حوار العمر... الرئيس مام جلال: أول نشاط جماهيري شاركت فيه كان بعد انتفاضة تشرين

کتب 02:53 PM - 2018-11-07
الرئيس مام جلال

الرئيس مام جلال

تنشر صحيفة الصباح الجديد، وعلى حلقات، كتاب (حوار العمر... مذكرات الرئيس جلال طالباني... رحلة ستون عاما من جبال كردستان الى قصر السلام)، وهو من اعداد صلاح رشيد، وقام بترجمته الى اللغة العربية شيرزاد شيخاني.

والكتاب عبارة عن حوار مطول مع فقيد الأمة الرئيس مام جلال، على مدى عدة سنوات، وجمعها في كتاب واحد، لتكون على شكل مذكرات للرئيس مام جلال تناولت العديد من الجوانب في حياة الرمز والقائد مام جلال، على جميع الأصعدة، حيث يوثق مراحل مهمة من تاريخ النضال القومي، وكفاح ونضال الرئيس مام جلال.

الحلقة 5

إعداد: صلاح رشيد

ترجمة: شيرزاد شيخاني

 

انتفاضة تشرين

*ما أسباب انتفاضة تشرين، وما هو دور الحزبين البارتي و الشيوعي فيها؟

– في عام 1952 كنت في السنة الأولى من دراستي الجامعية، كانت بغداد قد شهدت في تلك السنة انتفاضة كبرى في تشرين، إنتفض الطلاب والجماهير معا، وعرفت بتاريخ العراق بانتفاضة تشرين. بدأت الانتفاضة من داخل الجامعات وإمتد لهيبها الى الشوارع والأحياء وكانت الجماهير تطالب من خلالها بالحرية والديمقراطية وتأسيس حكومة وطنية برئاسة كامل الجادرجي وإطلاق سراح السجناء السياسيين والبارزانيين المعتقلين وإعادتهم الى ديارهم.

نحن من جهتنا طرحنا شعارات تدعو الى إلغاء المعاهدة العراقية البريطانية، وكان هدفنا هو أن تتبنى قيادة الانتفاضة تلك الشعارات ويتم ترديدها على لسان المتظاهرين، الى جانب مطالبة الجماهير بحرية العمل السياسي والحقوق الديمقراطية وحرية الصحافة وإجراء الإنتخابات الحرة والمباشرة، حيث أن الانتخابات في تلك الفترة كانت تجري بمرحلتين. كان للشيوعيين دور مشهود في تلك الانتفاضة، سواء على مستوى الكليات، أو على مستوى الشارع. وكانت معظم القوى السياسية قد شاركت في الانتفاضة وكنا نحن كحزب البارتي لنا دورنا المميز في الكليات وشاركنا بفعالية في تلك التظاهرات.

حين عجزت الحكومة عن إخماد الإنتفاضة واستمرت الاحتجاجات، دعا الوصي عبدالاله رئيس أركان الجيش نورالدين محمود وهو كردي الأصل ليشكل حكومة جديدة ويسيطر على الوضع وينهي الاحتجاجات، وهكذا نزل الجيش الى الشوارع والأحياء واستطاع إطفاء جذوة الانتفاضة الشعبية، ثم إعلنت الأحكام العرفية وأغلقت المدارس والكليات وعاد الطلبة الى بيوتهم وعدنا نحن الى كويسنجق. في تلك الأثناء أرسلت عدة برقيات مفبركة الى رئيس الوزراء الجديد نورالدين محمود، منها برقية ساخرة وجهت اليه وتقول “تسعيركم الشلغم أثلج صدورنا”!

 

توجه الحزب نحو اليسار وتغيير اسمه

* هل تم عقد المؤتمر الحزبي في ذلك العام، و ماذا حدث من تطورات أخرى؟

– الحدث الأهم في تلك السنة هو تأميم النفط من قبل رئيس الوزراء الإيراني الدكتور مصدق وثورة شعب إيران ضد الشركات النفطية الإنجليزية. وقد إمتدت هذه الإنتفاضة الى كردستان الإيرانية خاصة بعد أن تأسس الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني وأرسلوا وفودهم الى البارتي بالعراق.

في 26 كانون الثاني 1953 وقع حدث كبير في تاريخ البارتي وهو إنعقاد المؤتمر الحزبي الثالث. وقد عقد المؤتمر بشكل سري في أحد بيوت كركوك شارك فيه جميع ممثلي الحزب والتنظيمات الحزبية، ولأول مرة شارك فيه عدد من الرفاق الذين أفرج عنهم من السجون منهم رشيد عبدالقادر، وكان حينذاك عضوا بالمكتب السياسي وحكم عليه بثلاث سنوات سجن وأعتبر كعضو في القيادة.

في هذا المؤتمر تقرر أن ينتهج الحزب سياسة يسارية تقدمية ثورية، وتغيير إسم الحزب من الديمقراطي الكردي الى الديمقراطي الكردستاني، وأعطيت صلاحيات للجنة المركزية لصياغة المنهاج الداخلي للحزب بما يتوافق مع مقررات المؤتمر ثم نشره على أن يتضمن حق تقرير المصير للشعب الكردي والدعوة لإسقاط النظام الملكي وتأسيس جمهورية ديمقراطية شعبية في العراق الى جانب تأسيس جمهورية فدرالية يسارية في كردستان، والدعوة لقانون للإصلاح الزراعي والقضاء على الإقطاع.

وكان قرار التنظيم داخل الطبقة العمالية والفلاحية والكادحين احدى نقاط ذلك المنهاج الحزبي، وحيا المؤتمر الأستاذ عزيز شريف لإصداره كتابا بعنوان “المسألة الكردية في العراق”، والذي اثار ضجة كبيرة في تلك الفترة لأنه قبل نشر ذلك الكتاب كانت هناك خلافات عميقة بين البارتي والحزب الشيوعي وبعض المجموعات اليسارية الأخرى منها وحدة النضال التي كان الأستاذ عزيز شريف يترأسها. وحول مسألة حق تقرير المصير وما إذا كان الكرد يشكلون قومية أم لا، فقد تم حسم ذلك بإنهاء الأفكار الشوفينية، وخاصة أفكار الحزب الشيوعي الذي لم يعتبر الكرد قومية وبالتالي لا يحق لهم حق تقرير مصيرهم، حتى دفع بالحزب الشيوعي الى إصدار منشور تحت عنوان “ميثاق باسم” و يقصد بـ(باسم) بهاءالدين نوري.

 

مشاركة الحزب في الانتخابات العراقية

*كيف جرت الانتخابات البرلمانية العراقية، وما كان دور الكرد فيها؟

– تقرر تنظيم الانتخابات البرلمانية بصورة مباشرة، وكان بإمكان البارتي أن يرشح شخصيات كثيرة في جميع المناطق، ولكن قيادة الحزب لم تلحق بذلك وجرت الترشيحات بصورة سريعة، فتم ترشيح الإستاذ مسعود محمد (11) نائبا عن كويسنجق. وكنت من الحريصين والساعين بهمة للدعاية الانتخابية له، فلأول مرة خرجت الى السوق وتلوت خطابا داعما له، فلم أكن قبل ذلك قد شاركت في أي نشاط جماهيري، ولكن حماسي لترشيحه جعلني في تلك المرة أن أذهب الى السوق وأجمع الناس وأرتقي كرسيا وألقي خطابا بشأن أهمية الإنتخابات وكيفية ممارسة هذا الحق، وتحدثت عن الأستاذ مسعود محمد وتزكيته بما هو أهل له من الثقافة والوعي السياسي وشددت على وطنيته ونضاله، وأذكر أن الأستاذ مسعود كان عضوا في الحزب، وفي الحقيقة لم يكن يعلم بترشحه للإنتخابات لكن الحزب قرر ذلك، وللأسف تنكر فيما بعد لكل ما قدمناه له ويقول بأنه ترشح من نفسه وبأنه فاز لكونه إبنا للملا الكبير في كويسنجق، ولكن الحقيقة أنه كان في ذلك الوقت حاكما للتحقيق في السليمانية، وإنما أوفدتني لجنة محلية كويسنجق الى الأستاذ ابراهيم أحمد الذي كان حينذاك سكرتيرا للحزب من أجل التشاور معه بشأن العملية الإنتخابية.

 

* وماذا كانت نتيجة الانتخابات؟

– أولا فاز كاكة زياد أغا في كويسنجق، وكان رجلا وطنيا و عضوا في البارتي، ولكنه لم يكن ضليعا باللغة العربية ليتحدث داخل البرلمان كما ينبغي، لذلك في كثير من الأحيان يبدي معارضته داخل البرلمان من دون أن تكون لديه قدرة للتعبير أو إبداء رأيه تجاه ما يناقش داخل جلسات البرلمان.

في تلك الفترة كان هناك رأيان داخل الحزب الأول يدعو الى المشاركة بالإنتخابات ونرى ما يمكننا أن نفعل، والآخر يدعو الى المقاطعة. ولأول مرة كان رأي الأستاذ إبراهيم أحمد والذي إستند الى كتاب لينين بعنوان “أمراض الطفولة لدى اليسار المتشدد”، يقول بأن الانتخابات هي للتنافس وأن مقاطعتها خطأ، وكان يستشهد لدعم رأيه بهذا الكتاب، ويرى بأن نحول الانتخابات الى عملية تنافس حتى ولو كانت داخل أكثر البرلمانات رجعية وتخلفا في العالم، فإذا فزنا بها سنكون قد أرسلنا ممثلينا الى البرلمان لتوصيل رسالتنا الى الآخرين، وإلا فسنكتفي بالمنافسة وفضح الحكومة. وقال الأستاذ “مادمنا سنفوز بكويسنجق بشكل محقق ومضمون، فليكن الأستاذ مسعود محمد”، ورغم أنه كانت لديه بعض الملاحظات عليه، لكنه قال فليكن هو مرشحنا ونحن ندعمه، فهو رجل مثقف وواع وهو محام ومتعلم، فإذا فاز سيكون ملتزما بمبادئنا ويتصرف وفق نصائحنا، وإذا حاد عن الطريق سنتخذ منه موقفا آخر؟ فالأستاذ مسعود محمد كان في تلك الفترة يتقلب بأفكاره، فتارة تراه بعيد النظر، وتارة تجده خانعا، ففي بعد نظره كان متأثرا ببليخانوف وبكتب أنجلز ومؤيدا لتحليلاته في تفسيره للتاريخ ومنتقدا لبعض أفكار ستالين. أما خنوعه فقد كان مرنا مع الحكومة وخاصة فيما يتعلق بالمواجهة ضد الإقطاع، ومع كل ذلك فقد رشحناه وأعددنا برنامجه الإنتخابي، وتحمل الحزب تمويل دعاياته الانتخابية التي بلغت نحو 100 دينار. لقد تم إبلاغه فقط بالترشيح وأن لا يتدخل في شيء، وأنا كنت واحدا ممن تولى الدعاية الانتخابية له في المدينة والقرى والأرياف بالمنطقة.

أتذكر بأنني عندما ذهبت لأول مرة الى بعض القرى التي كنت أعرف سكانها أخذتهم معي الى طقطق للإدلاء بأصواتهم لصالحه، ولأول مرة مزقت حذائي هناك وتقدمتهم برجلين حافيتين وكان المطر ينهمر علينا في الطريق وبذلك تشجع الفلاحون حين رأوني وأنا إبن المدينة وطالب جامعي شاب أتقدمهم حافيا وبنشاط، فتحرجوا وجاءوا معي كلهم وأدلوا بأصواتهم لصالح مرشح الحزب. لقد صوتنا جميعا لصالح الأستاذ مسعود وكان منافسه هو الملا حويز أغا الذي كان إقطاعيا رجعيا في كويسنجق ولم يحصل إلا على أًصوات قليلة. وبذلك أصبح الأستاذ مسعود أول نائب عن البارتي يدخل البرلمان، والحق أن كاكة زياد أغا لم يخالفنا وأبدى دعمه لترشح الأستاذ مسعود وأخذ الأمر بروح رياضية وقال دعوه يدخل هو الى البرلمان هذه المرة، وهكذا أصبح لنا ممثل في البرلمان.

 

* لماذا لم يترشح آخرون عن البارتي بالمناطق الأخرى؟

-لم نكن قد هيئنا أنفسنا في مناطق أخرى، وإلا كان بإمكان ممثلينا في السليمانية وأربيل أن يفوزوا بالإنتخابات.عندها افتتحت المدارس ورافقت الاستاذ مسعود في سفره الى بغداد هو كنائب منتخب وانا كطالب واتذكر بان سفرتنا كانت عن طريق اربيل.

 

PUKmedia 

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket