هل المحاولة الانقلابية في تركيا خدعة متقنة من تدبير أردوغان؟

الاراء 04:58 PM - 2016-07-18
هل المحاولة الانقلابية في تركيا خدعة متقنة من تدبير أردوغان؟

هل المحاولة الانقلابية في تركيا خدعة متقنة من تدبير أردوغان؟

أردت أن أجيب صراحةً بالنفي، وأن أذكّر مراسلة الصحيفة، سابرينا تافرنيس، أنني قلت لها قبل أسبوعَين فقط، خلال حديثنا المطوّل في اسطنبول، إن "الصفقة الخاسرة التي أبرمها الرئيس "رجب طيب" أردوغان مع الجيش فتحت الطريق، في رأيي، أمام حدوث انقلاب أو محاولة انقلابية في تركيا خلال العامَين المقبلين".

لكنني أذعنت وقلت لها: "نعم، أنا متفاجئ. لم أتوقّع أن يحدث ذلك في غضون أسبوعَين".
عنصر المفاجأة الأكبر بالنسبة إلي هو الطابع الهاوي الذي ظهرت عليه المحاولة الانقلابية في ليل 15 تموز/يوليو الجاري. بصفتي مراقباً مخضرماً للانقلابات العسكرية والمحاولات الانقلابية في تركيا، لم يسبق أن رأيت انقلاباً يشوبه هذا القدر الهائل من الارتباك الذي لا تفسير له.

وقع الانقلاب الأول في 27 أيار/مايو 1960، أما الانقلاب الأشد ضراوة فكان في 12 أيلول/سبتمبر 1980. حصل تدخّل عسكري آخر في 12 آذار/مارس 1971 – كنت أحد ضحاياه – وبات يُعرَف بـ"الانقلاب ما بعد الحديث".
وقد اشتهرت بأنني أنا من ابتكرت هذه التسمية، وذلك بفضل عنوان استخدمته في أحد مقالاتي عن المحاولتين الانقلابيتين الفاشلتين في شباط/فبراير 1962 وأيار/مايو 1963، اللتين شهدتا تبادلاً لإطلاق النيران في الحي حيث أقطن في أنقرة، وكان منزلنا يطلّ على حرم الأكاديمية الحربية التي شارك طلابها في المحاولتين الفاشلتين. لكن المحاولة الأخيرة بدت الأقل احترافاً في التنفيذ والأكثر غرابة على الإطلاق.

كل من راقب المحاولة الأخيرة لا يسعه سوى أن يسأل: "ما هذا؟ من يقف خلفه؟ ماذا يفعلون؟ لماذا؟"
لم يسبق أن تعرض مبنى البرلمان للقصف من المروحيات العسكرية والمقاتلات في تاريخ الانقلابات العسكرية أو المحاولات الانقلابية في تركيا.

لماذا بدأت المحاولة الانقلابية بإغلاق جهة واحدة من جسر البوسفور في اسطنبول؟ لماذا جرى قطع الجسر في الاتجاه من آسيا إلى أوروبا، في حين سُمِح باستمرار حركة المرور في الاتجاه المعاكس أي من أوروبا إلى آسيا؟

لماذا لم يتحرّك الانقلابيون – الذين كانوا يعلمون أن أردوغان ليس موجوداً لا في أنقرة ولا في اسطنبول بل يمضي عطلته في بلدة مرمريس على البحر المتوسط – لاعتقاله؟ سمحوا له بالتوجّه من مرمريس إلى مطار دالامان المجاور ثم السفر إلى اسطنبول على متن رحلة استغرقت أكثر من ساعة.

لماذا لم يسيطر الانقلابيون على المحطات الإخبارية التلفزيونية الأساسية، وبدلاً من ذلك أهدروا وقتهم في السيطرة على القناة التلفزيونية الأقل مشاهدة، "تي آر تي"، ما سمح لخصومهم بإعادة التنظم واستخدام قنوات أكثر شعبية ومواقع التواصل الاجتماعي بفاعلية لتحدّي المحاولة الانقلابية؟

كان رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، أول المتحدثين عبر قناة "إن تي في"، زاعماً أنه ليس انقلاباً بل تمرّد ينفّذه فصيل صغير في الجيش. ثم تحدث أردوغان عبر قناة "سي إن إن التركية" عن طريق تطبيق "فايس تايم" وناشد أنصاره النزول إلى الشارع.

المحاولة الانقلابية التي بدت مشوّشة ومن دون رأس انهارت بعد ساعات معدودة، مخلّفةً 265 قتيلاً، ونحو 1440 جريحاً، فضلاً عن اعتقال ما لا يقل عن 2839 عسكرياً.
لقد أثارت المحاولة الفاشلة أسئلةً أكثر مما قدّمت أجوبة معقولة عن المرتكبين وأسباب تنفيذها بهذه الدرجة الشديدة من الارتباك والرداءة.

صحيح أن المحاولة الانقلابية باءت بالفشل، لكنها تسببت بأضرار فادحة. أولاً، انهارت سمعة تركيا التي كانت تجعل منها معقلاً للاستقرار في منطقة شديدة الاضطرابات حيث استيلاء الجيش على السلطة هو من مخلّفات الماضي. لقد شُوِّهت صورة البلاد، ولا يستطيع أحد أن يضمن استحالة وقوع انقلاب أو محاولة انقلابية في المستقبل.

وجّه أردوغان ويلدريم، من دون تردّد، أصابع الاتهام إلى فتح الله غولن، الداعية الديني وحليف أردوغان سابقاً الذي يعيش في المنفى الطوعي في بنسلفانيا منذ 18 عاماً. وقد لمّح القادة الأتراك إلى أنهم سيطلبون ترحيله من واشنطن.

قرأت تغريدة على صفحة أندرو بيتي، مراسل وكالة الصحافة الفرنسية في البيت الأبيض، جاء فيها أن كيري عرض المساعدة من الولايات المتحدة في التحقيقات حول الانقلاب، وناشد أردوغان تقديم أدلّة ضد غولن.

إنها مهمة شاقة في الواقع. لا يمكن الاقتناع بسهولة أن قياديين كباراً في المؤسسة العسكرية التركية – قوة تابعة لحلف شمال الأطلسي (الناتو) تحتل المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة لناحية العديد، ويُعتقَد أنها مؤسسة قوية جداً – يخضعون لسيطرة فصيل إسلامي.

هناك أكثر من 40 جنرالاً بين نحو ثلاثة آلاف انقلابي تم اعتقالهم. أحدهم جنرال حائز على أربع نجوم يتولّى قيادة الجيش الثاني المسؤول عن المناطق الواقعة بجوار الأراضي السورية والعراقية. لا يمكن تصنيف العشرات من قادة الألوية وكبار الجنرالات الذين يتولون في شكل أساسي قيادة القوات القتالية في سلاح البر، ووحدات الجندرمة التي تحارب الأكراد في تركيا، والوحدات القتالية في سلاح البحرية والسلاح الجوي – لا يمكن تصنيفهم إذاً في خانة أنصار غولن. وأمس [السبت] اعتُقِل أيضاً جنرال آخر حائز على أربع نجوم هو من قياديي الجيش الثالث. طلب قائد الجيش الأول المسؤول عن الدفاع عن اسطنبول والذي أعلن ولاءه للحكومة في الليلة التي وقع فيها الانقلاب، من أردوغان القدوم إلى اسطنبول حيث يمكن ضمان أمنه وسلامته، فأدّى بذلك دوراً حاسماً في انهيار المحاولة الانقلابية.

لم يمر 24 ساعة على فشل المحاولة الانقلابية حتى وصل عدد المعتقلين في صفوف القضاة إلى 140 قاضياً – بينهم قضاة في محكمة الاستئناف و48 قاضياً في مجلس الدولة، وكلاهما من أعلى المؤسسات القضائية في البلاد. واتُّخِذت في الحال إجراءات بطرد 2475 قاضياً من السلك القضائي

وجرى توقيف عضو في المحكمة الدستورية، المؤسسة القضائية الأعلى في البلاد، واتّهامه بالارتباط بالانقلابيين.
كان نطاق تحرّك السلطة التنفيذية وسرعته لافتَين. فقد ولّد انطباعاً بأن أردوغان وحكومته مستعدّان لمواجهة محاولة انقلابية، ولديهما معلومات استخباراتية وافية حول الفريق الذي يمكن أن يقف وراءها في منظومة الدولة.

عند التدقيق في خلفيات العسكريين الذين جرى توقيفهم وعددهم 2839، بينهم أعداد كبيرة من الجنرالات الذين كانوا يتولون قيادة الوحدات القتالية في جيش تابع لحلف الناتو، من المستغرب ألا يكون أيٌّ من الأجهزة في البيروقراطية الأمنية، بدءاً من الاستخبارات العسكرية وصولاً إلى منظمة الاستخبارات الوطنية والمديرية العامة للأمن وقيادة القوات الخاصة، على علم مسبق بالتحضير لانقلاب بهذا الحجم.

بطبيعة الحال، أدّت هذه التساؤلات التي تنتظر أجوبة مقنعة، إلى ظهور نظريات المؤامرة. تبرز في هذا الإطار النظرية الآتية: الطريقة التي يُشَنّ بها الانقلاب معروفة إلى حد ما. أولاً، تُمسك بالقائد، ثم تستولي على وسائل الإعلام، وبعدها تعرض القائد المذلول في الإعلام. غير أن هؤلاء الأشخاص قرروا تنفيذ الانقلاب أثناء وجود أردوغان في عطلة، ويبدو أنهم لم يحاولوا حتى القبض عليه. فعندما بدأ الهجوم، كان قد نُقِل إلى موقع سرّي. ثم سرعان ما انهارت العملية الانقلابية برمتها. طلب الانقلابيون من الناس ملازمة منازلهم، فيما ناشد أردوغان شعبه النزول إلى الشارع. إذاً لازم مؤيّدو الانقلاب منازلهم فيما نزل أنصار أردوغان إلى الشارع. وأشارت تقارير أيضاً إلى أن الانقلابيين أطلقوا النار على المدنيين، وهو أمرٌ يجب حكماً تفاديه. ففي هذه الحالة، حتى الأشخاص الذين كانوا يميلون إلى دعم الانقلاب ينقلبون ضده. باختصار، الطريقة التي سارت بها الأمور كانت أفضل ما يكون بالنسبة إلى أردوغان الذي يظهر الآن في صورة البطل في نظر شعبه.

بناءً عليه، يبدو لي أن الاحتمال الأكثر ترجيحاً هو أن أردوغان – بمباركة من القوى الغربية على الأرجح – تعاون مع بعض أزلامه في الجيش لتدبّر خدعة انقلابية.

قد يثير التلميح إلى أن محاولة الانقلاب التركية كانت خدعة مدبّرة، سخط الأشخاص الذين هم في مزاج احتفالي ابتهاجاً بانتصار الديمقراطية على انقلاب عسكري، انتصار الشعب على "حفنة من الخونة".

ما دامت التساؤلات أكثر من الأجوبة المقنعة، وبانتظار أن ينقشع الغبار، يجب ألا نُفاجأ بانتشار نظريات المؤامرة.

PUKmedia/  چنگیز چاندارنشر

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket