السفير د.محمد صابر: الهيبة والمكانة رجعت للعراق حينما اصبح مام جلال رئيسا للجمهورية

لقاءات 02:52 PM - 2023-11-01
لقاء موقع مؤسسة الرئيس جلال طالباني

لقاء

لقاء قناة العربية، مع السفير الدكتور محمد صابر إسماعيل، حول البرنامج الوثائقي عن حياة مام جلال طالباني، امين عام الاتحاد الوطني الكردستاني ورئيس جمهورية العراق. كامل لقاء قناة العربية مع الاستاذ الدكتور، محمد صابر، حول البرنامج الوثائقي عن حياة مام جلال طالباني، امين عام الاتحاد الوطني الكردستاني ورئيس جمهورية العراق

* أرحب بك جدا دكتور محمد صابر اشكرك جزيل الشكر على هذه المقابلة، بداية اريد ان اسألك سؤال شخصي جدا، ماذا يعني لك مام جلال طالباني؟
السفير الدكتور محمد صابر إسماعيل: اولا انا اعتبر نفسي تلميذا ل-مام جلال بكل ما تعنيه الكلمة، واعتبره استاذا لي بكل شيء، ثانيا مام جلال هو سياسي كبير ومفكر ومثقف من الدرجة الاولى، وهو قانوني وكذلك صحفي وقائد عسكري وسياسي ورجل دولة، بهذه الصفات كان مام جلال بالنسبة لي قدوة اقتديت به اثناء عملي معه.

* عندما يذكر اسم مام جلال طالباني امامك ما الذي يخطر ببالك عنه؟
السفير الدكتور محمد صابر إسماعيل: اتذكر كل ذكرياتي معه، اتذكر نضاله وتاريخه وتضحياته، وكل مايتعلق به من نضال، منذ طفولته الى يوم مرضه ويوم وفاته، كل هذه الذكريات موجودة في اعماقي ولايمكن ان انساها دقيقة واحدة، وانا اتشرف بأني تعرفت على مام جلال، منذ كنت صغيرا وطالبا في الصف الثالث المتوسط، منذ ذلك الوقت ولحد وفاته، كانت علاقتي بمام جلال علاقة جيدة جدا، علاقة تلميذ بأستاذه، لكنه كان استاذ عصري وليس استاذ على الطراز القديم، تعلمت منه اشياء كثيرة افتخر بها.

* بعد خمسين عاما من النضال السياسي والعسكري، ما الاثر الذي تركه مام جلال فيك بشكل شخصي وفي شعب كردستان بشكل عام؟
السفير الدكتور محمد صابر إسماعيل: لان مام جلال كان شخص فريد من نوعه، وكان سياسي كبير ورجل دولة وقائد عسكري عظيم ومرشد ومنظر ومفكر، لذا كان أثره كبيرا علي، كل اشياء الجميلة كانت موجودة في شخصية مام جلال، فهو كان رمزا للوفاء والوئام والسلام، كان شخصا ديمقراطيا بمعنى الكلمة يسمع منك ويستمع اليك، يعطي رأيه ويأخذ رأيك، انا لم اصادف شخصا مثل مام جلال يملك كل هذه الصفات والثقافة والتواضع، حقيقةً تواضعه كان كبيرا، لأنه بقي متواضعا حتى عندما أصبح رئيسا للجمهورية في العراق.
فمام جلال لم يكن يريد العمل بالبروتوكول في رئاسة الجمهورية، فقد كان يخرج من البناية ليستقبل ضيوفه، لذا كان موظفو البروتوكول على الدوام عندهم مشاكل مع مام جلال، لرفضه العمل بالبروتوكول وكان يقول لهم، هذه طبيعتي، وانا نفس الشخص منذ أن كنت طفلاً وتلميذاً الى ان اصبحت محامياً وقانونياً فيما بعد، ولا يمكن ان اترك هذه الصفات الشخصية، لأنني أصبحت رئيسا للجمهورية.

* لنتحدث عن نشأت مام جلال، باعتبارك صديقا قديما له، ما السياق التاريخي والثقافي الذي أثر عليه في تلك المرحلة؟
السفير الدكتور محمد صابر إسماعيل: بداية، مام جلال هو ابن أحد شيوخ الطالبانية، الشيخ حسام الدين ابن نورالله ابن شيخ نوري ابن شيخ غفور الطالباني، ولد في قرية كلكان على سفح جبل كوسرت المطلة على سد دوكان.
 عندما اصبح والده مرشدا للتكية الطالبانية في كويسنجق، انتقلت عائلته الى تلك المدينة، وكان هو  صغيرا جدا في العمر لايتجاوز سبع الى ثمان سنوات، لذلك التحق هناك بالمدرسة الابتدائية، حيث كان طلاب صفه في البداية وكذلك اساتذته لا يحبونه، لان لهجته كانت قروية وليست اللهجة الدارجة في كويسنجق، ولكن وبعد مدة قصيرة، انقلبت الاية واصبح مام جلال محبوبا لدى الطلاب و الاساتذة، ومنذ ذلك الوقت ظهرت وبرزت علامات القيادة والذكاء فيه، وتعلم روح الوطنية في البيت، لان كان عنده ابن عم اسمه كاكه سور، تعلم منه مام جلال، حيث كان ابن عمه يعلمه حب الوطن ووطنية  شيوخ الطالبانية، مام جلال تعلم اشياء كثيرة من كاكه سور والذي اثر عليه من ناحية الروح الوطنية.
 مام جلال في المدرسة كان محبوباً جداً وكان طالباً متميزاً، وفي كل مراحله الدراسية، الابتدائية والمتوسطة والثانوية، كان الأول على اقرانه في الصف، لذلك كان محبوباً لدى الطلاب والاساتذة، وكان عنده استاذ تاريخ اسمه عمر، يحب مام جلال كثيرا، تعلم منه مام جلال الكثير عن تاريخ الكرد وتاريخ الحركات الكردية وتاريخ الشعوب في العالم، منذ طفولته، وكذلك استاذ الرياضة، كان اسمه كمال عبد القادر، شجعه ودرسه ورباه على روح الوطنية.
هذه الارضية، في البيت و المدرسة، اثرت على مام جلال وهيأته ليكون قائدا عظيما في المستقبل، فهو عندما كان في الصف الرابع الابتدائي، كتب مقالا وخطابا لاحياء عيد نوروز، حيث كان احياء عيد النوروز في ذلك الوقت ممنوعا وليس عيداً رسمياً، كتب الخطاب و قرأه في احتفالات عيد نوروز في كويسنجق، والذي اثار اعجاب وانتباه المشاركين والحاضرين، في هذا العمر الصغير عندما كان في الصف الرابع و الخامس الأبتدائي، كتب مقالا باسم ئاگر (النار)  نشر في صحيفة (رزكاري)، على هذه الارضية و الخلفية، تَعَلَمَ وكَبُرَ مام جلال،  اثر عليه اساتذته في مدرسة كويسنجق، وهو كان منذ البداية، ذكياً ومحباً للتعلم والقراءة، ولأنه كان الابن الوحيد و المدلل عند والده الشيخ حسام الدين، كان اي مصروف ومال يعطيه له والده يصرفه  لشراء الكتب و المجلات، بدل صرفه على نفسه.

 عندما كان مام جلال في الصف الخامس الابتدائي، كانت هناك مكتبة في كويسنجق، كان مام جلال يشتري الكتب والمجلات منها، وله اشتراك في جريدة الاهالي التي كانت تصل الى المكتبة، وانتم تعرفون ان (الاهالي) كانت تصدر من قبل كامل الجادرجي وهو احد الديمقراطيين والسياسيين البارزين في العراق في ذلك الوقت، وكان مام جلال، يصرف ايضا كل مالديه من مال لشراء مجلة گلاويز و المجلات والصحف الاخرى التي كانت تصدر آنذاك، فيحفظ الاشعار الوطنية، وفي الصباح بالمدرسة كان يقوم بقراءة الاشعار الوطنية لبقية الطلاب، وعند نهاية الدوام ايضا، يلقى خطابات واشعار على  اصدقائه من الطلبة.
 لذلك كان مام جلال شخصية فريدة من نوعه وتربى على يد اساتذة جيدين و هو كان  ذكيا و سريع البديهة منذ طفولته والى حين وفاته، هذه خلفية مام جلال، هو اكمل المرحلة الابتدائية والمتوسطة في كويسنجق، و درس الصف الرابع الثانوي في اربيل وبعد تخرجه من الصف الرابع تم اعتقاله لنشاطه السياسي ونفى وابعد الى الموصل حيث بقى اقل من عام فيها، بعدها التحق بالأعدادية في مدينة كركوك واكملها هناك، وبعد ذلك لانه كان يكمل صفوفه الدراسية بالأعفاء العام الى نهاية الاعدادية، كان هذا القانون معمول به في الدراسة الاعدادية،  الطالب الذي يكون درجاته ومعدله اكثر من تسعين فانه يعفى من الامتحانات النهائية، مام جلال كان من هؤلاء الطلبة، فعند تخرجه كان يريد ان يدرس الطب، ولكن بسبب خلفيته السياسية و نشاطاته فأن السلطات الامنية لم تسمح له بالتقديم لكلية الطب، لذا التحق بكلية الحقوق بجامعة بغداد سنة (1952).

*لنتحدث عن موضوع جمهورية مهاباد وتأثر مام جلال باخبار هذه الجمهورية والشخصيات الثورية الكردية فيها، مثل عمر دبابة وملا مصطفى بارزاني، واهتمام مام جلال بالأدب الكردي، بالإضافة الى عائلته ذات الجذور الصوفية العريقة، هل يمكن ان تلخص لنا تلك المؤثرات في نشأة مام جلال الفكرية والقومية؟
السفير الدكتور محمد صابر إسماعيل: كما قلت من قبل، مام جلال كان شخصاً فريداً من نوعه، يقرأ و يكتب و يتابع، وكان له نشاطاته السياسية منذ العام 1946، حيث دخل النشاطات الطلابية و اسس مع بعض رفاقه جمعية باسم (تطوير القراءة KPX) واصبح سكرتيراً لهذه الجمعية، وكان لديه اتصالات مع العديد من الناشطين، و مثلما قلت كان لأساتذته دور كبير في تربيته والطلاب معه على الوطنية، لانهم كانوا اساتذة وطنيين جداً تعلم منهم مام جلال كثيراً، وكان هناك في ذلك الوقت، مسألة حكومة مهاباد والتي تأثرت بها الحركة الكردية في كردستان العراق تأثراً كبيراً، وخاصة ما حدث لكردستان ايران و لجمهورية مهاباد والقاضي محمد، والتحاق بعض الرفاق من كردستان العراق بحركة القاضي محمد، مثل المرحوم ملا مصطفى بارزاني و الضباط الاكراد، الذين كانوا موجودين في صفوف الجيش العراقي، أكيد لديكم علم بالضباط الاربعة الخيرين والذين كانوا مع البارزاني عندما التحق بالثوار الكرد في كردستان ايران  والقاضي محمد.
كان لكل هذا تأثيرا كبيراً على الكرد في العراق وخاصة اعدام القاضي محمد و فشل حركته، حيث تأثر مام جلال كثيرا بها، واصبح ذلك دافعاً و مرشداً له للنضال من اجل حقوق شعبه، ومام جلال كان متأثراً بالمرحوم مصطفى بارزاني و استاذه عمر دبابة، والذي ادخله الى الحزب الديمقراطي الكردستاني في 1947، ومام جلال اساسا كان نشطا ووطنيا و متابعا، اهتم بكل ما يحدث  حوله سواء في كردستان العراق او كردستان ايران وعلى الساحة السياسية العراقية ايضا، وكان منذ الصغر الى جانب اهتماماته الوطنية والقومية وحفظه الاشعار الوطنية، يعتبر الادب جزء من حياته الى جانب الثقافة والتراث الكردي.

* كيف بدأت العلاقة بين مام جلال وملا مصطفى بارزاني وكيف كانت تلك العلاقة؟
السفير الدكتور محمد صابر إسماعيل: لم يكن لمام جلال علاقة بملا مصطفى البارزاني في البداية، لكن بعد مشاركة بارزاني في انتفاضة الشعب الكردي في كردستان الايرانية وبعد اعدام القاضي محمد، عندما اجبر ملا مصطفى على السفر الى روسيا، اصبح مام جلال عضواً نشيطاً في الحزب الديمقراطي الكردستاني والذي كان اسمه في البداية الحزب الديمقراطي الكردي، مام جلال عن طريق عضويته في الحزب تعرف على بارزاني، وبعد ذلك عندما شارك مام جلال في مهرجان الشباب العالمي في بولونيا عام 1952، اثار اعجاب وانتباه كل المشاركين، وحتى الوفد الصيني كان معجباً به ووجهوا دعوة رسمية له لزيارة الصين، بعد انتهاء مهرجان الشباب في وارشو، كان مام جلال واحد الطلاب العرب مدعوين من قبل حكومة الصينية وسافروا الى هناك بالقطار عن طريق موسكو، لما وصل القطار العاصمة الروسية حاول مام جلال ان يلتقي بملا مصطفى، لكنه لم يستطع لذا ارسل رسالة الى ملا مصطفى بيد احد الصحفيين العرب، وبعد انتهاء زيارته للصين حاول ان يلتقي ببارزاني لكن مع الاسف لم يستطع ايضا، ولكن بارزاني في ذلك الوقت، ارسل رده على رسالة مام جلال، وقدم له توجيهات يعمل به عند عودته لكردستان العراق، مام جلال من جهته اوصل توجيهات بارزاني الى  الحزب الديمقراطي.
في العام 1957 عقد مهرجان الشباب العالمي في موسكو والذي شارك فيه مام جلال ايضاً، وفي زيارته هذه المرة التقى بملا مصطفى بارزاني، وهو كان اساساً معجب به لانه كان يعتبره ثوري ومناضل يكافح من اجل وطنه وقوميته، منذ ذلك الوقت والى العام 1964 كانت علاقة مام جلال وبارزاني جيدة، عندما حدث الانشقاق بين جناح المكتب السياسي وجناح بارزاني، وكان مام جلال الى جانب المكتب السياسي، الى ذلك الحين كان واحداً من معجبي البارزاني.

* لماذا انشق مام جلال عن الحزب الديمقراطي الكردستاني؟
السفير الدكتور محمد صابر إسماعيل: مام جلال لم ينشق عن الحزب في العام 1964، كانت هناك طبعا حركة او ثورة كردية نحن نسميها ثورة ايلول والتي بدأت بعصيان معظم رؤساء العشائر والآغاوات في كوردستان في 11 أيلول 1961، مام جلال في ذلك الوقت كان عضوا في المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني و الاستاذ ابراهيم احمد كان سكرتيرا للحزب في بداية تأسيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، المكتب السياسي لم يكن يريد القيام بالثورة لأنها كانت آنذاك قيادة واعية وتعتبر الظروف غير مواتية لبدء الثورة، لان الثورة تحتاج الى ظروف موضوعية وذاتية، وحسب رأيهم لم تكن الظروف ناضجة في ذلك الوقت، لذا ارسلوا المرحوم المناضل علي عسكري الى بهدينان، للقاء مصطفى بارزاني واقناعه بالتريث لبدء الثورة، ولكن العشائر الكردية سواء في منطقة السليمانية او بشدر بدأوا حركة مسلحة في دربنديخان و دربندي بازيان، وهاجمهم عبدالكريم قاسم بدوره في دربندي بازيان و دربنديخان و في بادينان.

 وتمكن عبدالكريم قاسم من السيطرة على الحركة وأفشالها، في ذلك الوقت كان هناك رأيين، كما قلت داخل الحزب الديمقراطي، اولها التريث لحين الوصول الى الظروف المواتية، والثانية كانت رأيها بأنه لايمكن ان يتخلوا عن الحركة لانها بدأت و قمعت من قبل عبدالكريم قاسم ويجب المشاركة فيها، لذلك اجتمع المكتب السياسي واللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكردستاني نهاية العام 1961 في كانون الاول على ما اتذكر في قرية عوالان في منطقة قريبة من دوكان، وتبنوا الثورة الكردية، مام جلال حينها اصبح قائدا عسكريا و سياسيا في منطقة دوكان و كوية، و اصبحت منطقة جمي ريزان مقرا له، هذه هي تاريخ الحركة الكردية، ولكن بالنسبة لانشقاق عام 1964، لم يكن مام جلال فقط من انشق عن الحزب بل اكثرية المكتب السياسي اي اكثر من (90%) من اعضاء المكتب السياسي و اللجنة المركزية، والذين لم يكونوا مع توجه ملا مصطفى، في (10/2/1964) وقع ملا مصطفى الله يرحمه، بيانا مع متصرف السليمانية الشيخ سيد محمود الذي كان يمثل عبدالسلام عارف في ذلك الوقت، وحسب هذا البيان والذي نحن نسميها خاصة جناح المكتب السياسي، ببيان (مشير بارزاني)، والبيان لم يكن فيه اي من مطالب الاكراد، فقط ذكر فيها عودة البيشمركة و القاء سلاحها، ولذلك كان غير مقبول بالنسبة لاكثرية اعضاء اللجنة المركزية و المكتب السياسي، في ذلك الوقت، ، كان الاستاذ ابراهيم احمد سكرتير المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني، في الخارج و بعد عودته، سافر مع مام جلال الى رانية لان ملا مصطفى بارزاني كان موجودا هناك و حاولوا اقناع بارزاني لتحقيق نوع من المصالحة، لمنع الانشقاق وفي البداية توصلوا الى نتيجة معه، لكن مع الاسف شديد كان هناك اناس متطرفين في المكتب السياسي في الحزب الديمقراطي في جناح مام جلال و استاذ ابراهيم احمد في ماوت، لم يقبلوا بهذه الاتفاقية، لذا جمع ملا مصطفى قواته وبمساعدة الحكومة العراقية، هاجم المقر المركزي للمكتب السياسي للحزب الديمقراطي، الذي كان موجودا في كيوه ره ش في ناحية ماوت، فقيادة الحزب الديمقراطي انذاك لم تكن تريد نشوب القتال بين الاخوة، اي القتال الداخلي، لذلك اصروا على اللجوء الى ايران و بعد الوصول الى ايران، طلب الايرانيين منهم القاء السلاح، وهم القوا السلاح و سافروا الى مدينة همدان ، بينما سافر قسم آخر منهم الى طهران ومن بينهم الأستاذ إبراهيم أحمد.

*نبقى في محور الخلاف الذي حدث بين المكتب السياسي و مام جلال من جهة و بين ملا مصطفى بارزاني من جهة اخرى، هناك حديث لملا مصطفى يقول فيها، ان ابراهيم احمد كان في ايران و تحرك بناءا على وعود ايرانية، وانه ربما ايران كانت هي السبب في اشعال الخلاف بين الطرفين، داخل الحزب الديمقراطي، ما روايتك حول هذا الموضوع؟
السفير الدكتور محمد صابر إسماعيل: باعتقادي هذا غير صحيح، لأن القضية الكردية في كل اجزاء كردستان محكومة بالجغرافيا و الحدود، مثلا لدينا اكثر من (500) كيلومتر من الحدود مع ايران، وايضا مع تركيا و كذلك مع سوريا، لذلك فالعدو الاساسي للشعب الكردي بحسب قناعتي، هو الجغرافيا السياسية لكردستان، لذلك، كانت الحركة و الثورة الكردية في ذلك الوقت و المركز الرئيسي للحزب الديمقراطي في ماوةت، وهي قريبة من الحدود الايرانية، لذا من الطبيعي ان تكون هناك نوع من العلاقة، لكنها غير ستراتيجية بل اضطرارية، لان حدودنا معهم هناك وكان حصار الحكومة العراقية ايضا موجودا، حصار حكومة البعث كان شديدا جدا، على المناطق الكردستانية سواء في منطقة السليمانية او المناطق الاخرى، للتاريخ اقول، ليس لدي معلومات حول علاقة جناح المكتب السياسي بايران قبل مهاجمة بارزاني لهم، لكن قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني كانوا اشخاص مثقفين و متنورين، امثال الاستاذ ابراهيم احمد و حلمي علي شريف و عمر دبابة و مام جلال، كلهم كانوا مثقفين من الطراز الاول اضافة الى علي عسكري، فمن غير المعقول بـأن تكون لايران دور في الانشقاق عن طريقهم، ولكن قد يجوز ذلك عن طريق بارزاني لانه كان على علاقة جيدة جدا مع ايران، وقد تكون ايران عملت على احداث الانشقاق من خلال ملا مصطفى بارزاني لانها كانت تعرف بان الحزب و قيادته كانت تقدمية ووطنية، وليست عشائرية لذا ارادت التخلص من هذه القيادة في ذلك الوقت.

* حسنا، انطلاقا من هذا السؤال، علاقة مام جلال و المكتب السياسي متى بدأت مع الايرانين، هل اثناء لجوئهم الى ايران او في وقت اخر، والى متى استمرت هذه العلاقة؟
السفير الدكتور محمد صابر إسماعيل: بحسب علمي، اضطر مام جلال و قيادة الحزب الى اللجوء الى ايران، عندما هاجمتهم قوات ملا مصطفى بارزاني، الذين أتوا من بادينان و من الضباط الموجودين داخل قوات البيشمركة، والذين هاجموا منطقة شاربازير و مقر الحزب الديمقراطي، كانت هناك خيارين امام قيادة المكتب السياسي، الاول ان يبدأوا القتال، ولم يكن ذلك  في مصلحة الكرد لتجنب القتال الداخلي، لان القتال الداخلي سرطان للحركة الكردية و لاي حركة اخرى، لذلك قيادة الحزب الديمقراطي من ضمنهم مام جلال اجبروا على ترك ماوت و كردستان العراق و اللجوء الى ايران، فلو كانت علاقتهم جيدة مع تلك الدولة، لماذا طُلِبَ منهم القاء اسلحتهم عند دخولهم الحدود الإيرانية؟!  ولم يسمحوا لهم بحمل السلاح، وذهبوا بهم الى معسكر بمدينة همدان، وخلال وجودهم في ايران توصل بارزاني وجناح المكتب السياسي الى اتفاق عن طريق عدد من الوسطاء، بعدها رجعوا وحسب الاتفاق كان من المفروض ان تعاد المسؤولية والمناصب لمام جلال و اعضاء اللجنة المركزية من جديد و ازالة اثار الانشقاق، لكن مع الاسف الشديد وضعوا مام جلال وقيادة المكتب السياسي في منطقة نائية يسمى بـ( دوله رقه)، وضعوا هناك لستة اشهر وكانوا تقريبا محاصرين، بعدها وصلت اخبار  الى مام جلال و قيادة المكتب السياسي، بأن ملا مصطفى يريد تصفيتهم و قتلهم، لذلك لم يكن امامهم اي خيار سوى العودة الى داخل المدن والاتصال بالحكومة العراقية، وفي سنة (1966) اتفقوا مع الحكومة العراقية والذي كان سعد بزاز رئيس الوزراء و عبدالرحمن عارف رئيس الجمهورية في حينها، ووقعوا الاتفاق المشهور باتفاق 29 حزيران و بحسب هذه الاتفاقية تم تأسيس جامعة السليمانية واصبحت نوروز عيدا رسميا لكل العراقيين وليس للكرد فقط، وجعلت دهوك محافظة بعد ان كانت قضاءا، هذا التأريخ والخلافات في الحركة الكردية تأريخ مؤلم وهذه حقيقة مؤلمة.

* ما علاقة مام جلال بالقضية الكردية في ايران تحديدا، وكيف كان ينظر لقضية الكرد في ايران؟
السفير الدكتور محمد صابر إسماعيل: مام جلال منذ طفولته عندما كان في المدرسة الابتدائية في كويسنجق، كان مؤمنا بحق تقرير المصير لكل الشعوب، بما فيهم الشعب الكردي، مثلا هو كان من رواد مكتبة كويسنجق، والمدينة كانت فيها مكتبتين، مكتبة كويسنجق الذي كان يرتادها الاعضاء المؤيدين للحزب الشيوعي العراقي في ذلك الوقت، و مكتبة حاجي قادر كويي وصاحبها كان من مؤيدي الحزب الديمقراطي، مام جلال كان في الصف الرابع في ذلك الوقت وكان من رواد مكتبة كويسنجق، وكان هناك الاستاذ فاتح رسول يرحمه الله، كان عضوا في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي وكان يجمع مام جلال والطلاب الاخرين و يثقفهم بمباديء الحزب، في يوم من الايام سأله مام جلال قائلا: أستاذ، هل الكرد قومية او امة من منظور الحزب الشيوعي، أجابه الاستاذ فاتح رسول: لا الكرد ليسوا قومية، حينذاك، قال له مام جلال: انتم لستم مؤمنين بحق تقرير المصير لذا ساترك هذه المكتبة، وتحول الى المكتبة الاخرى.
ومام جلال من البداية كان مؤمنا بحق تقرير المصير للشعوب وللكرد، وهو اعتبر الامة الكردية قومية من صميم قلبه، اعتبر مام جلال القضية الكردية صعبة و جغرافية كردستان صعبة جدا، بالنسبة لنا فأن الشعب الكردي في العراق له الحق كأي شعب آخر أن يتمتع بجميع حقوقه و بحق تقرير مصيره وهذا ينطبق كذلك على الكرد في تركيا، وكان هذا توجه مام جلال، لذلك، في البداية عندما اسقط خميني نظام الشاه في ايران تم البدء بمفاوضات بين (الحزب الديمقراطي "حدكا") و (كومةله) من جهة ومع حكومة طهران من جهة اخرى، ولكن فشلت هذه المفاوضات، وبدأت ايران بحملة عسكرية على كل مناطق كردستان ايران و هاجمت الحزب الديمقراطي و حزب كومةله، لذا طلبوا المساعدة من الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي كان مقره في ناوزةنك القريبة من الحدود الايرانية، لذلك شكل مام جلال قوة عسكرية ضخمة من ضمنهم قيادات عسكرية بارزة و سماهم قوة المساندة، وارسل هذه القوة لمساندة الحزب الديمقراطي الكردستاني- ايران و الحركة الكردية في ايران و ضحى بكثير من قادته البارزين في هذه المعركة، لان مام جلال  كان قوميا اولا ووطنيا ثانيا، وديمقراطياً، يحب التعايش مع الشعوب الاخرى، لكن هناك ظروف اضطرته  لاتخاذ خطوات اخرى  قد يُفَسَر بشكل آخر، لكن مام جلال كان من دعاة حق تقرير المصير لكل الشعوب بما فيهم الشعب الكردي في كردستان ايران و تركيا و العراق.

* قبل ان نغادر موضوع ايران، العلاقة بين مام جلال و خميني تحديدا، ربما كانت علاقة مميزة بالرغم من وجود اختلاف فكري و ايديولوجي كبير بينهما، كيف تفسر هذا؟
السفير الدكتور محمد صابر إسماعيل: مام جلال كان شخصا ذكيا جدا، وعنده رؤية مستقبلية حول خميني منذ أن كان في العراق في النجف، وعندما اجبر صدام حسين خميني على الخروج من العراق، ذهب اولا الى الكويت وبعدها الى باريس، مام جلال كان يعرف بان صدام حسين و نظامه الديكتاتوري ليس لهم مستقبل ويوما ما سوف يسقط هذا النظام الدكتاتوري الصدامي،  اذا تقرأ الفصل الاخير من كتاب مام جلال (الحركة التحررية الكردية)، تعرف طبيعة النظام الشاهنشاهي في ايران و كيف انه كان مرتبطا بالاستعمار، وانه كان يضطهد الشعب الايراني والشعب الكردي في ذلك الوقت، مام جلال كان لديه رؤية جيدة حول النظام الايراني، والنظام الصدامي، وخميني كان معارضا شديدا لنظام ايران، لذلك ارسل مام جلال الدكتور فؤاد معصوم اليه كمبعوث خاص له وارسل معه رسالة، ابدى فيها استعداد الاتحاد  للتعاون مع الخميني من اجل اسقاط نظام الشاه واستعداد قوات البيشمركة للمحاربة الى جانب خميني لإسقاط نظام الشاه، هذا هو جوهر المسألة، مام جلال كان يعرف ان خميني له مستقبل في ايران، ومام جلال هو صاحب القضية سواء كانت في ايران او في كردستان العراق او في تركيا، لذلك توجه لتكوين العلاقة مع خميني.

* رحلة مام جلال في دول العالم و خروجه من العراق، كيف اثرت في التعريف بالقضية الكردية؟
السفير الدكتور محمد صابر إسماعيل: بالتأكيد كان له اثر ايجابي جدا، لان مام جلال من الدبلوماسيين البارعين، فهو كان يتعامل مع الامريكان و يجتمع مع كوندوليزا رايس من جهة ومن جهة اخرى يجتمع مع محمود احمدي نجاة، هذا الاسلوب فقط مام جلال باستطاعته فعلها، لذلك فأنه بعبقريته وبثقافته وبعلاقاته استطاع توطيد علاقاته مع الغرب ومع الشرق ومع القيادات العربية، انت تعرف، بأن مام جلال اسس علاقة مع جمال عبدالناصر في العام 1963 بعد انقلاب 8/شباط في العراق، عندما بدأت المفاوضات بين الحركة الكردية والحكومة العراقية بقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي وعقد اجتماع في كويسنجق سمي باجتماع كويه، بين قيادات الحركة الكردية في كردستان العراق واللجنة المركزية وملا مصطفى، وتم ترشيح مام جلال كرئيس للوفد مع صالح يوسفي ورفاقه للتفاوض، وذهبوا الى بغداد.
 قيادة حزب البعث في ذاك الوقت، قالو لهم: "اذا اردتم نجاح المفاوضات معهم، فعليكم الذهاب الى جمال عبدالناصر و اخذ موافقته للحكم الذاتي للكرد"، لذلك سافر مام جلال الى القاهرة واجتمع مع عبدالناصر و شرح له الموضوع، وأكد له أن الحكم الذاتي لكردستان العراق ليس ضد الامة العربية و ليس ضد قضية العرب، لان هناك عومل مشتركة بين القضية التحررية الكردية والقضية التحررية العربية، لذلك من صالح العرب ان يعطوا الحقوق القومية للشعب الكردي حتى يكونوا مساندين للقضية العربية، في بداية النقاشات مع عبدالناصر، كان على عبدالناصر السفر  الى الجزائر للاجتماع مع احمد بن بلة واخرين، وبعد عودته الى مصر اقتنع بإعطاء كرد العراق الحكم الذاتي في العراق، لكن مع الاسف الشديد، حزب البعث عندما رأى قوة مام جلال في المفاوضات، انسحبوا من التفاوض واعتقلوا اعضاء الوفد الكردي الذين كانوا باقين في بغداد، لكن مام جلال لم يرجع الى العراق بل ذهب الى بيروت و عقد مؤتمرا صحفيا فيها، وبعدها سافر الى اوروبا.
مام جلال كان شخصا نشيطا و كانت له علاقات جيدة جدا مع كل الاحزاب الاشتراكية، نحن كالاتحاد الوطني منذ البداية كانت لنا علاقات جيدة مع الاحزاب الاشتراكية والديمقراطية، في سنة 2008 عندما كان مام جلال رئيسا للجمهورية، اصبح كذلك نائبا لرئيس منظمة الاشتراكية الدولية، انا كان لي الشرف ان اكون ممثل الاتحاد الوطني في الخارج في باريس وفي اوروبا، وقد شارك مام جلال في معظم مؤتمرات الاحزاب الاشتراكية، وكان اعضاء ورؤساء الدول المشاركين آنذاك،  اكثر من 86 رئيس دولة، و كوَنَ مام جلال العلاقات مع كل الشخصيات في تلك المؤتمرات، امثال يولي براند و توني بلير و ميتران و كرايسكي، فمام جلال بعبقريته وثقافته وعلاقاته، ناضل من اجل الكرد وكذلك من الناحية الدبلوماسية كان شخصا ناجحا جدا، لأنه كان يعرف كيف يتعامل مع الاخرين و الشخصيات المهمة في كل الاحزاب. 

* عن العلاقة مع الاسرائيليين، مام جلال كشف ان ملا مصطفى كان على علاقة بالإسرائيليين، في المقابل يذكر في مذكرات (الموساد في العراق و دول الجوار) ان مام جلال طالباني و ابراهيم احمد، قابلا الملحق الامني الاسرائيلي في باريس عام 1963، ماذا تقول حول هذه المسألة؟
السفير الدكتور محمد صابر إسماعيل: بالنسبة لمام جلال و الحزب الديمقراطي و جناح المكتب السياسي، ليس لدي اية معلومات حول هذه المسألة، لذا اعتذر عن اجابة هذا السؤال.

* حسنا لنتحول الى العلاقة مع سوريا و تأسيس الاتحاد الوطني الكردستاني في دمشق، كيف كانت علاقة مام جلال مع دمشق و حافظ الاسد؟
السفير الدكتور محمد صابر إسماعيل: تعرف ان مام جلال بعد اتفاقية اذار، وتوحيد جناحي الحزب اي جناح المكتب السياسي و الديمقراطي الكردستاني، والذي حدث في (1971)، لعب مام جلال دورا كبيرا في توحيد الجناحين، من جهته ملا مصطفى بارزاني ارسل الخبر بوسيط، كان فاخر ميركةسوري، اكد فيه انه مستعد ان يلتقي بقيادات جناح المكتب السياسي ومام جلال للتصالح و لتوحيد جناحي الحزب، مام جلال سافر في ذلك الوقت الى جومان و اجتمع ببارزاني، انا كنت في ذاك الوقت عضوا في مؤتمر جناح المكتب السياسي للحزب الديمقراطي، وكنت في المؤتمر الذي رشح مام جلال كرئيس للوفد بعضوية شازاد صائب و بكر حسين و محمد فرج والذين ذهبوا الى جومان و التقوا ببارزاني وكذلك بكاك مسعود و كاك ادريس في ذك الوقت، وتم توحيد جناحي الحزب، ولكن اشترط ملا مصطفى، بأن يأتي مام جلال و ابراهيم احمد و عمر دبابة و علي عسكري الى جومان اي  لمقر قيادة البارزاني في ذلك الوقت، والبقاء فيها، لكن قسم من المكتب السياسي كإبراهيم احمد و عبدالرحمن ذبيحي لم يكونوا يريدون الذهاب، المهم حدث التوحيد، وانا قمت بزيارة المنطقة في حاج عمران وزرت مام جلال و علي عسكري و الاستاذ ابراهيم احمد، حيث كانوا كلهم في ذلك الوقت بلا عمل فقط يجتمعون ببعض ويقرأون الكتب.

 في ذلك الوقت مام جلال طلب من بارزاني ، السماح له للسفر الى الخارج لان زوجته هيرو كانت مريضة، فسمح بارزاني له بان يخرج من العراق، ليذهب الى مصر او أي دولة من دول الشرق الاوسط ليكون عضوا في لجنة العلاقات الوطنية العربية للحزب الديمقراطي الذي كان مقره في القاهرة، فلما خرج مام جلال من العراق استطاع تكوين علاقات مع رؤساء الدول العربية خاصة القذافي و السادات وكذلك حافظ الاسد و قيادات الحركة الفلسطينية وعلى راسهم جورج حبش رئيس الجبهة الشعبية، ونايف حواتمة،  لذلك كان مام جلال يتجول من القاهرة الى لبنان والى دمشق، كان هناك جناح يساري من حزب البعث العربي الاشتراكي العراقي- القيادة القطرية في دمشق في ذلك الوقت، وهم كانوا منشقين عن جناح صدام و ميشيل عفلق، نحن كنا نسميهم الجناح اليساري لحزب البعث العربي الاشتراكي، وكان لنا علاقات معهم، عندما كنت في بغداد في سنوات (1966، 1967، 1968) حيث كانت علاقتنا معهم جيدة، اي جناح المكتب السياسي مع حزب الجناح اليساري، مقارنة بحزب البعث العربي الاشتراكي- الجناح اليميني لاحمد حسن البكر و صدام حسين، لذلك بعد السبعينات ذهبت قيادات القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي- الجناح اليساري الى دمشق تاركة العراق، وعلاقة هذا الجناح كان موجودا مع طالباني عندما كانوا في بغداد، يعني قبل تأسيس الاتحاد الوطني الكردستاني، والعلاقة بين حزب البعث العربي الاشتراكي وحافظ الاسد ايضا مع مام جلال كما قلنا بدأت قبل تأسيس الاتحاد الوطني الكردستاني.
و الاسد في ذلك الوقت كان مثل صدام حسين، الشخص الاول في القيادة القطرية وهو كان الشخص الاول في قيادة قطر حزب البعث العربي الاشتراكي اليساري جناح سوريا، لذلك كوَّن مام جلال علاقة صداقة معه، لأنه كان رجل دولة وحكيم في علاقاته ويعرف كيف يكون العلاقات، و مام جلال كان من الاشخاص الذين اذا التقيته مرة واحدة، من غير الممكن ان تخرج من اللقاء بدون تكوين صداقة معه، لأنه كان له ثقة عالية بإمكانياته، مثلما كان في طفولته، عندما كان يحفظ كل الاشعار الوطنية و الاشعار الاخرى في نفس الوقت، وكان يحفظ كل ادبيات ماركس من ستالين الى ماو تسي تونغ، يعني يحفظ كل الكتب، بحيث انه كان مطلعاً على الكتب السياسية، سواء الاشتراكية او الشيوعية او الديمقراطية او الاقتصادية مثل رأس المالية، و تكونت صداقة وطيدة بين حافظ الاسد و مام جلال، خلال بقائه في دمشق وبيروت.

* قد يكون هذا السؤال مكررا، لكننا نريد الوصول الى نقطة، نحن سألنا عن كرد ايران، ولكن هناك كرد في سوريا ايضا، كيف كان ينظر مام جلال الى قضية الكرد في سوريا، خصوصا وان طالباني اساسا من خلفية قومية كردية؟
السفير الدكتور محمد صابر إسماعيل: مام جلال لديه رؤية للقضية الكردية في سوريا، وهي نفس الرؤية بالنسبة لكرد ايران او كرد تركيا، هو كان يدعم القضية الكردية، و يشجع في لقاءاته مع المسؤولين السوريين ومن ضمنهم حافظ الأسد على منح الحقوق القومية للشعب الكردي في سوريا، لأنه حسب رأي مام جلال اذا اعطيت حقوق قومية لأي شعب او جماعة من قبل اي نظام سياسي، فستكون تلك القومية او الجماعة سندا اساسيا لهذا النظام او حتى ذلك الحزب الحاكم، فلذلك كان مام جلال في كل لقاءاته مدافعا امينا عن القضية الكردية في سوريا، وكان حافظ الاسد متجاوبا معه، لكن انت تعرف ان حزب البعث العربي الاشتراكي، حزب قومي عربي لذلك من الصعب جدا، بالنسبة للأسد تبنى القضية الكردية لأنه كان عنده القضية الفلسطينية وصراعه مع السادات، الى جانب امور عديدة مع الاسف الشديد حافظ الاسد رحل وكذلك مام جلال، ولوا كانوا باقيين في الحياة لما كان الشرق الاوسط والعراق و سوريا بهذه الوضعية الحالية.

* حسنا، كيف كانت العلاقة بين مام جلال و صدام حسين، كيف كان ينظر طالباني الى صدام؟
السفير الدكتور محمد صابر إسماعيل: في البداية كانت نظرة مام جلال الى صدام حسين، انه شخص قومي عربي، ولكن بعد ذلك تغيرت رؤيته له و كان ينظر اليه كدكتاتور والى نظامه كنظام دكتاتوري، وعلاقته لم تكن جيدة مع صدام طوال الوقت، عدى زمن حكم عبدالرحمن عارف، عندما كانت جناحي البعث، الجناح اليساري و الجناح اليميني معارضين للنظام، في ذك الوقت كان مام جلال يلتقي بصدام حسين وكان عبدالخالق السامرائي قريب من مام جلال، و كانت هناك مشتركات عديدة بين عبدالخالق السامرائي و بين مام جلال  وطالباني كان يلتقي كذلك بأحمد حسن البكر ايضا، كانت علاقة مام جلال مع صدام علاقة عمل لا علاقة مبادئ وصداقة، لذا نرى انه عندما اصدر صدام قرار العفو العام للسياسيين، اعفى عن كل المسجونين السياسيين الاكراد الذين كانوا معتقلين في أبو غريب وفي سجون اخرى وحتى المحكومين بالإعدام، عفا عنهم كلهم، عدا جلال طالباني، فلم يشمله العفو، ومع هذا فأن مام جلال بعد العام 2003 عندما اعتقل صدام في الحفرة، مام جلال لم يوافق على توقيع امر اعدامه، بل ارسل خبر الى عائلته ممن يريدون المجيء الى كردستان، فأنه يرحب بهم، لان مام جلال لم يكن عنده اي حقد، بل كان سياسيا يعرف كيف يتحرك، وكيف يتعامل مع السياسيين، حتى طارق عزيز عندما كان في السجن، بعث له مام جلال السجائر، لأنه كان يعرف ان عزيز يحب السيجار، مام جلال كان يساعد  حتى اعدائه مثلما كان يساعد اصدقائه و رفاقه.

* بالنسبة للحرب العراقية الايرانية، ماذا كان موقف مام جلال و الاتحاد الوطني الكردستاني، مع طرفي الحرب، هل كان داعما لإيران؟
السفير الدكتور محمد صابر إسماعيل: في البداية كان مام جلال ضد الحرب الايرانية - العراقية، وضد توجه صدام للحرب مع ايران، لان طهران لم تبدأ الحرب بل صدام حسين شن حربا عشوائياً ضد ايران، ونعرف كلنا ما نتج عن الحرب و ضحايا الطرفين، لذلك كان مام جلال ضد هذه الحرب واعتبرها حرب غير عادلة ووقف لصالح الشعبين العراقي و الايراني، ولكن عندما اشتدت وتيرة الحرب والصراع بين الدولتين، خاصة في أواسط الثمانينات من القرن الماضي، ارسل صدام حسين من خلال عبدالرحمن قاسملو، رسالة اكد فيها بأن الحكومة العراقية مستعدة للتفاوض مع الاتحاد الوطني الكردستاني، حول حقوق الشعب الكردي، فقبل مام جلال وبدأت المفاوضات بين الجانبين في عامي (1983 و 1984)، و حين التقى صدام بمام جلال، قال له: انا شاكر و ممنون جدا منك، وسأعطيك شيئا ترفع راسك به امام الكرد، لكن مع الاسف وبعد مفاوضات طويلة استغرقت قرابة العام، والذي زار فيها مام جلال ووفود الاتحاد الوطني مرارا بغداد، للوصول الى اتفاق، حتى حول كركوك، حيث وصلوا الى حل بأن تكون كركوك ادارة مشتركة بين الكرد و التركمان و العرب.
 وبعد الوصول الى حلول لكل المشاكل والاستعداد لتوقيع الاتفاق بين الجانبين، ارسل صدام نائبه عزت الدوري الى الفندق الذي كان يسكن فيه الوفد الكردي بقيادة مام جلال في بغداد صباحاً لترتيب مراسيم التوقيع، فقال له مام جلال: ابو احمد، متى نذهب لتوقيع الاتفاق، ولكن مام جلال قرأ وجه الدوري وادرك بأن هناك مشكلة، فسأل مام جلال الدوري: ماذا حدث؟! فجاوب عزت الدوري: والله هناك مشاكل يجب ان نجلس ونتباحث حولها، مثل مسألة الجبهة الوطنية القومية فلا أعرف ما يخطر ببال صدام حسين، و ذكر ايضا ان الاتراك خربوا المفاوضات لان الحكومة التركية، بعثت وفدا عسكريا برئاسة رئيس اركان الجيش التركي، وطلبت من صدام عدم توقيع الاتفاقية مع الاتحاد الوطني الكردستاني، ومام جلال لم يكن بإمكانه ان يتساهل و يساوم على حقوق الشعب الكردي ولا الشعب العراقي، لذلك كان يرى ان الاتفاق مع صدام حسين، احسن من الاتفاق مع ايران او اية جهة او دولة اخرى، ولكن مع الاسف الشديد، فشلت هذه المفاوضات و كان سبب الفشل في ذلك الوقت هم الاتراك.  

* مام جلال في مذكراته، والذي اعده ونشره صلاح رشيد، لم يتطرق الى مرحلة معينة، تبدأ من العام 1983 الى العام 1991 ، لماذا تجاوز طالباني هذه المرحلة في مذكراته؟
السفير الدكتور محمد صابر إسماعيل: مام جلال لم يتجاوز هذه المرحلة، لكن صلاح رشيد طبعا وهو صديقي، لم يسأل طالباني عن هذه المرحلة، لأنها كانت مهمة وحساسة جدا، وان المفاوضات كانت على وشك النجاح، لو كانت هذه المفاوضات نجحت، لكان صدام حسين يحكم العراق الى الآن، لأن الاتفاق كان شاملاً وكان من المفروض أن يتم توقيعه من قبل الطرفين.
بعد فشل المفاوضات، بدأ مام جلال الحوار مع كل الاحزاب الاخرى، مثل الحزب الاشتراكي في ذلك الوقت اي مع رسول مامند ومحمود عثمان، وتم في البداية الاتفاق معهم، وكان هناك حزب صغير قومي اسمه (باسوك) كنا في شبابنا نسميه (كازيك)، حيث تم الاتفاق بين الاتحاد وباسوك ثم بين الاتحاد والحزب الشيوعي العراقي واخيرا مع الحزب الديمقراطي الكردستاني. ومثل ما ذكرت سابقاً، الاتفاق مع البارتي كان في طهران بين ادريس بارزاني وجلال طالباني

* الان نأتي الى صراع الاخوة، الحزب الديمقراطي و الاتحاد الوطني، والمفروض ان يلتقيا في نفس الاحلام و نفس المطالب بالحقوق، لماذا هذا الصراع الدائم بين الطرفين، و حتى وصوله الى صراع عنيف كما حصل في منتصف التسعينات؟
السفير الدكتور محمد صابر إسماعيل: اولا نحن حزبين مختلفين، الاتحاد حزب تقدمي يساري ديمقراطي، بينما الحزب الديمقراطي من ناحية القيادة و من ناحية الافكار ليس حزب يساري، صحيح هم يدعون للحقوق القومية الكردية، لأعطيك مثال، بعد الانتفاضة في العام (1992) عندما سحب صدام حسين كل اداراته، اجبرت القيادة الكردية في ذلك الوقت، كان هناك الجبهة الكردستانية، على ادارة المنطقة الكردية، لان البعث سحب كل اداراته وكذلك قَطَعَ رواتب الموظفين، لذلك اضطرت القيادة الكردية، لإجراء الانتخابات البرلمانية، والاتحاد الوطني في بداية الثمانينات كان شعاره الرئيسي (الديمقراطية، والمساوات وحق تقرير مصير) و تبنى حق تقرير المصير، وفي الدعاية الانتخابية عام 1992 تبنى الاتحاد الفيدرالية كحل امثل بالنسبة لوضع الاقليم في العراق وان يكون النظام في العراق نظام ديمقراطي فيدرالي اتحادي، في حين ان الحزب الديمقراطي كان ضد رفع شعار الفيدرالية وكانوا باستمرار يؤكدون على الحكم الذاتي للكرد، لذا فأن هناك خلافات من الناحية الاستراتيجية و من ناحية العمل الحزبي والتركيب الحزبي، فالاتحاد الوطني الكردستاني تشكل من ثلاث تيارات رئيسية، تيار يساري في ذلك الوقت وهو (العصبة الماركسية اللينينية) و(التيار الاشتراكي- الحزب الاشتراكي برئاسة الاستاذ عمر دبابة، وقيادة (الخط العريض العام- خه تي گشتي) الخط الديمقراطي بقيادة مام جلال، لأن مام جلال كان يؤمن بالديمقراطية و بتداول السلطة و تجديد القيادات، ووجهة نظرنا غير وجهة نظر الحزب الديمقراطي لان قياداتهم مربوطة بقيادة عائلة البارزاني بالدرجة الاولى، قبلا بملا مصطفى برزاني وبعده في الوقت الحاضر بمسعود بارزاني وبعده بمسرور بارزاني وبعده كذلك، لكن الاتحاد الوطني الكردستاني، حزب ديمقراطي و ليبرالي، لان الليبرالية موجودة في الاتحاد وغير موجودة في الديمقراطي، وهذا يدل على ان تركيبة الاتحاد الوطني الكردستاني، يختلف تماما عن تركيبة الحزب الديمقراطي، وكذلك مسألة حرية الرأي، مام جلال  كان امين العام الاتحاد الوطني الكردستاني وكان يطلب من كوادر الحزب بتقديم النقد البناء، وأمر بتأسيس منصة الحرية في حديقة ئازادي(بارك آزادي) مثل هاي بارك في لندن، لكي يأتي اليه المثقفين و المنورين و السياسيين ايام الجمعة، لالقاء الخطب و انتقاد الاحزاب الكردية وحتى انتقاد الاتحاد الوطني ومن ضمن الاتحاد جلال طالباني، لذلك هو كان مؤمن بالديمقراطية حقا ومؤمن بحقوق النساء، مثلا عندما كان مسؤول ادارة السليمانية، قرر منع تزوج الرجل من زوجتين بدون مبرر، وتم اقراره كقانون، وهذا لم يطبق حتى الان في العراق ولا في المناطق الاخرى في كردستان، وكان مام جلال يردد باستمرار ان النساء نصف المجتمع وام نصفه الاخر ويدافع عن حقوقهم، وكذلك بفضل مام جلال وضع في المنهاج و النظام الداخلي للاتحاد بانه يجب ان يشارك النساء في العمل السياسي و وضع نسبة (25%) ككوتا للنساء في البرلمان وكذلك في المناصب داخل الحزب، لذلك هناك فروقات ايديولوجية بين الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني.

* كيف كانت علاقة مام جلال بالأمريكان قبل العام 2003 وبعدها، ما دور مام جلال الحقيقي في تهيئة الاوضاع لتأسيس العراق الجديد؟
السفير الدكتور محمد صابر إسماعيل: مام جلال لم يكن له علاقة مع الامريكان لحد العام (1989) ، سفر مام جلال الى امريكا ولقاءه مع الامريكان كان في ذلك العام، بعد القصف الكيمياوي لحلبجة، لذلك علاقات الاتحاد جديدة نسبيا مع تلك الدولة، بعد ذلك تكونت العلاقة بين الجانبين بشكل مباشر وبعد قرار النفط مقابل الغذاء، توطدت العلاقة اكثر بين امريكا والاتحاد الوطني.
 في اواخر العام (1989)، ارسل مام جلال برهم صالح كممثل للاتحاد الى امريكا، لتقوية العلاقة مع واشنطن، وعند نشوب الحرب الاهلية بين الاخوة في كردستان في سنة 1994، والذي لم يكن لا لمام جلال ولا لكاك مسعود دور في نشوبها، بل حدثت بسبب مسؤولين صغار في قلعة دزه، لأنه لا قيادة الاتحاد كانت تريد بدأ القتال الداخلي ولا قيادة الديمقراطي وهذا رأيي الشخصي، ولكن بعد بدأ القتال اصبح من الصعب ايقافها ومام جلال و كاك نوشيروان كانوا في الخارج في ذلك الوقت، في ايطاليا لان كان عندهم لقاء مع رئيس الوزراء الايطالي، وهذه التفاصيل موجودة في رسائل ذلك الوقت، انا نشرت رسالة لمام جلال الى مسعود برزاني يطلب منه ان يكون وكيله ويتصرف كأمين عام للاتحاد الوطني الكردستاني لكي ينهي الخلاف و يوقف القتال بين الطرفين.
 مام جلال حاول وقف القتال وخول الاستاذ مسعود برزاني، بان يكون هو الحكم الرئيسي والمسؤول الاول لكل شيء، أي ان مام جلال كان ضد هذا الخلاف والقتال بين الاخوة و للتاريخ اقول، ان الامريكان ايضا كانوا  ضد القتال والحرب الاهلية في كردستان وكانوا مع المصالحة بين الحزبين الكرديين، وشكلوا لجان سواء في الخارج او في الداخل لبدأ المفاوضات بين الطرفين، وفي مرحلة معينة شارك الاتراك ايضا في مفاوضات الحزبيين الكرديين، والتي عقدت مرة في انقرة ومرة في لندن و في اماكن اخرى، الى ان تم التوصل الى الاتفاق النهائي بين الاتحاد و الديمقراطي في العام (1998) بإشراف مادلين ئولبرايت وزيرة الخارجية الامريكية، و الحمدلله نجح الاتفاق و المصالحة وحدث السلام بين الطرفين، ولعبت امريكا دورا ايجابيا فيها.

* كان هناك استخدام للقوة عسكرية من قبل مام جلال في ذلك الوقت، و محاولته دخول اربيل، ومسعود بارزاني استنجد بصدام لمساعدته ضد قوات الاتحاد، كل هذه الدلالات و التفاصيل، تقول ان مام جلال كان يسعى فعلا الى ان يأخذ اربيل ويحاول ان يكون زعيماً للكرد في كل المناطق الكردية؟
السفير الدكتور محمد صابر إسماعيل: هذا غير صحيح، اساسا اربيل كانت تحت سيطرة الاتحاد الوطني الكردستاني، الى اليوم التي هاجمت فيه القوات العراقية لصدام حسين و قوات الحزب الديمقراطي الكردستاني المدينة، والاستاذ مسعود بارزاني طلب من صدام حسين احتلال اربيل و برلمان الاقليم، وانتم تعرفون ان الضحايا الكثيرة اثر هجوم القوات العراقية وقوات الديمقراطي لأربيل، لم تكن فقط في صفوف الاتحاد فقط بل من صفوف المعارضة ايضا حيث استشهد اكثر من (124) شخصا على ايدي قوات النظام العراقي، فأربيل كانت تحت سيطرة الاتحاد و المفاوضات كانت جارية، وكان الاستاذ عمر السيد علي عضو المكتب السياسي في ذلك الوقت موجودا في الوفد التفاوضي، انا كنت في ذلك الوقت في الخارج، اتصلت بكاك عمر واستفسرت منه عن عدد اللقاءات بين الوفدين الكرديين، الاتحاد الوطني والديمقراطي كردستاني، فقال بأن الحزبين قد عقدا (68) جلسة تفاوضية ولم يتوصلوا الى نتيجة مرضية الى العام (1998).
 اربيل حقيقة كانت تحت سيطرة الاتحاد الوطني، ولولا تدخل تركيا بالدبابات والطائرات لصالح الديمقراطي الكردستاني، فأن (سري رش) وصلاح الدين كذلك كانت على وشك السقوط، مع الاسف الحرب الداخلية كانت مضرة جدا، ليس فقط للاتحاد بل لكل الشعب الكردي، من خسر ومن استشهد في الحرب الداخلية، كلهم من ابنائنا واصدقائنا واخواننا واخواتنا، لذلك المتضرر الاول والاخير كان الشعب الكردي.

* كيف تُقَيّم تجربة مام جلال في رئاسة العراق؟
السفير الدكتور محمد صابر إسماعيل: انا اعتقد ان الهيبة و المكانة رجعت للعراق بعدما اصبح مام جلال رئيسا للجمهورية، لان هيبة مام جلال كشخصية ورجل دولة وكونه محبوبا من قبل كل الشعب العراقي، بعربه وكرده وتركمانه، وشيعته و سنته وكل الاقليات الاخرى، لأنه استطاع جمع الكل، ولذلك يعتبر فترة مام جلال في رئاسة الجمهورية، فترة ذهبية في تاريخ العراق، وخير مثال على ذلك عندما حدثت المظاهرات الاخيرة في بغداد، كانت الناس تقول، لو كان مام جلال موجودا لما وصلنا الى هذه الحالة، مام جلال سُميَ من قبل المرجعية بصمام امان العراق لأنه كان  رجل التوازن، هو كان يؤمن بالتعايش ويناضل من اجله، حتى ان اول خطاب لمام جلال كرئيس لجمهورية العراق في الامم المتحدة، كانت باللغة العربية و الكردية، تطرق فيها الى حقوق المكونات العراقية كافة بكرده و عربه وتركمانه و شيعته و سنته، لذلك هو كان ذلك الامين و امنيته كانت تأسيس دولة فدرالية ديمقراطية حقيقية، ناضل في كل حياته خاصة في فترة رئاسته للعراق على هذا التوجه، وكان بيت مام جلال في بغداد جامعا للكل عندما يكون هناك خلافات، انا كنت موجودا و شاركت في قسم من هذه الاجتماعات.
 لا الشيعة ولا السنة ولا التركمان كانوا يريدون الجلوس مع بعض ليناقشوا المشاكل الموجودة، لكن مام جلال كان يدعوهم الى قصر السلام ويجمعهم على نفس الطاولة ويروي عدة نكات ويلطف اجواء الاجتماع، وبعدها يطلب منهم ان يخرجوا من الاجتماع بالاتفاق.
 لذلك مام جلال كان مظلة جامعة لكل القوى والطوائف العراقية، بكردهم وعربهم و تركمانهم، مثل ما قلت انا عندما كنت في امريكا بين الاعوام (2001 - 2004)، شاركت في كل الاجتماعات مع المسؤولين الامريكيين ديك تشيني و كوندوليزا رايس و كولن باول و رامز فيلد، وهم كانوا يطرحون اسئلة مهمة، حول القوة العسكرية لصدام حسين، و كانوا يعتبرون الجيش العراقي خامس جيوش العالم، لكن مام جلال كان يقول لهم ان هذا غير صحيح عسكريا، فقد يسقط صدام حسين خلال قرابة اسبوع من القتال، لكن المهم ليس سقوط صدام، بل المهم كيف تبنى نظام ديمقراطي في العراق، لأنها دولة فيها العديد من المكونات والطوائف والمذاهب، والتعايش بين هذه المكونات و الطوائف ليس سهلا بل يحتاج الى حكمة ورؤية مستقبلية وادارة جيدة وحكم رشيد، لذلك مام جلال اعطى هيبة كاملة لمنصب رئيس الجمهورية، وعمل على مبدأ التوافق و التعددية وكان امنيته تكوين و تأسيس ديمقراطية و نظام فيدرالي حقيقي في العراق، وشارك في كتابة الدستور كما شارك مسعود بارزاني و المسؤولين الاخرين.
 حسب رأي وقناعتي الشخصية، فأن الدستور العراقي هو أفضل دستور من بين دساتير الدول العربية، صحيح هناك نواقص فيه، لكن مام جلال عمل وشارك بكل قوته في ذلك الوقت في كتابة الدستور وانجاحه، ولأول مرة في تأريخ العراق اجري استفتاء حقيقي للتصويت على الدستور العراقي من قبل الشعب والذي صوتت بالأغلبية عليه.

* دكتور، اذا تحب اضافة شيء في نهاية المقابلة؟
السفير الدكتور محمد صابر إسماعيل: اود ان اشكركم جدا، لأني اخذت من وقتكم، لكن مام جلال بعد توليه منصب رئيس الجمهورية، اصبح من الرؤساء العظماء في العراق والى الابد. 

 

 

PUKMEDIA

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket