معركة عفرين تناسب الجميع... وتحرجهم

تقاریر‌‌ 01:42 PM - 2018-01-30
معركة عفرين تناسب الجميع... وتحرجهم

معركة عفرين تناسب الجميع... وتحرجهم

العملية العسكرية التي بدأتْها تركيا مطلع الأسبوع الجاري وأطلقت عليها اسم «غصن الزيتون» تُلائم أطرافاً عدة لاعبين على الساحة السورية وتُحرجهم في نفس الوقت. ويبقى الخاسر الأكبر هو الطرف الكوردي الذي فشل في الحصول على حليف محلي ودولي يحميه ويقف إلى جانبه، على الرغم من طرْح نفسه كحليف مُناسِب لأمريكا وإسرائيل وبعض دول المنطقة.

 

موقف دمشق

تَعتبر حكومة دمشق أنها الرابح الأكبر في عملية «غصن الزيتون» لأسباب متعددة، يمكن تلخيصها بالآتي:

تمدّ أنقرة «غصن الزيتون» إليها في محاولة لرفْع وتيرة وحرارة الاتصالات بينها وبين دمشق. فالاتصالات الأمنية التركية - السورية بدأت قبل فترة، ومعها بدأ المسؤولون الأتراك بتسريب تصريحات يقولون فيها إن «سورية لا تشكل خطراً على تركيا» بالرغم من تصريحات متفرّقة إعلامية للرئيس التركي رجب طيب اردوغان يطلقها بين الحين والآخر لأغراض إعلامية ولتوجيه رسالة إلى حلفائه السوريين في المعارضة الذين لا يزالون يقاتلون تحت راية تركيا على الجبهات السورية.

أما بالنسبة لدمشق فهي طلبتْ من كورد عفرين تسليم الملف الأمني والملف المالي على أن تكفل هي منْع أي هجوم تركي على المنطقة الحدودية وعلى كل المقاطعة. والسبب في ذلك يعود إلى تصرّف الكورد مع السوريين إذ لا يُسمح لأي مواطن سوري بدخول عفرين من دون الحصول على تصريح من «وحدات الحماية الكردية». وكذلك تُجبى الضرائب وتُجمع أموال عائدات البيع من النفط والمحصول وتُشترى الأراضي من السوريين العرب، لتقدر أموال المقاطعة بمليارات عدة من الدولارات. وقد أعلن المسؤولون الكورد - أثناء المفاوضات مع دمشق - عدم استعدادهم لتسليم الملف المالي والعائدات إلى وزارة المال السورية، وكذلك الملف الأمني، على الرغم من إبداء الحكومة المركزية استعدادها لإرسال 5000 جندي وضابط سوري إلى عفرين ونشر الوحدات على طول الحدود مع تركيا التي بدورها وافقتْ على ذلك.

ويحاول كورد عفرين إبقاء نفوذهم داخل المدينة وقد طالبوا بإرسال شرطة سورية ووحدات صغيرة كافية لإقناع تركيا بتواجد الجيش السوري، إلا أن دمشق رفضت ذلك: فإما إعادة سيطرة الدولة على كافة الأراضي السورية وإما مواجهة نتائج القرارات الكوردية.

ولا تخفي حكومة دمشق عدم امتعاضها من العملية العسكرية التركية، لأن ذلك من شأنه إضعاف موقف الولايات المتحدة التي تَظهر بموقف المتخلي عن حلفائه وان مصلحتها فوق أي صداقة على الرغم من استخدام الكورد في قتال «داعش» على الجبهة الشمالية السورية تحت راية واشنطن.

وكذلك تقف دمشق في موقف المتفرّج أمام اختبارِ قوةِ تركيا ضد وحدات الحماية الكوردية. فقد أظهرت أنقرة ضعفها على الجبهة السورية عند قتالها «داعش»، كما أَظهر حلفاؤها عدم قدرتهم على احتلال مناطق كبيرة والمحافظة عليها عند وجود خصمٍ عنيد ومُصمِّم. ولذلك فإن المعركة من شأنها إضعاف القوة العسكرية للكورد ولتركيا وحلفائها.

وهكذا، فإن الجيش السوري يستمتع اليوم بمشاهدة القوات التابعة لتركيا (قوة درع الفرات) وهي تخفّف وجودها في محيط مدينة وأرياف إدلب. وهذا يعيد إلى الذاكرة معركة حلب حين استدعتْ تركيا حلفاءها للقتال على جبهة «داعش» واضطرت لذلك إلى سحب قوات بالآلاف من حلب ما ساعد في استعادة المدينة بوقت أسرع وخسائر أقلّ. وتعتمد دمشق على كلام أنقرة انها «لن تتراجع في عملياتها ضد عفرين»، وهي تنتظر الوقت الذي سيقتنع فيه كورد عفرين بأن الوقت قد حان لتسليم المدينة بعد ان يستنزف الطرف الكوردي والتركي مقومات النجاح في الدفاع عن المقاطعات (من قبل الكورد) أو احتلالها (من قبل تركيا وحلفائها).

 

موقف واشنطن

تجد أمريكا نفسها في موقف يقدّم الكثير من الدعم الكلامي إلى كورد سورية وهي تطلب من الجميع «ضبط النفس» والالتفات إلى «عدم سقوط ضحايا مدنيين»، إلا أن واشنطن تدفع بحلفائها الأوروبيين الى الطلب من مجلس الأمن التدخل لإنهاء الصراع في عفرين وهي لم تطلب طوال أعوام الحرب الستة وقف الحرب السورية.

غير أن أميركا تراقب أداء الجيش التركي وتتمنى أن يَنكسر عنفوان أردوغان على صخور الكورد في عفرين. وهي سلّمت أسلحة مضادة للدبابات استخدمتْها التنظيمات الكوردية ضد الاندفاعة التركية وأعطبت دبابات عدة أثناء الهجوم على عفرين.

وفي اعتقاد أمريكا ان التدخل التركي في عفرين مغامرة غير محسوبة النتائج. فأنقرة تستطيع توقيت بداية المعركة ولكنها لا تستطيع توقيت نهايتها وبالتالي فهي لا تتحكّم بعقارب الزمن.

وتُعتبر أمريكا أحد الخاسرين في هذه المعركة، مهما كانت نتائجها، إذ أثبتت أن التحالف معها هشّ ولا يستطيع أي فريق الاعتماد عليه. وقد أكد ذلك وزير الخارجية الاميركية ريكس تيلرسون الذي قال إن بلاده تريد إقامة «منطقة آمنة» على الحدود السورية. إلا ان هذا الكلام لا يتناسب مع طلب أنقرة التي تريد إزاحة الكورد من حدودها ولا تريد لهؤلاء التسلّح وامتلاك الأموال الطائلة التي يستطيعون من خلالها إنشاء دولتهم التي تشجّعهم عليها واشنطن لتُبقي احتلالها لسورية لمدة طويلة.

وتشنّ تركيا هجوم «غصن الزيتون» من 4 محاور وتحتلّ مواقع وتنسحب من أخرى وهي تهدف إلى التوغل واحتلال منطقة يسكنها نحو مليون نسمة ومساحتها نحو 3800 كيلومتر مربع.

وهذا «الغصن» لن يكون بالسهل تحقيق أهدافه من جانب تركيا، فكلما طال أمد المعركة، كلما خسر الطرفان الكوردي والتركي من المعدات والمقاتلين والمال لتمويل الحملة العسكرية وكذلك السمعة.

فإذا فشلتْ تركيا في هذه العملية فستصبح دولة ذات نفوذ أقل بكثير - ليس فقط في سورية - بل في منطقة الشرق أوسط ككل، وكذلك ستتأثّر سمعتها كدولة عضو في حلف «الناتو».

فالجيش التركي وحلفاؤه في موقع هجومي يحتاج لعدد أكبر من الرجال والجهد الحربي، وسط عدم معرفة بالأرض وغياب بيئة حاضنة لهم. فيما يتمتع الكورد بسيطرة على الأرض ومعرفة بتضاريسها وأهلها ويحتاجون لقوة أقلّ للدفاع.

ولكن الكورد يبقون الخاسر الأكبر في هذه المعادلة وهذه الحرب - إلا إذا خرجوا منتصرين - لأن نسْج التحالفات مع أمريكا كان خياراً خاطئاً بينما كانت خياراتهم صحيحة في سنوات الحرب الأولى، إلى أن حضرت واشنطن وقواتها إلى الحسكة وكوباني وأقنعتْهم بتقسيم سورية.

واليوم يَتّهم الكورد من «قوات سورية الديموقراطية» الطرف الروسي بـ«الخيانة»، وهم مجموعة أنشأتْها أمريكا وسلّحتْها وتديرها قوات واشنطن الخاصة، وهؤلاء يتوقعون الدعم الروسي فيما يعملون لإفشال جهود موسكو في سورية لمنع تقسيم البلاد.

وها هي دمشق تنتظر الكورد في أسفل الطريق لالتقاطهم أثناء سقوطهم لأنها - على ما يبدو - الحل الوحيد المتبقي لإنقاذهم.

 

 

PUKmedia/ عن صحيفة الرأي الكويتية 

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket