الهرب من موت العنف والفساد إلى حياة المجهول

تقاریر‌‌ 06:01 PM - 2015-08-24
الهرب من موت العنف والفساد إلى حياة المجهول

الهرب من موت العنف والفساد إلى حياة المجهول

"أنا آسف يا أمي لأن السفينة غرقت بنا ولم أستطع الوصول إلى هناك (يقصد أوروبا)، كما لن أتمكن من إرسال المبالغ التي استدنتها لكي أدفع أجر الرحلة. لاتحزني يا أمي إن لم يجدوا جثتي. أنا آسف يا أمي كان لا بد لي أن أسافر كغيري من البشر، مع العلم أن أحلامي لم تكن كبيرة كالآخرين،.أنا آسف يا حبيبتي لأنني بنيت لك بيتاً من الوهم، كوخاً خشبياً جميلاً كما كنا نشاهده في الأفلام، كوخاً فقيراً بعيداً عن البراميل المتفجرة وبعيداً عن الطائفية والانتماءات العرقية وشائعات الجيران عنا.أنا آسف يا أخي لأنني لن أستطيع إرسال الخمسين يورو التي وعدتك بإرسالها لك شهرياً لترفه عن نفسك قبل التخرج.
أنا آسف يا أختي لأنني لن أرسل لك الهاتف الحديث الذي يحوي "الواي فاي” أسوة بصديقتك ميسورة الحال. أنا آسف أيها الغواصون والباحثون عن المفقودين، فأنا لا أعرف اسم البحر الذي غرقت فيه.. اطمئني يا دائرة اللجوء فأنا لن أكون حملاً ثقيلاً عليك. شكراً لك أيها البحر الذي استقبلتنا بدون فيزا ولا جواز سفر، شكراً للأسماك التي ستتقاسم لحمي ولن تسألني عن ديني ولا انتمائي السياسي. شكراً لقنوات الأخبار التي ستتناقل خبر موتنا لمدة خمس دقائق كل ساعة لمدة يومين..شكراً لكم لأنكم ستحزنون علينا عندما ستسمعون الخبر. أنا آسف لأني غرقت."
هذا بعض من الرسالة التي تداولها ناشطون على شبكات التواصل الاجتماعي، ذكروا أنها وجدت في جيب أحد اللاجئين العراقيين الذين انتشلت جثثهم بعد غرق مركبهم الذي كان يحوي المئات من المهاجرين "غير الشرعيين" في البحر الأبيض المتوسط.
هجرة أخرى وتحذير
مرة اخرى، يعود موسم هجرة العراقيين للخلاص، فبعد عدة هجرات بدأت منتصف الاربعينات واستمرت طوال العقود الماضية وربما شهد كل عقد هجرة طبقة او شريحة او قومية او طائفة عراقية، لكن هجرة مابعد 2003 لها شؤون اخرى واحداث اخرى ربما تكون اكثر مأساوية من الهجرات السابقة، فهذه المرة الهجرة غير شرعية عبر البحر والغابات، وفي ظروف صعبة جدا، لايتحملها الشباب فكيف بالاطفال والنساء وكبار السن.
المفوضية العليا لحقوق الانسان في العراق حذرت من مخاطر زيادة الهجرة غير المشروعة وخاصة من الشباب والعائلات، لكونها تؤثر على مستقبل البلاد، مطالبة الحكومة بضرورة وضع الخطط الكفيلة باستقطاب الطاقات الشبابية.
وقال عضو مجلس المفوضين المفوض مسرور أسود محيي الدين في بيان تلقت المدى نسخه منه: هناك آلاف العراقيين خلال السنة الماضية بدأوا بالهروب خارج العراق باستعمال طرق غير مشروعة عبر عصابات ومافيا متخصصة. مؤكدا: أن أغلب هذه الطرق محفوفة بالمخاطر وأدت الى وفاة وغرق عدد منهم وقسم اخر يقعون ضحية مهربين يقومون بابتزازهم والاحتيال عليهم، مشيرا الى ان هذه الهجرة التي تتزايد تؤثر على الدولة العراقية من خلال هروب الكثير من الطاقات الشبابية اصحاب الشهادات خارج العراق.
جواز مزوّر
(علاء شامل) شاب في العشرينات من عمره، من عائلة ميسورة، اكمال كلية الهندسة حاسبات، اتخذ قرارا بالهجرة غير الشرعية عبر تركيا، اتفق مع مهرب مختص بالأمر ودفع المبلغ المطلوب، وارسل رقم هاتف المهرب الى ذويه، ورقم الحوالة التي أودعها في تركيا. وصل الى اثينا، لكن في المطار تم مسكه اذ تبين ان جواز سفره كان مزورا. ولأن المهرب لم يتسلم امواله تحرك واخرجه من السجن، وطبعا الامر هنا يشير الى وجود شبكة تهريب كبرى. علاء يقول: ان ضابط الشرطة اليوناني ابلغه "ان عليك تكرار المحاولة مرة أخرى فالكثير من امثالك يفشل مرة وثانية الى ان ينجح."
800 ألف لاجئ
في هذا الشان، ذكر وزير الداخلية الالماني توماس دي مايزير ان المانيا تتحمل العدد الاكبر بين دول الاتحاد الاوربي الــ (28) بنسبة تزيد عن (43%) من مجموع المهاجرين الى اوروبا مع تزايد اعداد الهجرة غير القانونية التي تجتاح اوروبا الان قادمة من بلدان الشرق الأوسط .
واضاف الوزير الالماني في بيان رسمي ان المانيا تستعد لاستقبال ما يزيد عن (800.000) لاجئ خلال العام المقبل بنسبة اربعة اضعاف زيادة عن عام 2014. مبينا: ان ما يقارب الـ ( 360.000) مهاجر قد اجتاحوا المانيا خلال هذا العام مع توقعات بالزيادة بنسب كبيرة غير متوقفة، في الوقت الذي تتضاءل فيه قدرة المانيا على استيعاب هذه الاعداد الهائلة مع تزايد النقص في وحدات الاسكان المؤقت الذي يجب ان توفره المانيا لهؤلاء المهاجرين: مضيفا حيث تصل قدرة المانيا على الاستيعاب الى (45.000 ) شخص بينما يتوقع ان تحتاج قبل نهاية هذا العام الى ما يزيد عن( 150.000 ) مشددا على ان حكومته "تعمل الان على حل المشكلة."
حسب المبلغ
عن طريق احد الاصدقاء في تركيا تمكنت من الاتصال بشخص عراقي يعمل ضمن شبكة تهريب من تركيا الى اليونان ومن هناك الى دول اوروبا اذ يقول لـ(للمدى): تبدأ الرحلة من احدى المدن التركية المطلة على البحر المتوسط، وغالبا ما يكون الاتصال عن طريق شخص يعمل في بغداد. بعد الاتفاق على المبلغ يتم ايداعه في مكتب حوالات يرتبط بالمجموعة، وبرقم سري، ما ان يصل الشخص الى اية دولة خارج اليونان يتصل بنا ويعلمنا بالرقم. اما اذ حاول الاحتيال فأذرع الشبكة موجودة في كل مكان. واسترسل " بعد ذلك يتم نقلهم بقوارب بعد حدود المياه الاقليمة وحسب المبلغ المدفوع فالباخرة بحدود (12) الف دولار، وقوارب مطاطية من (7000الى 8000) الف دولار، وطبعا تتم مراعاة وضع العائلة.
واضاف: اذا وصلو للجزيرة اليونانية يتم الاتصال بمهرب اخر يأخذهم عبر صعود جبل سيرا على الاقدام الى معسكر للجيش يمنحهم بطاقة مرور توصلهم الى العاصمة اثينا عبر الباخرة. مضيفا: هناك تبدأ رحله اخرى عبر الادغال والجبال الى صربيا او مقدونيا اوهنغاريا من ثم الى النمسا او بلجيكا او فنلندا. اذ يسلم نفسه للسلطات التي تضعه في كامب مسيطر عليه من قبل الحكومة، حينها ياخذ طريقه في سلم الحياة الاوروبية، ويبقى الامر مرهونا به وبمدى تأقلمه مع الوضع الجديد من عدمه.
من جهتها، ذكرت وزارة الخارجية العراقية، انها لا تتمكن اطلاقا من ان تقوم باي دور او عملية لنجدة او مساعدة اي مهاجر عراقي غير شرعي، لأن المهاجر غير الشرعي يعد خارجا عن القوانين المحلية والدولية. وقال المتحدث باسم الوزارة احمد جمال : إن مسألة الهجرة غير الشرعية خصوصا الى الدول الاوروبية هي احدى اهم المشاكل العالمية الموجودة في دول حوض البحر المتوسط، وللاسف بسبب الوضع الحالي في العراق. مضيفا: ان هؤلاء المحتالين لا يوفرون طرقا مؤمنة للمهاجرين ما يتسبب بغرق الكثيرين وموتهم في البحر، فضلا عن استحصال اموال كبيرة من العراقيين.
قتل واغتصاب
(زين الغياض) نحات شاب من مدينة واسط تعرض للتهديد بسبب ارائه من بعض القوى الدينية لذا لم يكن امامه سوى النفاذ بجلده، الغياض تحدث عن رحلته ومستقره الان في النمسا قائلا لـ(للمدى): من تركيا عبرنا البحر بزورق "الموت" مثلما يطلق عليه، غرقنا في السواحل اليونانية وتم انقاذ البعض منا، من اليونان أخذونا الى ألبانيا، أردنا ان نكمل الطريق الى الجبل الأسود لكن مسكونا في ألبانيا واودعونا السجن ليومين والبقية سجنوا عشرين يوما. مضيفا: ارجعونا الى اليونان ومن اليونان اتجهنا الى مقدونيا حيث مسكتنا الشرطة المقدونية مرتين وفي كل مره يقولون لنا عاودوا المحاوله مرة اخرى!! حاولنا المحاوله الثانية ولم ننجح فعدنا هاربين الى اليونان.
ويسترسل الغياض بحديثه: في فندق معروف لدى جميع المهاجرين هربنا من المافيات الافغانية والباكستانية. عاودنا الطريق الى مقدونيا ونفذنا من الشرطة وأكملنا الطريق الى صربيا ذهبنا الى الشرطة الصربية كي نحصل على ورقة طرد تسمى "بالخارطة" رفضت الشرطة وقالو أكملوا طريقكم الى هناريا دخلنا هناريا ليلا ونقلونا بسيارات الى النمسا وذهبنا سلمنا أنفسنا الى السلطات النمساوية اما بقية أصدقائي فقد أكملوا طريقهم الى بقية الدول الاوروبية. منوها انهم يمشون يوميا من خمس الى ثماني عشرة ساعة وكل وجبه تهرب تقريبا من (300) الى (400) شخص قضينا اياما دون ماء وطعام كما شهدتُ حالات اغتصاب وخطف وقتل ومتجارة بالاعضاء.
للإرهاب يد ؟؟
واضاف الغياض الذي تحدث عبر الهاتف من النمسا: وانا جالس قرب المهرب بين الحدود الصربية والمقدونية جاءه اتصال لا اعرف مصدره، لكني فهمت من لغته الايرانية التي اجيدها ان الشخص المتصل يطلب منه تحويل مبالغ مالية الى أفغانستان، مبينا: ان المهربين استولوا واشتروا مقاطعات كبيرة جدا من الاراضي لا يسمح لأي احد الدخول اليها حتى الشرطة. موضحا: ان كل الدول تفتح الطريق للناس ويسهلون امورهم كثيرا، في هنگاريا مثلا جميع المساعدات تأتي من "السعودية" اذ تسلم الى الحكومة الهنگارية لتوزع فيما بعد على اللاجئين. مشيرا: الى ان للارهاب دورا بهذا الامر فقد اختفى البعض من الاصدقاء خاصة اولئك الذين خرجوا بسبب الطائفية. كما انهم كانوا يراقبون من يقوم بالصلاة وكيف يؤديها.
زين الان يعيش في بيت مع مجموعة من اللاجئين من مختلف الجنسيات بينهم سوري صومالي نيجيري مغربي تشادي ايراني وحتى امريكي. اما العائلة فيضعوها في بيت خاص.
مقبرة ايجة
الكاتب والاعلامي (عمار السواد) تحدث لـ(للمدى) عن هذه الظاهرة قائلا: أخي يفكر منذ فترة، بالخروج من العراق عبر طريق "الغرق"، بالنهاية لا استطيع أن أقول له لا، لا امتلك البديل له، بل اني لا امتلك بديلا لي. لكن جربت أن اسأله السؤال البديهي عن السبب الذي يستحق أن يخاطر بحياته من أجله:
ـ أريد الحرية، ولا اريد ان يتحكم تافه بتصرفاتي. (أريد اشوف لبنتي حياة أحسن.)
هذه أسباب الكثيرين ممن يريدون مغادرة العراق، يخاطرون بحياتهم، وربما يتركون خلفهم أيتاماً، فقط لأن البلاد لم تعد صالحة للعيش. لا أفق فيها، وحتى اللحظة مفقودة.
ويضيف السواد: في زمن الحصار، هرب العراقيون أيضا من الجوع ومن رعب النظام السابق، خاطر كثير منهم بحياتهم. ففي عام 2000 غرقت سفينة في عرض المحيط الهادي، مات حينها اكثر من(400) عراقي بينهم أصدقاء. مضيفا: وفي أواسط التسعينات حاولت مجموعة من العراقيين الوصول الى الكويت من إيران، لكن "اللنج" غرق بهم، هم أيضا كانوا يفتشون عن وطن ولو مؤقت، أذكر حينها الدور السيئ لإحدى قوى المعارضة.
واسترسل السواد : اليوم، بحر إيجه والبحر المتوسط مقبرة لأجساد عراقية وسورية ولبنانية وافريقية، هرباً من أوطان غارقة في وحل الموت والجوع... فيطفون غرقى على سطح الماء، وربما في بطون الأسماك.
هكذا تستمر الرحلة، تتوارثها أجيال العراق بسبب السياسة والاقتصاد والعقائد، إنها رحلة الغرق في بلد اطلالته على البحر لا تزيد عن 60 كم.
دعوة الحكومة
من جهتها، أكدت لجنة الهجرة النيابية أن الكثير من النازحين في خارج العراق بدأوا بالهجرة بطرق غير شرعية للحصول على لجوء في الدول الاوروبية، داعيةً الحكومة الى الانتباه لهذه الظاهرة ووضع حلول لها.
وقالت عضو اللجنة النائبة لقاء وردي إن الكثير من النازحين في خارج البلاد بدأوا يتجهون للحصول على لجوء بالدول الاوروبية بطرق الهجرة غير الشرعية. مضيفة: أن أسباباً عديدة دفعت النازحين للهجرة بطرق غير شرعية ومنها صعوبة العيش في العراق وعدم توفر الامن.
الزوارق وستر النجاة
الى ذلك عزز تدفق المهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا عبر تركيا تجارة الزوارق المطاطية وستر النجاة، مؤديا إلى ارتفاع مبيعاتها بشكل كبير. ويجد التجار في تركيا صعوبة في تلبية الطلب الكبير على ستر النجاة والقوارب بسبب الأعداد الكبيرة من المهاجرين. ويتراوح سعر الزورق المطاطي الذي يتسع لأربعة أشخاص ما بين 1500 و5000 ليرة تركية، وسترة النجاة تتراوح ما بين 50 و250 ليرة تركية ومن الصعب جدا العثور عليها. كما أن المهربين الذين يساعدون المهاجرين على تخطي الحدود بشكل غير قانوني ولا يولون اهتماما لسلامة المهاجرين حيث يقومون بوضع 20 شخصا في القارب المخصص لـ 5، ما زاد الطلب على ستر النجاة. (الدولار = 2.95 ليرة تركية)
الى ذلك امضى مئات المهاجرين معظمهم من العراقيين والسوريين الراغبين في التوجه الى اوروبا، ليلتهم في العراء تحت زخات المطر، في منطقة حدودية بين اليونان ومقدونيا. بين قرية ايدوميني اليونانية ومدينة جيفجيليجا المقدونية، حيث احتجزتهم الشرطة المقدونية، بلا نوم او غفوا في ارض مكشوفة، في حين أقام بعضهم الآخر في خيام صغيرة، بينما يتدفق آخرون على الموقع نفسه.
فارزة
هناك مقدمات تؤدي في العادة الى ميل الناس في بلد ما، وخصوصا الشباب، إلى ترك بلادهم والهجرة الى بلاد أخرى وربما يكون في مقدمة الأسباب هو نوع النظام القائم في ذلك البلد. وعلى نوع النظام هذا يعتمد الكثير من ملامح الحياة الأجتماعية والسياسية. والمهم هنا هو قدرة هذا النظام على توفير فرص العمل. والحد الأدنى من الحريّات. ومثلها من فرص اكتساب المعرفة والتخصص لكي يجد المرء نفسه وقد وضع قدما على الطريق الطبيعي الذي يؤدي الى تطوّر هو الآخر طبيعي من حيث الارتقاء في سلم الوظيفة.
وعندما يتحوّل النظام السياسي في البلاد الى ما يشبه التجمع لحفنة من الباحثين عن الثروة والمجردين من الحس الوطني فإن النتيجة ستكون دون أدنى شك.. غيابا لفرص العمل وسط أزمة اقتصادية واخلاقية عامّة تدفع الشباب دفعا الى التطلع الى الهجرة خاصة وأن رؤوسهم سبق وإن امتلأت بصور وردية عن الحياة، في الغرب خصوصا، حيث الرفاه والحريات واحترام حقوق الأنسان . وقد مرَّ العراق بفترة طويلة من الفوضى في الإيقاع الحياتي لشبابه فرضه النهج الصدامي في الاندفاع نحو الأزمات والحروب حيث أُسْقِطَ في أيدي الشباب ولم يعد أمامهم سوى طريق واحد مفتوح للسير عليه.. طريق العسكرية والمشاركة في الحرب. وكان كل شيء مغلقا أمامهم حيث الإجراءات الصارمة على الحدود والتي قد يكلف تجاوزها حياة المرء. وحيث تغيب التسهيلات التي تقدمها الدول الغربية وتابعاتها من دول العالم الثالث لكي لا يتحول الأمر الى كارثة يجد معها صدام نفسه وقد خسر كل القوة المقاتلة في حروبه التي دفعته اليها امريكا من أجل مصالحها ومصالح حلفائها الغربيين. وقد أعقبت ذلك حربان بين العراق والقوات الغربية التي تقودها أمريكا بالأضافة الى فترة الحصار التي امتدت لنحو 12 عاما كانت شديدة الوطأة على الشاب العراقي ولكنه لم يكن يجد الفرصة للهرب من العراق بسبب اجراءات النظام المشددة آنذاك .
وما أن انتهت الحروب حتى وجد العراقيون أنفسهم أمام حزمة هائلة من المنغصات والتي تجعل العيش في العراق مسألة غير قابلة للأحتمال. الفوضى الاقتصادية والشلل الاقتصادي الذي أدى الى تعطيل كل المشاريع الوطنية الأقتصادية تحت جعجعة الدعوة الرقيعة لاقتصاد السوق والقطاع الخاص وأخيرا الأستثمار. كل هذا دون أن يفكر المسؤولون بتوفير الحد الأدنى من مستلزمات اقتصاد السوق ونمو القطاع الخاص أو فسح المجال للاستثمارات الخاصة لبناء مشروعات جديدة في العراق فكان هذا العوَق الاقتصادي الذي سدّ جميع الطرق بوجه كل الكفاءات واليد العاملة والنتيجة هي بدون شك اندفاع الشباب بشكل خاص والعراقيين بشكل عام نحو البحث عن فرص حياتهم في البلدان الأخرى فتكون الهجرة. ولهذه الهجرة نتائج معينة.
قد تكون أولى النتائج هي تعرض المهاجر الى الكثير من الإذلال باعتباره غير مرغوب فيه أو باعتباره خارجا على القانون وربما لا يختلف اثنان على ان الهجرة شيءٌ مكلفٌ إذ لا يقل ثمن تخطي القوانين المرعية للتنقل بين الدول وتوفير الأوراق المزورة عن ثمانية آلاف يورو أو يزيد قليلا بالأضافة الى تكاليف الحياة اليومية والتنقل وبالنتيجة سيكون ثمن الهجرة باهظا جدا وقد يتعرض المهاجر الى العصابات الدولية التي تتصيد المكاسب من وجود اعداد كبيرة من المهاجرين ومن هذه العصابات تلك التي تتاجر بالأعضاء البشرية وهذا الأمر يشكل رعبا كبيرا للبعض ممن يقع بين مخالب هذه العصابات .
وقد تجد العصابات الدولية فرصة لدى البعض من المهاجرين الذين يقعون تحت ضغوطها فتستعين بهم في أعمالها الأجرامية مثل تهريب المخدرات والسلاح الممنوع وربما مواد ممنوعة اخرى والكثير من المنظمات الاستخبارية للدول الأخرى تبحث عن متعاونين بين المهاجرين فتحولهم الى عملاء مرتبطين بأجهزتها وهذه النقطة بالذات ذات أهمية قصوى لتلك الدول. إننا نرى اليوم الكثير من الشباب يتحولون الى العمل في التنظيمات الأرهابية ذات الطابع الديني المتشدد تحت تأثير التوجيهات ومحاضرات المنابر الدينية التي يتلقونها في المهاجر سواء قبل أو بعد استقرارهم فيها والأكثر احتمالا إنهم يقعون فرائس للتشدد في فترة الأزمة أزمة الأستقرار والحصول على الأوراق اللازمة للإقامة في بلد المهجر. ولذلك نجدهم وقد حولوا وجهتهم نحو بلدان الأزمة مثل سوريا والعراق واليمن وفي أي مكان ترى أمريكا وحلفاؤها الحاجة لتفعيل أنشطة القاعدة أو إحدى بناتها .
ولابد للمرء أن يتساءل عن مآل الأموال التي يحصل عليها مهربو المهاجرين. إنها أموال تخضع لطيف واسع جدا من المافيات التي تدير هذه الأنشطة وتغطي دولا عديدة وتنتشر في مساحات واسعة من الأرض. وبالطبع ان الكثير من هذه الأنشطة لا يكون بوسعه الاستمرار والنجاح ما لم يكن هناك تعاون خارج السياقات القانونية لتلك الدول وهذا الأمر يكلف الكثير من المال ولكن الجزء الأكبر من المردود المالي سيبقى حرا بأيدي المافيات وهذه تدفع لحماتها من المسؤولين في الكثير من الدول وهناك أحاديث عن أموال طائلة تُدفع لجهات تعمل في أفغانستان وباكستان وغيرهما ويُعتَقَد إنها تذهب لدعم أنشطة المنظمات الدينية المتشددة .
ويبقى علينا أن نتذكر إن الهجرة القسرية التي تحصل تحت وطأة الفوضى والحروب وانعدام فرص العمل تأخذ من دول الفوضى خيرة كفاءاتها وخبراتها والشواهد على هذه الحقيقة شاخصة في النشاطات الطبية والهندسية والعلمية الأخرى للدول المتقدمة وهذه الدول تدرك جيدا أيّ نوع من الخسارة ستواجهه لو إن الاستقرار والأمن استتبّا في الدول منبع الهجرة ولذلك نجدها توفر لهذه الكفاءات والخبرات كلَّ ما يجعلها تفضل البقاء في المهجر .
إن التقليل من هجرة الشباب وهجرة الكفاءات يتم عبر تحقيق الاستقرار والقضاء على الفوضى لكي يتوفر العنصر الثاني للقضاء على الهجرة ألا وهو التنمية الأقتصادية الكفيلة بتوفير فرص عمل كافية للشباب وذوي الأختصاصات وإلى جانب كل هذا لابد من توفير الحدود المعقولة من الحريات المكفولة بالقانون الذي سيمنعها من ان تتحول إلى خروقات اجتماعية.

PUKmediaعن صحيفة المدى

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket