام جلال قائد وسياسي ودبلوماسي فعال وذو تأثير كبير، كان له دور مشرف في جميع المحطات والمراحل٬ له تأريخ نضالي يمتد الى 60 عاما٬ وكان الهدف من نضاله المستمر ايجاد نظام ديمقراطي فيدرالي متعدد في العراق٬ وقد كان لسيادته دور القائد الحكيم المحنك٬ لذلك كان يطلع على جميع المشاكل ويمتلك خبرة واسعة في وضع الحلول والمعالجات. هذا بالاضافة الى دوره العظيم فقد كان بمثابة مظلة تحتضن جميع الشرائح والمكونات العراقية.

 

جلال طالباني سيرته ونضاله

 

ولد مام جلال صيف عام (1933) في قرية كلكان على سفح جبل كوسرت والمطلة على بحيرة دوكان. ينتمي الى اسرة دينية امضى عدة سنوات من طفولته في تلك القرية وبعد ان اصبح والده مرشداً للتكية الطالبانية في كويسنجق، حيث دخل فيها طالباني المدرسة الابتدائية اكمل دراسته فيها بتفوق وكان تلميذاً مجداً مجتهداً ذكياً، ظهرت منذ طفولته بوادر القيادة فيه حيث كان يتقدم زملاءه في حضور مجالس العزاء والمناسبات التي كانت تقام هناك، وفي الاصطفاف الصباحي كان اول من يختاره المعلمون لإلقاء القطع الشعرية الوطنية من هنا نمت لديه الفكرة القومية التي بدأت تسيطر عليه منذ صغره. وحين بلغ الصف الرابع الابتدائي كان في مقدمة الطلبة الذين يشاركون في النشاطات المدرسية بشغف، وكان طالباني يشارك في الندوات ويشترك في الخطابة والمسرح.

* رغم ان عيد نوروز القومي كان غير مسموح به من قبل الحكومات المتعاقبة ولم يكن عيداً رسمياً الا ان شعب كوردستان كان يحتفل به في الحادي والعشرين من اذار في كل عام في اغلب مدن كوردستان نظرا الى قدسية هذا العيد لدى الكورد الذي يعتبرونه يوم انتصار الشعب الكوردي على الطاغية الذي اضطهدهم،  في عام (1945) اقيم احتفال شعبي لعيد نوروز شارك طالباني ذو الثالثة عشرة من عمره في الاحتفال والقى كلمة حماسية نالت اعجاب معلميه والمشاركين في الحفل.

* اسس عام (1946) مع عدد من زملائه التلاميذ وبإرشاد من احد معلميه جمعية تعليمية سرية اطلقت عليها تسمية (K.P.X) (جمعية تقدم القراءة) حيث انتخب مام جلال سكرتيراً لها وكان هدف الجمعية تشجيع التلاميذ على القراءة وما تعرف بالمطالعة الخارجية.

* وفي العام نفسه وبعد تأسيس الحزب الديمقراطي الكوردي في 16 آب 1946 تأثر بنهج الحزب وانخرط في العمل الطلابي في اطار تنظيمات الحزب.

* وبعد ممارسته نوعاً من العمل السياسي السري نشرت له صحيفة (رزكارى) السرية التي كان يصدرها الحزب الديمقرطي الكوردي مقالا قصيراً له باسم مستعار وهو (ئاكر) اي (النار).

* وفي خريف ذلك العام اشترك في صحيفة (الاهالي) التي كان الحزب الوطني الديمقراطي بزعامة المغفور له الأستاذ كامل الجادرجي يصدرها وبذلك اصبح مواظبا على قراءة (الاهالي) يوميا.

* وحبه للقراءة دفعه الى ان يكون من رواد مكتبة الحاج قادركويي ليستعير منها الكتب ويطالعها بشغف مع حرصه على تعلم اللغة العربية واجادتها.

* في عام 1947 اصبح عضوا في الحزب الديمقراطي الكوردي، حيث تميز بنشاطه وكفاءته في اداء الواجبات والمهمات الحزبية التي كان مكلفا بها.

* في عام 1948 انهى الدراسة الابتدائية ودخل متوسطة كويسنجق وهذا العام معروف بعام الوثبة، حيث استطاع الشعب العراقي اسقاط معاهدة بورتسماوث وتشكيل وزارة السيد محمد الصدر وفي ظل اجواء الحرية النسبية التي وفرتها الوثبة جرت انتخابات طلابية في عموم العراق لانتخاب ممثلي الطلبة للمشاركة في المؤتمر العام، فكان ان انتخب جلال طالباني ممثلا لطلبة كويسنجق واشترك في المؤتمر الاول لطلبة العراق الذي انعقد في نيسان عام 1948 في ساحة السباع ببغداد.

* ولأول مرة استمع في هذا المؤتمر الى الشاعر العظيم محمد مهدي الجواهري وهو يلقي رائعته الموسومة بـ(يوم الشهيد)، وكانت تلك اللحظات تعتبر تأريخية في حياة طالباني، حيث اصبح من اشد المعجبين بشعره وصار فيما بعد من اعز اصدقائه، اذ نشأت بينهما صداقة استمرت حتى اللحظة الاخيرة من حياة الشاعر.

وحين علم طالباني بنبأ وفاته عزى اهل الشاعر ومعجبيه واوعز باقامة اربعينية كبيرة له في مدينة السليمانية وبناء على توجيهاته اطلق اسمه على مدرسة وعلى شارع جميل من شوارع السليمانية، اضافة الى المهرجان المئوي الكبير الذي شارك فيه عدد كبير من المثقفين العرب والعراقيين عربا وكوردا. واقيم له تمثال في متنزه سرضنار بمدينة السليمانية. وكان الجواهري قد نظم قصيدة مشهورة لطالباني نشرت عام 1981.

* في عام 1949 وفي ظل الاحكام العرفية والارهاب الذي شمل كوردستان والعراق تقدم طالباني في الحزب واصبح عضوا في اللجنة المحلية لكويسنجق.

* في شباط عام 1951 وفي المؤتمر الثاني للحزب الديمقراطي الكوردي انتخب عضوا للجنة المركزية للحزب الا انه لم يشغل المنصب بغية الحفاظ على صفوف الحزب الديمقراطي وتنازل عن منصبه لاحد الرفاق الذي حضر المؤتمر بعد خروجه من السجن، وفي صيف عام 1951 اعتقل مع عدد من اعضاء الحزب وتم نفيهم الى الموصل، وهناك استمر بنضاله السياسي وبعد اخلاء سبيله قصد كركوك لاكمال الدراسة واعادة تشكيل تنظيمات الحزب هناك حيث اصبح مسؤولا لتنظيمات كركوك، وفي نفس العام اخذ على عاتقه مسؤولية طبع ونشر المنشورات الحزبية بشكل سري الى اليوم الذي اعتقل فيه. وفي عام 1952 دخل كلية الحقوق في بغداد وكانت تنظيمات الحزب الديمقراطي الكوردي في بغداد انذاك قد تشتتت الا ان مام جلال وبالتعاون مع الشهيد محمد محسن برزو استطاع لم شمل التنظيمات في وسط الاخوة الفيليين وكسب عدد آخر من الشباب الفيلية لجانب الحزب.

* وفي كانون الثاني من عام 1953 شارك في المؤتمر الثالث للحزب الديمقراطي الكوردستاني وانتخب عضوا للجنة المركزية وفي شباط من عام 1953 اشرف على عقد اول مؤتمر لاتحاد طلبة كوردستان وفي ذلك المؤتمر انتخب سكرتيرا عاما لاتحاد طلبة كوردستان وصدر له كراس بعنوان (ضرورة وجود اتحاد طلبة كوردستان) وفي نفس العام كان احد مؤسسي الشبيبة الديمقراطي الكوردستاني واصبح سكرتيرا عاما للشبيبة خلال 1953-1955، وكان ممثلا للحزب لدى الاحزاب السرية والعلنية في العراق وفي عام 1955 سافر الى خارج العراق للمشاركة في مهرجان الشبيبة والطلبة العالمي، زار الاتحاد السوفيتي والصين اضافة الى دول شرقي اوروبا.

* وفي عام 1954 انتخب عضوا في المكتب السياسي للحزب.

* وفي عام 1956 اختفى عن الانظار وعمل في النضال السري واضطر الى ترك الدراسة حينما كان في الصف الرابع بكلية الحقوق.

* في عام 1957 سافر الى خارج الوطن الى سوريا والى موسكو، حيث شارك في مهرجان الطلبة والشبيبة، ففي سورية التقى بالضباط الاحرار السوريين والمرحوم كمال الدين رفعت المصري وتحدث اليه عن امكانية تقديم المساعدة لاندلاع الثورة في كوردستان كما حصل على موافقة الحكومة المصرية لفتح الاذاعة الكوردية في القاهرة. وفي نفس العام رجع الى العراق وشارك في اعمال المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني الموحد واصبح مسؤولا عن اصدار جريدة (نضال كوردستان) وطبعها في مدينة السليمانية بشكل سري.

* وفي اليوم الاول لانتصار ثورة (14) تموز نظم وقاد مظاهرة اهالي السليمانية مع رفاق الحزب في المدينة ومن ثم قصد بغداد وشارك في اعمال المكتب السياسي واصدار مجلة التحرر، كما اخذ على عاتقه النضال الذي بدأ يتوسع داخل صفوف الحزب الديمقراطي الكوردستاني لضرورات وجود الحزب الطليعي الكوردستاني والمنظمات الديمقراطية ومناهضة المحاولات التي تسعى لجعل الحزب الديمقراطي الكوردستاني تابعا لحزب عراقي.

* وفي عام 1959 انتخب مجددا عضوا للجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكوردستاني والمكتب السياسي في بغداد رغم انه كان ضابط احتياط في (كتيبة الدبابات الرابعة) الا انه كان يشارك في اصدار صحيفة (خةبات) التي كانت تصدر بالعربية واستمر في نشاطاته الحزبية وكان انذاك مسؤولا للفرع العسكري.

* وفي عام 1960 كان مسؤولا لفرع السليمانية وعضوا للمكتب السياسي وهناك فتح دورة توعية للكوادر حيث تخرج على يده عشرات الكوادر.

* وفي عام 1961 اصبح رئيس تحرير صحيفة (كوردستان) وبعد اغلاق صحيفة خةبات تعرض الى الملاحقة في بغداد الا انه وفي ليلة نوروز عام 1961 في بغداد القى خطابا ضد الدكتاتورية ودفاعا عن المرحوم الجنرال البارزاني اذ كان قاسم يسند اليه مجموعة تهم، ونتيجة ذلك صدر بحقه امر القبض واخفى نفسه عن الانظار ورجع الى السليمانية متخفيا وشارك في تنظيم الاضراب العام. 

* في ايلول 1961 وحينما اندلعت الثورة كان مسؤولا للواء السليمانية، وفتح اولى مراكز الثورة في جمي ريزان في السليمانية واشرف عليه وقاد قوات البيشمركة في لواء السليمانية حتى توسع وزاد حجم القوات واصبحت قوة كبيرة وانذاك عين مسؤولا لقوات بيشمركة كردستان في الحزب الديمقراطي الكوردستاني.

* وفي نوروز من عام 1962 قاد الهجوم الواسع على كامل منطقة شاربازير، حيث تمت السيطرة وخلال بضعة ايام على جميع المخافر وناحية بناوة سوتة وجوارتا وتقدمت قواته نحو قضاء بينجوين وتمكنت من تحريرها وتحرير كامل المنطقة وبهذا الشكل تحررت منطقتا شاربازير وبينجوين واصبحتا مركزين للثورة وقيادة الثورة للفترة 1962-1993 وتحررت اغلب مناطق قرداغ وقةلاسيوكة وكرميان وسنكاو وكان مام جلال قائد قوات التحرير كما كان يشرف على تأسيس مراكز بمو وحلبجة وطويلة وبيارة.

* وفي عام 1963 وبعد انقلاب شباط الاسود عين رئيسا للوفد الكوردي للتفاوض مع الحكومة الجديدة التي ابدت في البداية موافقتها على اجراء حوار لاقرار حل سلمي للقضية، وزار عبدالناصر في مصر وبن بلا في الجزائر واقنعهم لدعم القضية الكوردية المشروعة وفي نفس العام زار اوروبا باعتباره ممثلا عن ثورة كردستان ونجح في الدعاية لقضية الشعب الكوردي في فرنسا والمانيا وروسيا وجيكوسلوفاكيا والنمسا.

* وفي عام 1964 عاد الى كوردستان والى مهامه في قيادة قوات التحرير.

* عام 1967 شارك في ندوة (الاشتراكيين العرب) في الجزائر وقدم الى الندوة العديد من البحوث والدراسات عن الكورد والاشتراكية والوحدة العربية.

* وفي عام 1970 لعب دوره المؤثر في توحيد كلا الجناحين في الحزب الديمقراطي الكوردستاني الذي كان قد انشق الى جناحين.

* وفي عام 1972 سافر الى خارج العراق وبقي لفترة في مصر ولبنان وسوريا وعقب انهيار الثورة الكوردية التي انهارت نتيجة الاتفاق الذي ابرم بين صدام حسين وشاه ايران في الجزائر اذار 1975 أسس الاتحاد الوطني الكوردستاني في حزيران عام 1975 حيث تم تأسيسه في 1-6-1975 في دمشق ومن ثم خطط للثورة لكي تندلع من جديد في 1-6-1976 واصبح سكرتيرا عاما للاتحاد.

* وخلال السنوات التي اعقبت التأسيس واصل نشاطه السياسي في قيادة الحزب وعاش مع رفاقه في الجبال والكهوف وفي الارض المحروقة.

* في عام 1982 دعي طالباني الى استقبال ياسر عرفات وقادة فلسطينيين في المناطق المحررة بكوردستان العراق وذلك ايام حصار بيروت من قبل جيش اسرائيل.

* وعرف عن طالباني تعاطفه مع الحركات الفلسطينية وعلاقاته المتينة مع قادتها.

* وفي الساحة العراقية كان لطالباني الدور البارز في تنظيم صفوف المعارضة العراقية وشارك بفاعلية في اجتماعاتها ومؤتمراتها.

* وبشهادة الكثير من المراقبين السياسيين كان احد المحركين الاساسيين لتقريب وجهات النظر داخل صفوف المعارضة في مؤتمر لندن الاخير الذي بشر فيه الحاضرين بأن اجتماعهم القادم سيكون في بغداد.

* وعلى الساحة الدولية شارك طالباني في العديد من المؤتمرات التي عقدتها الاشتراكية الدولية ويحتفظ بصداقات متينة مع اغلب القادة الاشتراكيين.

* كان من الكتاب الدائميين لصحيفة (خةبات) وكذلك صحيفة (النور) اللتين كانتا تصدران في بغداد باللغة العربية الاولى عام 1959-1961 والثانية 1969-1970.

* وكان يساهم في كتابة الافتتاحيات لهاتين الصحيفتين.

* وكان اغلب مقالات صحيفة (الشرارة) التي كانت تصدرها الثورة الكوردية من كتابات طالباني.

* ومنذ صدور صحيفة (الاتحاد) الصحيفة المركزية للاتحاد الوطني الكوردستاني وطالباني يرفدها بحسب الوقت المتوفر لديه بمقالاته وكتاباته.

* اضافة الى كونه سياسيا ومناضلا ومفكرا وكاتبا وقانونيا مارس العمل الصحفي السري والعلني وقد انتخب عام 1959 عضوا في مجلس نقابة الصحفيين العراقيين الذي كان يرأسه الشاعر الاكبر محمد مهدي الجواهري.

* يعتبر طالباني اضافة الى كونه سياسيا ودبلوماسيا وصحفيا من الكتاب البارزين والذي ساهم وبشكل فعال في تسليط الاضواء على مجمل الحركة السياسية في العراق والمنطقة بشكل عام والحركة السياسية الكوردية بشكل خاص وله في هذا الخصوص عدة كتب في حقبات زمنية متفاوتة والتي اغنت المكتبة العربية والكوردية على حد سواء وامست مصدرا للباحثين والمحللين السياسيين الذين يبحثون في تأريخ الحركة السياسية الكوردية والعراقية بشكل عام، نظرة ومواقف الحكومات العراقية المتعاقبة تجاه القضية الكوردية.

 

من بين هذه المؤلفات: 

* كوردايتي: دراسة تحليلية حول نشوء وتنامي الحركة السياسية الكوردية في كوردستان العراق والاحزاب والشخصيات التي ساهمت في نشر الوعي القومي في حينه.. وان الكتاب مؤلف باللغة الكوردية.

* كوردستان والحركة القومية: نواة محاضرة القيت في حينه في العاصمة الجزائرية تناولت مراحل النضال القومي للشعب الكوردي في العراق وهذا الكتاب الذي كتبه المؤلف باللغة اعتبر مصدرا مهما لجميع الباحثين الذين لا يمكنهم الاستغناء عنه في بحوثهم التي تتطرق الى القضية الكوردية.

* أغد وديمقراطي وحرمان شعب حتى من حق الحلم: دراسة نظرية حول مسألة حق تقرير مصير الشعوب ومنها حق الشعب الكوردي.

* خلال السنوات الثلاث عشرة الماضية شارك طالباني في مؤتمرات المعارضة العراقية في نيويورك ولندن وصلاح الدين والتي برز خلالها كقائد محنك ورجل المهمات النضالية، مما جعله محبوبا لدى قادة المعارضة العراقية وقد اوعز باستضافة قوى المعارضة العراقية وفصائلها في كوردستان وفي مدينة السليمانية بالذات حيث كثرت فيها مقرات تلك الأحزاب والتيارات السياسية.

* كان له دور بارز في توحيد صفوف المعارضة خلال المؤتمرات واللقاءات المحلية والعالمية.

* انتخب بعد تحرير العراق عضوا في مجلس الحكم، كما ترأس المجلس خلال شهر نوفمبر عام 2003 اثبت خلاله براعته في ادارة الحكم مما حظي باحترام واعجاب الشعب العراقي.

* ظل مدافعا أمينا عن هموم وآمال وطموحات جميع العراقيين دو استثناء ومن المعتزين بصداقة وتآخي الشعوب العراقية.

* انتخب في بداية تموز 2008 نائبا لرئيس منظمة سوسيال انترناشينال. في يوم 11/11/2010 تم اعادة أنتخابة من قبل مجلس النواب العراقي كرئيس لجمهورية العراق لولاية ثانية مدتها أربع سنوات.

 

60 عاماً من النضال المتواصل

 

ألقى رئيس جمهورية العراق السيد جلال طالباني، وسط حفاوة كبيرة، كلمة يوم الجمعة 11/5/2007، أمام حشد كبير من أساتذة و طلبة جامعة كيمبرج في المملكة المتحدة.

واستعرض الرئيس مراحل نضاله مع رفاقه و كفاحه من اجل نيل الشعب الكردي حقوقه الوطنية و القومية المشروعة.

وأجاب فخامته، عقب الانتهاء من الكلمة على أسئلة الحاضرين التي تركزت حول التطورات في العراق، و السبل الكفيلة بمعالجة الأوضاع في البلاد. 

 

الرئيس مام جلال :

أود أن أعبر عن شكري للسيد علي الأنصاري رئيس اتحاد طلبة كيمبرج و أعضاء الاتحاد و ذلك لتوجيههم الدعوة لي كي ألقي كلمة في هذه المؤسسة التاريخية، و أيضا للضيافة الحارة التي أبدوها. 

انه حقا لشرف لي، و لمصلحة الشعب العراقي ان أقف اليوم أمامكم كأول رئيس دولة في بلادي منتخب بصورة حرة، وهو منصب اشغله بتواضع شديد. 

و أؤكد أن وجودي هنا بين هذه العقول الفتية المتألقة تذكرني بالصعوبة الشديدة لهذه الوظيفة.

فحينما كنت شابا، كان حلمي الأول أن أكون أستاذا جامعيا، و لكنني صدمت بالأوضاع التي كانت سائدة في بلدي والتي كانت تسير نحو الأسوأ،

وأن المشاكل التي يواجهها المواطن العادي كانت في تصاعد، و وجدت نفسي انسحب بصورة متزايدة إلى عالم السياسة. 

بدأت حياتي السياسية مبكراً منذ كنت تلميذاً في المدرسة الابتدائية وذلك تحت تأثير الجو السياسي العام في مدينة كويسنجق الذي كان مشحوناً بالأفكار الثورية و الوطنية الكردية جراء تأثيرات : 

 

1- الثورة البارزانية التي اندلعت عام 1945 حيث كان لي زميل في الدراسة له أخ جندي في الجيش العراقي كان يحدثنا خلال إجازاته عن بطولات الثوار الكرد و مقاومتهم البطولية لهجمات الجيش العراقي الذي كان يقاتل بإشراف الجنرال البريطاني رنتن.

2- الحركة الكردية الديمقراطية المتنامية في كردستان إيران – المنطقة التي حررها الجيش السوفياتي الذي فسح المجال للوطنيين الكرد بالعمل السياسي حتى تحولت منطقة موكريان و عاصمتها مهاباد الى معقل للحركة التحررية الكردية التي استطاعت تأسيس أول جمهورية كردية في التأريخ وذلك بمساعدة السوفيات الذين أصبح اسمهم و أفكارهم الماركسية منتشراً و مقبولاً لدى الناس.

وحيث كنت تلميذاً جيداً أقرأ الأشعار الوطنية في المدرسة كل صباح لدى اصطفاف التلاميذ اليومي فأصبحت معروفاً بتلميذ مجد وذي شجاعة أدبية رغم صغر سني فكنت أدعى في احتفالات النوروز لإلقاء شعر أو كلمة مختصرة مما جلب انتباه الحزبين العاملين في المدينة الحزب الشيوعي العراقي والديموقرطي الكردي الحديث التأسيس.

في البداية نظمني كادر شيوعي في خلية تثقيفية ولكن سرعان ما اختلفت معهم حول موضوع هل الكرد شعب لهم حق تقرير المصير أم لا؟.

إذ كان الكادر المثقف لنا ينكر ذلك فانفصلت عنهم. وسرعان ما كسبني احد المعلمين الأعضاء في الحزب الكردي و شجعني على تأسيس جمعية طلابية سرية باسم (KPX) جمعية التقدم الثقافي ثم كسبني الخالد الذكر عمر مصطفى دبابه الى البارتي و اعطاني البيان التأسيسي للحزب الصادر بتوقيع الجنرال مصطفى بارزاني.

فأصبحت مؤيداً لان صغر عمري لم يساعدني على نيل العضوية فوراً. ولكن عندما أصبحت في السادس الابتدائي فقد كسبني أحد المعلمين الذين كان يجتمع بنا سراً في بيته الى الحزب فتم ترشيحي و قبولي عضواً في عام 1947 بشكل استثنائي بالنظر لنشاطي ودوري في الحركة الطلابية. وفي عام 1948 وبعد الانتفاضة الوطنية في بغداد ضد تجديد المعاهدة البريطانية العراقية توفر جو سمح بإجراء الانتخابات في جميع المعاهد و الكليات و المدارس المتوسطة والثانوية فكان أن انتخبت عن متوسطة كويه مندوباً للمؤتمر التأسيسي الأول للاتحاد العام لطلبة العراق الذي عقد في ربيع 1948 وحضرته و أدت مداخلاتي و تعليقاتي الى جلب انتباه المندوبين.

وبعد التوافق بين ممثلي الأحزاب المشتركة من المؤتمر جرى انتخابي عضواً احتياطياً للجنة القيادية للاتحاد العام لطلبة العراق.

هكذا انغمرت في النشاط الطلابي العراقي العام أيضاً بجانب انغماسي في النشاط السياسي الحزبي و الطلابي في مدينتنا. 

وحيث كنت نشطاً و مقداماً فسرعان ما أصبحت عام 1949 عضواً في اللجنة المحلية للبارتي وعام 1950 عضواً في لجنة المحافظة للبارتي. 

وخلال أعوام 1950 و 1951 و 1952 انغمست من النشاط الحزبي و السياسي لان الجمعية الطلابية الكردية قد توزعت على مدن عديدة و الاتحاد العام لطلبة العراق عطل و حورب وطورد أعضاء قيادته أو اعتقلوا. 

في عام 1951 انتخبت عضواً في المؤتمر الثاني للبارتي حيث جرت تغييرات هامة على الحزب حيث تبدل اسمه الى الحزب الديمقراطي الكردستاني ( بدل الكردي ) و تبنى الاستفادة من الافكار الماركسية – اللينينية و أقر التوجه نحو جماهير العمال و الفلاحين و الكسبة و الطلبة وتبني الإصلاح الزراعي كل ذلك كمبادئ تركت صياغته الى القيادة الجديدة التي انتخبت.

وأنا أيضا انتخبت عضواً في اللجنة المركزية و لكنني تنازلت لأحد الرفاق المحامين الخارجين من السجن نظراً لنجاحه من تجربة السجن و ثقافته و عمره إذ كنت تلميذاً شاباً في الصف الرابع من الثانوية لم يتجاوز عمري ( 18 ) عاماً. 

في صيف 1951 اعتقلت لأول مرة وكنت ضمن كوكبة من مناضلي الحزب المنفيين الى الموصل حيث بقينا أشهراً ريثما ألغت المحكمة قرار النفي.

وفي السنة الدراسية 1951 – 1952 انتقلت الى ثانوية كركوك حيث شرعت بإعادة بناء تنظيم الحزب المشتت. فجمعت عناصر عمالية و طلابية ومدرسين لتشكيل اللجنة المحلية و الشروع بالعمل النضالي بين العمال والطلبة والكسبة. 

وغداة تخرجي من الثانوية من الدفعة الأولى و بدرجة تؤهلني لنيل زمالة دراسية خارج الوطن فضلت البقاء في البلاد والدخول الى كلية الحقوق حيث اشتركت ولأول مرة في مظاهرات طلابية عديدة من تشرين 1952. 

وواصلت النضال الحزبي و السياسي وانتخبت عضواً للمؤتمر الثالث للحزب الذي عقد في كركوك في كانون الثاني 1953 حيث جرى تصديق التعديلات التي اقترحها المؤتمر الثاني على اسم الحزب و برنامجه اليساري الجديد وانتخبت عضواً في اللجنة المركزية للحزب.

 

وبناء على توصيات المؤتمر الحزبي ركزت جهوداً عديدة لتأسيس اتحاد طلبة كردستان العراق فتوفقت مع مجموعة من الرفاق في تأسيسه.

وكتبت لأول مرة في حياتي كراساً عنوانه اتحاد طلبة كردستان العراق لماذا؟ 

ونجحنا في إقامة فروع للاتحاد من المدن الكردية. وانتخبت أميناً عاماً لاتحاد طلبة كردستان. 

وفي نفس العام أسهمت مع بعض المثقفين في تأسيس اتحاد الشباب الديمقراطي الكردستاني حيث اختاروني أميناً عاماً له.

وفي نفس العام جرى انتخابي عضواً في المكتب السياسي للحزب.

واصلت نشاطي السياسي الحزبي و الطلابي والشبابي بحماس و اتصلت بممثلي طلبة جميع الأحزاب العراقية في الكلية وهي الحزب الشيوعي والوطني الديمقراطي و الاستقلال و البعث العربي الاشتراكي.

ونظمنا معهم علاقات نضالية للعمل المشترك من المظاهرات و الفعاليات الوطنية فتعرضت للاعتقالات الدورية التي كانت تجرى للطلبة الناشطين في المناسبات الوطنية و الأممية وذلك كاعتقال احترازي لمنعنا من الفعاليات.

فكنا نعتقل في مناسبات يوم انتصار الثورة الصينية و ثورة اوكتوبر وذكرى انتفاضة تشرين ويوم الجيش العراقي وذكرى وثبه كانون و تأسيس الجيش الأحمر وميلاد الملك و عيد نوروز و أول أيار.. الخ.

فكنت الزائر المتواصل لمواقف التوقيف في بغداد. رغم ذلك كنت انجح في الامتحانات.

وفي تشرين 1953 اشتركنا في الانتخابات النيابية فكنت الداعية لانتخابات مرشح مثقف للحزب فخطبت في المدينة وذهبت الى القرى لجلب الناخبين الى صناديق الاقتراع فنجح مرشحنا. 

كنت خلال العطلة الصيفية طيلة أعوام 1953 و 1954 أذهب للعمل بين الفلاحين منهمكاً في تثقيف الكوادر الفلاحية الحزبية بصورة سرية.

وفي صيف 1955 سافرت بصورة سرية و بجواز غير جوازي الى سورية ومنها الى وارشو – بولونيا للاشتراك في مهرجان الطلبة و الشباب العالمي. في سورية أجريت الاتصالات بالشخصيات الكردية. 

حاولنا في المهرجان أن يعترف بنا كوفد كردي و لكننا فشلنا نظراً لمعارضة الوفد العراقي وبعد إلحاح من قبلنا كفريق كردي ضمن الوفد العراقي فأصبح لنا حق عقد اجتماعات مع الوفود المشاركة وتقديم الهدايا التي كنا قد جلبناها معاً من كردستان. وقدمنا أيضاً رقصات كردية بالملابس الوطنية في احتفالات الوفد العراقي وفي لقاءاته مع الوفود المشاركة. 

ودبرنا اجتماعاً خاصاً بنا دعونا اليه ممثلي الوفود السوفياتية و الصينية والعربية والإيرانية والفرنسية والايطالية والألمانية والبريطانية والهندية والاندنوسية وكذلك دعونا الشاعر التركي الكبير ناظم حكمت الذي كان قد هرب من سجنه وكان شخصية دولية لامعة.

وفي هذا الاجتماع الذي توج نجاحه خطاب ناظم حكمت المفعم بالمشاعر الودية تجاه الشعب الكردي وحقه في تقرير المصير وتمنياته بان يدعى الى يوم يرفع علم كردستان المستقلة.

وقد انعكس هذا الخطاب من هذه الشخصية الأممية المرموقة على خطب الوفود الصينية و الهندية والأوروبية التي أيدت بدورها نضال شعب كردستان وحقها في تقرير المصير. 

وقد تم في هذا الاجتماع تقديم الهدايا باسم شبيبة وطلبة كردستان الى الوفود الحاضرة واستلام الهدايا منها. 

كما اشتركنا كمندوب مراقب باسم اتحاد شبيبة كردستان الديمقراطي في مؤتمر اتحاد الشباب الديمقراطي العالمي.

وفي نهاية المهرجان دعيت ضمن الوفد العراقي الى زيارة جمهورية الصين الشعبية فسافرنا بالقطار من وارشو الى بكين عبر الاتحاد السوفيتي. 

وأثناء الزيارة كنت أقدم نفسي ممثلاً عن طلبة و شبيبة كردستان و اشترك باسمهم في الاجتماعات و اللقاءات المتعددة أشرح فيها الحركة التحررية الكردستانية.

وقدمت في إحدى اللقاءات هدية اتحاد نساء كردستان الى مادام صن يات صن نائبة رئيس الجمهورية حينئذ وتسلمت منها هديتها الى اتحاد نساء كردستان. 

 

ومنذئذ وأنا معجب بالشعب الصيني و نضاله المديد و حضارته وبالأفكار الثورية الصينية

 

وتعلمت الكثير من التجربة والمؤلفات الصينية عن حرب الأنصار و أساليبها للاستفادة منها خلال السنوات الطوال من كفاحنا المسلح في جبال كردستان العراق. 

وفي العودة بقيت في موسكو لمدة أسبوعين و حاولت خلالها الاتصال برئيس حزبنا الجنرال بارزاني و رفاقه ولكنني لم أتوفق و إن حصلت على عنوان للاتصال معهم و المكاتبة اليهم. 

وفي موسكو ألقيت كلمة في راديو موسكو هاجمت فيها المشاريع الاستعمارية من أحلاف ومؤتمرات كانت الحكومة الملكية تنفذها. 

وعندما عدت سراً الى الوطن ألقي القبض علي بتهمة السفر الى موسكو و إلقاء كلمة في الراديو فأنكرت ذلك ولم تثبت التهمة علي ولكن إبقائي في السجن مدة طويلة حرمني من إكمال الجامعة إذ كنت في الصف الرابع من الكلية إذ فصلت لمدة سنة.

وخلال فترة الحرمان من الدراسة واصلت جهودي بين الطلبة فعقدنا المؤتمر الثاني لاتحاد طلبة كردستان ومارست نشاطي الحزبي في القيادة و التنظيمات الحزبية في عدة مدن. 

وفي عام 1956 عدت للدراسة ولكن سرعان ما اندلعت المظاهرات من الكليات التي اشتركت فيها بفعالية ونشاط و ذلك ضد العدوان الثلاثي البريطاني و الفرنسي و الإسرائيلي على مصر فصدر أمر إلقاء القبض علي و قررت إدارة الكلية فصلي مؤبداً لإسهامي في المظاهرات وفي حركة أنصار السلام العراقية التي كانت جزءاً من حركة أنصار السلام العالمية. 

فلم أسلم نفسي للشرطة بل انتقلت الى العمل في السراديب إذ كلفت بإدارة جهاز الطبع والإشراف على إصدار النشرة الحزبية السرية. فظللت مختفياً في مدن كركوك و السليمانية حتى عام 1957 إذ سافرت مرة أخرى الى سورية ومنها الى الاتحاد السوفياتي لحضور مهرجان الشباب والطلبة فيها وذلك ضمن الوفد العراقي. 

لقد اشتركنا كفريق كردي ضمن الوفد العراقي في فعاليات عديدة وقدمنا هدايانا باسم شبيبة كردستان ومنها هدية نسائية لام البطلة السوفياتية زويا. واشتركنا مجدداً في المؤتمر العالمي لاتحاد الشباب العالمي كوفد مراقب. 

والتقينا بالقائد الثوري الكردي د. عزيز شمديني ومن ثم دعينا لزيارة المرحوم الجنرال مصطفى بارزاني حيث تباحثنا معاً لعدة أيام حول الحزب و دوره وعلاقاته.

ونظمنا اتصالاً منظماً معه. ورجعت حاملاً صوره الجديدة الى الرفاق الى سورية أولا ثم الوطن ثانياً وفي سورية ساهمت في تشجيع المناضلين الكرد على تأسيس حزبهم الديمقراطي. 

والتقيت بالأساتذة كمال فؤاد، عبدالرحمن الزبيحي، هزار، وشكلنا وفداً زرنا مقرات حزب البعث العربي الاشتراكي و رئيس المجلس النيابي و رئيس الشعبة الثانية الضابط المتنفذ في الجيش و اتفقنا معه على تنظيم لقاء بين الرئيس جمال عبدالناصر و الجنرال بارزاني لدى زيارة الأول للاتحاد السوفياتي كما اتفقنا على تزويدنا بالأسلحة عندما نعلن الثورة على الحكومة العراقية. ثم رجعت سراً الى بغداد.

ذهبت بعدها الى السليمانية التي اتخذتها مقر اختفائي حيث توليت مسؤولية جهاز الطبع و إصدار النشرة الحزبية. 

وخرجت من الاختفاء الى العلن صبيحة 14- تموز 1958 التي أذيع فيها البيان الأول لثورة الجيش على الحكومة فتوجهت الى الرفاق الحزبيين ودبرنا اجتماعاً جماهيرياً لتأييد الثورة ثم ذهبت الى كركوك لحضور اجتماع اللجنة المركزية للحزب التي أعلنت التأييد للثورة وتمنت عليها الديمقراطية للشعب العراقي و الحقوق القومية للشعب الكردي ضمن العراق الجديد. 

بعد فترة و جيزة حصلنا على امتياز مجلة أسبوعية سياسية بدأت العمل فيها كمحرر ومنذئذ بدأت العمل في الصحافة العلنية و في جريدة الحزب اليومية. 

بدأت نشاطاً صحفياً فعالاً. ثم اشتركت في انتخابات نقابة الصحفيين العراقيين حيث انتخبت عضواً في اللجنة الإدارية القيادية. 

ورجعت الى الكلية لإكمال الدراسة رافضاً ممارسة حق الزحف الذي أعطته الثورة للطلبة و أكملت الدراسة في عام 1959 وكنت ضمن وجبة خريجي أول دورة لجامعة بغداد التي كانت قد تأسست حديثاً من تجميع الكليات المختلفة ضمنها. 

وبعد التخرج استدعينا الى كلية الضباط الاحتياط التي كملنا الدراسة فيها

ثم رغبت في الدخول بمدرسة الدروع لأنني فضلت الخدمة العسكرية كضابط في صنف الدروع حيث عملت على الوجبة الأولى للدبابات السوفياتية (T-54) و كوني ضابطاً من الجيش حرمني من الاشتراك في المؤتمر العلني للحزب ولكنهم انتخبوني مجدداً عضواً في اللجنة المركزية. 

بعد تسريحي من الجيش عدت للعمل في جريدة الحزب اليومية كمحرر رئيس ولم اشترك لممارسة المحاماة إلا في الدعوى المقامة على رئيس تحرير الجريدة و سكرتير الحزب الأستاذ إبراهيم احمد. 

وبدأت أنشر ذكريات عن مهرجان الشباب و الطلبة وزيارة الصين و الاتحاد السوفياتي وبولونيا وعن حركات التحرر الإفريقية.

ودخلت في مناظرة فكرية مع قائد شيوعي حول ضرورة وجود حزب طليعي كردستاني وضرورة وجود منظمات الشبيبة و الطلبة والنساء الكردستانية. 

وعندما ظهر الخلاف بين الأحزاب الشيوعية كنت أميل الى الأطروحات الصينية ولم أستسغ أسلوب قيادة خروشوف و تصرفاته الطائشة. 

وزرت كصحفي على رأس وفد جمهورية بلغاريا الشعبية راجعاً بانطباع حسن وجيد عموماً عدا الموقف من الأقلية التركمانية. 

وعندما انحرف قائد ثورة 14\ تموز المرحوم عبدالكريم قاسم عن النهج الديمقراطي و شرع في ملاحقة الشيوعيين والمنظمات العمالية و الفلاحية الديمقراطية وفي التودد لرؤساء العشائر الكردية المعروفين بعدائهم القديم للحركة التحررية الكردية و البارزانيين، اتخذ حزبنا قراراً بممارسة نقد هذه التصرفات و الدفاع عن الديمقراطية و المطالبة بإجراء الانتخابات. 

كانت علاقة المرحوم الجنرال بارزاني رئيس حزبنا جيدة جداً مع المرحوم قاسم ولكنها تدهورت بعد مرور سنتين حيث مال الجنرال قاسم الى العشائر الكردية المعادية لشعبها مما أدى الى القطيعة بينهما ثم اندلاع القتال. 

منذ بداية 1961 شرعت الحكومة باضطهاد حزبنا و ملاحقة قادتنا و جريدتنا المركزية فتوتر الجو بين الحزب و الجنرال قاسم مما أدى الى اعتقال بعض قادة الحزب واختفاء بعض القادة وانتقالهم الى النضال السري بمن فيهم الأمين العام للحزب وكذلك أنا أيضاً. 

فذهبت الى الجبال للاتصال بالناس الساخطين و الغاضبين والمسلحين المجتمعين في مناطق معينة. 

حاولنا خلالها تنظيم هذه التجمعات وتوجيهها نحو عدم الاصطدام الى اليوم المناسب. 

ولكن الحكومة شرعت في 11 – أيلول – 1961 بشن حملات جوية على مناطق التجمعات أعقبتها بالهجوم الجوي يوم 16 – أيلول على منطقة بارزان مما أدى الى اشتعال القتال بيننا و الحكومة.

وفي بداية العمل المسلح و أواخر عام 1961 توليت مسؤولية العمل المسلح في محافظتي كركوك والسليمانية وشرعنا بوحدات صغيرة لا تتجاوز العشرات ثم توسعت هذه الوحدات الى المئات ثم الى الآلاف. 

فقد توليت مسؤولية قيادة قوات الانصار (البيشمركة) في مناطق كركوك والسليمانية حيث حررنا مناطق واسعة منهما. 

حتى سقوط النظام القاسمي حيث أوكلت الى القيادة الكردية مهمة التفاوض مع الحكم البعثي – القومي الجديد فذهبت الى بغداد ومنها الى القاهرة و الجزائر ولبنان حيث كونت علاقات جيدة مع الرئيس جمال عبدالناصر والرئيس أحمد بن بله ونلنا عطفهما على القضية الكردية وموقفهما المعارض للحل العسكري للقضية الكردية. 

وبعد فشل المفاوضات مع الحكومة المركزية جراء تراجعها عن تعهداتها و وعودها السابقة وجنوح الجناح العسكري وإشعال حرب جديدة ضد الشعب الكردي ذهبت الى أوروبا لشرح حقيقة المطالب الكردية والوضع القائم من العراق بما فيه كردستان فزرت فرنسا و النمسا وألمانيا والاتحاد السوفياتي. 

واشتركت لأول مرة في المؤتمر العام لجمعية الطلبة الكرد في أوروبا حيث سعيت بنجاح حل مسألة قبولها في الاتحاد الدولي للطلبة (IVS). 

وعدت الى الوطن سراً لممارسة دوري القيادي في الجبهة الجنوبية لكردستان حيث صمدنا أمام الهجوم العسكري الكبير واحتفظنا بقوانا و مناطقنا الأساسية ما أجبر الحكم الذي جاء على اعقاب إخراج البعث منه الى التفاوض مجدداً مع القيادة الكردية. 

 

 

وأود أن أشير الى بعض النقاط الهامة بجانب نضالنا المسلح : 

 

1- لم نستعمل أي أسلوب إرهابي بل عاملنا الإخوة العراقيين الأسرى لدينا معاملة إنسانية كريمة و نادينا دوماً بحقيقة ان حربنا الدفاعية ليست ضد الشعب العربي بل هي ضد الدكتاتورية المتسلطة على رقاب الشعب. 

2- نادينا دوماً بالديمقراطية للعراق و الحكم الذاتي لكردستان ضمنه. 

3- حافظنا على علاقتنا النضالية إيمانا منا بالاخوة العربية الكردية و ضرورات التحالف الكردي العربي مع القوى الديمقراطية و الناصرية في العراق ومع الرئيسين عبدالناصر و أحمد بن بله. 

4- بنينا علاقة جيدة مع الاتحاد السوفياتي ومعسكره الاشتراكي. 

5- حاولنا إقامة اتصالات وعلاقات جيدة مع فرنسا و أمريكا وبريطانيا دون توفيق ملحوظ.

 

 

العلاقة مع القوى الثورية الإيرانية

 

في أواخر الستينيات أقمنا علاقات ودية مع القوى الديمقراطية و الثورية الإيرانية.

فقد استضفنا ممثلين للمنظمة الثورية لحزب توده و أقمنا علاقات جيدة مع اتحاد العام للطلبة الإيرانية خارج الوطن ومع ممثلي الجبهة الوطنية الإيرانية ومنظمة فدائيي الشعب ومجاهدي الشعب.

فضلاً عن علاقات نضالية مع الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني. 

 

العلاقة مع قوى الثورة الفلسطينية

 

منذ بداية انطلاقه المنظمات الفدائية الفلسطينية أقمت علاقات نضالية معها أولاً مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي انقسمت الى ثلاث جبهات ظلت علاقاتنا طيبة مع الجميع.

ثم أقمنا العلاقة مع فتح، والصاعقة أيضاً. 

وفي بداية السبعينيات عملت مع المقاومة الفلسطينية في مجالات النشر و الكتابة و التثقيف والتدريب.

وكدت أقتل في مناسبتين ولكن الصدفة قد ادخرتني لمهماتي النضالية. 

وكنت دائماً أناقش معهم مخطئاً خطف الطائرات والأعمال الموسومة بالإرهابية باعتبار ذلك ضاراً بالسمعة الثورية. 

 

 

تأسيس الاتحاد الوطني الكردستاني

 

بعد انهيار الثورة الكردية جراء الاتفاقية الخيانية بين الشاه الإيراني وصدام وعندما أعلنت قيادة الثورة إنهاءها وحل مؤسساتها العسكرية والإدارية وحل الحزب الديمقراطي الكردستاني، 

 

شرعنا نحن بتأسيس الهيئة المؤسسة للاتحاد الوطني الكردستاني و الإعلان عنها والاتصال بالداخل لتأسيسه في الوطن.

 

فكانت استجابة العصبة الماركسية اللينينية التي تحولت فيما بعد عصبة كادحي كردستان، والتيار الاشتراكي الديمقراطي الذي تحول فيما بعد الى الحزب الاشتراكي الكردستاني، استجابة فورية مما خلق لنا قاعدة تنظيمية جماهيرية ومكننا من إعلان الثورة مجدداً بعد مضي سنة فقط على إعلان تأسيس الاتحاد الوطني الكردستاني. 

 

لقد كان تأليف الاتحاد الوطني الكردستاني حدثاً تأريخياً فريداً في تأريخ الحركة التحررية الكردية : 

 

أولا :-

لأول مرة ينبثق حزب من جو الهزيمة و جو اليأس الخانق الذي عم كردستان بعد انهيار الثورة الكردية. 

 

ثانياً:-

لأول مرة يظهر تنظيم شبه جبهوي مؤلف من ثلاثة تيارات رئيسية تستطيع التعايش والتضامن معاً والنضال المشترك بقيادة واحدة مشتركة. 

 

ثالثاً :-

لأول مرة يظهر تنظيم ينكر فكرة الحزب القائد الواحد بل يدعو الى التعددية و الجبهة الوطنية بديلاً عنها. 

 

رابعاً :-

لأول مرة يظهر تنظيم يستهل عمله بالانضمام الى جبهة عراقية ديمقراطية.

 

خامساً :-

لأول مرة يشعل هذا التنظيم كفاحاً مسلحة سماه ثورة ديمقراطية عراقية مندلعة في جبال كردستان وذلك بالتعاون والتنسيق مع الحركة الاشتراكية العربية وحزب البعث اليساري و قوى ديمقراطية مستقلة. 

 

سادساً :-

دعا الاتحاد الوطني منذ البداية الى النضال الجماهيري الثوري المعتمد على جماهير الشعب والتحالف مع القوى الديمقراطية العراقية والتضامن مع القوى الثورية الكردستانية باعتبار ذلك شعاره الأساسي. 

 

سابعاً :-

ظهر الاتحاد الوطني كتنظيم منبثق من العناصر اليسارية و الماركسية وأعلن عداءها المكشوف للاستعمار والغاضبين ورفض المساومات مع الدول الغاضبة لأرض كردستان على أساس حركاتها التحررية بل سلك أسلوب التعاون مع القوى الثورية ضد حكومات هذه الدول. 

 

النضال المشترك مع المعارضة العراقية

 

منذ تأسيسه لعب الاتحاد الوطني دوراً هاماً في توحيد المعارضة العراقية وفي توفير أجواء الوئام والتعاون بين مختلف الفصائل المعارضة. 

وعدا القوى القومية و الديمقراطية المؤتلفة في دمشق منذ السبعينيات كون الاتحاد الوطني علاقة متينة مع المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق مع حزب الدعوة الإسلامية. 

وفي جميع المؤتمرات والاجتماعات كان الاتحاد الوطني لولب النشاط فيها. 

وكان صديقاً و حليفاً للجميع لذلك كان يناط به دور رئاسة هذه المؤتمرات وخاصة في مؤتمرات لندن وصلاح الدين و دوكان. 

وجعل الاتحاد الوطني المنطقة الكردية المحررة منذ 1991 و الواقعة تحت سيطرته مرتعاً وساحة لقوى المعارضة العراقية مما عرضها لضغط ومؤامرات بل و هجوم الدكتاتورية عليه. 

وبذلك عزز الكفاح المشترك بين الكرد والعرب والتركمان، بين العلمانيين و الإسلاميين. 

وغداة الانتصار على الدكتاتورية في بغداد كانت كردستان المحررة المأوى و الملجأ لأحرار العراق من جميع القوميات والمذاهب والأديان. 

لذلك لم يكن غريباً ان يتم الإجماع عن انتخاب طالباني رئيساً لجمهورية العراق.

 

 

 

البيت الابيض استقبل الرئيس مام جلال كأول رئيس منتخب للعراق

 

استقبل الرئيس الامريكي جورج دبليو بوش يوم الثلاثاء (13/9/2005) في البيت الابيض الرئيس العراقي السيد جلال طالباني.

وخلال اللقاء تناول الرئيسان العراقي والامريكي عددا من المسائل المشتركة بين البلدين، وكانت خطوات استتباب الامن والاستقرار في العراق وتقدم العملية السياسية والدستورية والانتخابات القادمة في العراق اهم المحاور الرئيسية التي تم بحثها ومناقشتها، مع عدد من المسائل الاخرى المتعلقة بالتاريخ القديم والحديث للعراق.

هذا وحضر اللقاء كل من: ديك تشيني نائب الرئيس الامريكي وكوندوليزا رايس وزير الخارجية الامريكي وزالماي خليل زاد سفير الولايات المتحدة لدى العراق ونيجيرفان بارزاني رئيس ادارة هولير لحكومة اقليم كردستان وهوشيار زيباري وزير الخارجية العراقي ووزير العلوم والتكنولوجيا ووزير الدولة لشؤون المرأة الامريكيان ومستشار الامن القومي وكامران قرداغي المتحدث الرسمي باسم رئيس جمهورية العراق.

يذكر ان الرئيس طالباني هو اول رئيس منتخب يستقبله رئيس امريكي ويجتمع معه.

تجدر الاشارة الى ان زيارة الرئيس طالباني الى واشنطن واجتماعه مع كبار المسؤولين الامريكيين جاء بدعوة من رئيس الولايات المتحدة الامريكية.

هذا وبعد انتهاء اللقاء، عقد الرئيسان طالباني وبوش مؤتمرا صحفيا مشتركا تطرقا فيه الى الوضع في العراق والمنطقة.

 

 

نص كلمة الرئيس الامريكي جورج بوش في المؤتمر الصحفي مع الرئيس العراقي

 

يشرفني ان ارحب بأول رئيس عراقي منتخب بشكل ديمقراطي، وانا فخور ان اقف الى جانب قائد شجاع للشعب العراقي وصديق للولايات المتحدة وشهادة على قوة الحرية الانسانية.

 

سيدي الرئيس..

شكرا لقيادتك وشكرا لشجاعتك.

الرئيس طالباني كرس حياته لقضية الحرية في العراق وكمحام وصحافي وقائد سياسي في شمال العراق قام بمواجهة دكتاتور وحشي لانه يؤمن بان من حق كل عراقي ان يكون حرا.

الدكتاتور العراقي دمر قرى كردية وامر بهجمات بالغاز السام على مدن كردية واضطهد المجموعات الدينية والاثنيات العرقية الاخرى.

 

الرئيس طالباني..

 

في اليوم الذي سقط فيه صدام من السلطة كان يوم التخلص، وامريكا ستكون دائما فخورة باننا قدنا جيوش التحرير.

في السنتين الماضيتين، الشعب العراقي وضح رؤيته بالنسبة للمستقبل وفي يناير الماضي اكثر من (8) ملايين عراقي تحدوا السيارات المفخخة والقتلة للتصويت في انتخابات حرة، و(80%) من اعضاء الجمعية الوطنية المنتخبة اختاروا الرئيس طالباني وهو عضو من الاقلية الكردية لقيادة الامة العراقية الحرة، وقد هنأت الرئيس طالباني على انتخابه واثنيت على قيادته اثناء صياغة الدستور، ومسودة الدستور هي علامة تاريخية، فهو يحمي الحريات الاساسية والدين والتجمع وحرية التعبير والضمير وهو يدعو ايضا الى نظام حكم فيدرالي وهذا رئيسي للحفاظ على تنوع دولة مثل العراق ويعلن الدستور ان جميع العراقيين احرار امام القانون بغض النظر عن جنسهم او دينهم او عرقهم والشعب العراقي يمكن له ان يفخر من مسودة الدستور وفي الانتخابات التي ستجرى في الشهر القادم لدى الشعب العراقي الفرصة للتعبير عن ارادته.

الشعب العراقي مستمر في طريق الحرية ولكن العدو لا يزال وحشيا ومصرا، قتلة العراق هم اتباع نفس الآيدولوجية التي انتمى اليها اولئك الذين هاجموا امريكا قبل (4) سنوات ورؤيتهم بالنسبة للعراق مثل رؤية افغانستان في ظل طالبان، فهم حرموا الفتيات من الذهاب الى المدارس واستخدموا افغانستان للتخطيط لهجمات على الابرياء وخططهم هي طرد امريكا من العراق قبل ان يؤمن الشعب العراقي حريته وهم يعتقدون باننا سنتراجع في ظل العنف ويقومون بارتكاب اعمال وحشية ويقتلون الاطفال العراقيين الذين يحصلون على الحلوى وايضا يقتلون الجرحى. ولاشك لدينا ان العدو سيستمر في القتل ونحن نعرف انهم لن يتمكنوا من تحقيق اهدافهم الا اذا فقدنا عزمنا واصرارنا.

 

 سيدي الرئيس..

اليوم انا اتعهد باننا لن نتخاذل وانا اقدر نفس تعهدك بان العراق سوف يحتل مكانه وسط ديمقراطيات العالم واعداء الحرية سيهزمون.

الرئيس طالباني وانا ناقشنا ستراتيجية مشتركة للاشهر القادمة، امريكا ستقف الى جانب الشعب العراقي وهو يتحرك الى الامام في العملية الديمقراطية ونحن نرى تطورات واعدة في الفلوجة والرمادي والموصل حيث يقوم العراقيون بالتسجيل للتصويت.

من الواضح انها لأول مرة وفي نفس الوقت القوات الامريكية ستكون في حالة هجوم عدونا المشترك، وفي هذه الساعة القوات العراقية والامريكية تقوم بعمليات مشتركة في تلعفر واماكن اخرى وهدفنا هو هزيمة العدو وتحرير العراق وايضا اعداد المزيد من القوات العراقية للانضمام الى القتال وفي الوقت الذي يتمكن فيه العراقيون اكثر واكثر من تأمين انفسهم سنقوم نحن بانهاء مهمتنا وبالعودة الى بلادنا بكل الشرف والتكريم.

الرئيس طالباني سيذهب الى نيويورك غدا (الاربعاء) وهذه الجلسة في الامم المتحدة ستكون المرة الاولى التي تمثل فيها العراق بحكومة حرة وتأمين الحرية في العراق يتطلب سيدي الرئيس تضحيات كثيرة وانت تعرف هذا اكثر من اي واحد آخر وستكون هناك ايام صعبة ولكن ليس لدينا ادنى شك في شأن تأثير العراق الديمقراطي على باقي العالم وعندما يصبح العراق ديمقراطيا فيدراليا موحدا فان الشعوب في الشرق الاوسط ستطالب بحرياتها وسيكون الشرق الاوسط اكثر سلاما وامريكا والعالم ستكون اكثر امنا.

انا فخور بان ادعوك صديقا لي سيدي الرئيس.

وفخور بانك حليف لنا في الحرب على الارهاب.

وبالاصالة عن الشعب الامريكي، اود ان اتوجه بالشكر اليك والى الشعب العراقي لوقوفكم الى جانب ضحايا كاترينا.

اهلا بك في الولايات المتحدة.

 

نص كلمة الرئيس طالباني في المؤتمر الصحفي مع الرئيس بوش

 

شكرا سيدي الرئيس لكلماتك، ويشرفني ان اقف اليوم الى جانب الرئيس الذي حرر العراق، وانا يشرفني ان امثل احدث ديمقراطية، وباسم الشعب العراقي اقول لك سيدي الرئيس وللشعب الامريكي المجيد شكرا لك، شكرا لك، شكرا لانك حررتنا من أسوأ نوع من الدكتاتوريات، لقد عانى شعبنا العراقي كثيرا في ظل هذه الدكتاتورية، وكانت هناك مئات الآلاف من العراقيين الابرياء والاطفال والنساء الذين دفنوا في مقابر جماعية، شكرا لك وشكرا للولايات المتحدة.

هناك الآن (50) مليون مسلم في افغانستان والعراق الذين تحرروا نتيجة لقيادتك الشجاعة وقرارك بتحريرنا سيدي الرئيس، ونحن نتفق مع الرئيس بوش بان الديمقراطية هي الحل لمشاكل الشرق الاوسط.

 

سيدي الرئيس...

انت رجل دولة ذو رؤية ونحن نحييك ونحن ممتنون لك ولن ننسى ابدا ما فعلته لشعبنا.

لقد قمنا بنقاشات جيدة ونحن شركاء وانا فخور ان اقول علانية وان اكرر باننا شركاء للولايات المتحدة الامريكية في القتال ضد الطغيان وضد الارهاب ومن اجل الديمقراطية، هذا شيء لا نخجل منه ومن قوله ومن تكراره، نكرره هنا وفي العراق وفي الامم المتحدة وفي كل مكان، العراقيون هم حلفاء امريكا في الحرب على الارهاب وجنودنا يقاتلون الآن جنبا الى جنب مع جنودكم الجشعان الآن وفي كل يوم.

لقد قمنا بأسر كثير من عناصر القاعدة وقتلنا الكثير منهم وايضا كثير منهم يقبعون في سجوننا، وبدعمكم سيدي الرئيس نستطيع ان نتخلص من هذه العناصر وان ننضم كدولة ديمقراطية الى المجتمع الدولي، لدينا جميع انواع الحريات، حريات التعبير والتجمع ومنظمات المجتمع المدني ونستطيع ان نقول ان ديمقراطيتنا فريدة في الشرق الاوسط.

ستراتيجيتنا هي بناء الديمقراطية والدفاع عنها وتحدثنا عن كيفية تحسين تكتيكاتنا، هناك تقدم في المجال الامني في بلادنا وعدد الاماكن التي تخضع لسيطرة الارهابيين تحررت والآن نتوجه الى الانتخابات الجديدة، وفي المناطق التي كانت تعرف بانها مناطق القاعدة، هذه المناطق اصبحت مناطق عراقية، وهناك اشارت هناك بان الناس بدأوا يقفون في وجه الارهاب ويقاتلونه، الآن هناك قبائل عربية سنية تقاتل الارهاب وهناك ايضا اناس في تلعفر تعاونوا مع القوات العراقية ضد الارهاب وهذه اشارة جيدة بان شعبنا بدأ يعي ان الارهاب هو عدو الشعب العراقي قبل ان يكون عدوا للشعب الامريكي.

الارهاب يقتل الابرياء والاطفال والطلاب وهم يدمرون مساجدنا وحسينياتنا وكل مكان، ونحن الآن نتقدم بشكل تدريجي، في العام الماضي على سبيل المثال في الفلوجة كأنها كانت ساحة حرب وليست مدينة عراقية، والآن النجف يعاد بناؤها وهي تحكم من قبل لجنة منتخبة وحاكم منتخب، وهناك لا تزال تحديات امنية هامة ونحن لا نتجاهلها ولكننا نقاتل القاعدة والقتال في تلعفر الآن يثبت ان العدو سيصبح ضعيفا وسيفقد معنوياته، القتال في تلعفر كان سهلا لهزيمة الارهابيين وتحرير البلدة.

ما يسمون بالجهاديين يريدون ان يفرضوا القمع والدكتاتورية بأسوأ انواعها على مجتمعنا وعلى شعبنا، ولهذا السبب هم ليسوا فقط اعداء العراق ولكنهم اعداء الانسانية، العدو الحقيقي للاسلام وعدو جميع شعوب الشرق الاوسط، ومع اصدقائنا وشركائنا الامريكيين سنهزمهم اليوم امريكا والتواجد الدولي في العراق حيوي جدا.

الوجود الامريكي والدولي في العراق مهم جدا للديمقراطية في العراق وفي الشرق الاوسط وايضا لمنع التدخل الاجنبي في الشؤون الداخلية العراقية ولن نحدد جدولا زمنيا للانسحاب يا سيدي الرئيس.

الجدول الزمني سيساعد الارهابيين وسيشجعهم ويوحي لهم بان بامكانهم هزيمة القوة العظمى في العالم، ونحن نأمل انه بحلول نهاية عام 2006 قواتنا الامنية تكون قادرة على الاضطلاع بمسؤولياتها من القوات الامريكية وباتفاق كامل مع الامريكيين، لا نريد ان نعمل شيئا بدون ان يكون هناك اتفاق مع الامريكيين لاننا لا نريد ان نعطي اي اشارة للارهابيين بان ارادتنا للدفاع عن انفسنا قد ضعفت.

نحن فخورون بانه سيكون هناك يوم بأسرع وقت ممكن، نحن نأمل بان القوات الامريكية وبفخر تعود الى بلادها، سنقول لهم شكرا يا اصدقاءنا ونحن ممتنون لصداقتكم وبالطبع نحن آسفون للتضحيات التي قدمها الشعب الامريكي في العراق، ولكنني اعتقد ان شعبا عظيما مثل الشعب الامريكي له مهمة في التاريخ، لقد فقد الشعب الامريكي الآلاف من ابنائه في الحرب العالمية الاولى والثانية وايضا من اجل تحرير شعوب البلقان وافغانستان وكردستان، وقائد عظيم – السيد جورج دبليو بوش – مستمر في هذه المهمة، مهمة الشعب الامريكي، ونحن ممتنون للامريكيين، ممتنون للسخاء الامريكي وايضا لتضحيات امريكا في العراق وفي كل مكان ليس فقط في العراق.

نحن ايضا نحتاج الى جيراننا، على الاقل من بعض منهم ان يتوقفوا عن مهاجمة الديمقراطية العراقية، نريد منهم ان ينضموا الينا في الحرب ضد الارهاب، انهم اخوة لنا، اوقفوا الاعلام على الاقل، الاعلام الرسمي الذي يدعم الارهاب، نحن نريد منهم ان يقفوا الى جانبنا ضد الارهاب لان الارهاب هو عدو جميع الدول العربية والاسلامية في العالم ولكننا سنستمر وسنذكر اولئك الذين ساعدونا في نضالنا من اجل اقامة عراق ديمقراطي وانت اول هؤلاء الناس سيدي الرئيس ونشكرك لهذه المهمة النبيلة.

وهناك في العراق تقدم سياسي، نحن نبعد السلاح عن السياسة العراقية ولأول مرة هناك حوار سلمي يجري في العراق الآن وبدون اللجوء الى السلاح، اغلبية العراقيين ملتزمون بالعملية السياسية والعراق دولة بها تنوع ونحن نسوي خلافاتنا بشكل سلمي، لقد وافقنا على مسودة الدستور، بالطبع هذه الوثيقة ليست كاملة ومثالية ولكنني اعتقد انها واحدة من افضل الدساتير في الشرق الاوسط، بالطبع لدينا بعض المشاكل فيها ولا نزال نعاني من بعض المشاكل ولكننا نحقق تقدما على جميع الصعد الاقتصادية والتجارية والتعليمية والحياة السياسية ونأمل ان نستمر في الحصول على دعم الولايات المتحدة والاصدقاء الآخرين في العالم العربي واوروبا.

من الواضح اننا ديمقراطية فتية ولكن مسودة الدستور تضمن الحقوق والمساواة لكل العراقيين امام القانون بغض النظر عن الجنس او الدين او العرق وايضا الدستور يجسد الكثير من الضوابط والتوازنات وهو افضل دستور في المنطقة كما ندعي نحن ونأمل ان نكون على حق.

نحن نحاول ان نمد ايادينا الى بعض المواطنين العراقيين الذين لم يتمكنوا من المشاركة في الانتخابات الماضية، انا اعني اخواننا السنة العرب، لقد حاولنا ونحن نتحاور معهم، التحالف الكردستاني والائتلاف العراقي الموحد حصلا على (228) صوتا ولكننا نحن نحاول ان نجلب الاخوة السنة الى الحكومة وقمنا بانتخاب نائب رئيس وهو عربي سني واثنان من نواب رئيس الوزراء من السنة ورئيس الجمعية الوطنية سني ووزير الدفاع ووزير الصناعة من السنة، هذا يجعلنا نريد من جميع العراقيين ان يكونوا متحدين ونحن نطالب من كل العراقيين ان يأتوا ويشاركوا في العملية السلمية ويعبروا عن آرائهم وهم احرار في انتقاد الحكومة، انتقاد الرئيس، رئيس الوزراء والوزراء، وان يستطيعوا التعبير عن افكارهم من خلال العملية الديمقراطية ويستطيعوا التعبير عن شعاراتهم ومطالبهم، وبالطبع هذا الدستور غير كامل او مثالي ولكنه يمكن تعديله في المستقبل اذا اراد الشعب العراقي ذلك ولكن حاليا بالمقارنة مع الدساتير الاخرى، نحن فخورون بان يكون لنا مثل هذه الوثيقة وهذا الدستور.

بعض اخواننا من العرب السنة يتعرضون للتهديد الارهابي ونحن نبذل قصارى ما في وسعنا لتحريرهم من الارهاب ومن العنف.

لأولئك الموجودين في امريكا وفي بلدان اخرى هناك تساؤلات كثيرة، هل الحرب في العراق كانت حقا ام لا ؟ انا اقول لهم تفضلوا لزيارة القبور الجماعية وشاهدوا ما حدث للشعب العراقي وشاهدوا ما يجري في العراق حاليا، لاولئك الذين يتحدثون عن الاستقرار، صدام فرض علينا استقرار القبور الجماعية وللارهابيين اقول لهم لن نحصل على حرياتنا وانتم في العراق.

 

 

نص خطاب الرئيس مام جلال الى العراقيين للمشاركة في الاستفتاء على الدستور

 

وجه رئيس الجمهورية السيد جلال طالباني يوم الجمعة 14/10/2005، نداء الى العراقيين اعرب خلاله عن ثقته بان يعزز العراقيون مسيرتهم السياسية الجديدة بالتصويت لصالح الدستور العراقي الدائم فيما يأتي نصه:

 

بسم الله الرحمن الرحيم

أيها الشعب العراقي العظيم 

أبارك لكم حلول شهر رمضان المبارك الذي انزل فيه القرآن الكريم, متمنيا لكم رمضان كريم وعيدا سعيدا ونبارك لكم في هذا الشهر المبارك تقديم مسودة الدستور العراقي للاستفتاء كي يقرر الشعب العراقي الأبي ولأول مرة في تاريخه وبحرية تامة مصير هذا الدستور رفضا أو قبولا وطبيعي أتمنى عليكم قبول هذا الدستور بأكثرية كبيرة لتعبر عن وحدة العراقيين ووحدة الموقف العراقي حول الدستور الذي يرسم معالم الدولة العراقية الجديدة... لقد تم التصديق على هذه المسودة من قبل القوى الأساسية الفاعلة في المجتمع العراقي وبالتعاون مع قسم هام من أخوتنا العرب السنة أيضا الذين لم يشاركوا في الحكومة وذلك بعد إن تم تحقيق العديد من مطالبهم و أجراء تغييرات هامة وفق رغبتهم وأنني لأعبر عن الثقة بان الغالبية العظمى من الشعب العراقي وخصوصا العرب الشيعة والكرد والتركمان الشيعة والأخوة المسيحيين عموما على اختلاف قوميتهم وقسم كبير من العرب السنة الذين سيشاركون في الاستفتاء ويصوتون بنعم للدستور...أرى من الواجب إن أخاطب أخوتنا الأعزاء من العرب السنة المعارضين لأقول لهم:

 

أيها الإخوة الأكارم

أولا- إن طريق تحقيق مطالبكم المشروعة وحقوقكم ضمن العراق هو طريق النضال السياسي والجماهيري في سبيل الاشتراك في البرلمان وليس الإرهاب والعنف أو المقاطعة إن الإرهاب آفة عالمية تتصدى له البشرية بكل حكوماتها وطاقاتها ومصيرها جهنم وبئس المصير في الآخرة والفشل والهزيمة النكراء في الدنيا لن يجبر الإرهاب أو العنف الحلفاء ولا الحكومة العراقية على الاستسلام الهزيمة فالحكومة العراقية ومعها الغالبية العظمى من الشعب العراقي من أعالي جبال كردستان الشماء إلى اهوار الجنوب مصممة وقادرة على محاربة الإرهاب وإلحاق الهزيمة بالإرهابيين بمساعدة الحلفاء أو دونها والحلفاء لن ينهزموا أو يهربوا إمام الإرهاب الذين أعلنوا حرب عالمية علية و لذلك أرجو إن لا يخدعكم احد من المفتنين والمتعصــبين لا تعيدوا غلطة مقاطعة الانتخابات البرلمانية السابقة بل هيئوا قواكم لخوض معركة الانتخابات بجد ونشاط وإسهام فعال في البرلمان والحكومة العراقية القادمة.

ثانيا- إن الوحدة العراقية التي تنادون بها لن تتعزز أو تتوطد وتصمد إلا إذا أقيمت على أساس الاتحاد الاختياري والرغبة المشتركة لجميع العراقيين بالديمقراطية فلا يمكن فرض وحدة قصرية بالقوة على العراقيين والأقلية لا تستطيع أبدا إن تفرض أرادتها على الشعب العراقي المتحرر والواعي لذلك فان الحرص على الوحدة العراقية يجب إن يدفعكم إلى التحالف والتالف مع إخوتكم العرب الشيعة و الكرد و التركمان والمسيحيين جميعا لقد ولى عهد الانفراد بالحكم والاستئثار بالسلطة والثروة والى الأبد ولن يعود مطلقا فالاتحاد الاختياري والديمقراطية هما الركيزتان الأساسيتان للوحدة العراقية الصادقة.

ثالثا – إن الاتحاد يعني الفيدرالية جاء تاريخيا لتحقيق الوحدة بين المقاطعات والأجزاء المختلفة في البلد الواحد والدولة الواحدة... الفيدرالية تعتبر نظاما إداريا متقدما في العالم تأخذ بها في الوقت الحاضر أكثر من سبعين دولة وحتى دولة متقدمة مثل ألمانيا التي يعيش فيها شعب واحد وثقافة واحدة ولغة واحدة فقد اختارت هذه الدولة الألمانية الفيدرالية كأحسن شكل لتشكيل مقاطعات ألمانيا المختلفة والفيدرالية موجودة في العديد من بلدان العالم الأمارات العربية المتحدة لها نوع من الفيدرالية وباكستان والهند وبلدان عديدة تمارس الفيدرالية باعتبارها أحسن شكل من إشكال الإدارة في هذا العصر لذلك فليس هناك مبرر للخوف من الفيدرالية ولا مبرر للحذر منها فالفيدرالية والديمقراطية هما شرطان أساسيان لبناء دولة متعددة الطوائف والقوميات على أسس راسخة تستطيع الصمود إمام الأعاصير والأهوال.

رابعا – لن يرجع العراق أبدا إلى عهد الدولة الديكتاتورية أو المركزية القوية ولن تعود الديكتاتورية للعراق أبدا فشعبنا العراقي مصمم على إقامة العراق الجديد على أسس من الديمقراطية والاتحادية وحق المواطنة المتساوية وبذلك نبني عراقا ديمقراطيا اتحاديا قويا متينا موحدا ومستقلا وضمن هذا العراق يمكن تحقيق مطالب وحقوق جميع العراقيين ومكوناتهم الأساسية لذلك فان الإخوة العرب السنة مدعون إلى العمل مع أخوتهم العرب الشيعة والكرد والتركمان والمسيحيين وغيرهم للعمل معا وفق أساليب العصرية البرلمانية والديمقراطية من اجل هذا العراق الذي سيكون عراق الجميع عراق العرب و الكرد و التركمان عراق الشيعة والسنة المسلمين والمسيحيين ولذلك يجب إن يدفع ذلك العرب السنة إلى الإسهام الفعال في تأييد الدستور وفي الانتخابات القادمة والحكومة القادمة التي ستكون حتما حكومة ائتلافية وحينئذ يكون العراق الموجود موحدا قويا مستقلا ومزدهرا ينعم في ظله جميع أبنائه بالحريات الديمقراطية والحقوق المتساوية سيكون العراق مثال لشعوب شرقنا إن شاء الله في القريب العاجل.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

الرئيس مام جلال و"الإسلام في العالم التعددي"

 

ألقى السيد جلال طالباني رئيس الجمهورية كلمة في مؤتمر الإسلام في العالم التعددي يوم 15/11/2005 في فيينا، هذا نصها:

 

بسم الله الرحمن الرحيم

سيدي الرئيس محمد خاتمي الموقر

سيدي الرئيس كارزاي الموقر

سيدي الرئيس هانز فيشر الموقر

 

سيداتي وسادتي

سأمر في كلمتي مرور الكرام كما يقول المثل العربي بعلاقة الاسلام بالارهاب والتعددية والحوار والديمقراطية لأصل الى الموضوع الذي أرغب التركيز عليه، و هو التطورات الديمقراطية و الارهاب والتعددية وعلاقتها بالدين الاسلامي كما ورد في الدستور الجديد للعراق.

 

 

الاسلام و الارهاب

 

يتعرض الدين الاسلامي الحنيف الى حملة تشويهية لحقيقته كدين محبة ومودة وسلام تقوم بها فئة ضالة من المتطرفين تمارس الإرهاب الأعمى ضد المسلمين والناس الآمنين.

فئة تقتل الناس الآمنين بالجملة وتكفر عشرات الملايين من المسلمين وتفتك بهم وتخرب دور العبادة من مساجد وحسينيات وكنائس وتقتل روادها.

كل ذلك خلافاً و خروجاً عن نصوص القرآن الكريم وبالضد من تعاليم الإسلام السمحة.

فبينما الدين الإسلامي يعتبر من قتل نفسا بغير حق كأنما قتل الناس جميعا، فإن هؤلاء الإرهابيين يفجرون السيارات المفخخة و يفجرون المخدوعين بين الجمع الغفير من المسلمين دون اعتبار لكونهم نساءً أو رجالاً أو شيوخاً أو أطفالاً.

وهم يخدعون ويضللون البسطاء من الشباب السُذج ويدفعونهم، بوعود كاذبة عن الجنة، الى عمليات انتحارية تقتل الناس الابرياء والمسالمين في مساجدهم بينما القرآن يورد إرادة رب العالمين الصريحة بأن : بسم الله الرحمن الرحيم "وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا".

وهنا يتحتم على العلماء المسلمين من جميع المذاهب الإسلامية أن يظهروا الحقائق للناس ويجاهروا بتكفير هؤلاء المجرمين الذين يحللون دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم وذلك دفاعاً عن الاسلام الحنيف أولا ثم دفاعا عن المسلمين وارواحهم واموالهم ثانيا وكذلك دفاعا عن أمن المجتمع الإسلامي وازدهاره ورقيه واستقراره ثالثاً.

 

الإسلام والتعددية والحوار 

 

ان الاسلام يدعو إلى التعددية و الحوار: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ"

و هو يأمر بقوله تعالى "لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ"، يدعو الى الحوار صراحة " قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ".

والاسلام يدعو الى حوار حول الحقيقة والهدى قائلا: "وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ".

وهنا لا يفرض الاسلام رأيه مسبقا بل يدعو الى حوار ليتوضح من هم على هدى او في ضلال مبين والاسلام يعترف بجميع الاديان السماوية وبأهل الكتاب وبأنبيائهم ويقدرهم اذ يقول : " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحًا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ".

هكذا نجد الاسلام لايلغي غيره بل يحترمهم خاصة المسيحين، اذا يقول القرآن الكريم " َلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ".

والقرآن الكريم يشيد بعمل الناس الصالحين ويذكرهم بخير حين يقول "وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا" وقال الله في كتابه المجيد:

" فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ".

وهناك العديد من الآيات القرآنية والاحاديث الشريفة التي تحتم التعددية والحوار وتقديم العمل الصالح.

 

 

الإسلام والديمقراطية

يقوم الحكم في الاسلام على الشورى. فالقرآن الكريم يأمر النبي ومحمد (ص): وشاورهم في الامر أي أن يبحث مع المسلمين أمورهم ويستفيد من آرائهم. و كان النبي (ص) مستعداً لتغيير تقديراته كما حدث في معركة الخندق حيث أمر بتنفيذ مقترح الصحابي سلمان الفارسي. والقرآن يؤكد ان أمر المسلمين شورى بينهم. فأمرهم شورى بينهم و الشورى هو نوع اسلامي للديموقراطية حيث يجب الاستئناس و الأخذ بآراء المسلمين.

والإسلام يبشر الذين يسمحون بطرح الآراء وسماعها إذ جاء في القرآن الكريم " فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه" أي أن الإنسان المسلم ملزم بالاستماع إلى جميع الاراء و هذا يعني توفير حرية إبداء الرأي حتى إذا لم يكن صائباً ولكن القرآن يأمر المسلمين بان يختاروا ويتبعوا أحسن الأقوال. 

والإسلام يقر الرأي الاخر حتى المخالف له ويأمر بالحوار و الجدال حياله حيث يقول القرآن الكريم:

"ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ". 

وهذا يعني بوضوح ان المؤمن مدعو إلى الدعوة الإسلامية بالحكمة و ليس بالقهر و بالموعظة الحسنة وليس بالإرهاب والإجبار و عليه مجادلة مقابله بالأدلة الأقوى و الأقوال الحسنة. 

و بإمكاننا أن نستند الى العديد من الآيات القرآنية و الأحاديث النبوية الشريفة لمساندة الرأي القائل بأن الإسلام دعا إلى الديموقراطية منذ البداية.

 

 

أيتها السيدات و السادة:

لقد تحرر العراق من أبشع دكتاتورية عرفها التأريخ. ديكتاتورية كانت قد حولت المجتمع العراقي الى معسكرات اعتقال على الارض العراقية و اوجدت المقابر الجماعية تحت الارض العراقية، هذه المقابر الجماعية التي ضمت مئات الالوف من المواطنين المسالمين من الرجال و النساء من الاطفال و الشيوخ، دون ذنب أو محاكمة حتى محاكمة صورية. وبددت ثروات العراق الهائلة حتى حولته الى أفقر بلد في المنطقة يرزح تحت أعباء أكثر من مئتي الف مليون من الدولارات من القروض.

وشنت الدكتاتورية الصدامية حرب الابادة على شعب كردستان مثالها حلبجة حيث حدثت لاول مرة في التاريخ ان حكومة تستخدم الاسلحة الكيمياوية ضد شعبها وابادة الناس في الجنوب، كما شنت حرباً ظالمة ضد ايران المسلمة ثم ضد الشقيقة الكويت المسالمة. 

وبينما كانت الدكتاتورية ترسل الرسائل الى أمريكا و اسرائيل باستعدادها للرضوخ الى جميع مطالبها ووضع العراق تحت الانتداب الامريكي مقابل السماح لها بالبقاء. كانت ترفع في الظاهر للتغطية وخدع البسطاء شعار معاداة الاستعمار واسرائيل. 

وتسعى عن طريق الرشاوي وكوبونات النفط ارشاء بعض السياسيين من الدول المختلفة وبعض موظفي الامم المتحدة وشركات دولية كبرى للتحايل على القرارات الدولية ولسرقة ثروات العراق من واردات نفطه.

وباختصار فقد كانت الدكتاتورية في حرب صامته، حرب ابادة للشيعة و الكرد وللاحرار و العناصر الديموقراطية والمعارضة حتى من حزبها، وكانت الدكتاتورية قد حولت العراق الى جحيم و شعبها الى عبيد. و لما كانت الديكتاتورية تستعمل أفتك الاسلحة بما فيها الكيمياوية و البايولوجية ضد أحرار العراق و مناضليه و مجاهديه لذلك تعذر اسقاطها بقوى الشعب العراقي الذي كان في ثورة دائمة عليها.

لذلك أصبحت الحرب التي شنتها قوات التحالف على الدكتاتورية السبيل الوحيد لانقاذ الشعب العراقي من جرائمها وفظائعها و آثامها.

ولكن شعبنا الذي رحب بتحريره من الدكتاتورية عارض على لسان قواه المعارضة التي قاتلت الدكتاتورية طويلاً، عارض الإحتلال و طالب بتشكيل حكومة انتقالية و بإجراء الإنتخابات.

فكانت نتيجة الحوار مع التحالف تشكيل مجلس الحكم من ممثلي القوى الأساسية في المعارضة، قام هذا المجلس بالإتفاق مع التحالف فيما بعد على إنهاء الإحتلال و إقرار الإنتخابات لجمعية وطنية عراقية.

فجرت في بداية العام الحالي ولأول مرة في تاريخ العراق الحديث إنتخابات حرة اشتركت فيها أكثر من ثمانية ملايين ونصف مليون عراقي و ساهمت فيها الأحزاب و القوى المعارضة للدكتاتورية و المنظمات و القوى الحزبية التي تشكلت بعد التحرير.

فازت في الإنتخابات القائمتان اللتان تحالفتا وهما الائتلاف العراقي الموحد و التحالف الكردستاني. ومع ذلك فقد بذلنا جهوداً حثيثة لتشكيل حكومة ائتلافية بالمعنى القانوني الخاص للحكومة وفق المادة 24 من قانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية فانتخبت هيئة رئاسة الدولة من رئيس الجمهورية و نائبيه أحدهما عربي سني و انتخب رئيس الجمعية الوطنية (عربي سني) وتألفت الوزارة و فيها نائب رئيس وزراء (عربي سني) مع ستة وزراء من العرب السنة بمن فيهم وزراء الدفاع والصناعة و الطاقة. 

ثم تشكلت لجنة من ممثلي جميع الاحزاب و القوميات و الاديان و المذاهب ومن المستقلين لوضع مسودة دستور دائم البلاد. أضيف إليها ثلاثون عضواً من العرب السنة نصفهم كأعضاء والاخرون كمستشارين. 

فتم وضع معظم مواد الدستور باجماع الاراء وبقيت عدة مواد موضع خلاف بين الاعضاء العرب السنة وبقية النواب الأعضاء في اللجنة. فقاطع المعارضون الدستور و لكن قسماً كبيراً منهم عاد فوافق على الدستور بعد تلبية عدة مطاليب تقدموا بها. 

وضع الدستور في استفتاء شعبي اشترك فيه حوالي عشرة ملايين ناخب 64% من مجموع الناخبين وصوت 70% من الناخبين بنعم على الدستور وعارضه 30% من الناخبين. وهكذا اصبح لدينا دستور مقرر من الجمعية الوطنية ومن الشعب باستفتاء.

 

اننا نعتبر دستورنا ديمقراطيا واكثر تقدمية من جميع الدساتير في العالمين العربي والإسلامي:

فالدستور ينص على أن العراق جمهورية ديمقراطية تعددية فيدرالية مستقلة وموحدة.

يضمن الدستور جميع الحقوق والحريات الديمقراطية للعراقيين بما فيها حرية الاحزاب والمنظمات المدنية والنقابات والاتحادات النسائية والشبابية.

يضمن الدستور المساواة بين المواطنين ذكورا واناثا.

يضمن الدستور الحقوق الاساسية للفرد بما فيها الحرية الشخصية وحق التملك وحرية العقيدة والضمير.

يضمن الدستور حرية جميع الاديان والطوائف الدينية بما فيها المسيحيون و الايزديون والصابئة.

يضمن الدستور حقوق الضمان الاجتماعي وحق العمل والتقاعد.

يضمن الدستور حرية الاقتصاد و التجارة بما فيها الاقتصاد الحر وحق تشكيل شركات عراقية اهلية لاستثمار الثروات الطبيعية للبلاد.

 

الدستور والاسلام:

يقر الدستور بان الاسلام هو دين الدولة الرسمي مع احترام الاديان الاخرى.

وينص على ان الشريعة مصدر رئيس للقوانيين.

ولايجوز صدور قوانين تتعارض مع احكام الاسلام ومبادئ الديمقراطية وحقوق الافراد المنصوصة في الدستور. ويقر الدستور حرية جميع الاديان واحترام شعائرها وحق المؤمنين بها في ممارسة طقوسها.

 

الدستور والمرأة:

 

ينص الدستور على المساواة بين المواطنين (الرجال والنساء) و على تحديد %25 من اعضاء البرلمان للنساء. وحق المرأة في الاختيار بالنسبة لاحوالها الشخصية من حيث ذهابها الى المحاكم المدنية او الشرعية . والاجور المتساوية والمساواة في المناصب.

 

الدستور وحقوق القوميات والمذاهب:

 

يحرم الدستور الاضطهاد القومي والطائفي. ويقر الفيدرالية لاقليم كردستان وللمحافظات العراقية. ويضمن احترام الاماكن المقدسة وحرية العبادة والشعائر المذهبية. إذ كان المسلمون الشيعة في عهد الدكتاتورية محرومين حتى من حق البكاء.

ويقر الحقوق الثقافية بما فيها استعمال اللغة الام للقوميات التركمانية و الكلدان والاشوريين وكذلك الحقوق الادارية والسياسية والاجتماعية لهذه القوميات. يعتبر الدستور العربية والكردية لغتين رسميتين للبلاد.

 

الدستور وحرية القضاء واستقلاله:

 

يضمن الدستور حرية واستقلال القضاء ويقر تشكيل المحكمة الاتحادية والمحاكم المختلفة بالتعاون مع مجلس القضاء و للقضاء الاستقلال التام عن الجهاز التنفيذي ورئاسة الجمهورية.

وخلاصة القول اننا نملك دستورا ديمقراطيا تقدميا قل نظيره في العالمين العربي والاسلامي.

و لكن شعبنا يتعرض الى ارهاب همجي تقوم به عصابات القاعدة وانصار الاسلام والسلفيين المتعصبين.

لقد شن الارهابيون التكفيريون حرب ابادة ضد الشيعة ووصفوهم بالروافض وعلى الكرد بعد ما وصفوهم بالخونة وعلى كل من يساهم في المسيرة الديمقراطية في العراق وصفوهم بالمرتدين.

ان الارهاب آفة عالمية تشمل الجميع ولاتقتصر على العراق كما برهنت الاحداث الدموية في الاردن ومصر (شرم الشيخ) والسعودية واسطنبول ولبنان وباكستان وأفغانستان لذلك يتحتم على العالم الاسلامي وعلى جميع العلماء المسلمين ان يحذوا حذو الازهر الشريف لادانة وتكفير هذه العصابات المجرمة وعلى العلماء المسلمين من السنة خصوصا التصدي للفتنة الطائفية التي يريد هؤلاء المجرمون اشعالها بين الشيعة والسنة في العالم و أن يتصدوا لهؤلاء الذين يكفرون الملايين من المسلمين.

و شكراً جزيلاً و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

 

 

 

الرئيس مام جلال وحقوق المرأة :تأمينها ليس منة أو أمنية بل واجب دستوري وأخلاقي

 

 

بمناسبة يوم المرأة العالمي وجه السيد رئيس الجمهورية رسالة إلى نساء العراق في 8/3/2006 هذا نصها:

 

إلى نساء العراق..

أخواتي العزيزات..

 

من أعماق قلبي أقدم اصدق التهاني بيوم المرأة العالمي الذي نحتفل به في الثامن من آذار من كل عام لنعبر عن حبنا ونجدد احترامنا للام الحنون والزوجة الحبيبة والأخت الشفيقة والابنة البارة، لرفيقة الدرب في سنوات النضال، و الزميلة المثابرة في ميادين العمل.

وفي هذا اليوم نستعيد ذكرى العراقيات اللواتي كافحن، أسوة بالرجال ويدا بيد معهم، ضد الجور والاستبداد، ومن اجل ترسيخ القيم السامية في الحرية و العدالة والمساواة.

إننا نجدد العهد هذا اليوم على مواصلة العمل من اجل إزالة الحيف عن المرأة وتحويل المادة الدستورية التي تثبت المساواة بينها وبين الرجل من نص جامد إلى واقع عملي يتجسد في توفير الظروف لمساهمتها الفعلية النشيطة في جميع الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتقدمها في العمل وتبوء ارفع المناصب في الدولة.

إن المرأة، رمز الرقة والمحبة والألفة، هي نقيض العنف ولها دور محوري في مواجهة الإرهاب والتنبيه إلى مخاطر الفتنة والتصدي لمثيري الفتن والمحرضين على التقاتل والاحتراب. و ليس ثمة من هو أجدر من المرأة بالحفاظ على نسيج المجتمع ولحمته وتمتين الأواصر بين مكوناته وتنشئة جيل يدين بقيم التآلف والتعاضد وينبذ بواعث الكراهية والبغضاء.

ولكي تؤدي المرأة رسالتها الرفيعة ينبغي أن يتحقق الأمن والاستقرار، وان تتوفر الخدمات وتتهيأ للمرأة مناخات ملائمة للدراسة والتحصيل العلمي والعمل المتكافئ، وان تخفف عنها أعباء إدارة الشؤون المنزلية.

وتأمين ذلك كله ليس منة أو أمنية بل واجب دستوري وأخلاقي إزاء أمهاتنا وزوجاتنا وأخواتنا وبناتنا.

لهن جميعا أزف أطيب التهاني بيوم المرأة العالمي متمنيا لهن السلامة والصحة والسعادة والازدهار والجمال الدائم.

 

جلال طالباني

رئيس جمهورية العراق

 

 

الدولة لا تبنى بالأماني والتصارع، بل بالعمل الجاد والحوار الأخوي 

 

وجه فخامة رئيس الجمهورية جلال طالباني بيانا بمناسبة الذكرى السنوية لزوال النظام الدكتاتوري، وانتهاء حقبة سوداء من تاريخ بلادنا، والانطلاق نحو مرحلة جديدة لبناء دولة تعددية ديمقراطية اتحادية.

 

وفي ما يأتي نص البيان:

 

تعّلِمُنا دروس التاريخ إن كل حكم جائر، مهما اشتد بطشه وتعاظمت قسوته، لابد وان يؤول إلى زوال. وقد شهد التاسع من نيسان عام 2003 إعلانا عن انتهاء حقبة سوداء من تاريخ بلادنا، ساد خلالها نظام الجور والطغيان، وكان فرد واحد يضع إرادته فوق إرادة شعب بأكمله ويعمد إلى أبشع أساليب التنكيل بمناوئيه ويتصرف بمقدرات البلد وثرواته وكأنها ارث وملك عائلي.

وزج الحاكم المستبد ببلادنا في أتون حروب داخلية وخارجية احترق في لهيبها مئات الآلاف من أبناء شعبنا، واستنزفت ثروات البلاد ودمرت طاقاتها وحكمت عليها بعزلة خانقة وحصار قاس.

ولم تقتصر حملات تصفيات الخصوم على المعارضين السياسيين بل اتخذت شكل إبادة شاملة تمثلت في المقابر الجماعية والأنفال وحلبجة.

وما كان لنظام دكتاتوري كنظام صدام حسين، بمؤسساته ودوائره القمعية الكثيرة، إلا أن يخلف ذيولاً دموية ما زلنا حتى اليوم نعاني منها ونعمل على إزالتها.

وقد سعى شعبنا وقواه السياسية الخيرة منذ اليوم الأول الذي أعقب انتهاء النظام السابق، إلى أن تتولى إدارة شؤون البلاد، حكومة وطنية تقوم بمعالجة الإرث الثقيل للماضي وتمهد لإجراء انتخابات حرة ووضع دستور دائم.

ورغم إن الأحداث اتخذت منحى أخر لنحو عام من الزمن، فان إصرار الأحزاب والقوى السياسية والمراجع الدينية والفكرية أثمر عن تسليم السلطة إلى حكومة عراقية وطنية، أعدت لإجراء انتخابات الجمعية الوطنية التي تولت إقرار مشروع الدستور الذي صادق عليه الشعب في استفتاء عام. 

ورغم اتفاق الأطراف على ضرورة إدخال تعديلات على القانون الأساسي فان هذه الوثيقة التي ينبني عليها النظام السياسي ضمنت، لأول مرة في تاريخ العراق الحديث، الحقوق الأساسية للمواطن الفرد والجماعات السياسية والقومية والدينية. 

وكان ذلك انتقالا فائق الأهمية من حقبة الاستبداد والتفرد بالحكم إلى الشروع بإنشاء دولة المؤسسات واعتماد مبدأ التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة.

والى جانب هذا المنجز التاريخي أُطلقت حرية الإعلام والتنظيم الحزبي والنقابي والمهني، وبدأت منظمات المجتمع المدني تلعب دوراً ملموساً في الحياة العامة، وتعاظَمَ دور المرأة التي شاركت بنشاط في العمل السياسي والبرلماني والاجتماعي.

ولم يعد ثمة رقيب يخمد صوت الكتاب والأدباء أو يمنع إقامة عرض مسرحي أو سينمائي، وغدا المثقفون العراقيون أحرارا في التعبير عن أرائهم. ورغم كل المعوقات فان عجلة البناء الاقتصادي بدأت تدور، ببطء وفي مواجهة عراقيل كثيرة، لكن الأحوال الاقتصادية للكثيرين من المواطنين أخذت في التحسن وارتفعت المداخيل ارتفاعاً محسوساً.

إلا إن هذه المنجزات، على أهميتها، لا يمكن أن تنسينا المشاكل الكثيرة التي ما زال يواجهها عراقنا الحبيب، وخاصة في مجال الخدمات  إذ يعاني المواطن من انقطاعات الكهرباء وشح المياه، وعدم انتظام عمل شبكات المجاري، إضافة إلى النواقص والثغرات في الخدمات الصحية وفي توفير مباني المدارس وتحسين النقل والاتصالات وغيرها.

ولعل الفساد، الذي ورثناه من النظام السابق، علاوة على انه آفة اجتماعية وأخلاقية خطيرة، صار معوقاً أساسيا للتنمية والبناء السليم للبنية الاقتصادية. كما إن الفساد المالي والإداري ينتقص من مبدأ المساواة والتكافؤ بين المواطنين وهو مبدأ كفله الدستور العراقي.

إن توفير الخدمات التي تليق بمواطن في بلد حباه الله بثروات هائلة، وقطع دابر العابثين بالأموال العامة والتعاطي مع سائر الملفات المعلقة الأخرى، تقتضي معالجة موضوعين مترابطين ترابطاً وثيقاً وهما انجاز المصالحة الوطنية الشاملة وتحقيق الأمن المستقر.

وخلال السنوات المنصرمة تمكنا، بعون الله تعالى، من تفادي الوقوع في شراك الحرب الأهلية التي نصبها أعداء العراق الطامحون إلى النكوص ببلادنا القهقرى وتعويق مسيرتها الديمقراطية.

وكانت تجربة الصراع الداخلي المؤلمة والمريرة، جعلت جماهير شعبنا، على اختلاف انتماءاتها، تزداد قناعة بان السبيل لإحقاق الحقوق وضمان الإنصاف والعدالة لا يتمثل في العنف ورفض الأخر، بل في الحوار والاحتكام إلى العقل واللجوء إلى صناديق الاقتراع.

وقد برهنت الانتخابات الأخيرة إن بلادنا ماضية قدما في ترسيخ المبادئ الديمقراطية وبناء دولة المؤسسات.

وهذا ما لا يروق لقوى الردة والإرهاب التي أدركت إن أمالها في تقويض العملية السياسية تتلاشى مع توطد المؤسسات الدستورية وتنامي الممارسات الديمقراطية.

إن مواجهة هذه الهجمة الهمجية الشرسة تقتضي، قبل كل شيء، تعزيز جهود الأجهزة الأمنية وسد الثغرات التي تتخلل عملها وبناءاتها. بيد إن استتباب الأمن ليس مهمة الأجهزة الأمنية وحدها، بل هو محصلة عوامل سياسية واقتصادية ونفسية وغيرها. وبالتالي فان الأمن هو مهمة مشتركة لجميع المشاركين في العملية السياسية وأجهزة الدولة المختلفة والمواطنين عامة.

إن تشخيص النواقص وانتقاد الأخطاء حق وواجب على الجميع، لكن ذلك لا ينبغي أن يكون وسيلة للكسب السياسي أو للثأر والتسقيط. فكل مشارك في العملية السياسية مستهدف بنيران الإرهاب، وبالتالي فانه مدعو إلى تقديم المشورة والعون لإخماد النيران واستئصال هذه الآفة السرطانية.

وينبغي على جميع الأطراف تحاشي التهديد بموجات عنف آتية وإثارة الهلع في نفوس المواطنين، بل إن الواجب الوطني يقتضي تظافر الجهود في التصدي للعنف وإحباط المخططات الأثيمة للقوى المحركة من الداخل والخارج.

لقد بينت الاستهدافات الإجرامية الأخيرة إن من بين أهدافها منع اندماج العراق بمحيطه العربي والإقليمي، وتعطيل المساعي الرامية إلى توسيع وتعميق الروابط الأخوية مع الدول العربية الشقيقة والبلدان الإسلامية المجاورة.

ولا يسعنا إلا أن نشيد بالموقف الشجاع للدول التي تعرضت بعثاتها للاعتداء لكنها اصرت، وفي مقدمتها الشقيقة الكبرى مصر، على مواصلة نشاط بعثاتها الدبلوماسية في العراق وتوسيع الصلات الأخوية معه. وبدورنا نؤكد انفتاح بلادنا على أشقائنا وأصدقائنا العرب والمسلمين والأجانب، ورغبتنا في إقامة علاقات وطيدة معهم تقوم على الاحترام المتبادل للسيادة والتعاون الوثيق، وتظافر الجهود في مواجهة مظاهر العنف والارهاب وتحقيق الاستقرار الإقليمي.

إن العراق الجديد الذي بدأ قبل سبع سنوات مسيرته المحفوفة بالصعاب والمخاطر، مصمم على إن طريق الأمن والاستقرار والازدهار لشعبه لا يمر عبر الانكفاء نحو الماضي المثقل بإرث الاستبداد، بل عبر الانطلاق نحو بناء دولة تعددية ديمقراطية اتحادية، دولة مؤسسات تضمن قوانينها تنوع الآراء وتكافؤ الفرص.

وهذه الدولة لا تبنى بالأماني والتصارع، بل بالعمل الجاد المثابر والحوار الأخوي البناء الذي يحتمل اختلاف الآراء وتباين وجهات النظر لكنه ينبذ العنف والاستبداد.

 

جلال طالباني

رئيس جمهورية العراق 

 

 PUKmedia

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket