سلطان العقل

الاراء 12:36 AM - 2016-02-12
سلطان العقل

سلطان العقل

تعد البيئة من العوامل المحيطة المهمة التي تؤثر  في الإنسان بشكل أو بآخر في تعزيز مدركاته، حيث إن البيئة تشكل مصدرًا ملهمًا للكثير من الأعمال الفكريَّة و الفلسفيَّة، وكذلك البيئة الاجتماعية هي التي تدعم وتعزز أفكاره من خلال ما يقوم ويحور ويضيف ويأخذ من البيئة بشكل يشبه في ذهن المتلقي حالات مثيرة، لهذا كانت ثقافة الإنسان عاملًا أساسيًا في أن يتمكن من إدراك الأشياء، والأحداث التي تحيط به، وتواجهه في حياته العملية، ومن خلال أفكاره وتصوراته، وما ينتج عنها من قيم وما سيتم فعله من خلالها، لذا فالثقافة تكتسب ديمومتها من خلال الصلة الوثيقة التي ترتبط بكل مظاهر وظواهر المجتمع، وهذه الظواهر تعطي انعكاسات وتطورات تحدث نتيجة تحول اجتماعي في بيئة اجتماعية ترتبط بواقع الأمة بكاملها في ماضيها وحاضرها.
وبذلك نجد أن الأحوال السياسية والاجتماعية والاقتصادية لها تأثير كبير على أفكار الإنسان، ولنا في أفكار ديكارت خير مثال، لقد عاش ديكارت في النصف الأول من القرن السابع عشر. وفي هذه المرحلة التاريخية، كانت البورجوازية الفرنسية لاتزال في بداية صعودها الطبقي، فخاصية تلك المرحلة إذن، هي أن تطور البورجوازية لم يبلغ بعد درجة الاصطدام المباشر مع علاقات الإنتاج الإقطاعي. فهذه العلاقات نفسها، كانت لاتزال تسمح بتطور علاقات الإنتاج الرأسمالية الناشئة. وإذن فإن ما كانت تحتاجه البورجوازية في ذلك الوقت، ليس هو إلغاء علاقات الإنتاج الإقطاعية، بل فقط تطوير قوى الإنتاج. ومن أجل تطوير قوى الإنتاج، كان يتعين تطور العلوم الطبيعية. ومن أجل تطور العلوم الطبيعية، كان لابد من سيادة الفكر الحر. والفكر الحر يعني التحرر من كل سلطة معرفية غير سلطة العقل، أي أن الباحث في شؤون الطبيعة، يجب أن يكون متحررًا من كل أنواع الأفكار المسبقة، كما يجب عليه ألا يتقيد إلا بالاستنتاجات المنطقية والتجريبية، التي يتوصل إليها عن طريق العقل، والعقل وحده.
لكن في بداية صعود البورجوازية الفرنسية، لم تكن سلطة العقل في المجال المعرفي هي السائدة، بل كانت السلطة المعرفية من احتكار رجال الكنيسة برعاية فلاسفتها السكولاستيكيين. وهؤلاء الفلاسفة بوصفهم المعبرين الايديولوجيين عن مصالح النظام القديم، لم يكن يهمهم نظام الإقطاع.
إن طوماس الأكويني مثلا، زعيم الفلاسفة السكولاستيكيين، كان يفسر حركة الكواكب الفلكية، بتدخل الأيدي الخفية للملائكة.
إن الحاجة إلى تطور علوم طبيعية عقلانية، كانت إذن تصطدم بشكل حاد، مع السلطة المعرفية للكنيسة. وهذا التناقض بين سلطة العقل وسلطة الكنيسة، في مجال العلوم الطبيعية، هو الذي عبرت عنه تاريخيا فلسفة ديكارت. فى العبارة الديكارتية الشهيرة: "أنا أفكر إذن أنا موجود"، ليست له من دلالة فلسفية، سوى الإدانة لمبدأ السلطة المعرفية للكنيسة في مجال العلوم الطبيعية. فديكارت ذهب في عدائه لسلطة الكنيسة، إلى حد اعتبار أن الموجود… وأن الواقع، هو فقط ما أتوصل إليه أنا -كنتيجة- عن طريق التفكير العقلاني المستقل عن كل سلطة معرفية خارجية.
إذا فلماذا نؤمن بأنّ يجب أن يكون العقل أولًا؟
لأننا كبشر حتمًا سنتأثر بثقافات مجتمعاتنا التي رُبينا ونشأنا فيها، والواقع الاجتماعي –الذي نحن جزأ منه_، وهذا التأثر سيظهر في ضبط مفاهيمنا وفي طريقة حكمنا على الأشياء، مما يجعلنا نكون كل رؤانا عن الحياة- طبقا لتصور ليس بالضرورة صحيح-مما يترتب عليه تمييع للقيم وجعلها نسبية طبقًا للظرف التاريخي الذي عاصرناه، والثقافة التي عايشناها، والمجتمع الذي ننتمي إليه، وهذا ليس من سمة العقلاء والباحثين عن الحقيقة.
فليتجرَّد الإنسان من الآراء المسبقة، والافتراضات السائدة، ومن جميع العوامل التي تحجب بصيرته عن رؤية الصواب.
حقا … فالحقيقة تستحق.

PUKmedia/ هند عبد الله

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket