الفكر وتحديات الواقع والزمن

الاراء 02:53 PM - 2015-07-27
عباس علي العلي

عباس علي العلي

من أساسيات العمل الفكري الحر تخليه عن الفكرة المسبقة التي تحكم بالبديهيات أو المسلمات أو التي تبرر للفكرة المسلم بها الجمود والثبات والحصانة من التغيير والتحديث تحت أي علة أو فكرة أخرى , التفكير الحر يعتمد على حقيقة الديناميكية الزمنية في الحكم على أية حالة مادية أو معنوية لأن الحرية أساسا تعني أحترام الزمن وقوانينه , من جهة أخرى هناك حقيقة نسبية أخرى كثير من المفكرين لا يؤمنون بالضرورة بها وهي تكاد تكون قاعدة عامة وهي تخلي الفكر عموما وخاصة شديد التأثر بالتوجهات العلمية الصارمة والفلسفية المعاصرة من أن مفاهيم الثبوتية والإطلاق والتمامية والكمال أصبحت عبئا فكريا ووجوديا يجب التخلص منه أو على الأقل عدم الركون له في المجالات العملية والنظرية التي يراد لها أن تكون أصيلة وقابلة للتطور .
لا ندع شيئا فريدا ولا نبتكر مفاهيم من خارج منظومة الواقع عندما ننادي اهل الفكر والمنظرين وصناع الرؤى والأستراتيجيات بهذا الكلام وإنما نحاول أن نذكر بعض العقول والأقلام التي مازالت لحد هذه اللحظة الزمنية يتعاطون مع الكتابة بنفس وروح ومنهج ما قبل النصف من القرن ويعتبرون أن النجاح في توصيل الفكرة أهم من محاولة أستفزاز العقل وقيادته لعوالم فكرية أبعد من حدود الواقع، ويعتبرون أن تحرير العقل المبدع من أطارية الممكن والمعقول إنما هي محاولة لاتجدي نفعا ويصفونها بأنها نوع من التعالي أو البطر الفكري اللا منتج، وهنا ينبري أصحاب الفهم الضعيف والمتوسط ممن لايستطيعون أن يجدوا في عالم الفكر المتجدد شيئا مما يبحثون عنه أو يفهمونه للدفاع عن فكرة التبسيط بل والتساهل الذي يصل لحد السذاجة وأحيانا الإنحطاط الفكر دون تقدير لأهمية تحرير الفكر والخروج من دائة التبسيط.
الكتابة في زمن العولمة والحداثة لم تعد كما كانت تبحث عن تسطير بناءات فكرية ومعرفية على مجموعة حقائق أو مجموعة مسلمات بل صار المنهج اليوم أن نبني العمارة الفكرية مرتبطة بمفهوم الأفتراض أولا والعمل على تقديم مفاهيم متحركة تقود الفكر للحركة وليس الإستقرار في العقول والكتب، أي بمعنى أدق أصبحت الكتابة والبحث الفكري أكثر ثورية وأشد في قلقها النابه من كون جوهر الفكرة يمتلك طاقة حركية لاتثبت على نقاط محددة تعتبرها نهايات بل كل نقطة هي مشروع لحركة جديدة وكل نقطة تقودنا غلى سلسلة من النقاط اللاحقة وبذلك نتغلب على قولبة الفكر ونخرج العقل البشري من فكرة سكزنية الوجود إلى قاعدة أن لا شيء ثابت وكل مطلق هو وهم بقدر ما يمنح العقل سلطة كشف ونقد وأستشراف مع حد الزمن.
الذين يتوهمون أنهم قادرون على إعادة أنتاج الفكر الساكن وتسخيره لخدمة الإنسانية لايمكن أن يطرحوا نموذجا خارج الواقع بكل ما فيه من أمراض ومن جمود وتحجر وبالتالي أرى من المحال أن يتخلصوا من أزمتهم الفكرية حتى لو أنتجوا كما هائلا من الفكر والرؤى التي تراوح وسط عالم لايقبل أن يبحث له عن عنوان جديد أو ممر جديد طالما أنهم يؤمنون بالثابت وينصاعون له، إن مهمة تجديد الفكر تقوم على قاعدتين مهمتين الأولى أعترافنا أن الزمن حاكم في إستيلاد الفكر وتجديد مقوماته ونظرياته ومناهجه وبالتالي لايمكن ان ننكر الحركية الذاتية له، وثانيا أن الجديد ليس دائما يعني هدم مفاهيم وأفكار ثبت الواقع على أنها قادرة على الملاءمة والمطاوعة مع الزمن وبالتالي المعيار ليس خارجيا فقط في الحكم بل للذات الفكرية والمفكرة دور في التمييز والانتخاب.
من المهم جدا الان تحرير المنظومة الفكرية والمعرفية من المفاهيم التقليدية ومحاولة فتح الباب امام الأشكال والأنماط الفكرية التي تغزو العقل الإنساني خارج حدود الزمان والمكان تبعا لحقيقة أن العقل الإنساني واحد وبإمكانه أن يتتبع الخطوات الأساسية التي يخطوها بذات الأتجاه مع ملاحظة أن التطور والتحديث ليس قصوريا ولا محددا بعالم دون أخر، أنه يعيش أساسيا التفكير ذاتها حين يمنح الظرف المناسب وأوله الحرية والتدريب وتجنيبه شروط المكان وشروط الخصيصة الضيقة للواقع، التجربة الإنسانية واحدة في التكوين وواحدة بالهدف والغاية أما ما يشغلها ويمزق مساراتها هو فعل الأنا الفردية والجمعية والتي لابد أن تحجم بحدود أحترام وجودها الطبيعي ليس أكثر.
 
عباس علي العلي

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket