مام في الشام

الآراء 10:48 AM - 2023-08-20
علي شمدين

علي شمدين

(٣١)

(زوزاني: كنا أصحاب البيت، ولم نكن يوماً ضيوفاً غرباء)

لا شك بأن مام جلال كان قد بنى خلال تواجده في الشام علاقات واسعة مع الكرد السوريين، الذين لعبوا دوراً هاماً في دعمه ودعم حزبه (الاتحاد الوطني الكردستاني)، الذي أعلن عن تأسيسه في دمشق عام (١٩٧٥)، ووقفوا بكل إمكاناتهم إلى جانب ثورته الجديدة التي انطلقت مفرزتها الأولى من القامشلي عام (١٩٧٦)، لا بل أن العشرات من الطلبة الكرد السورييين الذين قصدوا أوروبا بهدف الدراسة، خلال الستينيات من القرن المنصرم، هم أيضاً استقطبوا حول مام جلال وتأثروا بشخصيته الكارزمية المؤثرة، وخاصة خلال حضوره مؤتمر جمعیة الطلبة الكرد في أوروبا، الذي انعقد في بلغراد عام (۱۹٦۷)، فقد كانت توجد حينذاك مجموعة من الكرد السوريين هناك، وكانوا قد انخرطوا بين صفوف الحركة الطلابية الكردية في أوروبا، واندمجوا شيئاً فشيئاً بالحركة السياسة الكردستانية، والتي بدأت تنشط بين صفوف جمعية الطلبة الكرد في أوروبا، وكان الأستاذ (يوسف زوزاني)، أحد هؤلاء الطلاب الذين تأثروا بشخصية مام جلال، والتزموا بتوجهاته السياسية، وانضموا إلى الاتحاد الوطني الكردستاني فور تأسيسه والتحقوا بثورته المسلحة، ولعبوا دورهم المميز بين صفوف النضال في جبال كردستان العراق بقيادة مام جلال فنالوا ثقته ودعمه اللامحدودين، وكانوا موضعاً لها .
وفي إطار رده على الأسئلة التي وجهناها إليه في هذا المجال بتاريخ (٤/٨/٢٠٢٣)، يتحدث الأستاذ يوسف زوزاني عن لقائه الأول بمام جلال، ويقول: (بعد ذهابي إلی یوغسلافیا عام ۱۹٦٦، بهدف الدراسة، انعقد مؤتمر جمعیة الطلبة الكرد في بلغراد عام ۱۹٦۷، وخلال مشاركتنا في تحضيرات المؤتمر، سٲلني المرحوم الدكتور كمال فؤاد: كم يبعد فندق سلافیا من هنا؟ أجبته: إنه ليس بعيداً، يقع على بعد خمس دقائق سیرا علی الأقدام من هنا، فقال لي: لنذهب إلی هناك ... وعندما خرجنا من القاعة سٲلته عن السبب، أجابني: إن مام جلال قد وصل إلى الفندق، وهو في ضيافة الیوغسلافيين، وسنذهب للقائه.. وقد فرحت بهذا الخبر جداً، خبر اللقاء مع هذا القائد الذي كنت اسمع من أخي سالم عنه وعن حذاقته وفطنته السیاسة، وكنت أعتبره مثلي الأعلی، فكان هذا اللقاء هو لقائي الأول به والذي كان بتاريخ ۲۷/۱۲/۱۹٦۷).
لقد كان الدكتور عمر شيخموس هو الآخر أحد أبرز هؤلاء الطلبة الكرد السورين الذين سافروا مطلع الستينيات إلى أوروبا بقصد الدراسة، وتأثروا هناك بأفكار مام جلال واصطفوا معه سياسياً، إلى أن تم تأسيس الاتحاد الوطني الكردستاني، ولأنه كسب ثقة مام جلال وإعجابه بدوره ونشاطه المؤثر في الوسط الأوروبي، اختاره مام جلال ليكون أحد أعضاء الهيئة التأسيسية، ويذكر شيخموس في اتصال هاتفي معه بتاريخ (٧/٨/٢٠٢٣)، بأنه فور وصوله إلى أوروبا أوائل الستينيات انضم إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي الذي كان لا يزال موحداً حيناك، بناء على اتفاق كان قد تم بهذا الخصوص بين أحزاب كردستانية، فيقول: (كان هناك اتفاق بين الحزب الديمقراطي الكردستاني في العراق، والحزب الديمقراطي الكردستاني في إيران والحزب الديمقراطي الكردي في سوريا، تم توقيعه في بيروت في خريف عام ١٩٥٩، وينص هذا الاتفاق على انضمام أعضائهم في أوروبا إلى صفوف الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي، وأن رئيس حزبنا آنذاك الدكتور نور الدين زازا، كان قد أعطاني رسالة موجهة للدكتور كمال فؤاد أوروبا بهذا الخصوص..). 
لا شك بأن مام جلال كان يمتلك شعوراً كردستانياً عميقاً، فهو لم يكن يميز يوماً بين من ينتمي إلى هذا الجزء أو ذاك، ولهذا سرعان ما احتضن هؤلاء الطلبة الكرد السوريين، وضمهم بحرارة تحت جناحيه، ومنحهم ثقته العالية، ولم يعتبرهم غرباء قط، فهو الذي كان، ومنذ أواسط الخمسينيات من القرن المنصرم، يعتبر كردستان المجزأة بأنها أشبه ببيت من أربعة غرف، ولا يعتبر ضيفاً غريباً من ينتقل داخل بيته من غرفة إلى أخرى، وفي هذا المجال يتحدث زوزاني عن البعد الكردستاني في فكر مام جلال الذي كان يعتبره بعداً استراتيجياً بالمقارنة مع علاقاته التكتيكية مع الدول التي تقتسم كردستان، ويقول: (لقد كان مام جلال، ومنذ بداياته السياسية، مناضلاً كردستانيا يتميز بعقلية واقعية بعيدة عن التفكير الرومانسي، وعن السياسات العاطفية والخيالية.. لذا كان يقوم بتمتين علاقاته مع الاحزاب الكردستانية، وكان حريصاً أن لاتكون علاقاته مع حكومات الدول التي تقتسم كردستان، على حساب الكرد في تلك الدول، لانه كان يعتبر هذه العلاقات تكتيكيه تتطلبها الظروف الآنية، أما علاقاته مع كردها فكان يعتبرها إستراتيجة..).
ومن الواضح بأن جمعية الطلبة الكرد في أوروبا، كانت قد تنامت نشاطاتها التنظيمية، وازدهرت فعالياتها السياسية أكثر أواسط الستينيات من القرن المنصرم، وكانت تضم بين صفوفها الطلاب الكرد من مختلف أجزاء كردستان، ومن بينهم الطلاب الكرد السوريون الذين لعبوا فيها دوراً بارزاً، وكان من بينهم مجموعة مميزة وفعالة من الذين كانوا قبل سفرهم إلى أوروبا أعضاء في الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا الذي كان يقوده الرفيق (عبد الحميد درويش)، ولكن هذه الجمعية انتكست بعض الشيء بسبب الخلافات التي نشبت أواسط الستينيات بين صفوف الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي وانقسامه على نفسه، فانقسم هؤلاء الطلاب على جناحيه، وحول ذلك يقول الأستاذ يوسف زوزاني: (عندما جئت الى بلغراد كان فرع يوغسلافيا للجمعية فرعاً نشيطاً، وكان سكرتيره المرحوم الدكتور كمال خوشناو، الذي كان في الوقت نفسه مسؤولاً أيضا عن تنظيمات الحزب الديمقراطي الكردستاني- جناح المكتب السياسي، وأذكر من بين الكرد السوريين المتواجدين هناك، والذين كانوا منضمين حينذاك إلى جناح المكتب السياسي، كل من: محمد نايف باشا، وابراهيم نايف باشا، وبهاء محمد، والدكتور سليمان من ديريك، ومحمد عبدو من كرداغ، وجمعة سعيد من كوباني، وفاضل من كوباني، وعبد الحميد دقوري ومحمد علي عمو ومحمد شيخموس من عامودا، وقبل مغادرتنا سوريا كنا جميعا أعضاء في الحزب الديمقرطي الكردي في سوريا جناح الأستاذ عبد الحميد درويش، وبعد وصولنا إلى أوروبا انضممنا إلى الحزب الديمقواطي الكردستاني- جناح المكتب السياسي..)
ويتابع زوزاني حديثه حول انضمامه للاتحاد الوطني الكردستاني والتحاقه بالثورة الجديدة من دون عقبات أو صعوبات، لا بل نيله ثقة رفاقه وتسلمه مهام إعلامية هامة، فيقول: (لقد كان من الطبيعي ان يقف البعض منا مع مام جلال ومع الاتحاد الوطني الكردستاني الذي تأسس إثر انهيار ثورة أيلول، حتى أن العديد من رفاقنا القدامى كانوا نشيطين جداً في بدايات تشكيل الاتحاد الوطني الكردستاني، وكان البعض منهم على استعداد للالتحاق بالثورة أيضاً مثلما فعلت أنا، لذا كان من البديهي أن يثق مام جلال وقيادات الاتحاد الوطني الكردستاني بنا، فمنذ اللحظة الأولى لوصولي إلى قيادة الثورة فى كردستان، طلب مني الأخوة هناك وبشكل خاص المرحوم نوشيروان مصطفى للعمل في الإذاعة والإعلام.. لذا فقد كنا أصحاب البيت، ورفاق درب النضال الطويل، ولم نكن يوماً ضيوفاً طارئين أو غرباء)، وزوزاني الآن هو نائب لرئيس (مؤسسة الرئيس مام جلال)، لا بل أكثر من ذلك فقد استطاع المناضل الكردستاني يوسف زوزاني أن ينتزع تأييد الحصول على الجنسية في مدينة السليمانية، من المرحوم (جمال آغا)، المعروف بتعصبه لإنتمائه لمدينة السليمانية فقد كان (سليمانجياً)، وكان التحدي الأكبر لهذا الشاب الكردي السوري هو أنه نجح أيضاً في أن يجعل من جمال آغا شاهداً على عقد زواجه من فتاة تنتمي إلى أعرق عائلات السليمانية..

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket