التعليم في العالم الثالث والمستقبل الضائع..!

الاراء 05:43 PM - 2019-02-14
عدالت عبدالله - كاتب و أكاديمي

عدالت عبدالله - كاتب و أكاديمي

باتت قضية التعليم في العالم الثالث مرتبطة إرتباطاً عضوياً بقدرات دول هذا العالم وإمكانياته السياسية والإقتصادية والثقافية. فالتعليم، كما هو معلوم، ليس حقلاً مستقلاً عن الحقول الأخرى التي تشتغل عليه الدول وتسعى لتطويره، لاسيما أنه من الحقول التي يراهن عليها العالم لتحقيق التنمية البشرية، وخاصة في دول العالم الثالث، التي كانت تعاني دوماً وماتزال من إنعدام التوازن الحقيقي والمُرضي بين سرعة النمو الديمغرافي ودرجة التقدم إقتصادياً كما تؤكده لنا هذا، تقارير الأمم المتحدة الخاصة بمؤشرات التنمية البشرية على الصعيد العالمي.

من جانب آخر، تقف المساعي الرامية الى تطوير التعليم في العالم الثالث على طبيعة الأنظمة الحاكمة في دول هذا العالم، إذ لايمكن الحديث عن أي خطط أو برامج ناجعة وناجحة في حقل التعليم إذا ما كانت الأنظمة السياسية السائدة في هذه الدول غير منفتحة إقتصادياً، أو مُتَبِعة لسياسات إقتصادية مركزية مغلقة على السوق الحر وتبادل التجارة الحرة ومُلغية لأي إنفتاح أمام العولمة الإقتصادية، التي أثبتت تجارب الكثير من الدول بأنها تساهم في إنتعاش الإقتصاد الوطني للدول، بل تساعد حركة السوق فيها فضلاً عن جذب الرأسمال الأجنبي والإستثمارات والشركات العالمية التي تساعد في تطوير الدول إقتصادياً وحثها على مواكبة النماذج المُتَبَعة، إقتصادياً في العالم، والخاصة بسبل تطوير الإقتصاد والآليات الجديدة الكفيلة بذلك، والذي سرعان ما سينعكس دون شك على برامج الدولة التنموية وتُحقق لها ما تتطلع اليها ومجتمعاتها العالم الثالثية، لاسيما ان هذا الأخير يعيش، منذ زمن بعيد، في أزمات إقتصادية وسياسية وإجتماعية حادة وخانقة لا يمكن معالجتها أو تجاوزها من دون إحداث تغييرات جذرية في بنى الأنظمة الحاكمة التي تعيق ضرورة إطلاق مشاريع الإنفتاح سياسياَ وإقتصادياً لأسباب آيديولوجية أو سياسية أو دينية.

التعلم في الدول النامية، لم يشهد تطوراً ملحوظاً حتى بعد التقارير الرهيبة التي صدرت من قبل منظمة الأمم المتحدة في التسعينيات القرن الماضي. الأزمات التي تعاني منها أغلب دول عالم الثالث لا تزال هي هي، أي إنها تعيش في حالة مراوحة دون أي إنفراج حقيقي، السبب يعود الى غياب أي إصلاحات حقيقية يشهدها المجال الإقتصادي والسياسي و التعليمي، و إذا ما كان ثمة أسباب ما أو عوامل تفسر لنا أحداث الربيع العربي والإنتفاضات الشعبية التي شهدتها بعض من دول العالم الثالث، لاسيما الدول الشرق الأوسطية وبعض الدول الأفريقية الشمالية، فأن من بين أهم العوامل والأسباب هو تراكم وإنفجار كل تلك الأزمات التي عانت منها شعوب هذه الدول( الربيعية) جراء حكم أنظمة سياسية خانقة للحريات السياسية والإقتصادية. 

و الأسوأ من ذلك، هو مآل الإنتفاضات والثورات العربية ، إذ سببت، هي الأخرى، في تفاقم الأزمات بل وقوع أزمات أخرى إضافية جديدة وصلت الى حد فقدان الحد الأدنى من الأمن والأستقرار في البلدان التي شهدت هذه الزلازل السياسية فضلاً عن تدهورها وتقهقرها إقتصادياً كما هو الحال في كل من تونس و مصر و ليبيا و اليمن و سوريا و من قبلهم العراق، مما أدى كل ذلك، في النهاية، الى تفشي ظواهر مجتمعية خطيرة ربما أسوأها هو ترك بعض الأجيال للمدارس والمعاهد والجامعات لأسباب أمنية أو معيشة، تماماً مثل ما هو قائم حالياً في كل تلك الدول فضلاً عن فلسطين وأماكن أخرى في منطقتنا، وخاصة بسبب الحروب والصراعات السياسية الداخلية والفتن والإرهاب والفساد وتدني المستوى المعيشي للمواطنين.

بمعنى آخر، إذا كانت - كما يُقال- التنمية البشرية مبنية في المقام الأول على إتاحة الفرصة للمواطن بأن يعيش نوع الحياة الذي يختارها ومزاولة العمل المناسب لهم وعلى تزويدهم بالأدوات المناسبة والفرص الموآتية للوصول إلى تلك الخيارات، فأن مجمل هذه الفرص باتت اليوم شبه معدومة، أو أنها ليست بمستوى الطموح أو ما تتطلع اليها شعوب هذه الدول، و مرد ذلك الحالة الإستثنائية التي تواجهها هذه الدول والمراحل الإنتقالية التي تمر بها والتي لها – دون شك - مخاضها وأزماتها الخاصة بها، وعليه لايمكن التوقع بسهولة أن يطرأ أي جديد على أوضاع هذه الدول في الأجل القريب القادم، الأمر الذي سينعكس سلباً على برامج التعليم أيضاً، أو إصلاح هذا الحقل أو تغييره وتحديثه بهدف تحقيق الشروط اللازمة للتنمية البشرية.

 

عدالت عبد الله/عن المدى

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket