الخطأ في تفسير عبارات بعض النصوص القانونية قديما وحديثا

الاراء 05:40 PM - 2019-07-28
صباح حسن الداوودي

صباح حسن الداوودي

لقد وردت العبارة في القرآن الكريم وفي التوراة وهي من الشهرة بحيث يخال للكثيرين بأنها في غنى عن التعريف ,لكن هنالك خطأ في تفسيرها وهو خطأ صار شهيرا أيضا , ومن هنا يجب البحث في عناصر المبدأ القانوني التاريخي القديم هذه بدقة وبعيداً عن الرونق والصدى المهيب للعبارة والتي جعلت مخيلة الكثيرين تتجه نحو الإحتفاء بها بإعتبارها عبارة قانونية حادة تتكلم عن عقوبات جسدية لا يمكن العدول عنها بينما في وقت تحتم المهنية ومباديء البحث العلمي الرصين دراسة النص من خلال إعتماد عدة إعتبارات من أهمها تاريخ النص وعباراته والولوج الى معانيها من خلال النظر اليها بأنها عبارات نص قانوني وليست كلمات قصيدة .

وقد أرتأيت نشر ملخص لدراسة قانونية لي في هذا المضمار وأهم ما توصلت أليه من نتاائج حول هذا الموضوع والذي يتعلق بتصحيح الفهم الخاطيء لبعض العبارات القانونية سواءا كانت قديمة كالنص أعلاه أو حديثة مثل عبارة (أن القانون لا يحمي المغفلين) والتي سأقدم ملخصا آخر عنها لاحقا أما هذه الأسطر فتخص عبارات النص القائل بأن العين بالعين والسن بالسن والباديء أظلم .

فالملاحظ هو سير الكثير من الأخوة والأخوات - حتى من أهل الإختصاص القانوني - على الخطأ في تفسير معنى العبارة الشهيرة (السن بالسن والعين بالعين والباديء اظلم) ويكمن خطئهم تحديدا في عبارة (والباديء اظلم) , إذ يعتقد الكثيرون بأنها تعني إباحة الإمعان في الإقتصاص من المبتديء بالفعل الخاطيء او العمد مما يدخل في تعريف الجريمة . وهذا خطأ .

فبالعودة الى الأساس التاريخي للعبارة فإننا نرى بإنها وردت في متن نص من نصوص قانون حمورابي (منقوشاً على رقيم موجود حالياً في احدى متاحف المانيا ) وقد جاء النص ضمن التقنينات الخاصة بباب خطأ الأطباء عند مزاولة المهنة الطبية إذ ان النص خاص بالعقاب الذي قرره حمورابي على الطبيب الذي يخطأ اثناء قلع سن مريض راجعه او حين يخطأ طبيب عيون خطئاً فادحا اثناء علاج مريض راجعه فيتسبب  له بأذى او سمل او فقدان المريض لبصره سواءا في عين واحدة او كلتيهما . فتكون عقوبة الطبيب في هذه الحالات هي الإقتصاص منه بقدر اثر خطئه الذي احدثه في سن المريض او عينه وبنفس قدر الضرر ,, مثلا قلع سناً خطئاً , تُقلع منه سن ! اي من الطبيب ,, سمل العين اليسرى للمريض او تسبب في ذلك ؟,, إذاً تُسمل العين اليسرى للطبيب !! ,, 

عقوبة قاسية أليس كذلك ؟!,, 

لكن ما يأتي في آخر العبارة وهي (والباديء أظلم) هي بمثابة الآلية والوسيلة الشارحة للتحري والتحقيق للجريمتين او في الجريمتين اعلاه ,, بمعنى أن على من يقوم بالتحقيق في الحادث ,, الخاص بخطأ الطبيب عليه ان يستبين ويتحرى اولاً عمن كان مبتدئاً بالخطأ ؟! ,, (هنا تكمن المفاجأة ),, هاتين الكلمتين تجعلان العقوبة اعلاه مستحيلة التنفيذ إلا نادراً وفي حالات نادرة تتمثل في خطأ جسيم وواضح وفاضح من جانب الطبيب !! ,, كيف ؟!,,

على المحقق والقاضي أواللجنة المختصة بالبحث والتحقيق والتحري عن الخطأ المرتكب والمؤدي الى النتيجة الجرمية وطبعاً يدخل في عناصر الخطأ هنا  (إهمال المريض لسنه او عينه سواءا قبل العملية او بعدها !! ,, الأدوات التي استخدمها الطبيب ,, نوعية وطبيعة الأدوية ,, هل تؤدي حالة مريض مماثل الى ذات النتيجة ؟ ,,, الخ ,, ) .

في المحصلة إذا ثبت ان الخطأ من المريض فلن تُطبق العقوبة على  الطبيب أبدأ بل تُعلن براءته ايضا وعلى المريض في هذه الحالة دفع تعويض عادل الى الطبيب ,,وإذا ثبت خطأ الطبيب فتُطبق العقوبة بحقه, وعليه فوق ذلك ان يدفع مالا او مبلغا ماليا كتعويض الى المريض .

وطبعاً التحقيق في جريمة ذات طابع علمي ومهني دقيق  ليس سهلا,, 

في النتيجة سترى أن قانون حمورابي هذا لا يختلف في شيء عن قوانين بلاد الرافدين التي تتسم بالمطاطية الى يومنا هذا بحيث ان كثيرا من النصوص التي تبدو للوهلة مخيفة مرعبة هي في حقيقتها نصوص حمالة لوجهين وربما لأوجه محتلفة لكنها تحمل الكثير من معاني الردع والتخويف وتنطوي على العدل والعدالة ايضا .

ونظراً لأن هذا النص قد جاء لاحقا في التوراة نصاً وبنفس العبارة فأن كثيرا من المؤرخين قد عدَّ حمورابي ملكاً موحِدا او منتجا  معتبرين ورود العبارة  في التوراة تعظيما لشأن حمورابي في الكتاب المقدس بسبب ورود عبارة من عبارات  !! .

بعد ذلك ومع مرور مئات السنين انحرف تفسير معنى العبارة القانونية تلك الى المفهوم الحالي لها .

إذاً فعبارة (والباديء اظلم ) إنما هي عبارة تسير في المعنى الى آلية إجراء التحقيق في الحادث اولاً ومن ثم بعدها الى التعويض الذي يجب او يوجب على المبتديء بالجريمة ثانياً فهي تتكلم عن آلية التحقيق في الجريمة وليست خاصة بتشديد العقوبة وإن تعلقت به لفظا أو تعلقت به ضمن المآل والنتيجة .

من هنا يتبين لنا بإن إيراد بعض النصوص القانونية يجب أن يكون ضمن سياق الفهم الكامل للعبارة لا أن يتم تفسيرها بمفهوم اليوم . .

 

صباح حسن الداوودي

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket