مام في الشام

الآراء 10:02 AM - 2023-07-16
علي شمدين

علي شمدين

(٢٦)
(سنقاوم.. وإن كان ذلك عملاً انتحارياً)

نظراً لتسارع التداعيات الكارثية لإتفاقية الجزائر عام (١٩٧٥)، وانهيار الثورة الكردية في كردستان العراق بذاك الشكل المأساوي المفجع، وحجم اليأس الذي خيم بنتيجتها على معنويات الكوادر السياسية وعلى عزيمة قوات البيشمركة، فضلاً عن المعاناة التي كانت الجماهير الكردية تعيشها في كل لحظة بين مطرقة نظام دموي مخمور بنشوة (الانتصار)، وسندان التشرد والجوع والحرمان في المهاجر وبلدان الشتات، ونتيجة لكل تلك التداعيات لم يبق أمام مام جلال وحزبه الذي لم يكن بعد قد أكمل العام الأول من تأسيسه، سوى التسابق مع الزمن، والاستعجال في استكمال الاستعدادات اللازمة لإعادة إحياء الحركة الكردية في كردستان العراق، واستئناف الثورة ضد نظام صدام حسين الذي كان يراهن على فشل مام جلال في تجميع البيشمركة في جبال كردستان من جديد.  
ولهذا ومن ضمن الترتيبات اللازمة للقيام بهذه المسؤولية التاريخية، مسؤولية إعادة إشعال الثورة من جديد في جبال كردستان، ومواجهة النظام الديكتاتوري في بغداد لإيقاف تلك الإبادة الجماعية التي كان ينفذها في كردستان مهما كانت التضحيات، كان لا بد لقيادة (الاتحاد الوطني الكردستاني)، من التنسيق مع قيادة (الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا)، وخاصة مع سكرتيره عبد الحميد درويش الذي كانت تربطه ومام جلال علاقات قديمة تمتد إلى أواسط الخمسينيات من القرن المنصرم، ووضعها في الصورة الحقيقية لما تنوي القيام بها من خطوات في هذا الاتجاه، ودعوتها للوقوف إلى جانبها في نضالها ودعمها ضمن حدود إمكاناتها..
ولهذا، وبعد فترة وجيزة من تأسيس (الاتحاد الوطني الكردستاني)، حضر إلى الشام سكرتير الحزب عبد الحميد درويش والوفد القيادي المرافق له والذي ضم (رشيد حمو، تمر مصطفى، عزيز داود، طاهر سفوك)، وذلك استجابة للدعوة التي وجهها لهم مام جلال لعقد اجتماع ثنائي مشترك بين الحزبين الشقيقين، لمناقشة المسائل السياسية التي تهم الطرفين، وقد عُقد الاجتماع في دمشق بمقر الاتحاد الوطني الكردستاني في حي (ركن الدين)، وضم وفد الاتحاد الوطني الكردستاني حينذاك إلى جانب مام جلال كلاً من (نوشيروان مصطفى، فؤاد معصوم، كمال فؤاد، كمال خوشناو، كريم فيلي)، وفي بداية هذا الاجتماع الذي كان هو الأول بين هذين الحزبين الشقيقين منذ تأسيس الاتحاد الوطني الكردستاني، تحدث مام جلال عن العلاقات الأخوية التي تربطهم معاً، وتدفعهم لأن يتبادلوا الآراء بين بعضهم البعض، والتنسيق فيما بينهم، وفي هذا المجال يذكر درويش في كتابه (أضواء على الحركة الكردية في سوريا)، بأن مام جلال قال لهم في هذا الاجتماع: (إننا دعوناكم الى هذا الاجتماع المشترك لنعلمكم بأننا قررنا الذهاب الى كردستان ومعاودة الكفاح المسلح، ويهمنا أن نطلعكم على هذا القرار أولاً ونستمع الى رأيكم به، ومن ثم مساندتكم ودعمكم لنا في هذه المرحلة المهمة..).
ويقول عبد الحميد درويش في كتابه المذكور، بأنهم من جهتهم عبروا لمام جلال ورفاقه عن وقوفهم معهم في نضالهم ضد النظام الدكتاتوري القائم في بغداد، وضد سياسة التعريب والصهر والابادة التي ينتهجها هذا النظام ضد الشعب الكردي، وبأنهم قالوا لمام جلال ورفاقه: (إننا نرى بأن الكفاح المسلح غير مُجد في ظل الظروف الراهنة، فلم تمض بعد على انهيار ثورة أيلول سوى أربعة أشهر، والجماهير الكردية لا زالت تعاني من الصدمة الشديدة التي أصابتها جراء ذلك وهي الآن حسب تقديرنا ليست بوضع يؤهلها لأن تخوض غمار النضال المسلح الى جانبكم أو جانب أي فصيل آخر، هذا عدا عن العوامل السلبية الأخرى التي لا تساعد على ذلك..).
ويقول درويش في كتابه (أضواء على الحركة.. )، بأن مام جلال رد عليهم في ذاك الاجتماع التاريخي، قائلاً:(إن العوامل التي أشرتم اليها صحيحة، وأن الوضع من الناحية النظرية كما يتراءى لنا أيضاً غير مساعد على العمل المسلح، ونعلم بأنه ليس بمقدورنا اسقاط النظام القائم أو انتزاع الحكم الذاتي بمفهومه الصحيح بعد هذه النكبة التي ألمت بالشعب الكردي في كردستان العراق، ولكننا نريد أن تعرفوا بأن النظام العراقي يمارس سياسة إخلاء كردستان والإبادة الجماعية ضد سكانها، وسوف يأتي يوم لن يكون الشعب الكردي في كردستان العراق على أرضه إن لم نقاوم هذه السياسة وان ما نقوم به وإن كان عملاً انتحارياً، فان الغاية منه هو مواجهة حملات التعريب والتدمير في كردستان..).
لقد كانت الظروف كلها تشير آنذاك إلى استحالة التحدي مع نظام متوحش لم يوفر سلاحاً إلا واستخدمه في إبادة الشعب الكردي في كردستان العراق، ولم يبق أمام مام جلال ورفاقه أي خيار آخر سوى الإقدام على تلك المغامرة الثورية التي كانت تعادل الانتحار تماماً، فإما أن يموتوا جميعاً أو أن يوقفوا هذه الإبادة الجماعية الجارية على قدم وساق ضد الوجود الكردي، وبحسب ما نقله عنه الرفيق حميد في كتابه المذكور آنفاً، فإن مام جلال، وببعد نظره السياسي المعهود، يؤكد
في ختام إجتماعه مع قيادة (الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا)، بأنه: (وازاء هذه الحقيقة، فان قيادة الاتحاد الوطني الكردستاني قد قررت مقاومة هذه السياسة بالوسائل المتاحة بما فيها النضال المسلح، فقد نستطيع بذلك أن نحُد من هذه السياسة الفاشية، ونوقفها في حدود معينة، ونعلم بأن هذا سيكلفنا ثمناً غالياً، ولكن ليس لنا من خيار غير ذلك..).

علي شمدين

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket