داعش و تقديس الاغتصاب

تقاریر‌‌ 05:26 PM - 2015-08-27
داعش و تقديس الاغتصاب

داعش و تقديس الاغتصاب

في اللحظات التي سبقت اغتصابه فتاة في الثانية عشرة من العمر، أخذ الارهابي وقته وهو يشرح أن ما كان على وشك القيام به ليس خطيئة. ولأن الفتاة المراهقة تنتمي إلى دين آخر غير الإسلام، فإن القرآن لا يمنحه الحق في اغتصابها فحسب، إنه يتغاضى عن ذلك ويغفره ويشجعه، كما أصرَّ الارهابي.
أوثقَ يديها وكمَّم فمها. ثم ركع بجوار السرير وسجد وصلّى قبل أن يغتصبها. وعندما انتهى الأمر، ركع وصلى مرة أخرى، منهياً عملية الاغتصاب بعمل من أعمال الورع والتقوى.
تقول الفتاة، التي كان جسدها صغيراً جداً بحيث يستطيع الشخص البالغ أن يطوق خصرها بقبضتيه فقط: "كنت أقول له إن ذلك يؤلم. فقال لي أنه مسموح له، وفق الإسلام، أن يغتصب كافرة. قال إنه باغتصابي يتقرب إلى الله". هكذا قالت الفتاة في مقابلة أجرتها "نيويورك تايمز" مع عائلتها في مخيم للاجئين هنا في دهوك، والذي فرّت إليه بعد 11 شهراً من الأسر.
أصبح الاغتصاب المنهجي للنساء والفتيات من الأقلية الدينية الأيزيدية مندغماً بعمق في التنظيم واللاهوت المتطرف لعصابات داعش الارهابية في العراق والشام، خلال السنة التي مرّت منذ أعلنت المجموعة أنها ستعيد إحياء العبودية كمؤسسة. وتلقي مقابلات أجريت مع 21 فتاة ممن هربن مؤخراً من "داعش"، إلى جانب فحص الاتصالات الرسمية للمجموعة، شيئاً من الضوء على الكيفية التي تم بها تكريس هذه الممارسة كشيء مقدس في المبادئ الأساسية للمجموعة.
أنشأ اتجار "داعش" بالنساء والفتيات الأيزيديات بنية تحتية ثابتة، مع شبكة من المستودعات حيث يتم احتجاز الضحايا، وغرف العرض حيث تجري معاينتهن وتسويقهن، وأسطول مخصص من الحافلات التي تستخدم في نقلهن من مكان إلى آخر.
تم اختطاف ما مجموعه 5.270 من الأيزيديات في العام الماضي، وما تزال نحو 3.144 منهن قيد الاحتجاز، وفقاً لقادة الطائفة الأيزيدية. ومن أجل التعامل معهن، طوَّر "داعش" بيروقراطية مفصلة لعبودية الجنس، بما في ذلك عقود بيع موثقة من المحاكم الإسلامية التي يديرها التنظيم. وأصبحت هذه الممارسة أداة تجنيد معتمدة لإغواء وجذب الرجال من المجتمعات الإسلامية المحافظة بشدة، حيث ممارسة الجنس العرَضي من المحرمات، وحيث المواعَدة ممنوعة قطعاً.
وبالإضافة إلى ذلك، ثمة جسم متعاظم من مذكرات السياسة الداخلية والنقاشات الفقهية التي أسست مبادئ توجيهية للعبودية، بما في ذلك دليل إرشادي مطول عن كيفيات العبودية، والذي أصدره "ديوان البحوث والإفتاء في الدولة الإسلامية". ومرة تلو المرة، أكدت قيادة "داعش" على قراءة ضيقة وانتقائية للقرآن والتعاليم الدينية الأخرى، ليس لتبرير العنف فقط، وإنما لإعلاء شأن كل اعتداء جنسي والاحتفاء به باعتباره مفيداً روحياً، بل وحتى باعتباره فضيلة.
"في كل مرة جاء ليغتصبني، كان يصلي"، تقول (ف)، الفتاة ذات الخمسة عشر ربيعاً والتي كانت قد أُسرت على سفح جبل سنجار قبل سنة، وبيعت لمقاتل عراقي في العشرينيات من العمر. ومثل معظم الضحايا الأخريات اللواتي قابلتهن "نيويورك تايمز"، أرادت التعريف بها بالحرف الأول من اسمها فقط، بسبب العار المرتبط بالاغتصاب. وأضافت: "ظل يقول لي إن هذه عبادة".
وقالت الفتاة المراهقة التي هربت في نيسان (أبريل) بمساعدة مهربين بعد أن خضعت للعبودية لتسعة أشهر تقريباً: "قال إن اغتصابه لي هو صَلاته لله. قلت له "إن ما تفعله بي خطأ، وهو لن يقربك إلى الله". فقال لي، طلا. إنه مسموح. إنه حلال".

غزو محسوب
يعود تاريخ تقديم "داعش" الرسمي للعبودية الجنسية المنهجية إلى 3 آب (أغسطس) 2014، عندما قام مقاتلوه بغزو القرى الواقعة على الجهة الجنوبية من جبل سنجار المكون من كتلة من الصخور الرمادية في شمال العراق. وتشكل أوديته وسفوحه موطناً للأيزيديين، وهم أقلية دينية تشكل أقل من 1.5 في المائة من مجموع سكان العراق المقدر عددهم بنحو 34 مليوناً.
وجاء غزو ذلك الجبل بعد شهرين فقط من سقوط الموصل، ثاني أكبر المدن في العراق. وفي البداية، بدا أن التقدم اللاحق نحو الجبل كان مجرد محاولة أخرى لتوسيع المنطقة التي يسيطر عليها مقاتلو "داعش". لكن إشارات ظهرت مباشرة تقريباً، والتي دلت على أن هدفهم هذه المرة كان مختلفاً.
تقول الناجيات أنه تم فصل الرجال عن النساء في الساعة الأولى من أسرهم. وطُلب من الأولاد المراهقين رفع قمصانهم، فإذا كان لديهم شعر إبط، كانوا يوجهونهم للانضمام إلى أشقائهم الأكبر وآبائهم. وفي قرية بعد قرية، سيق الأولاد الأكبر سناً إلى الحقول المجاورة، وأجبروا على الاستلقاء ووجوههم إلى أسفل في الوحل، ثم رشوهم بنيران الأسلحة الأوتوماتيكية.
أما النساء، والبنات والأولاد الصغار، فسيقوا في شاحنات مفتوحة.
يقول ماثيو باربر، خبير جامعة شيكاغو في شؤون الأقلية الأيزيدية: "كان الهجوم على الجبل غزواً جنسياً بقدر ما كان من أجل المكاسب الإقليمية". وكان باربر في دهوك، بالقرب من جبل سنجار، عندما بدأ هجوم "داعش" في الصيف الماضي، وساعد في إنشاء مؤسسة تقدم الدعم النفسي للهاربين، والذين بلغ عددهم أكثر من 2.000، وفقاً لناشطين من الطائفة.
تقول (ف) ذات الخمسة عشر ربيعاً إن عائلتها المكونة من تسعة أشخاص حاولت الهرب، وقد انطلقوا مسرعين في دروب الجبل المتعرجة، عندما ارتفعت حرارة سيارتهم القديمة من طراز "أوبل". وكانت هي، وأمها، وأخواتها 14، 7، و4 سنوات يقفن بلا حول عند سيارتهم المتوقفة عندما حاصرتهم قافلة من مقاتلي "داعش" المدججين بالسلاح.
وتقول (ف): "على الفور، فصل المقاتلون الرجال عن النساء". وتم أخذها هي وأمها وأخواتها أولاً في الشاحنات إلى أقرب بلدة في جبل سنجار. "وهناك، فصلوني عن أمي. وأجبروا البنات الشابات غير المتزوجات على الركوب في حافلات".
كانت الحافلات بيضاء، مع شريط من الطلاء بجوار كلمة "حج"، مما يشير إلى أن "داعش" استولى على حافلات الحكومة العراقية التي تستخدم لنقل الحجاج في رحلة الحج السنوية إلى مكة. وتم تحميل الكثير من النساء والفتيات الأيزيديات في نفس حافلة (ف)، بحيث اضطررن إلى الجلوس في أحضان بعضهن البعض.
بمجرد أن سارت الحافلة، لاحظن أن النوافذ مسدودة بالستائر، وهي إضافة بدا أنها وُضعت لأن المقاتلين خططوا لنقل أعداد كبيرة من النساء اللواتي لم يكنّ مغطيات بالبرقع أو الحجاب.
رواية (ف)، بما فيها الوصف الحسي للحافلة، ووضع الستائر والطريقة التي نُقلت بها النساء، ترددت نفسها في روايات نحو دزينة من الضحايا الأخريات اللواتي تمت مقابلتهن من أجل إعداد هذه المادة. وقد وصفن مجموعة مشابهة من الظروف، حتى مع أنهن اختُطفن في أيام مختلفة وفي أماكن تبعد عن بعضها أميالاً.
تقول (ف) إنها أُخذت إلى مدينة الموصل العراقية الواقعة على بعد نحو ست ساعات، حيث ساقوا النساء إلى "قاعة جالاكسي لحفلات الزفاف". وتم أخذ مجموعات أخرى من النساء والفتيات إلى قصر من عهد صدام حسين، وإلى مجمع سجن بادوش ومبنى إدارة الشباب في الموصل، كما قالت الأسيرات اللواتي هربن حديثاً. وبالإضافة إلى الموصل، سيقت النساء إلى المدارس الابتدائية ومباني البلدية في بلدات تلعفر، وصولة، وبعاج، ومدينة سنجار في العراق.
وقد تم احتجازهن في الحبس، بعضهن لأيام، والبعض لأشهر. ثم، وبشكل حتمي، تم تحميلهن على متن نفس الأسطول من الحافلات مرة أخرى قبل إرسالهن في مجموعات أصغر إلى سورية أو مواقع أخرى في العراق، حيث تم بيعهن وشراؤهن من أجل الجنس.
يقول خضر دوملي، الناشط من الطائفة الأيزيدية، والذي يحتفظ بقاعدة بيانات مفصلة عن الضحايا: "كان الأمر مخططاً ومعداً مسبقاً 100 في المائة. تحدثتُ بالهاتف مع أول عائلة وصلت إلى مبنى إدارة الشباب في الموصل، كانت القاعة معدة لاستيعابهم سلفاً. كانت لديهم مراتب، وأطباق وأواني، وطعام وماء للمئات من الناس".
وتوصلت التقارير المفصلة من طهيومان رايتس ووتش" و"منظمة العفو الدولية" إلى نفس الاستنتاج عن الطبيعة المنظمة لتجارة الجنس.
في كل واحد من هذه المواقع، يقول الناجون أن مقاتلي "داعش" أجروا في البداية تعداداً لأسيراتهم الإناث.
في داخل قاعدة حفلات "جالاكسي" الضخمة، جلست (ف) على الأرضية الرخامية، محشورة بين فتيات مراهقات أخريات. وهي تقدر أن العدد الكلي كان أكثر من 1.300 من الفتيات الأيزيديات الجالسات، والمقرفصات، والمتمددات والمتكئات على جدران القاعة، وهو عدد أكدته العديد من النساء الأخريات اللواتي تم احتجازهن في نفس الموقع.
وقد وصفن كلهن كيف دخل ثلاثة من مقاتلي "داعش" القاعة، ومعهم سجلات. وأمروا الفتيات بالوقوف، وطلبوا من كل واحدة أن تقول اسمها الأول والثاني والأخير، وعمرها، وبلدتها الأصلية، وإذا كانت متزوجة، وإذا كان لها أولاد.
طوال شهرين، بقيت (ف) محتجزة في قاعة "جالاكسي". وذات يوم، جاؤوا وشرعوا في نقل الشابات الصغيرات. وقاموا بجر اللواتي رفضن التحرك من شعرهن، كما قالت.
في موقف السيارات، كان أسطول حافلات الحج نفسه ينتظر ليأخذهن إلى وجهتهن التالية، كما قالت (ف). ومع 24 امرأة وفتاة أخرى، أُخِذت الفتاة ذات الخمسة عشر ربيعاً إلى قاعدة للجيش في العراق. وهناك في موقف السيارات سمعت كلمة "سبيّة" لأول مرة.
وقالت: "ضحكوا علينا وسخروا منا، وقالوا، "أنتنَّ سبايانا". لم أكن أعرف ما تعنيه هذه الكلمة". وفيما بعد، شرح لهن قائد "داعش" المحلي أنها تعني، عَبدة.
"قال لنا إن الطاووس مالك" –أحد الملائكة السبعة الذين يصلي لهم الأيزيدون- "ليس الله. قال إن الطاووس مالك هو الشيطان. ولأنكن تعبدن الشيطان، فأنتن ملك لنا. يمكننا أن نبيعكن ونستعملكن كما نريد".
يبدو أن تجارة الجنس عند "داعش" تقوم فقط على استعباد النساء والفتيات من الأقلية الأيزيدية. وحتى ذلك الحين، لم تكن هناك حملة واسعة النطاق تستهدف استعباد النساء من الأقليات الدينية الأخرى، كما قال سامر مسقطي، واضع تقرير"هيومان رايتس ووتش" الأخير. وردد هذا التأكيد قادة الطائفة، ومسؤولون حكوميون وعاملو إغاثة آخرون.
وقال السيد بابر، الخبير من جامعة شيكاغو، إن التركيز على الأيزيديين كان على الأرجح لأنه يُنظر إليهم على أنهم مشركون، ولهم تقليد شفهي أكثر منه كتاباً مقدساً مكتوباً. وفي عيون "داعش"، يضعهم ذلك على هامش الكفار المحتقرين، حتى أكثر من المسيحيين واليهود الذين يتمتعون ببعض الحماية المحدودة وفق القرآن باعتبارهم "أهل الكتاب".
في كوجو، إحدى أبعد القرى جنوباً في جبل سنجار وبين الأماكن الأبعد عن إمكانية الهرب، قرر السكان البقاء، معتقدين أنهم سيُعاملون كما عومل المسيحيون في الموصل قبل أشهر. ويوم 15 آب (أغسطس) 2014، أمر"داعش" السكان بالتجمع في مدرسة وسط البلدة.
عندما وصلت إلى هناك، وجدت إيشان علي صالح، البالغة من العمر 40 عاماً، أحد كبار السن من الطائفة وهو يتفاوض مع "داعش" ويسأل إذا كان يُمكن لهم أن يُسلَّموا أموالهم وذهبهم في مقابل السماح لهم بمرور آمن.
في البداية وافق المقاتلون وفرشوا بطانية، حيث وضَعت السيدة صالح قلادتها التي على شكل قلب وخواتمها الذهبية، بينما كوّم الرجال الأوراق النقدية.
ولكن، وبدلاً من تركهم يذهبون، بدأ المقاتلون بدفع الرجال إلى الخارج، وكانوا منذورين للموت. وفي وقت لاحق، وصل أسطول من السيارات التي حملت النساء والفتيات والأولاد بعيداً.
السوق
بعد أشهر، أوضح "داعش" تماماً في مجلته الألكترونية على الإنترنت"دابق"، أن حملتهم لاسترقاق النساء والفتيات الأيزيديات كانت مخططة ومعدة مسبقاً بكثافة.
"قبل الاستيلاء على سنجار، تم تكليف طلاب الشريعة في الدولة الإسلامية بإجراء بحوث عن الأيزيديين"، قالت المادة المكتوبة باللغة الإنجليزية، تحت عنوان "إحياء الرق قبل ساعة"، والتي ظهرت في إصدار تشرين الأول (أكتوبر) من مجلة "دابق".
وأوضحت المقالة أنه ليست هناك إمكانية لأن يدفع الأيزيديون الضريبة التي تسمى "الجزية" من أجل تحرير أنفسهم، "بخلاف اليهود والمسيحيين".
"وبذلك، بعد أسرهم، تم توزيع النساء والأولاد الأيزيديين وفقاً للشريعة بين ارهابيي داعش الذين شاركوا في عمليات سنجار، بعد تحويل خُمس العبيد إلى سلطة داعش ليتم تقسيمهم" كغنائم، كما قالت المقالة.
بنفس الطريقة التي جرى بها استخدام آيات مخصوصة من الإنجيل بعد قرون لاحقة لدعم تجارة العبيد في الولايات المتحدة، يستشهد "داعش" بآيات مخصوصة وقصص من القرآن أو أماكن أخرى من السنة، التقاليد المبنية على أقوال وأفعال النبي محمد، لتبرير اتجار التنظيم بالبشر، كما يقول خبراء.
مع ذلك، يختلف علماء الفقه الإسلامي حول التأويل الصحيح لهذه الآيات، وحول السؤال الحاسم عما إذا كان الإسلام يحظر العبودية فعلاً. ويقول الكثيرون منهم أن تشخيص العبودية في النص الإسلامي المقدس هو إلى حد كبير نفس تشخيصها في الإنجيل، كانعكاس لفترة العصور القديمة التي وُلد فيها الدين.
تقول كيسيا علي، الأستاذ المشارك للدين في جامعة بوسطن ومؤلفة كتاب عن العبودية في فجر الإسلام: "في الوسط الذي نشأ فيه القرآن، كانت هناك ممارسة واسعة النطاق لإقامة الرجال علاقات جنسية مع النساء غير الحرات. لم تكن تلك مؤسسة دينية مخصوصة. كانت تتعلق فقط بكيف كان الناس يقومون بالأشياء".
لكن كول بونزل، الباحث في الفقه الإسلامي في جامعة برينستون، لا يتفق معها، مشيراً إلى الإحالات الكثيرة لعبارة "وما ملكت أيمانكم"، في القرآن، والتي جرى تأويلها على مدى قرون على أنها تعني الإماء، أو العبيد من الإناث. كما يشير أيضاً إلى جسم التشريع الإسلامي، الذي يستمر إلى الحقبة المعاصرة، والذي يقول إنه يحتوي على قواعد مفصلة لكيفية معاملة العبيد.
"هناك الكثير من النص المقدس الذي يجيز العبودية"، يقول السيد بونزل، مؤلف ورقة بحث نشرها معهد بروكينغز عن أيديولوجية الدولة الإسلامية. ويضيف: "يمكنكم القول بأنها لم تعد ذات صلة وتم تعليقها. وربما تقول الدولة الإسلامية إنه يجب إعادة إحياء هذه المؤسسات، لأنها كانت ما فعله النبي وصحابته".
أصغر وأجمل النساء تم شراؤهن في الأسابيع الأولى بعد أسرهن. والأخريات –خاصة النساء الأكبر سناً والمتزوجات- وصفن كيف كانوا ينقلوهن من موضع إلى موضع، وكيف قضين أشهراً فيما يشبه الزرائب البشرية، حتى وقع عليهن مشتر ما.
ويبدو أنه كان لدى آسريهن نظام قائم، مليء بمنهجيته الخاصة لجرد وتعداد النساء، وكذلك معجمه اللغوي الخاص. كان يشار إلى النساء والفتيات على أنهن "السبية"… متبوعة بأسمائهن. وبعضهن اشتراهن تجار الجملة، الذين صوروهن وأعطوهن أرقاماً، من أجل الإعلان عنهن للمشترين المحتملين.
يقول عثمان حسن علي، وهو رجل أعمال أيزيدي نجح في تهريب العديد من النساء الأيزيديات من الأسر، إنه تظاهر بأنه مشتر حتى يُرسلوا له الصور. وقد أطلعنا على دزينة من الصور التي تظهر فيها نساء أيزيديات جالسات في غرفة عارية على أريكه، ويواجهن الكاميرا بتعبير فارغ متجهم. وعلى حافة الصورة كُتب بالعربية، "السبية رقم 1"، "السبية رقم 2"، وهكذا.
وكانت المباني التي تُجمع فيها النساء وتحتجزن تحتوي أحياناً على غرفة للعرض.
تقول ضحية عمرها 19 عاماً، والتي يبدأ أسمها بحرف (ي): "عندما وضعونا في البناية، قالوا إننا وصلنا إلى "سوق السبايا". وفهمت أننا أصبحنا الآن في سوق للعبيد".
وتقدر (ي) أنه كانت هناك على الأقل 500 امرأة وفتاة أخرى من غير المتزوجات في المبنى متعدد الطوابق، وكانت الأصغر من بينهن بعمر 11 عاماً. وعندما وصل المشترون، كانت الفتيات يؤخَذن واحدة تلو الأخلى إلى غرفة منفصلة.
وأضافت (ي): "كان الأمراء يجلسون عند الحائط وينادون علينا بالاسم. وكان علينا أن نجلس على كرسي في مواجهتهم. كان عليكِ أن تنظري إليهم. وقبل أن تدخلي، كانوا ينزعون أغطية رؤوسنا وأي شيء يمكن أن نستُر به أنفسنا".
"عندما جاء دوري، جعلوني أقف أربع مرات. وجعلوني ألتف وأستدير".
كما كانت الأسيرات يُجبرن على الإجابة عن أسئلة حميمة وخاصة، بما في ذلك الإبلاغ عن الموعد الدقيق لآخر دورة شهرية. وقد أدركن أن المقاتلين كانوا يحاولون تحديد ما إذا كانت المرأة حاملاً، تمشياً مع القاعدة الشرعية التي تقضي بعدم إمكانية إقامة الرجل علاقة مع أمَتِه إذا كانت حاملاً.

ممتلكات "داعش".
في البداية، فاجأ استخدام "داعش" عبودية الجنس حتى أكثر مؤيدي المجموعة تحمساً، والذين تنافسوا مع الصحفيين في التعليق على الإنترنت بعد ظهور التقارير الأولى عن الاغتصاب المنهجي. ويقال إن قيادة "داعش" سعت مراراً وتكراراً إلى تبرير ممارستها هذه لجمهورها الداخلي.
بعد المقالة الأولى التي صدرت في "دابق" في تشرين الأول (أكتوبر)، ظهرت القضية مرة أخرى في هذه المجلة هذا العام، في افتتاحية نشرت في أيار (مايو)، والتي عبرت فيها كاتبتها (امرأة) عن الألم وخيبة الأمل من حقيقة أن البعض من المتعاطفين مع المجموعة أنفسهم شككوا في مؤسسة العبودية.
كتبت صاحبة الافتتاحية: "كان الذي أزعجني حقاً هو أن البعض من مؤيدي الدولة الإسلامية بدأوا يستنكرون الأمر كما لو أن جنود الخلافة ارتكبوا خطأ أو شراً. إنني أكتب هذا بينما الحروف تقطر فخراً. لقد غزونا في الحقيقة وأسرنا النساء الكافرات وسقناهن كالأغنام على حد السيف".
في كتيب إرشادي نشر على الإنترنت في كانون الأول (ديسمبر)، فصل "ديوان البحوث والإفتاء في الدولة الإسلامية" أفضل الممارسات الخاصة بمعاملة العبيد، بما فيها توضيح أن العبيد ينتمون إلى أملاك المقاتل الذي جلبهم، ثم يمكن بعد ذلك أن يهبهم لشخص آخر أو يورثهم مثل أي ممتلكات أخرى بعد موته.
تصف الهاربات مؤخراً بيروقراطية معقدة كانت تحيط بأسرهن، حيث كان وضعهن كعبدات مسجل في عقود. وعندما يريد مالكهن بيعهن لمشتر آخر، تتم كتابة عقد جديد، مثل صك التنازل عن الملكية. وفي الوقت نفسه، يمكن أيضاً تحرير العبيد، ويوعَد المقاتلون بمكافأة سماوية إذا فعلوا ذلك.
ومع أن ذلك كان نادراً جداً، فقد شكل أحد السبل لهروب الضحايا. تصف ضحية في الخامسة والعشرين من عمرها، والتي هربت الشهر الماضي، وتعرف بحرف اسمها الأول (أ) كيف أن سيدها الليبي أعطاها ذات يوم قطعة ورق مغلفة. وشرح لها أنه أنهى تدريبه كمفجر انتحاري وأنه يخطط لتفجير نفسه، ولذلك يعتقها.
الوثيقة المروسة "شهادة عتق رقبة" كانت موقعة من قاضٍ من المحافظة الغربية للدولة الإسلامية. وعرضت المرأة الأيزيدية هذه الوثيقة عند النقاط الأمنية، وبذلك غادرت سورية لتعود إلى العراق، حيث التأم شملها بعائلتها من جديد في تموز (يوليو).
أوضحت "الدولة الإسلامية" مؤخراً أن ممارسة الجنس مع النساء المسيحيات واليهوديات اللواتي يأسرهن التنظيم في المعركة مسموح أيضاً، وفقاً لكتيب إرشادي جديد مكون من 34 صفحة، والذي أصدره "ديوان البحوث والإفتاء في الدولة الإسلامية".
وبهذا، يكون الحظر الوحيد على ممارسة الجنس هو عندما تكون العبدة حاملاً. ويصف الكتيب الإرشادي كيف أن على المالك انتظار الأسيرات "حيضة" (قدوم الدورة الشهرية)، حتى "يتأكد من عدم وجود شيء في رحمها"، قبل أن يقيم علاقة معها. ومن بين 21 امرأة وفتاة قابلناهن لإعداد هذه المادة، ومن بين الوحيدات اللواتي لم يتعرضن للاغتصاب، كانت النساء الحوامل مسبقاً عند أسرهن، وكذلك اللواتي تجاوزن سن اليأس.
فيما عدا ذلك، لا يبدو أن هناك أي قيود على ما هو مسموح جنسياً. حتى أن اغتصاب البنات الصغيرات يتم الإقرار به صراحة: يجوز وطء الأَمَة التي لم تبلغ الحلم إذا كانت صالحة للوطء، أما إذا كانت غير صالحة للوطء فيُكتفى بالاستمتاع بها دون الوطء"، كما ينص دليل ديوان الإفتاء المذكور.
إحدى النساء الأيزيديات -34 عاماً- والتي اشتُريت واغتصبها ارهابي سعودي بشكل متكرر في مدينة الشدادي السورية، وصفت كيف أنها كانت أفضل حالاً من العبدة الثانية في الأسرة –فتاة عمرها 12 عاماً والتي جرى اغتصابها على مدى أيام على الرغم من معاناتها من نزف حاد.
وقالت المرأة: " لقد دمَّر جسدها. كانت مصابة بشدة. واستمر الارهابي السعودي في القدوم ليسألني، "لماذا رائحتها كريهة جداً؟" وكنت أقول له، لديها عدوى والتهاب في الداخل، يجب أن تعتني بها".
ولم يتأثر ولم يلقِ بالاً لمعاناة الصغيرة، واستمر في صلواته الطقوسية قبل وبعد اغتصابه الطفلة.
"قلت له، "إنها مجرد طفلة صغيرة"، أوضحت له المرأة الأكبر سناً. "وكان يجيب: "لا. إنها ليست بنتاً صغيرة. إنها عبدة. وهي تعرف بالضبط كيف تمارس الجنس".
وقال: "ممارسة الجنس معها مرضاة لله"!

صحيفة (نيويورك تايمز) / الترجمة: الغد الاردنية

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket