16 اكتوبر في الميزان

الاراء 12:31 PM - 2018-10-14
دارا جباري

دارا جباري

تعالت الصيحات والانتقادات وكثر الكلام وزادت حدة غضب الشارع الكوردي،واقيمت لقاءات عديدة بما تخص حادثة (16) اكتوبر، والانسحاب المفاجئ للكورد في مناطق النزاع بين المركز والاقليم،تعرضت حزب الطالباني لأشرس إنتقادات ابرزها من الديمقراطي الكوردستاني واتهموهم بالخيانة العظمى إذ فتحوا خنادق المواجهة أمام القوات العراقية والايرانية بحسب ما يقوله بعض القادة في قوات البيشمركة الكردستانية الموالية للسيد مسعود البارزاني رئيس اقليم كوردستان السابق.

،كما اعرب المواطنين وبالاخص في مدينة كركوك وقضاء خورماتو عن إستيائهم من هذه الخطوة وأصابوا بالإحباط واليأس من حكومة كوردستان وبالتحديد في قضاء خورماتو الذين تعرضوا لأبشع حالات الظلم والقتل والتهجير وإحراق البيوت وتفجيرها، لكن هذه الحادثة تحتاج الى وقفة جدية والولوج اليها بعين العقل وتقييمها بالمنطق لنصل إلى لب الموضوع والخروج منها بنتائج واقعية التي أدت وافرزت هذه الحالة،والحكم على الموضوع بحيادية تامة، وإبعاد القشرة المتمسكة بالحادثة لبيانها وتحليل دقيق و واقعي، من أجل الخروج منها دون أن نظلم طرفا بعينه، حتى تتضح الرؤى ونصل الى بر حقيقة ما جرى، ولماذا لم تقاوم القوات الكوردية الجناح الايسر من الجنوب الشرقي للبيشمركة الكوردية،المتمثلة بقوات الاتحاد الوطني الكوردستاني.

 لا أحد يمكنه أن ينكر دور القوات الكوردية في الحرب ضد داعش حيث أصبح هذا الدور يعرف على المستوى العالمي، وهم من كسروا واحبطوا وهزموا وابطلوا اسطورة داعش الهدامة،سقطوا أمام أسوار كوردستان واصيبوا بالدهشة من المقاومة الشرسة للكورد أمامهم، وكيف لا وهم من ألحقوا الهزيمة بدولتين هما سوريا والعراق، إلا انهم يأسوا من العبور الى داخل كوردستان بسبب المقاومة الفعلية والجبارة للكورد ضدهم،ووقفوا أمامهم كالحصن الحصين.

رأى الكورد بأن الفرصة متاحة والأجواء مناسبة والمواقف الدولية غير المعلنة رسميا مهيئة لإجراء الإستفتاء وإعلان إستقلال الأقليم عن العراق، والخطوة التي طالما حلم الكورد بها واقامت ثورات عديدة في سبيلها، وبررت الأقليم هذه الخطوة إستنادا إلى عدم إلتزام المركز بالدستور وخرقها وقطع ميزانيتها المالية وغيرها من الالتزاماتالاخرى، رغم تلقي حكومة الأقليم بأشد واوضح العبارات والأساليب الرفض الدولي لهذا الإجراء، إلا أنها أصرت ورأت بأن هذه الخطوة من حق جميع شعوب الأرض ولا يحق لأحد منع الكورد من ممارسة حق تقرير المصير، إيمانا منها بقاعدة (ما كان لغيرنا يكن لنا).

انتهى الإستفتاء وحصل على نتائج إيجابية كادت أن تقترب من 100 %، لكن لم تكن هذه الحالة لتمر على كوردستان دون مواجهة فعلية من الدول الأقليمية والدولية، وبالأخص إيران وتركيا اللتان رأتا في هذا الإجراء تهديدا مباشرا لأمنهما القومي حيث يقع ارض الكورد ضمن نطاق حدود دولتهم، وبهذا أنتج الإستفتاء تحالفات جديدة، ووحد صفوفا منشقة،توحدت كلمتهم وعادوا الى اجتماعاتهم المغلقة والسرية كسابقاتها ضد الكورد، والتآمر عليه، كل بما تقتضيها مصلحتها القومية والاقتصادية والسياسية، والعسكرية منها كذلك،فهددت الحكومة المركزية بإجراء عقابي حاد ضد الأقليم ورأت أن هذا الإجراء تم تحت قوة السلاح والتهديد العسكري والمواقف المعادية لإجراء الإستفتاء والخيارات العسكرية لم تتخذ إلا حين الأنتهاء منها، هذه الخطوة التي يجب الوقوف عليها.

لماذا لم تمنع الدولة العراقية حكومة الأقليم إجراء الأستفتاء وفتحت المجال أمامها وأجلت خيارات المواجهة لما بعد الاستفتاء، رأت الحكومة العراقية والدول الأقليمية بأن هذا الإجراء تصب في مصلحتهم ويمكنهم من تحجيم الكورد في جميع مناطق النزاع واجبارهم على الخروج منها، وقد حصلوا على ما كانوا يريدون ويخططون لها منذ فترة بعيدة،وقد منحه حكومة الاقليم هذه الفرصة وفتحت الطريق امامهم وسهلت عمليتهم بإجراء الاستقتاء.

وعلينا أن لا ننسى بأن الخطاب الكوردي كان خطابا متشنجاً تجاه المركز، وكانت الحكومة العراقية تحاول على الدوام التخفيف من حدة الصراع ودعت على لسان رئيس وزرائها الى الاتفاق على المناطق المتنازعة عليها، واطلقت على هذه المناطق بالمتفق عليها، إلا ان حكومة كوردستان أصرت على إجراء الاستفتاء لعدم ثقتها بالمساعي والحلول المطروحة من قبل الحكومة العراقية، ولا نكون مخطئين إن قلنا بأن المخاوف الكوردية كانت في محلها، والوضع في قضاء خورماتو وما جرت هناك خير دليل على عمق الخلاف بين الاقليم والمركز.

خدع الكورد من قبل أمريكا مرة أخرى، حيث كانت الولايات المتحدة الأمريكية تساند وتؤيد هذا الموقف على الخفاء، وبعض الدول الأوروبية الأخرى، وبعض دول المحيط العربي منها المملكة العربية السعودية والأمارات العربية المتحدة، وبالرغم مما جرى فإن الأقليم كانت ستواجه تحديا ً ومواجهة عسكرية من قبل الحكومة المركزية بسبب الخلاف الدائر بينهم في مناطق النزاع وذلك بسبب عدم التنازل من قبل كلا الطرفين في هذه المنطقة، إلا أن الأستفتاء أعطت الحق وسهل الأمر ووحد الصف المعارض وزاد من قوة مواجهة المركز و حصلت على الدعم الدولي لها.

القوات الكوردية قاومت ليلة (16) اكتوبر وبقوة حيث أستطاعوا أن يصدوا القوات العراقية في محاور عدة حيث يأست هذه القوات من العبور، إلا أن المفاجئة كانت الإنسحاب المفاجئ للكورد وفتح الطريق امام القوات العراقية وإخلاء المعسكرات لدخول القوات العراقية إليها، حيث عرف وأستوعب القادة في الاتحاد الوطني الكوردستاني بأن هذه المعركة سوف تكون نهايتهم العسكرية وتنتهي بنهاية سياسية أيضا في العراق، ورأوا بأن الوضع مختلف تماما عن الثورات الكوردية السابقة، حيث كانت بالأمس تساندهم إيران وتزودهم بالعدة والعتاد ضد الحكومات العراقية المتعاقبة، واليوم تقف ضدهم في خندق واحد ومعادي مع الحكومة العراقية التي تعتبر ايران نفسها صاحبة الحكومة الحالية وداخل هلالها الشيعي، واستوعبوا كذلكً بأنهم لا يمكنهم الصمود والتصدي لفترة طويلة، بسبب إمكانية المراكز العسكرية والدعم الاقليمي لها عسكرياً ولوجستيا، وكما رأت القادة في الاتحاد الوطني الكوردستاني بأن هذه المواجهة أنتحار عسكري وسياسي تفضي بهلاكهم وطمسهم، وكانوا في موقف محرج جدا قلما يمكن الخروج منها من دون خسائر فادحة، ووقعوا بذلك بين المطرقة والسندان وقد إختاروا أخف الضررين، وخرجوا منها بأقل خسائر في الأرواح، وحافضوا على مدينة كركوك من الخراب وهلاك أهلها رغم الصعاب التي اصاب أهلها من الهجرة الجماعية والتشريد والهروب خوفاً من القوات المنتشرة في المدينة، وبهذا فقد الأتحاد الوطني الكوردستاني إمتيازات كثيرة وتقلصت نطاق حدود سيطرته وتم تحجيم الأقليم وحوصرت وفرضت عليها غلق المطارات الدولية وغلق حدودها من الجانب الايراني.

أخطأت حكومة ألأقليم في حساباتها وتقييمها للمواقف الدولية، ولم تأخذ بعين الإعتبار الرفض الدولي لأستفتاء كاتالونيا وما أفرزتها النتائج والحصيلة للأستفتاء، كان من الصعب الحصول على الدعم الدولي، وفور تصويت البرلمان الكتالوني على بدء عملية انفصال الإقليم عن إسبانيا، سارعت كبار الدول الغربية، ومن بينها اميركا، وبريطانيا، وفرنسا وألمانيا، إلى إعلان عدم اعترافها بخطوة برشلونة، وتأكيد دعمها لجهود مدريد من أجل الحفاظ على وحدة أراضي البلاد، مشيرة في الوقت نفسه إلى ضرورة اعتماد الحوار وسيلة لحل الأزمة، ولاننسى الموقف الأمريكي الرافض لشبه جزيرة القرم من إجراء الأستفتاء  بغرض الانفصال عن أوكرانيا والأنضمام لروسيا حيث حذر الرئيس باراك أوباما في حينها من أن تنظيم الاستفتاء سيمثل انتهاكا للقانون الدولي وللسيادة الأوكرانية، كانت على حكومة اقليم كوردستان الأخذ بعين الإعتبار وعدم اجراء الاستفتاء في الوقت الحالي بسبب هذه التناقضات الدولية في المواقف من الأنفصالات العالمية الموجودة في بعض الدول الغربية، وصعوبة الحصول على الدعم العالمي الرافض لهذه الإجراءات التي اتخذت من قبل هذه الدول، حيث أخطأت حكومة كوردستان في التوقيت واختيار الزمن والموقف المتأزم في العراق والمنطقة، لم تكن المحيط لتتحمل مزيدا من الصراعات العسكرية، والعراق كان على ابواب الانتهاء من حرب داعش والدول الغربية ساندت العراق لوقف مزيدا من الحروب والمواجهات العسكرية والإنزلاق نحو حرب أهلية، ويبقى في هذه الحادثة خفايا لا تعرف إلا من عمل فيها خلف الستار، وما خفي أعظم ...

 

 

بقلم/ دارا جباري

 

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket