الدستور العراقي والبارادبلوماسيّة

الاراء 11:43 AM - 2015-05-05
د. لؤي محمود الجاف رئيس المركز الفرنسي الكوردي للعلوم والثقافة في باريس

د. لؤي محمود الجاف رئيس المركز الفرنسي الكوردي للعلوم والثقافة في باريس

عبرت البشرية العديد من المراحل التأريخية والتجارب الكبيرة التي وصلت بها الى يومنا هذا. فالنظام العالمي الجديد بالشكل الذي نراه اليوم بكل تعقيداته ليس الاّ ثمرة تلك المراحل التأريخية وتراكم المعرفة حول كيفية تنظيم شؤون العامة داخليا وخارجيا.
انّ وجود العلاقات بين الدول ليس بالشئ الجديد، ولكن القوانين التي تحكم هذه العلاقات تتجدد باستمرار نظرا لتطور الدول والحاجة الملحة لتمشية المصالح المشتركة بينها وبين الخارج. ومن هذا المنطلق، طرأت على العلاقات الدولية تغييرات كثيرة منها دخول عوامل ومفاهيم جديدة تعطي الادارات الاقليميّة أو المحليّة الحق في ممارسة النشاط الثقافي والتجاري وحتّى السياسي في بعض الاحيان مع الخارج.في غضون العقود الاربعة الماضية، برز مفهوم البارادبلوماسيّة في العلاقات الدوليّة وأصبحت أداة مهمة نتيجة حاجة الادارات الاقليميّة والمحليّة لتنظيم نشاطاتها مع الخارج.
انّ العمل البارادبلوماسي يأتي مرادفاللعمل الدبلوماسي في كثير من الاحيان(لكن بمرتبة أقل)، لهذا تهتم الدول الكبرى بعلاقاتها البارادبلوماسيّة (مثلا علاقات اقليم كيوبك الكنديّة مع فرنسا) وتوظيفها كرافد من روافد العمل الدبلوماسي العام. وحسب البروفيسور ايفو دوجاسيك من جامعة نيويورك و البروفيسور بنايوتيس سولداتوس من جامعة مونريال الكنديّة، يوجد عدّة أنواع من البارادبلوماسيّة، فهناك المايكرودبلوماسيّة الترانسفرونتال (علاقات بين اقليم و دولة)، المايكرودبلوماسيّة الترانسرجنال (علاقات بين اقليم و اقليم)، البارادبلوماسيّة العامّة (نسج علاقات سياسيّة خارجيّة من قبل اقليم) وأخيرا البروتودبلوماسيّة (فتح البروتو سفارة أو البروتو قنصليّة).
في العراق الجديد، صوّت أكثر من ٧٥% من أبناء الشعب على بنود الدستور الذي ينص على أنّ العراق بلد فيدرالي تعددي اتحادي. وتنص المادة ١١٧ على أنّ للاقاليم الحق في ممارسة نشاطاتها الخارجيّة وفق ضوابط وأطر محددة. معنى هذا أنّ ممارسة العمل البارادبلوماسي أمر طبيعي غير مخالف للدستور الاتحادي، هذا من جهة. ومن جهة اخرى القوانين الدوليّة تسمح بأن تبني الاقاليم العراقيّة علاقات مع الخارج في حدود المعمول به في هذا المجال.
من كل ما سبق نستنتج بأنّ البارادبلوماسيّة كأداة من أدوات نسج العلاقات الدوليّة وخاصة في المجال الثقافي والتجاري بين أقليم كردستان أو أيّة محافظة من محافظات العراق مع الخارج شئ غير خارج عن المألوف على الدولة العراقيّة أن تشجعها وأن تنظر لها كعلاقات تخدم مصالحها، ولا تنظر لها وكأنها علاقات مشبوهة يجب القضاء عليها. وفي هذا المجال، يجب أن نحذو حذو الدول الاتحاديّة ككندا وألمانيا أو دولة كفرنسا التي تسمح وتشجع أقاليمها بنسج العلاقات البارادبلوماسيّة في مجالات عدّة.
أنّ الدولة العراقيّة عليها أن تشجّع أقليم كردستان أو محافظة بغداد أو البصرة أو كركوك أو أيّة محافظة عراقيّة اخرى أن تنسج علاقات بارادبلوماسيّة في الشؤون الثقافيّة، التجاريّةوالاقتصاديّة الخ.. وتنظمها بقوانين ديموقراطيّة منفتحة تعطي لهذه العلاقات البارادبلوماسيّة زخما معنويّا تجعلها تخدم الدبلوماسيّة العراقية على كل الاصعدة والمستويات. لقد حان الوقت أن تهتم الدولة العراقيّة بمؤوسساتها وأن تجدد آليات عمل هذه المؤوسسات التي تحتاج كأي شئ آخر الى الابداع والجماليّة في التكوينوالاداء.
انّ حكوماتنا المتعاقبة مع الاسف تنظر كثيرا الى الوراء بدون أن ترسم آفاق المستقبل، فالعالم يسير الى الامام ونحنما زلنا نعيش في عصر نظرية المؤامرة وما زلنا في نقاش عقيم حول النوايا (أهي سيئة أم حسنة)،وهل نثق بالاقاليم والمحافظات في علاقاتها أم لا!؟


بقلم/ د. لؤي محمود الجاف رئيس المركز الفرنسي الكوردي للعلوم والثقافة في باريس


PUKmedia

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket