مام في الشام

الآراء 11:15 AM - 2023-12-24
علي شمدين

علي شمدين

(٤٨)

(لن يسقط النظام على المدى المنظور..)
لقد جذبت الأزمة السورية التي انفجرت في (١٥/٣/٢٠١١)، انظار الرئيس مام جلال الذي ظل يتابع تطوراتها وأحداثها باهتمام شديد من موقعه كرئيس لدولة العراق التي تشترك مع الدولة السورية بحدود واسعة، وانطلاقاً من كونه عاش في هذه الدولة خلال أصعب مراحل نضاله، وجمعته مع قيادتها السياسية علاقات ثنائية تمتد لأكثر من ثلاثة عقود، فضلاً عن قلقه على مصير أبناء جلدته الذين يشكلون ثاني أكبر مكون قومي في سوريا بعد المكون العربي، فكانت له قراءته الواقعية المميزة لتلك الأزمة، وله رأيه الخاص في تقييم تطوراتها وأحداثها، ولهذا جاءت تحليلاته لنتائجها دقيقة وصادمة لكل الذين كانوا ينتظرون بفارغ الصبر سقوط النظام في دمشق خلال أسابيع معدودة.
الحقيقة، أن الرأي العام السائد كان يعتقد حينذاك بسقوط النظام في دمشق في أقرب وقت، لأن المؤشرات الميدانية كلها كانت تشير إلى ذلك، خاصة وأن السفير الأمريكي في دمشق (روبرت فورد)، كان قد أطلق الإشارة الأولى في هذا الاتجاه بتاريخ (٧/٧/٢٠١١)، عندما شارك شخصياً مع المنتفضين ضد النظام في مدينة حماة التي كانت تشهد حينذاك احتجاجات ضخمة، وبناء على هذا الأعتقاد الخاطئ رفضت قيادة الحركة الكردية في سوريا اللقاء مع الرئيس السوري بشار الأسد أوائل نيسان (٢٠١١)، وبادرت الأطراف الكردية السورية باستثناء (PYD)، إلى تأسيس (المجلس الوطني الكردي في سوريا)، بتاريخ (٢٦/١٠/٢٠١١)، الذي أعلن عن انضمامه بتاريخ (٢٧/٨/٢٠١٣)، إلى (الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية)، ليعمل معه حتى يومنا هذا من أجل اسقاط النظام من دون جدوى.
لا شك بأن مام جلال لم يكن حينذاك يقرأ آفاق الأزمة السورية من فراغ، وإنما كان يعتمد على خبرته السياسية المتراكمة التي اكتسبها خلال تجربته النضالية لأكثر من ستة عقود أمضاها في قيادة الحركة التحررية الكردية، وعلى بعد نظره الحاد وحدسه الدقيق في تحليل الأحداث وتفسيرها بموضوعية، وعلى سيل المعلومات التي كانت تصله عبر مصادره الموثوقة وشبكة علاقاته الواسعة، ولهذا توقع مام جلال مبكراً بأن النظام السوري لن يسقط، وبأن سوريا سوف تنجر إلى حرب أهلية طويلة الأمد، في وقت كان الجميع يؤكدون سقوطه وانهياره، وفي مقدمتهم الكاتب والإعلامي التركي المعروف جنكيز جاندار الذي ينقل في كتابه (قطار الرافدين السريع)، عن مام جلال قوله: (سیظھر بأن النظام السوري یستطیع الصمود أكثر من التوقعات، وستتجه سوریة تدریجیاً نحو حرب أھلیة، عن طريق الكمائن والتفجیرات والسیارات المفخخة والاغتیالات التي سوف تنفذھا القوات الأمنیة، أي بالإرھاب وتصعید العنف یمكن أن تطول القضیة كثیراًّ..) . 
لقد سمعت هذا التصريح من جنكيز جاندار شخصياً، خلال حضورنا الندوة التي أدارها في مدينة السليمانية بتاريخ (١٠/٢/٢٠١٦)، وحضرها حشد كبير من الفعاليات الثقافية والسياسية والاجتماعية، ومن بين المواضيع الهامة التي تحدث عنها جاندار خلال محاضرته كان موضوع الأزمة السورية، وإشادته بتوقعات مام جلال الصائبة حول نتائجها، وخلال الندوة عبّر جاندار عن ندمه على سوء ظنه بموقف مام جلال الذي كان يؤكد عدم سقوط النظام السوري، فقال جاندار في محاضرته: (إنني أشعر بالندم وأنا أتذكر موقف مام جلال الذي كان يجزم بأن نظام بشار الأسد لن يسقط، وحينها كنت أرى عكس ذلك، وكنت أعتقد بأن مام جلال بموقفه هذا ينحاز للنظام في دمشق، ولكن سرعان ما أثبت الواقع صحة موقفه وبعد نظره، ولهذا أرى لزاماً عليّ أن أتوجه إليه الآن باعتذاري الشديد لسوء ظني به حينذاك..) .
والمفارقة إننا سمعنا الموقف نفسه من مام جلال خلال لقائنا به (الرفيق عبد الحميد درويش، وأنا)، في منتجع دوكان في مساء يوم الخميس المصادف (٣/١١/٢٠١١)، وقد حضر اللقاء أيضاً كل من الأخوة (يوسف زوزاني، وعبد الرزاق توفيق)، وبعد أن رحب مام جلال بوصول الرفيق عبد الحميد درويش إلى السليمانية، سأله مام جلال عن آخر المستجدات في الأزمة السورية ومستقبل النظام، فبادر الى تقديم موجز مختصر عن آخر الأحداث والتطورات التي تشهدها سوريا نتيجة للاحتجاجات والمظاهرات التي كانت تعم البلاد حينذاك، وأخبره بأن الرأي السائد في الشارع السوري عموماً والكردي بشكل خاص يعتقد بأن النظام سوف ينهار خلال فترة قصيرة قد لاتتجاوز الستة أشهر، حينها أجابه مام جلال، قائلاً: (لاشك أنكم أعلم بالتطورات الميدانية في سوريا، ولكنني أرى بأن الأوراق التي  يملكها النظام كثيرة وقوية، وهي لا تشير إلى سقوطه على المدى المنظور..) .
لا شك بأن موقف مام جلال هذا كان صادماً لأطراف الحركة الكردية في سوريا، التي اصطفت بمعظمها مع المعارضة السورية التي كانت تدعو إلى إسقاط النظام، ولكن تفاقم الأحداث والوقائع الميدانية أثبتت فيما بعد صحة تحليلات مام جلال وبعد نظره في قراءة أبعاد الأزمة السورية بدقة وموضوعية، وكان واثقاً بأن هذا النظام سوف لن يتردد في استخدام االقوة بقسوة ضد
معارضيه، وقد نقل عنه جنكيز جاندار في كتابه (قطار الرافدين السريع)، قوله: (النظام السوري نظام أقلية تخشى من سلطة إسلامية سنية، وليس ثمة ما يتردد النظام بفعله من أجل بقائه، سيستخدم القوة المفرطة..).

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket