مام في الشام

الآراء 09:24 PM - 2024-01-13
علي شمدين

علي شمدين

(الحلقة الأخيرة..)
-٥٠-
علي شمدين
ها قد وصلنا مع بداية العام الجديد (٢٠٢٤)، إلى نهاية هذه السلسلة من المقالات التي نشرناها في جريدة (كردستاني نوي)، بعنوان (مام في الشام)، والتي بدأنا بنشر حلقتها الأولى في (١٨/١٢/٢٠٢٢)، من دون أن تكون حينذاك معالم الحلقة الأخيرة واضحة في مخيلتي تماماً، ولم يكن الخط البياني لتتالي هذه السلسلة متبلوراً في ذهني بهذا الشكل الذي نراه الآن بين يديّ القراء الأعزاء، كما لم تكن تتوفر بين يدينا حينذاك المصادر والمراجع اللازمة لإنجاز مثل هذا البحث الشائك والدقيق حول جانب غائب من سيرة حياة شخصية مهيبة بحجم مام جلال التي أشغلت النقاد والمحللين وأذهلتهم بثرائها وغناها، هذا فضلاً عن أن هذه التجربة كانت هي محاولتي الأولى في مجال الكتابة لزاوية أسبوعية ثابتة وموثقة بالمصادر والمراجع، لصالح جريدة رصينة مثل (كردستاني نوي).
حقيقة كنت متردداً في خوض هذه التجربة التي كانت بالنسبة لي أشبه بالمغامرة، ولكن القشة التي قصمت ظهر ترددي هذا، وجعلتني أحسم قراري وأبدأ بكتابة هذه السلسلة، هي التشجيع الأخوي الصادق الذي غمرني به الإعلامي المتألق الأستاذ ستران عبد الله، وهو بتشجيعه هذا دفعني إلى خوض هذه المغامرة، وظل ينتظر انتهائها ليساهم معنا في ضمها بين دفتي كتاب ليأخذ طريقه نحو الطبع والنشر بالعربية وبالكردية السورانية والكرمانجية، والبوصلة التي كانت تقودني عبر هذه الحلقات هي التزامي الأخلاقي بضرورة الوفاء لهذا الرجل الكبير الذي أفنى حياته من أجل قضيته القومية، ونجح في خلق الفرص من بين ركام اليأس والنكسات، وانبعث كالعنقاء من تحت الرماد ليحرر شعبه ووطنه من براثن طاغية العصر صدام حسن، ويصل كأول رئيس كردي منتخب إلى سدة الرئاسة في دولة بحجم العراق، وكذلك كانت هذه المحاولة المتواضعة عرفاناً لدوره التاريخي في تأسيس الحركة الكردية في سوريا، واستمراره في دعمها ومساندتها.. 
أجل، إن الكتابة عن جلال الطالباني بمختلف مسمياته (الإنسان، السياسي، البيشمركة، المثقف والرئيس..)، بمثابة مغامرة حقيقية بالنسبة لي، لأن شخصيته كانت قد أصبحت ميداناً واسعاً للبحث والدراسة والتنقيب، وجذبت اهتمام العشرات من الكتاب والباحثين والمختصين، ومادة مثيرة للكثير من المقالات ورسائل الماجستير والدكتوراة التي كتبت حول الجوانب المختلفة لسيرة حياة مام جلال الشاقة والمريرة، وتناولت المحطات المصيرية لنضاله الذي تجاوزت أبعاده الساحتين القومية والوطنية إلى الساحة العالمية، ومن هنا باتت الكتابة في هذا الموضوع محفوفة بمخاطر الإنزلاق إلى دائرة التكرار والعجز عن الإضافة والإتيان بأيّ جديد في هذا المجال.
ولعل الجديد الذي يمكننا قراءته بين سطور هذه الحلقات، واعتباره إضافة مفيدة إلى تراث مام جلال وإغناء ما كتب عنه هو أننا استطعنا أن نقتحم جانباً هاماً وغير مطروق من سيرة حياته، والذي لم تعطه تلك الكتابات حقه في البحث والدراسة كما يجب، وهو العلاقة التي تجمع مام جلال بالشام كمدينة وكجغرافية تشمل كلاً من (سوريا، ولبنان، والأردن، وفلسطين)، وحاولنا أن نلقي الأضواء على هذه العلاقة التي نشأت منذ عام (١٩٥٥)، عندما مرّ بها شاباً يافعاً وهو في طريقه إلى وارسو لحضور المهرجان العالمي للطلبة والشباب، لتتكرر تلك الزيارات من دون انقطاع إلى أواخر سنوات عمره، وأصبحت الشام فيما بعد بالنسبة له حاضنة تضمه عندما تضيق به السبل أو تنقطع، وظهيراً سخياً قدمت له كل المستلزمات الضرورية لمتابعة نضاله، ومحطة ينطلق منها إلى الجهات الأربع لهذا العالم الجاحد الذي ظلت حدوده مغلقة أمام قضيته القومية حتى وقت قريب، كما أن الجديد أيضاً في بحثنا هذا هو أننا حاولنا خلاله أن نكشف عن الدور المصيري المؤثر الذي لعبه مام جلال في بلورة فكرة تأسيس أول حزب كردي في سوريا، والوقوف إلى جانب المؤسسين الأوائل ودعمهم بكافة الإمكانات المادية والمعنوية، هذا الدور الذي لم يلق مع الأسف الشديد الاهتمام اللازم، وإنما قوبل بالتجاهل والإهمال، بقصد أو بدونه.
إن البحث في هذا الجانب الهام من حياة مام جلال، كشف عن البصمة العميقة التي تركتها الشام في إنضاج شخصيته الكاريزمية، وتوفير المناخ المناسب له لبناء قنوات هامة من العلاقات الديبلوماسية الواسعة مع الوسط العربي، وأن لقاءه مع الزعيم العربي عبد الناصر عام (١٩٦٣)، كان بمثابة المفتاح الرئيسي لاختراق الجدار العازل مع هذا الوسط، كما كانت الشام هي المهد الذي ولد فيه الاتحاد الوطني الكردستاني، ومنها انطلقت التحضيرات اللازمة لإشعال ثورته الجديدة في جبال كردستان العراق، وكانت الشام حينذاك بمثابة الجسر الذي وفر لمام جلال ولحزبه وكوادره السياسية والعسكرية فرصة التنقل بسهولة من وإلى كردستان العراق في وقت كانت الحدود كلها مغلقة أمامهم، هذا فضلاً عن أن هذا البحث تناول العلاقات الثنائية التي تجمع مام جلال بأطراف الحركة الكردية في سوريا، وخاصة بالحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، وسكرتيره الرفيق عبد الحميد درويش، على مدى أكثر من نصف قرن مضى..
لقد اعتمدنا في توثيق المعلومات والأحداث الواردة في هذا البحث على كتابات مام جلال ولقاءاته الصحفية والتلفزيونية، وعلى الكتابات والمذكرات التي كتبها العديد من الكتاب والسياسيين المعروفين الذين تناولوا بين صفحاتها دوره السياسي والديبلوماسي على مختلف الصعد القومية والوطنية والدولية، فضلاً عن التواصل بهذا الخصوص مع عدد من أصدقائه الذين عاصروه في مراحل مختلفة وما زالوا على قيد الحياة، الذين أغنوا هذا البحث بمعلوماتهم وشهاداتهم التاريخية، وهنا ندعو المهتمين بهذا الشأن أن يتفضلوا بتزويدنا بأيّة وثيقة أو معلومة أو شهادة من شأنها أن تغني هذا البحث وتسد جوانب النقص فيه..
لقد كَتَبتُ هذه الحلقات باللغة العربية، وقام الأستاذ كوران فتحي (من أسرة تحرير كردستاني نوي)، بترجمتها إلى الكردية (السورانية) ، وقمتُ بنفسي بترجمتها أيضاً إلى الكردية (الكرمانجية)، وقد نُشِرَت هذه الحلقات تباعاً في كل يوم أحد على صدر الصفحة (السادسة)، من جريدة (كردستاني نوي)، وكذلك نشرت بالعربية والكردية الكرمانجية والسورانية في عموم المنابر الإلكترونية التابعة للإعلام المركزي للاتحاد الوطني الكردستاني (بيوكي ميديا، المرصد، جريدة خلات وموقع كردستاني نوي..)، وكان قد تقرر قراءتها صوتياً في إذاعة (صوت شعب كردستان)، وكذلك نُشِرَت باللغة العربية والكردية السورانية في موقع مؤسسة (الرئيس مام جلال)، وبالكردية الكرمانجية في المجلة الفصلية (دنك)، التي يصدرها الحزب الاشتراكي الكردستاني (PSK)، وفي موقعه الإلكتروني (روزا ولات)، وفي الموقع الإلكتروني للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، وفي جريدته المركزية (الديمقراطي)..
وفي الختام، لا بدّ من التنويه إلى أننا لا ندعي بكمال بحثنا، وبأنه بالتأكيد لا يخلو من بعض جوانب القصور والخلل، حيث كان البحث في هذا المجال، وكما أسلفنا، شاقاً جداً ومحفوفاً بالكثير من الصعوبات، وخاصة فيما يتعلق بالمصادر والمعلومات الخاصة بهذا الجانب من حياة مام جلال، كما لا بدّ من الاعتذار عن تكرار بعض الأفكار في أكثر من مكان من هذا البحث، وذلك لأننا كتبناه على شكل حلقات منفصلة عن بعضها البعض، ولهذا اقتضى التنويه، ولكن رغم ذلك تغمرني السعادة وأنا أدخل العام الجديد، بإنجازي لهذا العمل المتواضع الذي أقدمه بكل احترام لروح مام جلال، وفاء وتقديراً لدوره الريادي كأول من بذر بذرة تأسيس الحركة الكردية في سورية، وأول من بادر إلى تأسيس قنوات التواصل مع الوسط العربي انطلاقاً من الشام، وأول كردي وطأت قدماه مقر الأمم المتحدة كرئيس منتخب للعراق ليتحدث من على منبره بلغته الأم بكل فخر واعتزاز..

 

PUKMEDIA

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket