في ماهية السلام بين العرب والكرد

الاراء 11:15 AM - 2015-07-01
في ماهية السلام بين العرب والكرد

في ماهية السلام بين العرب والكرد

عندما قامت المظاهرات السلميّة في سوريا، والتي كانت تعبّر في بداياتها عن الحقيقة الاجتماعيّة في سوريا، فكانت الشعارات في كوباني وقامشلو وعفرين تساند الثورة في درعا وحمص وغيرها من المناطق السوريّة، وما كان من أهالي درعا وغيرها من المدن خارج منطقة غربيّ كردستان إلّا الالتفاف حول الشعب الكرديّ والتعبير له عن أسفها لأنّها لم تساند الكرد في ثورة 2004، وكانت هذه الانطلاقة هي المعيار الأخلاقي السياسيّ للتعبير عن الحالة الاجتماعيّة السويّة التي آلت إليها، قبل أن يتسلّل المتسلّلون الطبقيّون ليحوّروها عن مسارها، ويصبغوها بطابع إسلاميّ التفرّد والهيمنة،

فبعد أيّام لا أكثر جعلوا الجامع المنبر الوحيد لانطلاقة المظاهرات، إلى أن وصلت إلى حالة التشرذم الذي آلت إليه.

لقد كانت الثورة في بداياتها ضدّ السلطة، وسرعان ما تحوّلت إلى استهداف شخص واحد بعينه، وهي العلّاقة التي مازال الائتلاف يعلّق عليها ثورته، فباتت تصوّر الجنة الموعودة في رحيل شخص محدّد، مع أنّ كلّ المؤشرات كانت تشير إلى استحالة رحيله في وقت مبكّر، فمن الغباء أن تقول: -إنّ منظّري الثورة في الخارج لم يعوا هذه النقطة، بل أدركوها جيداً وعرفوا ما سيصيب سوريا، لكنّ الطامة الكبرى في فلسفة الليبراليّة التي جعلوها نبراساً لهم، التي تدعو إلى الفردانيّة والطبقات، وهي الداء عينُه.

ما يهمنا في هذا الخصوص هو السلم الاجتماعيّ الذي آل المجتمع إليه وإن كان في فترة بسيطة، وهذا يدلّ على أنّ المجتمع في جوهره متكافل متكامل متكاتف، إذا لم تصل الأيادي التفكيكيّة إليه، وهذا الوصول إلى خلق حالة الكراهيّة من طرف إلى الآخر من خلال الضخّ الإعلاميّ لهذه الحالات العدائيّة من طرف قومويّ شوفينيّ يغذّي المجتمع العربيّ بالأفكار العدائيّة ونفي الآخر، ممّا يؤدّي بالكرديّ إلى اللجوء إلى حالة الدفاع لكن من خلال الهجوم واستعمال نفس أساليب المعتديّ، وبالتالي يقع كلاهما في الفخّ المرسوم لهما، وتستعيد الحداثة الرأسماليّة عافيتها، وتبدأ بتغذيّة أولئك العفلقيّين النماردة بالطاقة - المال السياسيّ ليتغوّلوا في حقدهم ويخرج المسخ الهجين من وكره لينشط الذئب في داخله، وتظهر على الساحة من جديد مقولات الإقصاء والنفي، وبالتالي يخرج القومويّون الكرد الصامتون وهم في بلاد الغربة حيث لا تظهر لايكات على منشوراتهم، فيعزفون على وتر الدولة الكردية - الحلم الذي يراود مخيلة الكرديّ كلّما ضاقت به سبل الحماية من القومويين العرب أو الترك أو الفرس.

بمقارنة بسيطة بين الحالة الاجتماعيّة الرائدة التي يعيشها المجتمع في غربيّ كردستان من خلال منظومة المجتمع الديمقراطيّ TEV-DEM، والإدارات الذاتيّة الوليدة فيها، وبين الحالة الاجتماعيّة المفكّكة التي آل إليها المجتمع في المناطق السوريّة الأخرى، وإن كانت المرحلة في بداياتها وفيها بعض الأخطاء، لكن النسيج الاجتماعيّ يستعيد عافيته في روج آفا.

لقد استطاعت روج آفا من خلال الاعتماد على فلسفة الإدارة الذاتيّة على السعي نحو بناء مجتمع قادر على حماية نفسه وتحليل قضاياه الاجتماعيّة في (السلطة والدولة، وقضايا المجتمع الأخلاقية والسياسية، وقضاياه الذهنية والاقتصادية والصناعوية والأيكولوجية والتعصب الجنسوي الاجتماعي، والأسرة، والمرأة والتعداد السكاني، وقضية التمدن، والتمايز الطبقي والبيروقراطية، والقضايا التعليمية والصحية والعسكرتارية في المجتمع، وصولاً إلى قضايا السلام والديمقراطية)، والنظر إليها بكلياتيّة متكاملة، فلم تستقدم قضيّة على أخرى، وهنا منبع الفكر الاجتماعيّ الأخلاقيّ السياسيّ، فالمجتمع لا يستطيع الاستمرار بوجوده الذاتيّ دون وجود الأخلاق المجتمعية والسياسة المجتمعية، واللتين أصبحتا نسيجاً قائماً بذاته، وتعتبران من مقوّمات وجوده الهادفة إلى تسيير الشؤون المشتركة العامة للمجتمع بالمعنى الجمعيّ.

لقد قام التاريخ على الحرب التي شنّتها المدنيات ضد المجتمع، فعندما لا تقوم الأخلاق والسياسة بوظيفتهما، فهذا يعني أنّه لم يتبقّ للمجتمع حلّ يلجأ إليه، أو مسار يمشي فيه ضدّ هذه الحرب التي تعدّ من أساسيات قيام التاريخ المدينيّ سوى الحماية والدفاع الذاتيّ، وهذا ما قد وعاه المجتمع الكرديّ عبر خبرته الطويلة مع الدولة التي كان فيها مجتمعاً لا سلطة، ومن خلال عهود الدفاع الذاتي عن هويّتهم الوجوديّة وكينونتهم، فقد وصلوا إلى استنتاج مفاده: "لا يمكن للسلام أن يكتسب معناه، إلّا بالتأسيس على الدفاع الذاتي".

إنّ السلام الذي لا يحمل في جوهره الدفاعَ الذاتي يحمل الاستسلام والعبودية في طيّاته، ونظرية السلام دون الحماية الذاتيّة ألعوبة من ألاعيب الليبراليّة، حيث تستفرد الطبقة الرأسماليّة بالسلاح والترسانة العسكريّة بشكل أحاديّ الجانب فتلوّح بهذه الترسانة كلّما ضاقت بها السبل، وكلّما حاولت أن تستغلّ المجتمع والاستغلال هو جوهر وجودها.

ما يهمّنا من هذا الحديث هو أنّ الطبقات الليبراليّة والعسكراتاريّة والدولتيّة والإسلامويّة المتصارعة على الكرسيّ في سوريا تريد أن تفرض رأيها القومويّ الإقصائيّ الفردانيّ الأيديولوجيّ عبر المصطلحات المقدّسة (الدولة – الدين – القوميّة..) على الشعب الكردي والعربيّ على السواء وذلك من خلال إرغامه على لعبة السلام والوفاق الخالية من الحماية الذاتيّة، وما كانت انتصارات وحدات حماية الشعب والمرأة وبركان الفرات المتواليّة إلّا إفراغاً لهذه الآليّة الاستفرادية المتوحّشة.

 

صلاح الدين مسلم

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket