مام في الشام

الآراء 12:05 PM - 2023-12-10
علي شمدين

علي شمدين

46
(أقسم بأن مام جلال أصبح رئيساً..!!)

كان خبر الإعلان عن انتخاب مام جلال بتاريخ (٦/٤/٢٠٠٥)، رئيساً للعراق الفيدرالي، مبعثاً للفخر والسعادة بالنسبة لكل كردي أصيل على وجه هذه المعمورة، فهو أول رئيس يتم انتخابه ديمقراطياً في تاريخ العراق، وأول شخصية كردية يشغل مثل هذا المنصب السيادي المرموق ممثلاً عن المكون الكردي في دولة هامة بحجم العراق، هذا فضلاً عن أن مام جلال نفسه أضفى على هذا الكرسي أهمية إضافية بخبرته الغنية وعلاقاته الواسعة ومهاراته القيادية المتنوعة وشخصيته الكاريزمية، الأمر الذي شكل انعطافة تاريخية في مسيرة نضال الشعب الكردي، ونقلة نوعية دفعت بقضيته القومية نحو الأضواء..
الحقيقة أن هذا الحدث التاريخي الهام وبقدر ما شهد اهتماماً دولياً وإقليمياً ومحلياً منقطع النظير، كذلك جذب أنظار أوساط سياسية وثقافية واجتماعية واسعة من المجتمع السوري، تلك الأوساط التي كانت تربطها بمام جلال علاقات قوية من الصداقة والود والاحترام، التي كان قد أسسها خلال تواجده في الشام، هذا فضلاً عن أن المجتمع الكردي في سوريا وخاصة رفاق الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا وجماهيره الواسعة التي استقبلت خبر فوز مام جلال بمنصب رئاسة العراق بالأهازيج وتنظيم الاحتفالات وإقامة حلقات الرقص والغناء بهذه المناسبة التاريخية.
ومن بين الاحتفالات التي أقيمت حينذاك بهذه المناسبة، هو الاحتفال الذي أقيم أمام منزل مام جلال بحي المزرعة في العاصمة السورية (دمشق)، والذي حضرته حشود جماهيرية واسعة ووفود سياسية وثقافية كثيرة بمختلف انتماءاتها القومية والدينية والسياسية، وفي لقاء أجراه الصحفي إبراهيم حاج عبدي معها، تقول الممثلة السورية المرحومة (نجاح حفيظ)، التي حضرت ذاك الاحتفال باعتبارها كانت تسكن في نفس العمارة التي تقع فيها شقة مام جلال: (لقد شعرت بالفخر والاعتزاز، وفرحت كثيرا عندما سمعت بأن مام جلال أصبح رئيسا للعراق، كان جاري وصار رئيسا، ولابد لمثل هذا الأمر أن يسعدني..) ، وحول زيارته الرسمية الأولى إلى الشام كرئيس للعراق، تقول الفنانة نجاح حفيظ متأسفة: (لم أتمكن في الزيارة الأخيرة لمام جلال إلى سوريا من أن أستقبله بالشكل المطلوب، وكنت أريد أن أفرش له مدخل البناية بالورود، وأن آتي بأطفال الحي لكي يقدموا الزهور لسيادته كتعبير صادق عن حبنا له، لكن مشاغله الكثيرة وبرنامج زيارته المكثف، والحراس الذين كانوا يراقبون كل كبيرة وصغيرة، والرسميات التي أحاطت بالزيارة حالت دون استقبالنا له بالشكل اللائق لدى مجيئه إلى شقته..) .
لا شك بأن تحقيق مثل هذا الحدث التاريخي كان بالنسبة للأجيال السابقة بمثابة حلم أقرب إلى المستحيل، وها قد تحقق هذا الحلم على أرض الواقع بفضل نضال الشعب الكردي وتضحياته العظيمة، ولعل أجمل نكتة قيلت حول ذلك، هي التي تحدث بها أحد القرويين الكرد في سوريا، وهو المرحوم إبراهيم گەورێ (Ibrahîm Gewrê)، المعروف بأسلوبه الفكاهي، والذي كان حينذاك طريح الفراش يصارع داء السرطان، وبعد سماعه نبأ تنصيب مام جلال رئيساً للعراق، تحدث إلى المجتمعين من حوله الذين كانوا منشغلين بمواساته والتضرع إلى الله  بالدعاء لشفائه ومعافاته، وكعادته أراد إبراهيم أن يخرج المجتمعين حوله من جوهم الحزين، ففاجأهم بقوله: (لا تشغلوا أنفسكم بمرضي، فإن الموت حق وأعرف بأنني سوف أموت إن عاجلاً أم آجلاً، ولكن أريد أن أخبركم بوصيتي، وهي أن تدفنوا معي مصحفاً)  ، فتعجب الحضور من وصيته هذه، وحسبوه يهذي في كلامه من شدة المرض، إلاّ أنه تابع حديثه، قائلا: (هل تعرفون لماذا أوصيكم بهذا؟ لأنكم لو دفنتموني في مقبرة القرية التي تضم رفاة الأهل والأقارب والأصحاب، فأنهم سوف يلتمون حولي فور وصولي إليهم وسوف يحتفون بقدومي ويسألونني عن الأخبار التي أحملها إليهم من هذه الدنيا، فإنني سوف أخبرهم بكل تأكيد بأن مام جلال قد أصبح رئيساً للعراق، ولا شك بأن ساكني المقبرة سوف يكذبون كلامي ولن يصدقوه، وسوف يعتبرون هذا الخبر مستحيلاً، عندئذ لابدّ لي من مصحف أقسم عليه بأن ما أقوله هو الحقيقة..)، عندئذ أدرك الحضور مغزى النكتة وانتابتهم موجة من الضحك الذي أخرجهم من جوهم الحزين الذي كانوا فيه.   
لا شك بأن هذه الحكاية البسيطة بشكلها، والغنية بمضمونها، والتي تعكس حقيقة هذا الحلم الذي كان تحقيقه حتى تاريخ (٦/٤/٢٠٠٥)، مستحيلاً، ولكنه تحقق في شخص مام جلال الذي جعل كرسي الرئاسة يكبر به وبأدائه المميز الذي شكل قاسماً وطنياً مشتركاً بين مختلف مكونات الشعب العراقي، وخيمة تجمع تحتها الفرقاء بمختلف مشاربهم وانتماءاتهم القومية والدينية والفكرية، وكبر منصب الرئاسة بدوره المكوكي الفعال في تطويق الخلافات وحلها، هذا الدور الذي وصفه السيستاني بصمام الأمان للعراق الفيدرالي، وليس أدل على هذا الدور الذي لعبه مام جلال رئيساً للعراق، سوى حجم الفراغ الذي تركه برحيله في (٣/١٠/٢٠١٧)، إثر جلطة دماغية، لتنفتح أبواب العراق وكردستان
من جديد أمام مختلف التحديات الداخلية منها والخارجية، وهذا ما أكده الرئيس نيجيرفان بارزاني خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده يوم الخميس (١٣/٣/٢٠١٤) في هولير، والذي قال آنذاك حول رحيل مام جلال: (إن غياب سيادته وخاصةً في هذه المرحلة، كان له تأثير واضح في ظهور الكثير من المشاكل وتفاقمها، وخاصةً بين إقليم كوردستان والحكومة الاتحادية، إضافةً إلى باقي المكونات السياسية المختلفة ضمن الساحة السياسية في العراق، حيث أن دور فخامة الرئيس طالباني وحضوره، كان هو المحور الذي تلتف حوله وتتقارب الأطراف السياسية بمختلف أطيافها واتجاهاتها)  .

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket