لماذا يجب أن نقرأ الكتب؟

الاراء 08:33 AM - 2019-07-02
لماذا يجب أن نقرأ الكتب؟

لماذا يجب أن نقرأ الكتب؟

لم يعد الجيل الجديد يقرأ الكتب، إلا نادراً، لأسباب عدة، في مقدمتها ظهور الإنترنت ووسائل الإعلام المتعددة وضيق الوقت، ومشاغل الحياة اليومية، وارتفاع أسعار الكتب. لكن هذه الأسباب لن تقف حائلاً أمام من يحرص على القراءة كطقس دائم من طقوس حياته.

وربما كان السبب الرئيس وراء العزوف عن قراءة الكتب الجادة هو عدم شعور الشباب بالحاجة إلى القراءة. وهذا أمر مؤسف، ربما لأنهم لا يعرفون قيمة الكتب في حياة الناس وتطور المجتمعات، فالقراءة إحدى سمات المثقف الواعي والأمم المتحضرة، يحث عليها علماء النفس، ويؤكد المربون ضرورتها لكل الفئات العمرية، فهي وحدها تفتح أمام القارئ عوالم من العلم والمعرفة والمتعة، وهي مفتاح الثقافة والحضارة والتقدم.

إن كل كتاب جيد هو خبرة جديدة وتواصل مع العقول الذكية، عقول العظماء الذين يدفعون بالقارىء إلى التفكير في أمور لم تخطر بباله، أو لم يكن يعرف عنها كثيراً، ولا يحسن التعبير عنها. كما يجد فيها القارىء وصفاً لتلك المواقف والمشكلات الحياتية التي قد تواجهه، وأجوبة على الأسئلة التي تعذبه.

وعندما نتحدث عن قراءة الكتب لا نعني بذلك هواية اقتناء الكتب لتزيين رفوف مكتبة المنزل أو الصالون، من أجل التباهي بثقافة صاحب الدار، فثقافة المرء لا تقاس بعدد الكتب التي يمتلكها بل بعدد الكتب الكلاسيكية الخالدة والكتب الجديدة القيمة، في شتى ميادين المعرفة والثقافة، التي قرأها بتمعن.

هناك من يتباهى بكثرة الكتب لديه وبضخامة المكتبة التي يمتلكها، وعندما تتحدث إليه لا تشعر على الإطلاق بأنه استفاد حقاً، ولو قليلاً، من الكتب التي قرأها، والأرجح أنه لم يقرأ معظم ما يمتلكه من كتب، أو أنه قرأها بلا مبالاة ومن دون التعمق في معانيها، ولم يتفاعل معها قط، حيث لا يظهر شيء من أثر القراءة المعمقة في ثقافته وسلوكه وأسلوبه في الكلام.

قراءة أفضل الكتب بتمعن شيء، وقتل الوقت بالقراءة السطحية شيء آخر تماماً. فماذا نقرأ وكيف؟

قراءة الكتب بتمعن مفيدة في مختلف مراحل العمر، والمهم هو ماذا نقرأ ؟ من المشكوك فيه أن تلعب القراءات الخفيفة المسلية أي دور في إثراء معلوماتنا أو تنمية عقولنا. من الممكن أن نقرأ لغرض الترفيه عن النفس وتمضية الوقت أو لمجرد حب الاستطلاع، لكننا إذا قرأنا شيئاً من روائع الأدب الكلاسيكي ونتاجات الفكر الإنساني فإننا نعتاد عليها ولا يمكننا الإقلاع عنها بسهولة.

الكتب الخالدة عبر التاريخ الإنساني تتضمن عصارة الفكر ونتاج العلم وخلاصة الفهم ودوحة التجارب وعطية القرائح وثمرة العبقريات على حد وصف تريستان تزارا، ينبغي لكل مثقف أن يقرأها. مثل هذه النتاجات لن تفقد قيمتها العظيمة بمرور الزمن، رغم تغير الأجيال ونظم الحكم والتقدم الحضاري.

قراءة الكتب العلمية عن نشوء الكون ونظام المجموعة الشمسية تؤدي إلى توسيع مداركنا ومخيلتنا وتحسن تصوراتنا وفهمنا لقوانين الطبيعة. والكتب الثقافية والتاريخية تزيد من معلوماتنا، وقد نستخلص منها العبر والدروس لبناء حاضرنا ومستقبلنا.

أما قراءة كتب السيرة الذاتية والمذكرات الشخصية، فإنها تتيح لنا الاطلاع على خلاصة التجارب الحياتية لشخصيات مثيرة للاهتمام أسهمت في صنع التاريخ أو كانت شاهدة عليه.

ويمكن بكل تأكيد الاستفادة من تجاربهم وخبراتهم الحياتية، التي قد تفيدنا مستقبلاً في حياتنا العملية.

وصفوة القول إن قراءة الكتب القيمة سواء كانت تخصصية أو ثقافية عامة لا غنى عنها لكل إنسان يعرف قيمة التراث الإنساني العظيم في العلم والفكر والثقافة. الإنسان الذي لا يقرأ يعيش حياة واحدة فقط، هي حياته، أما من يطلع على تجارب الآخرين فإنه يعيش حيوات كثيرة.

كانت النخبة المثقفة تقرأ كثيراً حتى إلى عهد قريب، ربما بسبب عدم وجود مصادر كثيرة للمعلومات والتسلية والترفيه. لم يكن هناك إنترنت ولا هواتف ذكية، أما قنوات التلفزيون فكانت قليلة ومحلية وتقدم برامج بريئة بالقياس إلى ما تعرضه القنوات الفضائية راهناً.

العزوف عن القراءة ظاهرة عالمية لا تقتصر على بلداننا، وربما يظن بعضهم أن قراءة الكتب في البلدان الغربية هي اليوم في أوج ذروتها وازدهارها، وهذا أمر يثير الاستغراب حقاً، وينم عن عدم الإحاطة بمدى تراجع قراءة الكتب في تلك البلدان. صحيح أن الإقبال على قراءة الكتب في الغرب لا يزال كبيراً، لكنه انخفض كثيراً منذ ظهور الإنترنت. الجيل الجديد في كل أنحاء العالم يبحث عن بدائل أخرى للكتاب عبر المدونات والمنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي. لكن لا شيء يمكن أن يكون بديلاً عن الكتب الجيدة. هي وحدها تزودنا بالمعارف المتعمقة وتؤثر في تشكيل رؤيتنا للحياة والعالم.

إن المستوى الثقافي للمجتمع لا يتحدد فقط بمدى شيوع ثقافة القراءة فيه، أو معدل عدد الكتب التي يقرأها المواطن سنوياً، بل أيضاً بمدى توافر حرية التعبير.

في المجتمع العلماني المفتوح، الذي يحترم عقل الإنسان ويتيح الفرصة للاطلاع على ثقافات شعوب العالم ثمة إمكانات أكثر لتطور شخصية الإنسان. الكتاب، بخلاف التلفزيون، حر من الأغراض النفعية. التلفزيون يعتاش على الإعلان وكثيراً ما يدفعنا إلى شراء هذه السلعة أو تلك، وهو مشبع أحياناً بالبروباغاندا السياسية والأيديولوجية. أما مؤلف الكتاب فلا حاجة له لوضع الإعلانات بين السطور، من أجل الحصول على مال أكثر.

ويوصي الخبراء بتخصيص ساعتين في اليوم لقراءة الكتب الأدبية الجيدة، وهم على قناعة تامة بأن الكتاب المقروء أفضل من الفيلم المقتبس من الكتاب ذاته، فالفيلم المأخوذ من رواية ما، لا يلبي توقعات الجمهور الذي رسم في ذهنه صورة مغايرة لمحتوى الكتاب.

وتعمل قراءة كتب المؤلفـــين، الذين يمتازون بجمال اللغة، على تحسين قدرات الإنسان اللغوية وتطويرها وتساعده على التعبير عن نفسه في شكل أفضل وتجعله متحدثاً أكثر إثارة للاهتمام في عيون الآخرين.

ولعل الجاحظ قد سبق الجميع في بيان مدى تأثير القراءة في شخصية القارئ وتجويد لغته: “والكتاب هو الذي إن نظرت فيه أطال إمتاعك، وشحذ طباعك، وبسّط لسانك، وجوّد بيانك، وفخّم ألفاظك…”

إن الناس يتحدثون بأحسن ما يحفظون، ويحفظون أحسن ما يكتبون، ويكتبون أحسن ما يسمعون.

لذا لا عجب أن يقول العلماء: إن الناس صنفان: أولئك الذين يقرأون الكتب، وأولئك الذين يستمعون إلى الذين يقرأون.

وبطبيعة الحال فإن ثقافة الإنسان لا تتوقف على مقدار ما يقرأ، بل على عدد الكتب الجيدة التي فهمها واستوعبها واستفاد منها في حياته العملية.

وكلما قرأ الإنسان أكثر أصبح أقل شبهاً بالآخرين.

 

جودت هوشيار / صحيفة الحياة اللندنية 

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket