مام في الشام

الآراء 07:58 PM - 2023-11-25
علي شمدين

علي شمدين

(٤٤)

(لقد وصلت الدماء إلى الركب)

لقد أدرك الجميع أهمية الخطوة التي أقدم عليها زعيم حزب العمال الكردستاني (عبد الله أوجلان)، بإعلانه عن وقف القتال من طرف واحد لمدة شهر خلال مؤتمر صحفي عقده عشية عيد النوروز عام (١٩٩٣)، وقد كانت هذه الهدنة هي الأولى من نوعها التي يعلن عنها حزب العمال الكردستاني منذ تبنيه الكفاح المسلح ضد الدولة التركية عام (١٩٨٤)، وكان التزام الحزب بتنفيذ تلك الهدنة صارماً وجدياً، لأنه وكما يقول جنكيز جاندار: (فإن عدم وقوع مشاكل في النيروز سيكون مقياساً لقوة أوجلان وحزب العمال الكوردستاني وتأثيرهما على الجماهير الكوردية، وفي الوقت نفسه مؤشراً على جدية الهدنة..) .
لقد كان القلق يتصاعد مع تسارع أيام الهدنة نحو الانتهاء، وكان الجميع يترقبون بحذر شديد الخطوات التالية التي يترتب على الأطراف المعنية أن تخطوها، وخاصة الرئيس التركي تورغوت أوزال الذي كان هو الآخر يتصرف من جهته بشعور عال بالمسؤولية إدراكاً منه بأن انفلات هذه الفرصة من بين يديه دون الوصول إلى حل يضع حداً لهذا الصراع الدائر حول القضية الكردية في تركيا، سوف يؤجج القتال من جديد وسيتسبب في إراقة أنهاراً من الدماء البريئة، وينقل جنكيز جاندار عن الرئيس التركي قوله: (هل تعرف يا جنكيز مم أخاف؟ إذا عاد الإرهاب، فسيعود بشكل مضاعف. سيصل الدم إلى الركب..) .
لا شك بأن مام جلال وبسبب علاقاته المميزة مع عبد الله أوجلان، كان بإمكانه أن يلعب دوره المؤثر في انجاح هذه المبادرة وإنقاذها من الفشل، ولذلك بات الجميع وخاصة الرئيس التركي تورغوت أوزال، ينتظرون منه متابعة جهوده الاستثنائية التي بدأها مع جنكيز جاندار من قبل، والتي تكللت بالإعلان عن تلك الهدنة التي شارفت مدتها على الانتهاء من دون أن تتفاعل معها الجهات التركية الرسمية ومراكز القرار في الدولة العميقة، أو أن تتجاوب معها بخطوة مماثلة لا بل ظلت تلك الجهات تتحين الفرص لإجهاض تلك الهدنة وإفشالها حتى تقود أوزال إلى طريق مسدود.
وعندما بلغ القلق ذروته، لم يبق أمام جنكيز جاندار إلاّ الإتصال مع صديقه مام جلال في الشام لينقل إليه المأزق الذي يعيشه رئيس الجمهورية في مواجهة معارضيه، ويطلب منه بذل كل جهوده من أجل إقناع عبد الله أوجلان من أجل تمديد الهدنة من دون شروط، فيقول جنكيز جاندار في كتابه (قطار الرافدين..)، ما يلي: (لقد نقلت لجلال طالباني وضع تورغوت أوزال الحرج، وقلت له إن رئيس الجمهورية بحاجة إلى تمديد الهدنة لإعطائه مساحة أفضل للمناورة، وأضفت: ولكن ثقافة الدولة التركية لا تحتمل مفاهيم فرض الشروط وتحديد المهل.. لأنه بذلك فقط يمكن أن يتقوى وضع أوزال من أجل تقديم مبادرة للحل) ، فلم يمض وقت طويل حتى اتصل مام جلال من الشام مع جاندار ليبشره بنبأ موافقة زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان على ما طلبه رئيس الجمهورية تورغوت أوزال، واستعداده للإعلان عن تمديد الهدنة من دون سقف زمني محدد ومن دون شروط مسبقة، وبذلك أعاد مام جلال الكرة مرة أخرى إلى ملعب تورغوت أوزال الذي قال بحسبما نقل عنه جاندار في كتابه: (المشكلة هنا هي أن لا ندع المبادرة تفلت من أيدينا..) .
من الثابت أن زعيم حزب العمال الكردستاني (عبد الله أوجلان)، كان ملتزماً بالهدنة التي أعلنها من طرف واحد في (٢٠/٣/١٩٩٣)، وأبدى تصميمه الشديد على تنفيذها من دون إشكالات، لابل أنه سارع من جهته إلى الإستجابة لطلب مام جلال بتمديدها مرة أخرى بتاريخ (١٦/٤/١٩٩٣)، من دون شروط مسبقة ولأجل غير مسمى بهدف إعطاء الفرصة اللازمة للرئيس التركي لكي يتغلب على معارضيه في الدولة ومؤسساتها، ويذهب بمشروعه نحو الأمام لحل القضية الكردية في تركيا، إلا أن الموت كان له بالمرصاد، فقد أعلن عن اصابته بسكتتة قلبية حادة في نفس اليوم الذي أعلن فيه عن تمديد الهدنة، والتي أودت بحياته في اليوم التالي (١٧/٤/١٩٩٣)، الأمر الذي دفع بهذه الهدنة نحو طريق مسدود، وكان الخبر صادماً بالنسبة لزعيم حزب العمال الكردستاني، وفقاً لما يقوله جنكيز جاندار: (روى لي كاميران قرداغي بأنه كان في بيت أوجلان بدمشق عند سماعه الخبر، وأنه رأى استغراب أوجلان الذي سأل جميل بايق: كيف حدث هذا؟) .
لقد أذيع رسمياً بأن الرئيس تورغوت أوزال توفي نتيجة اصابته بسكتة قلبية في (١٦/٤/١٩٩٣)، إلا أن عائلته وبعض الجهات الأخرى لازالت تشكك في هذه الرواية وتقول بأنه قد اغتيل مسموماً بحسبما ورد في تقرير نشر في موقع (TRT عربي)، والذي يقول: (إن عائلة أوزال تشكّك في وفاته بشكل طبيعي نتيجة سكتة قلبية، وتزعم أرملته سمراء أنه مات مسموماً، وطالبت أسرته لنحو عقدين من الزمن بتشريح جثته من أجل الوقوف على الأسباب الحقيقية لوفاته..) .
مهما يكن فإن القشة التي قصمت ظهر البعير، كما يقال، وأنهت الهدنة ليعود الصراع أقوى من قبل لتصل الدماء إلى الركب كما توقعه أوزال، هي العملية الهجومية التي نفذتها مجموعة من المقاتلين بقيادة (شمدين ساكك)، ضد حافلة عسكرية لنقل الجنود على طريق بنغول- آلعزيز، في (٢٤/٥/١٩٩٣)، وفي هذا المجال ينقل جنكيز جاندار عن لسان مام جلال قوله: (إن أوجلان لم يأمر بخرق الهدنة ولم يكن على علم بها، وإنما جهات أخرى هي التي نفذت عملية مقتل الجنود من دون علمه..) .

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket