الأمير إبراهيم باشا الملي و اخر إمارة كردية

الآراء 02:00 PM - 2023-09-30
الأمير

الأمير

المقدمة:
الأمير إبراهيم باشا الملي أمير قبائل الملان و اخر حكام السلالة الملية (أمراء أعالي بلاد ما بين النهرين) (1) و هو سليل عائلة كردية عريقة تمتد جذورها إلى أعماق التاريخ الكردي و الذي انتهت بوافته اخر إمارة كردية في العهد العثماني فكتب عنه الرحالة و عالم الاثار الألماني ماكس فون أوبنهايم (ينحدرإبراهيم باشا من سلالة قديمة من الأمراء البدو الذين غزوا ممالك و أسسوا سلالات ملكية) (2) و كان يلقب أمراء السلالة في العهد العثماني ب (سلاطين البر) (3) و الذين قدر لهم حكم منطقة واسعة من كردستان و شمال سوريا حيث يذكر الدكتور وينتر ستيفان في بحثة عن كرد سورية خلال القرن 18 عن وضع الملية/الملان في الشمال السوري في ذلك الوقت إعتمادا على وثائق الأرشيف العثماني (هيمنت الملية ابتداء من القرن 18 على شمال سوريا بالكامل) (4) و قد كانت السلاله تحكم ماردين وراثيا منذ العام 1735م (5) و اتخذوا من مدينة ويرانشهر عاصمة لحكمهم  و لم تهادن السلاله يوما القوى التي حاولت السيطرة على كردستان فقد كانوا سباقين في إعلان الإنتفاضات و الثورات منذ أكثر من خمسة قرون و قد انتفضوا تارة ضد الفرس و تارة ضد الترك و كان الهدف الأول هو الإستقلال عنهما و في بعض الأحيان نجحوا في ذلك و لفترات طويلة و في أحيان أخرى لم ينجحوا و كان مصيرهم آنذاك القتل و الإعتقال و التشريد (6) و قد عدد العلامة محمد أمين زكي في كتابه (تاريخ الكرد و كردستان) خمس ثورات كردية ضد الأجانب كانت اثنتان من هذه الثورات من نصيب أمراء أعالي بلاد ما بين النهرين و هما ثورة الأمير تيمور باشا و ثورة الأمير إبراهيم باشا. (7) و قد عمل أعداء الشعب الكردي لسنوات على إنكار هذا التاريخ و إخفائه و حتى تشويهه فكتب الدكتور أحمد عثمان أبو بكر عن ذلك (ليس من السهل و الميسور متابعة هذا التاريخ (تاريخ الملية) و تدوينة و ذلك لندرة المصادر التاريخية و المنابع الإخبارية التي تتطرق إليه و كذلك بسبب الغموض الذي يكتنف جوانب عدة من سياسة الحكومة العثمانية (التركية) التعسفية و التي لاشك ان عملت الأوساط الرسمية ما وسعها لإخفائه و طمس معالمه و يلوح للباحث بأن رؤساء هذه الطوائف كانوا من بين أوائل القادة الذين قاموا بالمعارضة و الإنتفاضة منذ نهاية القرن الثامن عشر و ذاقوا مع طوائفهم جراء ذلك صنوفا من القهر و الاضطهاد ) (8) و قد عملت السلالة لقرون على الدفاع عن الجغرافية الكردية ضد هجمات القبائل العربية و محاولاتها فرض سيطرتها على المنطقة و سطروا خلال ذلك تاريخ مليء بالبطولات.
 و بسبب وضعهم هذا فإن الكرد كانوا يبجلونهم تبجيلا كبيرا و قد كونوا من حولهم وضعا إسطوريا مهيبا و تناولهم الفلكلور الشعبي الكردي بمختلف أشكاله و صوره بالأناشيد و الأغاني و المراثي التي تؤرخ لبطولات بعض الشخصيات و كرمهم و كذلك لبعض الأزمات التي حلت عليهم (9) و قد كتب عنهم السياسي و الشاعر القومي الكردي جكر خوين ما يلي (اشتهر من عائلة زنكو زيرين* و منذ القدم بعض الباشوات و الرجال الذين ذاعت شهرتهم على صفحات التاريخ و هم مبعث فخر للشعب الكردي الذي لازال يرفع رأسه عاليا بسيرتهم و تاريخهم) (10)
و من هؤلاء الرجال أجداد إبراهيم باشا الذين قصدهم الراحل جكر خوين الأمير محمد الملي و الذي كان أميرا على سنجق الخابور (في الجزيرة السورية اليوم) و قد ثار الأمير محمد على العثمانيين في عام 1598م. (11)
هذا و تصنف القبائل الكردية حسب معظم الدراسات الأنثوغرافية و الاجتماعية إلى ملان و زيلان و بذلك يتم التأكد من أن النواة القبيلة الملية هي من أقدم و أعرق القبائل الكردية (12) و لكل ما سبق فإن قسما كبيرا من الكرد كانوا يعتبرونهم (باڤي كرد) أي أبو الكرد  و كذلك (ديريكي كردستان) أي عامود كردستان. (13) وقد حظيت السلالة بإهتمام من قبل العديد من الباحثين و المؤرخين الأجانب و الكرد على السواء.

المصادر:
1-د.وديع جويدة – الحركة القومية الكردية نشأتها و تطورها – صفحة 151 – ترجمة من الإنكليزية مجموعة من المترجمين إشراف و تدقيق غازي برو.
2-عالم الاثار الألماني البارون ماكس فون أوبنهايم- قصة قصيرة بعنوان ( إبراهيم باشا أمير بدوي حياته و مماته).
3-راجع عبدالسلام المارديني تاريخ ماردين صفحة 138, قارن مع الدكتورة إكسان العثمانيين 1700-1923 إمبراطورية محاصرة, قارن مع محمد علي بك كتاب أمير أمراء كردستان إبراهيم باشا الملي صفحة59 (كتبت خطأ (سلطان البحر) في الطباعة).
4-د. وينتر ستيفان – أكراد سورية في مراة مصادر الأرشيف العثماني خلال القرن 18 للميلاد –صفحة 289- ترجمة من الألمانية د.نضال حج درويش – مجلة (مؤسسة زين لإحياء التراث الوثائقي و الصحفي الكردي) – العدد 6 – السنة السادسة – كانون الأول 2014.
5-أوبنهايم ,برونيلش و كاسكل, صفحة 110 ,انظر جميل, مسألة كردستان ص98 , و أورهونلو صفحة 157 - نقلا عن الأستاذ محمد جمال باروت- التكون التاريخي الحديث للجزيرة السورية – صفحة 56
6-الأمير محمد علي بك إبراهيم باشا – أمير أمراء كردستان إبراهيم باشا الملي – صفحة 45.
7-العلامة محمد أمين زكي – تاريخ الكرد و كردستان – نقلا عن محمد علي بك – المصدر السابق – صفحة 46
8-د. أحمد عثمان أبو بكر – الاثار الكاملة للدكتور أحمد عثمان أبو بكر – الجزء الأول – صفحة 157 – إعداد دكتور ازاد عبيد صالح.
9-عن الفلكلور الشعبي و الأغاني التي ألفت عنهم ينظر مثلا جريدة هاوار، العدد (24- 25, ص16) نقلا عن محمد علي بك إبراهيم باشا – المصدر السابق.
10- الأستاذ جكر خوين – كتاب تاريخ كردستان – الجزء الأول – قسم حكم الملان في ويرانشهر - صفحه 322 – ترجمة من الكردية الأستاذ خالص مسور.* (زنكو زيرين و هو أحد الألقاب المعروفة للأمير تيمور باشا الملي )
11-
12- د.أزاد أحمد علي – الدور السياسي لعائلة إبراهيم باشا الملي في غرب كردستان و شمال بلاد الشام – مجلة الحوار العدد 65 تشرين الأول 2012.
13- محمد علي بك إبراهيم باشا – المصدر السابق – صفحة 46.

الملية/الملان:
تعتبر الملية من أكبر التجمعات البشرية في الشرق الأوسط و مناطق إنتشارها تقع في الولايات الشرقية و الجنوبية من تركيا و شمال وشرق سوريا و شمال غرب إيران فكانت هذه العشائر تتوزع على جغرافية واسعة و أكبر ثقل لها تاريخيا يقع في الجغرافيا الواقعة بين المدن التالية (دياربكر– حلب – الرقة – الموصل – ماكو) لكن أيضا لها ثقل كبير في مناطق أخرى فيشيرالمؤرخ و المستشرق كلابروث الذي زار مقاطعة أيريفان في أرمينيا في الثلث الأول من القرن التاسع عشر على أن أكراد الملي و قبيلة كاراتشورلس هما أهم قبيلتين شيعيتين في المقاطعة (1) و كانت الملية تمتلك قلاعا خاصة بها كقلاع (تيلكوران, تيلجزير, جيلاب, انيتسلي,موك, ويرانشهر و غيرها)(2) و قد سبق و أن ذكرنا بأنه و بحسب الدراسات فإن القبائل الكردية تصنف إلى قسمين ملان و زيلان و قد أشار الأمير إبراهيم باشا الملي إلى ذلك (3) كما أشارأيضا الأمير جلادت بدرخان باشا إلى الأمر ذاته في مقال له نشرة في جريدته (روناهي) غي عام 1943م بعنوان (مل و زل أساس العشائر الكردية) (4) و هذا يشير إلى قدم و عراقة الملية و بأنها الأصل الذي تنحدر منه عشائر كردية, و على الأرجح كان كرد جنوب غرب كردستان يصنفون جميعا على أنهم من الملان في مواقع و سياقات مختلفة (5) علما أن قادة الملان قد بسطوا سلطتهم على العديد من القبائل و العائلات الحضرية الريفية (والمدنية) فالاتحاد القبلي ضم الرحل و الفلاحون المستقرون (6) و العائلات ضمن المدن الكبرى ف خلال الحرب العالمية الثانية بلغ عدد عوائل الملية التابعين لأبناء إبراهيم باشا في دياربكر وحدها 400 خانة خلقي (7) حكم السلالة قاد عشائر الملية الى الوحدة و العظمة فكانت رقما صعبا في المنطقة فيشير الدكتوروينتر بأن الملان كانوا واحدة من أبرز التجمعات السياسية في شرق الإمبراطورية العثمانية في القرن 18(8) و كتب الأب انستانس الكرملي (1866-1947) التالي (و أهم قبائل الأمة الكردية هي اليوم الكرد الملية القاطنة في كردستان الغربية و الحسنانلة الساكنون في نجد أرمينيا)(9) و قد انضمت بعض القبائل العربية و التركمانية الى الملية طلبا للأمان و للسماح لها بالانتشار داخل جغرافيا الامارة و مناطق نفوذها و كذلك طمعا بالرخاء و الإستقرار الذي وفرته السلالة لعشائرها كما أن قسم من هذه العشائر كان قد تم إخضاعها و إدخالها تحت حكم السلالة بالقوة فلم يكن الموضوع بإرادتها و هذه العشائر يمكن وصفها بالخاضعه و ليس المتحالفه فقد كان لإبراهيم باشا حق السيطرة على القبائل العربية في المنطقة (10) إلا أنه و مهما كان عدد هذه العشائر كبيرا فهو لا يشكل شيء أمام عدد العشائر الملية الكردية الأصيلة و هو ما يشير إليه أوبنهايم حيث كتب (الحلف الملي القبلي يتكون في معظمه من الأكراد مع مكونات صغيرة من البدو (العرب)) (11) كما يشير العلامة وصفي زكريا إلى النقطة ذاتها حيث كتب (معظم هذه العشائر كردي و بعضها يزيدي و قليل منها عربي الأصل) (12) هذا بالطبع مقارنة بحجم الكرد ضمن الملية و قد إعتبرت المصادر العثمانية الملية قبيلة كردية خالصة (13) و قد كان للبنية الكردية للملية تأثيره الواضح على القبائل العربية التي انضمت لها و كان ذلك التأثير يختلف بحسب مدة تبعية القبيلة العربية للملية و على سبيل المثال قبيلة عدوان العربية كتب عنها أوبنهايم (ثمة تأثير كردي واضح على عادات و تقاليد عدوان ذلك أمر يبدوا طبيعيا بعد ما قلناه حول أماكن إنتشارها (المقصود انتشارها ضمن الجغرافيا الكردية) و علاقتها بالملية) (14) و يذكر مارك سايكس (هاجرت عدوان الى بلاد ما بين النهرين من محيط تدمر في وقت غزوا شمر , في اوائل القرن الماضي منذ ذالك الحين تراجعت تدريجيا عن جيرانها العرب و أصبحت أكثر ارتباطا بالقبائل الكردية بحيث أصبحت الان عن طريق الزواج المختلط و مع مرور الوقت كردية بالكامل تقريبا ) و يضيف ( ان شيخ عدوان الحالي هو محمود اغا الذي يتحدث العربية بصعوبة) (15) حيث أصبحت لغته كردية و ذلك بسبب وجود القبيلة ضمن الملية لفترة طويلة. 
لذلك لا يمكن أبدا وصف الملية بأنها قبيلة (كردية عربية) بل هي قبيلة كردية خالصة إنضمت إليها بعض العشائر العربية بأعداد لم تخل بقوميتها الكردية, ان دخول هذه العشائر العربية و التركمانية ضمن الملية أدى إلى إطلاق صفة حلف عليها مما جعل البعض يعتقد بأنه لا وجود لقبيلة باسم الملية الا انها عمليا اتحاد لعشائر كردية تحت حكم السلالة الملية  يعود أصل هذه العشائر جميعا إلى قبيلة الملان الكردية.
 ركزت جميع الدراسات المنشورة عن الملية على فترة العهد العثماني و لم تتطرق أي دراسة بحسب علمنا إلى الملية في عهود سابقة رغم ذكرها ك قوة في أحد المصادرالإسلامية التي اتطلعنا عليها فكتب ابن الأزرق الفارقي (في سنة ستة و خمسين و خمسمائة ( 1161م) وثب الأكراد الملية على قلعة شاتان و ملكوها و انصرف عنها الأمير درباس الجوبي...) (18) بل و يشير البروفسور مهرداد إلى أزمنه أقدم من ذلك فكتب عن الحضارة الميتانية  (لا يزال اسم ميتاني قائما اليوم في القبائل الكردية (ماتيني و ملاني/ملي) التي تسكن نفس المناطق الجغرافية بالضبط في كردستان مثل ميتاني القديمة)(19)

المصادر:
1-Nouvelles Annales DesVoyages 1834 – p 291
2-د. أحمد محمد أحمد – أكراد الدولة العثمانية تاريخهم الاجتماعي و الاقتصادي و السياسي 1880-1923 – صفحة 310 كذلك محمد علي بك – مصدر سابق – صفحة 50.
3-مارك سايكس – القبائل الكردية في الإمبراطورية العثمانية – صفحة 72 – ترجمة الدكتور خليل علي مراد.
4-د.صلاح هروري – النشاط السياسي و الثقافي للأسرة البدرخانية (1900-1950)
5-الدكتزر ازاد علي – المصدر السابق.
6-الدكتزر ازاد علي – المصدر السابق.
7-د. فريج كردلر – تاريخ و اجتماعي تدقيقات – ص 30 – تقلا عن باروت – مصدر سابق – صفحة 117-116.
8-الدكتور وينتر ستيفان – المصدر السابق – صفحة 291
9-الأب الكرملي مخطوطة من متحف بغداد رقم 904 – صفحة 32 – نقلا عن محمد علي بك -مصدر سابق – صفحة 33.
10- محمد أمين زكي – المصدر السابق – صفحة 65
11- ماكس فون أوبنهايم – البدو الجزء الأول – صفحة 79
12- العلامة أحمد وصفي زكريا – المصدر السايق – صفحة 664
13- الدكتور وينتر ستيفان – المصدر السابق – صفحة 290
14- ماكس فون أوبنهايم – البدو ج1 – صفحة 351
15- مارك سايكس – ميراث الخليفة الأخير (النسخة الإنكليزية) – صفحة 315-316
16- العديد من المصادر المعتمدة على وثائق الأرشيف تشير الى النقطة نفسها على سبيل المثال انظر الدكتور وينتر ستيفان – المصدر السابق – صفحة 291-292
17- نقلا عن د. أزاد أحمد علي – المصدر السابق.
18- ابن الأزرق الفارقي – تاريخ ميافارقين و امد – نقلا عن الدكتور سهيل زكار- الموسوعة الشاملة في تاريخ الحروب الصليبية ج11 – صفحة 5296
19- Prof. Mehrdad Izady – Exploring Kurdish Origins 6

النسب و النشأة:
هو إبراهيم باشا بن محمود بك بن تيماوي بك (تيمور الصغير) بن محمود بك بن تيمور باشا بن محمود باشا ينتمي إلى عشيرة البافمري الملية ولد الأمير إبراهيم باشا الملي في عام 1845م  و قد تحمل المسؤوليات الجسام منذ بداية حياته ففي طفولته قام العثمانيين بالهجوم على عاصمة الإمارة الملية و إحراق قلعة ويرانشهر و إعتقلوا والده الأمير محمود ثم سجنوه في دياربكر كما قاموا بمصادرة أموال و ممتلكات العائلة و أتبعوا كل الأساليب اللاانسانية تجاه عشائر الإمارة من سلب و نهب و قتل و تشريد و قد كان إبراهيم باشا في حينها يبلغ من العمر ما بين عشرة إلى أربعة عشرة عام  حيث لم تعرف حياته الهدوء و السكينة إلى أن توفي في عام 1908 م  فكانت حياته كلها رحلات و حروب و صراعات و فعاليات اجتماعية و اقتصادية متنوعة و كل ذلك إن دل على شيء فإنما يدل على سعي هذا الأمير الكردي إلى تحقيق شيء غير عادي في حياة أمته و شعبه.(3) و قد كتب سايكس عن ذلك (كان إبراهيم باشا شخصية عجيبة حقا فكان بلا شك قائدا طبيعيا للرجال يمتاز بمقدرة عجيبة على ضبط النفس كما هي صفات أولئك الرجال الذين اختبروا الجوانب الأكثر قسوة و اضطرابا في الحياة) (4)
( في عمر السابعة عشرة توجه إبراهيم باشا إلى مصر ليطلب الوساطة من الخديوي إسماعيل لإطلاق سراح والده من السجن فقد كانت علاقة السلالة الملية قوية جدا بحكام مصر حيث شارك الأمير أيوب بن تيمور باشا الملي في الحرب المصرية العثمانية الأولى إلى جانب المصريين(5) كما شارك الأمير تيماوي الملي في الحرب المصرية العثمانية الثانية إلى جانب المصريين (6) و قد تدخل الخديوي بالفعل و توسط عند السلطان عبدالعزيز و تم إطلاق سراح الأمير محمود و قد كتب العلامة محمد أمين زكي عن ذلك ( لقد كان للخديوي إسماعيل عطف خاص على هذه الأسرة الكردية القديمة التي كانت لها صلة وثيقة ب محمد علي الكبير)(7) كما يشير الدكتور أزاد علي إلى إحتمالية وجود علاقة قربة قديمة بين الأسرتين (8)) (9)
إلا أن هذا الهدوء مع العثمانيين لم يستمر لفترة طويلة فقد بدأ إبراهيم باشا كأسلافه يتوسع في المنطقة في بداية عهدة خاصة في المناطق الواقعة بين ماردين و دياربكر مما أزعج السلطات الحكومية كثيرا التي ما لبثت أن جردت حملة عسكرية و ألقت القبض عليه و نفته إلى سيواس و لكنه تمكن بعد ذلك من الهرب من منفاه و الرجوع الى مسقط رأسه ويرانشهر (10) و قد كتب مارك سايكس عن هذا (قبضت الحكومة على إبراهيم باشا و نفي الى سيواس مع ستة من قادة العشائر الاخرين إلى جانب إبراهيم باشا مثل هؤلاء القادة  القبائل السبعة التي شكلت جوهر اتحاد الملان (البامري) فر القادة السبعة من سيواس بعد نحو ستة أشهر من النفي و تمكنوا من الوصول الى ويرانشهر بعد رحلة محفوفة بالمخاطر و الجنود يطاردونهم) (11)

المصادر:
1-الكتور ازاد أحمد علي – المصدر السابق.
2-J.T. Verneur – Journal Des Voyages 1822 – p294
3-انظر العلامة محمد أمين زكي , مشاهير الكرد و كردستان , صفحة 427 – قارن مع مارك سايكس, رحلات في شمال بلاد ما بين النهرين, المجلة الجغرافية عام 1907 , صفحة 385 – و قارن مع محمد علي بك ,المصدر السابق, صفحة 59-60.
4-مارك سايكس – نقلا عن الدكتور أبو بكر – المصدر السابق – صفحة 181
5-محمد علي عوني – الرسالة العونية في أنساب الأسرة التيمورية – إعتمادا على وثائق الأرشيف المصري.
6-العلامة محمد أمين زكي – مشاهير الكرد و كردستان – صفحة155- و مارك سايكس – ميراث الخليفة الأخير -صفحة 319-320.
7-محمد أمين زكي – المصدر السابق – صفحة 427
8-د.أزاد أحمد علي – المصدر السابق.
9-لتفاصيل أكبر عن موضوع مصر – راجع محمد علي بك – مصدر سابق – صفحة 60-61
10- د.صلاح هروري م/هوكر توفيق – المصدر السابق.
11- مارك سايكس نقلا عن د.جوست جونجيردين و د. جيل فيرهيج – العلاقات الاجتماعية في دياربكر العثمانية 1870-1915 – صفحة 65 / لتفاصيل أكثر عن موضوع النفي انظر محمد علي بك – المصدر السابق – صفحة 61-63.

 

حلم الدولة الكردية و العمل على تحقيقه:
بعكس الكثير من العائلات المتنفذة في كردستان من أمراء و رؤساء عشائر كردية لم يدعي أمراء الملان النسب العربي أو الإنتماء للأشراف بل على العكس بقوا متمسكين بكرديتهم لذلك فهم يمثلون الشعور القومي الأكثر أصالة و قد كان أبناء الأمير إبراهيم باشا من أهم قادة النضال القومي في القرن الماضي الهادف للوصول لدولة كردية مستقلة يصف الضابط البريطاني وولي في تقرير له عام 1918 الأمير معمو ابن إبراهيم باشا بأنه (رجل ذو نزعات قومية شديدة) فهل كان شعورأبناء إبراهيم باشا هذا نابع من تأثرهم بالجو العام أم أنه أمر قد  تم تنشأتهم عليه؟
يظهرمن الوثائق و المراجع التي تبين فكر الأمير إبراهيم باشا خلال حياته بأنه قد أنشأ أبناءه على النضال القومي فيؤكد الدكتورالفرنسي فيليب مانسيل المتخصص بالتاريخ الفرنسي و التاريخ العثماني بأن إبراهيم باشا كان يحلم بدولة كردية (1) و قد إلتقى الضابط الإسباني المقدم مورس خلال رحلة رسمية له في الدولة العثمانية عام 1905م بطبيب الأمير إبراهيم باشا الخاص التركي الأصل الذي كان ذاهب في اجازة و انضم للقافلة التي كانت تضم مورس و تبادلا أطراف الحديث فيما بينهما كان الطبيب من أكثر الشخصيات القريبة من الأمير و الملازمة له مما جعله على اطلاع على الكثير من التفاصيل و قد ادلى الطبيب بشهادة هامه لمورس فقد أبلغه بأن حلم إبراهيم باشا هو أن تعترف به أوربا ملك على كردستان (2).
و يؤكد تقرير رسمي بريطاني على الأمر ذاته و على عمل إبراهيم باشا لإقامة دولة كردية مستقلة فذكر التقرير عن إبراهيم باشا بعد وفاته ما يلي (الزعيم الكردي الأكثر أهمية إبراهيم باشا الملي كانت تحركة أفكار عظيمة عن كردستان مستقلة يحكمها بنفسه) (3)
تفيد مصادر العائلة الشفهية بأن الأمير إبراهيم باشا قد طلب من الإنكليز دعمهم لإقامة دولة كردية مستقلة (4) و هذا ما أكدته الوثائق التي تم نشرها في السنوات الماضية حيث تبين أن الأمير إبراهيم باشا قد طلب مساعدة البريطانيين بشكل رسمي لإنشاء دولة كردية برئاسته فنقل مارك سايكس كلمات إبراهيم باشا في تقرير رسمي حيث قال إبراهيم باشا محدثا سايكس ( أنتم ساندتم شيخ الكويت لإعلان الإستقلال لماذا لا تدعموني أنا أكون في الموقف نفسه علما أن الكرد مستعدين للعمل معكم و انا مستعد لمصاحبتكم إلى بريطانيا لشرح الموقف لملك بريطانيا) (5)
المتتبع لتاريخ السلالة الملية من الأمراء الذين سبقوا إبراهيم باشا يتضح له ان حلم الاستقلال عن السلطنة العثمانية كان متجذر في فكر امراء السلاله وعلى الرغم من قدرتهم للتوصل الى تفاهمات مع العثمانيين إلا أنهم قاموا بالكثير من الثورات في سبيل الإستقلال و دفعوا حياتهم في سبيل ذلك على سبيل المثال توضح وثيقة في الأرشيف المصري ان محو بك أحد رجال محمد علي باشا طلب ضرب الأمير أيوب بك الملي بخيالة الهواري و ذلك لميلة الى الإستقلال (6) حيث كان الهدف الأساسي لتحالف الامير أيوب بن تيمور باشا مع المصريين هو الاستقلال التام عن الدولة العثمانية و كان يقابل ثورات الملية عنف و حملات عسكرية كبيرة من قبل العثمانيين و على الرغم من انه ليس هناك وثائق صريحه الى اليوم تبين المحرك الأساسي لهذه الثورات الاستقلالية التي قام بها أجداد إبراهيم باشا و برأيي يعود ذلك لقلة الأبحاث بالوثائق المتعلقة بالمليين الا أن مصادر العائلة تفيد أن إنشاء الدولة الكردية المستقلة كان حلم الأمراء الذين سبقوا إبراهيم باشا (7) ان الوثيقة التي تبين طلب إبراهيم باشا دعم البريطانيين و وفقا للمصادر التي اطلعت عليها هي من أقدم الوثائق الصريحه تبين عمل أمير كردي على إنشاء دولة كردية و بناء عليه فإن السلالة الملية كانت سباقة في العمل لإقامة دولة كردية و منارة لنشر الوعي القومي الكردي.

المصادر:
1-Philip Mansel -Aleppo: the rise and fall of Syrias great merchant city – p44
2-L. Azpeitia De Moros- En busca del caballo arabe – p210
3-The general staff, British forces in Iraq- Military report on Mesopotamia (Iraq) Area 1- p3
4-محمد علي بك – إبراهيم باشا الملي أمير أمراء كردستان – صفحة 77.
5-Cabinet 27/206 (British desiderata in Turkey in Asia Minor) report Appendex iv , March 15-1915 , p101 – نقلا عن الاستاذ عثمان علي – الحركة الكردية المعاصرة – صفحة 193.
6-محمد علي عوني – الرسالة العونية في أنساب الأسرة التيمورية.
7-محمد علي بك – المصدر السابق – صفحة 98.

إنقاذ المسيحيين:
أثناء المذابح الأرمنية الأولى و في الوقت الذي كان الاخرون منهمكين في نهب و قتل الأرمن كان إبراهيم باشا يحمي المسيحيين من كل المذاهب (1) ففي بداية المذابح أمر إبراهيم باشا إحدى وحدات سلاح الفرسان التابعة له بالتوجه الى دياربكر لم يرسلهم ليشاركوا في أعمال العنف و السلب بل لحماية المسيحيين و اتخاذ إجراءات ضد المحرضين على المذابح, تم نقل الفوج الذي تم إنشاؤه بالكامل من عشيرة الخضركان و تحت قيادة أحد ابناء إبراهيم باشا من موقعه الاستراتيجي على جسر مالاباد على بعد 100 كم شرق دياربكر إلى المدينة نفسها.(2) و هدد إبراهيم باشا بتدمير مدينة سيفيريك إذا ما تعرض الأرمن للمذابح هناك و بذلك أنقذ مئات الأرواح ضمن المدينة (3) و يذكر مارك سايكس التالي:( أنقذ إبراهيم باشا عدة الاف من الأرمن و قد قام بنقلهم إلى ويرانشهر و لمدة شهرين قام بإطعام هؤلاء الأرمن دون مقابل و عندما هدأت الأمور أعطاهم خياراً بأن يقوم بتمليكهم أراضي في ويرانشهر ليعملوا و يعيشوا بسلام) (4) و قد بنا لهم إبراهيم باشا أسقفية في ويرانشهر (من أعلى درجات المراكز الدينية المسيحية حيث تكون مسؤولة عن عدد من الكنائس داخل إقليم معين / كاتدرائية)(5)و تمتع الأرمن (المسيحيين بشكل عام) بالأمان و الإطمئنان طلما كانوا في حدود منطقة العشائر الملية حيث كانوا يلقون المعاملة اللائقة عندما ينتقلون من ويرانشهر و من أريافها إلى مضارب خيام البدو و منها إلى ويرانشهر و هم يبيعون الأعلاف و الدهون (6)
و لما انتشرت أخبار عدالته و صولته في مدائن أورفا و ماردين و دياربكر صار أبناء المسيحيين و المسلمين يتقاطرون أفواجاً مع عيالهم إلى قضاء ويرانشهر مركز إبراهيم باشا و يسكنون و يتاجرون فيها امنين على أموالهم (7) ويرانشهر نفسها ضمت ما يقارب من 600 عائلة مسيحية (عدا الذين كانوا يسكنون في القرى المحيطه) غالبيتهم كانوا أرمن كاثوليك لكن كان هناك أيضا سريان كاثوليك, سريان أرثدوكس, أرمن غريغوريون, و عدد صغير من الكلدان (8) إذ شجع إبراهيم باشا الكثير من الأرمن و اليزيدين على الاستيطان في ويرانشهر و القرى المحيطه بها و التي كانت في ازدهار كبير حيث بنى أربعمائة قرية مزدهرة في أطراف ويرانشهر (9)و قد عمل إبراهيم باشا على محاسبة المشاركين في المجازر و إعادة المسروقات من القرى الأرمنية إلى أصحابها فيذكر الرحالة و عضو البرلمان البريطاني هنري لينش عن رحلته في الإمبراطورية العثمانية في كتابه الصادر عام 1901 (قرية الشيخ يعقوب هي قرية أرمنية كبيرة جدا ربما كانت مزدهرة في السابق لكنها الان في حالة من العوز الشديد كل السكان كانوا يرتدون الخرق كان الأولاد حتى سن البلوغ عراة تماماً و الفتيات حتى عامهم الخامس أو السادس عراة أيضا كانت القرية مليئة بالجنود الذين وقفوا على أسطح المنازل ناديت ضابطهم و استفسرت عما يفعلونه فأجاب بأن إبراهيم باشا من الكرد الحميدية على وشك زيارة المكان في غوب تأكدت من أن هدف زيارته هو إعادة بعض الممتلكات لسكان القرية و التي كان قد أخذها الكرد سابقا) (10) الا أن هنري لينش و بسبب الفظائع التي شاهدها لم يصدق الموضوع.
و عندما بلغ التوتر أوجه بين الأمير إبراهيم باشا الملي و الحكومة العثمانية في عام 1907م بسبب مظاهرات أهالي دياربكر ضده أرسل الأهالي برقيات الى قصر السلطان يطلبون فيها محاسبة إبراهيم باشا و مما جاء فيها هو أن إبراهيم باشا كان يساعد الثوار الأرمن على الهرب إلى مصر و أوروبا بدلا من قتالهم (11) و في السياق نفسه أرسل ماركس سايكس رسالة طويلة لجريدة التايمز البريطانية بتاريخ 3-12-1907 يتحدث فيها عن إبراهيم باشا مشيراً إلى أنه حامي المسيحيين في المنطقة و قد نشرتها التايمز بتاريخ 6-12-1907 و مما جاء فيها :
(بالإشارة إلى رواية مراسلكم في القسطنطينية حول الوضع في دياربكر هل يسمح لي بأن أقول كلمة دفاعاً عن إبراهيم باشا زعيم أكراد الملي الذي يسكن جنوب تلك المنطقة؟
لا يمكن الإدعاء و لو للحظة واحدة بأن إبراهيم باشا كان في يوم من الأيام عدواً للمسيحيين الأرمن, لأنه و خلال أسوء فترات المذابح في مقاطعتي دياربكر و أورفة قام بتوفير الحماية لمئات و ألاف اللاجئين و في عديد من المناسبات اللاحقة قام بحماية و مساعدة المسيحيين من مختلف الطوائف, كما أنني أود أن ألفت نظر قرائكم إلى حقيقة أن التوتر الذي يسود في دياربكر ليس له علاقة بالمشاكل في أرضروم, كاستاموني و بدليس و أماكن أخرى, و أن سلاح الفرسان الكردي التابع لإبراهيم باشا لا يشبه قوات الحميدية من عشيرة الحيدرانلي التابع لحسن باشا في وان.
إن هناك عداوة قديمة و طويلة الأمد بين وجهاء دياربكر و أكراد الملي ربما يعود تاريخها إلى أيام سليم الفاتح (يقصد السلطان سليم الأول) و قد ازدادت حدتها في السنوات الأخيرة بسبب غيرة أعداء إبراهيم باشا في المدينة من التقدم الذي وصل إليه, إذا تم بالغعل إبعاد إبراهيم باشا إلى حلب فأنا أجرؤ إلى الإشارة على أن وضع اللأرمن و المسيحيين بين أورفا و دياربكر سيكون بالتأكيد أسوء مما هو عليه الان فوجهاء كلتا المدينتين متوحشون و لصوص عديمي الشفقة.... ) (12)
و يقدر بأن إبراهيم باشا قد أنقذ عشرة ألاف أرمني من الموت في المذابح الأولى (13) الا انه و بناء على ما ذكرناه يتبين بأن الرقم اقل من الواقع و تقديراً لحمايته للمسيحيين و مساعدتهم قامت الدولة الفرنسية بتقديم وسام شرف للأمير إبراهيم باشا.
إن التعامل اللائق مع الأقليات في المنطقة و حمايتهم لم يكن شيئ جديد على السلالة الملية بل هو جزء من تقاليد العائلة فقد ذكر الأب جوزيف وولف أثناء زيارته للمنطقة عام 1823 عن الأمير أيوب الملي جد إبراهيم باشا (لدى أيوب ثمانون ألف عائلة كردية و عربية تحت إمرته إنه أقوى شخص في البادية و كامل البلاد المحيطة به ترتجف خوفا من اسمه كما أن المسيحيين و اليهود يثنون بشكل كبيرعلى نزاهته و عدالته... ) (14) لذلك فقد ذكر سايكس عن إبراهيم باشا بأنه استمر بممارسة تقاليد قبيلته و من هذه التقاليد التي ذكرها سايكس هي حماية المسيحيين في المنطقة (15) و قد عمل أبناء إبراهيم باشا على خطى والدهم و أجدادهم فقد قاموا بحماية المسيحيين أثناء المذابح الثانية فكتب البريطاني الميجر نويل بعد الدراسة الميدانية للمنطقة و زيارته ل ويرانشهر في عهد أبناء إبراهيم باشا (شيء يجب أن يضاف إلى رصيد محمود بك ابن إبراهيم باشا و هو أنه قد منح حق اللجوء للأرمن في ويرانشهر خلال مذابح عام 1915م و هو بذلك كان يتبع تقاليد عائلته التي لطالما اشتهرت بتسامحها) (16) كما كتب وولي عن المليين بعد زيارته للمنطقه في عهد أبناء إبراهيم باشا (يتمتع المليين بالأخص بسمعه طيبه فيما يتعلق بطريقة تعاملهم مع الأرمن) (17)
و قد تفردت البريطانية غيرترود بيل بنقلها لكلام أحد أبناء إبراهيم ياشا (الأمير إسماعيل) و هو يبرر المذابح الأرمنية (18) إلا أنه و بعد تحقيق المصدر اتضح أن بيل لم تقابل ابن إبراهيم باشا بل قابلت شخص كان ينتحل شخصيته حيث تم القبض عليه و سجنه من قبل البريطانيين.(19)
و بسبب رحيل أبناء إبراهيم باشا عن ويرانشهر إضطر الأرمن الموجودين هناك للرحيل أيضا حيث وثقة وكالة أنباء هاوار شهادة الأرمني الأستاذ جميل كيفو الذي أدلى بما رواه له جده سركيس الذي إختبأ عند اليزيدين في ويرانشهر و ذكر في شهادته بأنه بعد قيام الدولة التركية بإصدار فرمان ضد عائلة إبراهيم باشا الملي إضطر جده بأن يغادر ويرانشهر و أن يتجه إلى ناحية عامودا. (20) كما أدلى حفيد الأمير إبراهيم باشا (عبدالإله بن خليل بك ابن إبراهيم باشا الملي) رحمه الله بشهادته للباحثة الأرمنية السورية د. نورا أريسيان  و تحدث بالتفصيل عن دور أبناء الأمير إبراهيم باشا الملي بعد وفاة والدهم في إنقاذ الأرمن فقال (...أتوا بالأطفال و ربوهـم وحافظـوا علـى دينهم ولم يتزوجوهم، أما أعمامي فساعدوا الأرمن وحموا الآلاف منهم، وكان أبناء العم من العائلـة نفسها يشترون قوافل الأرمـن بالنقـود ويطلقـون سراحهم، وهذه العوائـل موجـودة تشهد على هذا، في المناطق التــي كانت تحت سـيطرتهم لم يحصل شيء ونتمنى أن يأخذ الأرمن حقهم)
من بين الأمراء و العائلات الكردية ذات النفوذ في كردستان اشتهرت السلالة الملية بتسامحها الديني لقرون إذ عملت على حماية الأقليات في المنطقة (المسيحيين, اليهود, الطوائف المسلمه من غير السنه) و تقديم العون للضعفاء منهم و قد اشتهرالأمير إبراهيم باشا في العالم أجمع لعدة أمور و من أهمها تسامحه الديني فإصطدم بقادة الامبراطورية العثمانية و المتنفذين في المدن الكبرى مثل دياربكر دفاعا عن المسيحيين أثناء المجازر و قد شبه مارك سايكس إبراهيم باشا بالسلطان صلاح الدين الأيوبي (21) و كذلك فعل الروائي العالمي الأستاذ ياشار كمال في روايته (حكاية جزيرة 1) (22) و أعنقد أن طريقة تعامل إبراهيم باشا مع المسيحيين كان واحدا من أهم الأسباب التي دفعته إلى هذا التشبيه.
 و جاء مقال الإيطالي الأستاذ جيانكارلو كاسا في جريدة الشرق بتاريخ 28-07-2016 و المعنون (إبراهيم باشا الأمير الكردي الذي حمى المسيحيين) معبرا عن نظرة الغرب للأمير إبراهيم باشا فكتب:
(في هذه الفترة ، يتم ممارسة العنف لأسباب عرقية ودينية باستمرار التي تصل لنا عبر وسائل الإعلام من خلال الصور والكلمات والأصوات. مثال على ذلك بلا شك العنف الجماعي الذي ارتكبته الدولة الإسلامية (داعش) في الشرق الأوسط ضد السكان المسيحيين والمسلمين ، الذين دمروا أيضًا الأصول الثقافية المهمة ذات القيمة التي لا تقدر بثمن. ومع ذلك ، من يدري ما إذا كان في هذه اللحظة بين صفوف الدولة الإسلامية الشنيعة جندي أو ضابط أو مسؤول أو زعيم قبلي مثل إبراهيم باشا الملي ، الذي ، على الرغم من كونه طوعًا أو قسرا جزء من نظام العنف هذا ، فقد قرر مساعدة المضطهدين بأي طريقة في الخفاء أو في العلن..
في تاريخ البشرية ، كانت هناك شخصيات ميزت نفسها ، على الرغم من طبيعتها ودورها ، عبر أفعال يمكن أن نعتبرهم "رجالاً صالحين " في جميع عمليات الإبادة الجماعية والمذابح تقريبًا ، بدءًا من الإبادة الجماعية للأرمن ، مروراً بالمحارق حتى الإبادة الجماعية في رواندا ،كان هناك رجال ونساء ، على الرغم من الظروف التي وجدوا أنفسهم فيها والفرص السهلة للثروة والمجد ، كان لديهم الإرادة للتصرف بشكل مختلف عن الأغلبية ، لإنقاذ الأرواح......... هذا الزعيم الكردي ، الذي وصفت حياته بشكل جيد في أعمال المؤرخة جانيت كلاين "هوامش الإمبراطورية" ، يمثل بالتأكيد شخصية خاصة مليئة بالتناقضات. حتى اليوم ، و على الرغم من المواد الأرشيفية والدراسات التي أجريت على العالم القبلي الكردي العثماني في القرن التاسع عشر ، لا يُعرف ما هي أسباب الحماية التي قدمها إبراهيم باشا لصالح مسيحيي ديار بكر. نود أن نعتقد أنه على الرغم من الضراوة التي اعتاد بها هزيمة منافسيه ، إلا أن إبراهيم باشا كان لديه أيضًا شيء من هؤلاء "الصالحين" العديدين الذين كانوا موجودين في التاريخ لجعل بعض أحلك اللحظات في إنسانيتنا أقل ظلمة.) (23)

المصادر:
1- د.أحمد عثمان أبو بكر – أكراد الملي و إبراهيم باشا – الاثار الكاملة للدكتور أحمد عثمان أبو بكر الجزأ الأول – صفحة 179 – إعداد د. ازاد عبيد صالح.
2- Dr. Joost Jongerden – the Settlement issue in turkey and the kurds – p243
3- مع مارك سايكس, رحلات في شمال بلاد ما بين النهرين, المجلة الجغرافية عام 1907 , صفحة 385
4- مارك سايكس – المصدر السابق – صفحة 385.
5- C. Leonard Woolley – Dead Towns And Living Men – p185
6- الأستاذ فارس عثمان – الكرد و الأرمن العلاقات التاريخية – صفحه 142
7- الأستاذ عبدالكريم بهجت – نقلا عن د.أبوبكر – المصدر السابق – صفحة 185-186.
8- Dr. Stefan Winter 2006 – Quote from Dr. Joost Jongerden & Dr. Jelle Verheij -Social Relation in Othoman Diyarbekir – P 64
9- د.عثمان علي – الحركة الكردية المعاصرة -صفحة 192.
10- H.F.B. Lynch – Armenia travels and studies vol2 – p344
11- Dr. Joost Jongerden & Dr. Jelle Verheij -Social Relation in Othoman Diyarbekir – P 77
12- Mark Sykes - the times newspaper 06-12-1907  – the situation at Diarbekir 
13- د.أحمد عثمان أبو بكر – المصدر السابق– صفحة 179.
14- Joseph Wolff – Missionary to the Jews vol2 – p241
15- السير مارك سايكس – ميراث الخليفة الأخير (النسخة الإنكليزية) – صفحة 321
16- Kurdistan and the Kurds – page 31- 32
17- تقرير للضابط البريطاني الميجر نويل - أرشيف جامعة إلينوي – نقلا عن د.جكر ريكاني
18- Gertrude bell - the Arab war - page (32-33-34)
19- Arabia Printed Correspondence - page (554-514) & Narratives of the history of the ottoman-Kurdish- Page (395-360).
20- وكالة أنباء هوار - قصة أخرى تضاف لجرائم العثمانيين – 29-09-2019.
21- Shane Leslie - Mark Sykes his life and - Letters- p108
22- Mr. Yaşar Kemal - Fırat Suyu Kan Akıyor Baksana / Bir Ada Hikayesi 1 -P 280
23- Mr. Giancarlo Casa – Ibrahim Pasa, il principe curdo che proteggeva i Cristiani- East journal 28-07-2016

 

PUKMEDIA

 

   

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket